الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقده للشعر والشعراء:
تكلم بشار في نقد الشعر كلامَ مَنْ يُعَدّ من أئمة النقد والبلاغة، ولا يقتصر على قول الشعر بالسجية. ذكر أبو الفرج الأصبهاني في ترجمة أبي العتاهية أن المهديّ جلس للشعراء، وفيهم بشارٌ وأشْجَع وأبو العتاهية، فأنشد أبو العتاهية قصيدتَه التي أولها:
أَلَا مَا لِسَيِّدَتِي مَا لَهَا
…
تُدِلُّ فَأَحْمِلُ إذْلَالَهَا
[وَإلَّا فَفِيمَ تَجَنَّتْ وَمَا
…
جَنَيْتُ سَقَى الله أَطْلَالَها]
أَلَا إِنَّ جَارِيَةً لِلإمَا
…
مِ قَدْ أسْكَنَ الحبُّ سِرْبالَها
فقال بشار لأشجع: "ما أدري من أي أمرَيْه أعجب! أمن ضعْف شعره، أم من تشبيبه بجارية الخليفة؟ "، حتى أتى أبو العتاهية على قوله:
أَتَتْهُ الخِلَافَةُ مُنْقادَةً
…
إِلَيْهِ تُجَرِّرُ أَذْيَالَهَا
فَلَمْ تَكُ تَصْلُحُ إِلَّا لَهُ
…
وَلَا يَكُ يَصْلُحُ إِلَّا لَهَا
قال بشار لأشجع: " [ويْحك أخا سليم: ] أترى الخليفةَ لم يَطِرْ فِراشُه طربًا لِمَا يأتي به هذا الكوفي! "(1)
= بحر الطويل جاء في الديوان أن بشارًا قالها يمدح مروان بن محمد بن مروان (آخر خلفاء بني أمية) وقيس عيلان، كما جاء في القصة التي حكاها الأصفهاني عن نقد الموصلي لشعر بشار كلام لهذا الأخير يفيد أنه قالها في مدح يزيد بن عمر بن هبيرة. وليس ذلك بغريب فقد يقول الشاعر القصيدة يمدح بها شخصًا ثم يعيد قولها مع شيء من تحوير في مدح شخص آخر.
(1)
الأغاني (نشرة الحسين)، ج 2/ 4، ص 27 - 28 (وفيه "أَدَلًّا" عوض "تدل" و"أدلت")؛ ديوان أبي العتاهية، ص 375 (وفيه "أدلت عوض "تُدل").
وفي "زهر الآداب" للحُصري: "قال بشار: ما زال فَتًى من بني حنيفة (يعني العباس بن الأحنف) يُدخِلُ نفسَه فينا (يعني الشعراء)، ويُخرجها (1) منا (يريد أنه يتكلف فيأتِي بشعر مختلط الجيد بالرديء) حتى قال:
نَزَفَ البُكَاءُ دُمُوعَ عَيْنِكَ فَاسْتَعِرْ
…
عَينًا لِغَيْرِكَ دَمْعُهَا مِدْرَارُ
مَنْ ذَا يُعِيرُكَ عَيْنَهُ تَبْكِي بِهَا
…
أَرَأَيْتَ عَيْنًا لِلْبُكَاءِ تُعَارُ؟ " (2)
يعني أنه لما قال هذا صار يقول الشعر المطبوع المتين.
وقال أبو عبيدة: "سمعتُ بشارًا يقول وقد أُنشِدَ في شعر الأعشى:
وَأَنْكَرَتْنِي وَمَا كَانَ الَّذِي نَكِرَتْ
…
مِنَ الحَوَادِثِ إِلَّا الشَّيْبَ والصَّلَعَا (3)
فأنكره بشار، وقال: هذا بيت مصنوعٌ ما يشبه كلامَ الأعشى، فعجبتُ لذلك. فلما كان بعد هذا بعشر سنين كنتُ جالسًا عند يونس، فقال: حدثنا أبو عمرو بنُ
(1) ووقع في كتاب "الذخيرة" لابن بسام في ترجمة أبي بكر بن قزمان من أثناء كتاب لأبي بكر ذكر فيه كلام بشار فقال: "ونخرجها" بنون الجماعة (أي: ونحن الشعراء ندفعه ولا نقبله). - المصنف. ما جاء في المطبوع من كتاب الذخيرة هو عين ما ذكره الحصري لا ما أشار إليه المصنف في الحاشية مما قد يكون رواية في بعض النسخ لم يرجحها محقق الكتاب. ابن بسام الشنتريني، أبو الحسن علي: الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، تحقيق إحسان عباس (بيروت: دار الثقافة، 1417/ 1997)، ج 2، ص 777 - 778. وفي رواية أبي الفرج الأصفهاني قال بشار:"لَحِق والله هذا الفتى بالمحسنين، وما يزال يُدخل نفسَه معنا ونحن نُخرجه حتى قال هذا الشعر". الأغاني، ج 2/ 5، ص 425 (نشرة الحسين). وبيتا ابن الأحنف هما التاسع والعاشر في قصيدة ثلاثة وثلاثين بيتًا من بحر الكامل، طالعها:
غَضِبُ الحَبِيبُ فَهَاجَ لِي اسْتِعْبَارُ
…
وَاللهُ لِي مِمَّا أُحَاذِرُ جَارُ
ديوان العباس بن الأحنف، ص 119.
(2)
الحصري القيرواني: زهر الآداب، ج 2، ص 322. وما بين قوسين زيادة من المصنف للتوضيح.
(3)
البيت من قصيدة "لم ينقص الشيب منه"، ومطلعها:
نَانَتْ سُعَادُ وَأَمْسَى حَبْلُهَا انْقَطَعَا
…
وَاحْتَلَّتِ الغَمْرَ فالجُدَّيْن فَالفَرَعَا
ديوان الأعشى، تحقيق فوزي عطوي (بيروت: دار صعب، 1980)، ص 120.
العلاء أنه صنع هذا البيت وأدْخلَه في شعر الأعشى [وذكر أبو عبيدة البيت]، فجعلْت حينئذ أزدادُ عجبًا من فطنة بشار، وصحة قريحته، وجودة نقده للشعر". (1)
وقال الرياشي: "أُنْشِد بشارٌ قولَ كُثيِّر عزَّةَ (أو هو قول المجنون، كما قال الراغب في المحاضرات):
وَقَدْ جَعَلَ الأَعْدَاءُ يَنْتَقِصُونَهَا
…
وَتَطْمَعُ فِيهَا أَلسُنٌ وَعُيُونُ (2)
أَلَا إِنَّمَا لَيْلَى عَصَا خَيْزُرَانةٍ
…
إِذَا غَمَزُوهَا بِالأَكُفِّ تَلِينُ
فقال بشار: قاتل الله أبا صخر، يزعم أنها عصًا، ويعتذرُ بأنها خَيْزُرانة، والله لو جعلها عصًا زُبْدٍ أو عصا مُخٍّ لقد كان جعلها جافيةً خشنةً بعد أن جعلها عصًا، فكان قد هجن كلامه بذكر العصا، ألا قال كما قلْتُ:
وَدَعْجَاء المَحَاجِرِ مِنْ مَعَدٍّ
…
كَأَنَّ حَدِيثَهَا ثَمَرُ الجِنَانِ
إِذَا قَامَتْ لِمَشْيَتَهَا تَثَنَّتْ
…
كَأَنَّ عِظَامَهَا مِنْ خَيْزُرانِ" (3)
(1) الأصفهاني: كتاب الأغاني، ج 3، ص 143 - 144 (نشرة القاهرة)؛ الأغاني، ج 1/ 3، ص 646 - 647. وانظر كذلك: سير أعلام النبلاء، ج 6، ص 409.
(2)
كذا في رواية الأصفهاني والزجاجي والمرتضى للبيت بضمير الجمع المتكلم، وهو كذلك المثبت في ديوان كثير، حيث جاء فيها "يَنْتَقِصُونَنَا" بدل "يَنْتَقِصُونَهَا" و"فينا" بدل "فِيهَا".
(3)
لم يسم الرياشيُّ فيما رواه عنه أبو الفرج والزجاجي صاحبَ هذا الشعر، وإنما قال:"قول الشاعر"، وحكى الحصري القصة على نحو قريب مما ساقه المصنف هنا مقتصرًا على ذكر البيت الثاني الذي نسبه إلى كثَيِّر عزة. ولم أعثر على البيتين اللذين انتقدهما بشار عند الراغب الأصفهاني، ونسبهما أبو تمام إلى كثير وهما في ديوانه ضمن مقطوعة من سبعة أبيات معدودة من قصائده. الأصفهاني: كتاب الأغاني، ج 3، ص 154 (نشرة القاهرة)؛ الأغاني، ج 1/ 3، ص 653 - 654؛ أمالي الزجاجي، ص 213 - 215. الشريف المرتضى: غرر الفوائد ودرر القلائد، ج 1، ص 480؛ الطائي، أبو تمام حبيب بن أوس: كتاب الوحشيات وهو الحماسة الصغرى، تحقيق عبد العزيز الميمني الراجكوتي (القاهرة: دار المعارف، ط 3، 1987)، ص 194؛ الحصري القيرواني: زهر الآداب وثمر الألباب، ج 1، ص 28 - 29؛ ديوان كثير عزة، تحقيق إحسان عباس (بيروت: دار الثقافة، 1391/ 1971)، ص 176. وانظر بيتي بشار في: ديوان بشار بن برد، ج 2/ 4، ص 220.