الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
95 - باب الرَّجُل يَسْجُدُ على ثَوْبِهِ
660 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَل، حَدَّثَنا بِشْرٌ -يَعْنِي ابن المُفَضَّلِ- حَدَّثَنا غالِبٌ القَطّان، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبدِ اللهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قال: كنّا نُصِلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي شِدَّةِ الحرِّ فَإذا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنا أَنْ يُمَكِّنَ وَجْهَهُ مِنَ الأرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ (1).
* * *
باب الرجل يسجد على ثوبه
[660]
(ثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا غالب القطان) هو: ابن خُطاف (2) بضم المعجمة، ابن أبي غيلان، روى له الجماعة، (عن بكر بن عبد الله) بن عمرو البصري (3) أحد الأعلام، (عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدة الحر) وفي معناه شدة البرد إذا كان يصلي على حجارة ونحوها، لكن القائل بجواز الصلاة على ما يتحرك بحركته لا يقيده بالحاجة.
في هذا الحديث أن قول الصحابي: "كنا نفعل" من قبيل المرفوع، لاتفاق الصحيحين وغيرهما على تخريج هذا الحديث في صحيحيهما (4).
(1) رواه البخاري (385)، ومسلم (620).
(2)
في (ص، س، ل): خطاب.
(3)
في (م): المصري.
(4)
قول الصحابي: كنا نفعل، له حالتان:
الأول: أن يضيفه إلى زمان النبي صلى الله عليه وسلم كما في هذا الحديث الذي نحن بصدده- =
وفي البخاري: كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة، ويداه في كمه (1)، أي: ويد كل واحد منهم في كمه.
ووصل هذا عبد الرزاق، عن هشام بن حسان، عن الحسن أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسجدون وأيديهم في ثيابهم، ويسجد الرجل منهم على قلنسوته وعمامته، وهكذا رواه ابن أبي شيبة، عن هشام (2).
(فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن وجهه) والاستطاعة الطاقة والقدرة، والمراد بالوجه هنا الجبهة كما في رواية ابن حبان:"إذا سجدت فمكن جبهتك من الأرض ولا تنقر نقرًا"(3)، ويدل عليه الحديث الصحيح:
= والثاني: أن لا يضيفه إلى زمانه صلى الله عليه وسلم.
فإن كان من النوع الأول فالأكثرون على رفعه، وحكي عن الإسماعيلي أنه أنكر كونه مرفوعًا، وكونه مرفوعًا هو الأظهر؛ لأن الصحابي لم يكن ليضيفه لزمان النبي صلى الله عليه وسلم إلا ليشعر أنه صلى الله عليه وسلم قد اطلع عليه وأقرهم بفعلهم لاسيما إن كان في القصة اطلاعه صلى الله عليه وسلم فهو مرفوع بلا خلاف.
وإن كان من النوع الثاني: فهو من الموقوف.
وفي المسألة مذاهب أخرى؛ فعلى من أراد الاطلاع الرجوع إلى كتب المصطلح ولا يحتمل المقام هنا أكثر من ذلك.
والحديث في "صحيح البخاري"(385)، و"صحيح مسلم"(620/ 191).
(1)
ذكره البخاري معلقًا من كلام الحسن في باب السجود على الثوب في شدة الحر. قبل حديث (385).
ووصله ابن أبي شيبة في "المصنف"(2754).
(2)
وصله عبد الرزاق (1566)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(2754).
(3)
طرف حديث أخرجه ابن حبان 5/ 206 (1887) من حديث ابن عمر-رضي الله عنهما، وضعفه النووي في "الخلاصة" 1/ 407 (1299)، وفي "المجموع" 3/ 397.
"أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، الجبهة .. "(1) وحديث الخباب بن الأرت: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء في جباهنا وأكُفّنا (2).
(من الأرض) فيه دليل لمذهب الشافعي (3) والجمهور كما قال النووي على وجوب وضع الجبهة على الأرض، وأن الأنف لا يجزئ عنها (4)، ولا يجب السجود عليه لكن يستحب. وقال أبو حنيفة: هو مخير بينها وبين الأنف (5). وعن مالك (6) وأحمد (7) روايتان كالمذهبين.
(بسط ثوبه) هكذا رواية مسلم، و (8) رواية البخاري: يضع أحدنا طرف كمه (9)، وفي رواية من طريق غالب: سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر (10). والثوب في الأصل يطلق على غير المخيط، وفيه إشارة إلى أن (11) مباشرة الأرض في السجود هو الأصل عند عدم الضرورة؛ لأنه علق بسط الثوب بعدم الاستطاعة، وفيه جواز استعمال الثياب
(1) رواه البخاري (812)، ومسلم (490/ 230) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
في (ص، ل): وأنفنا. وفي (س): وأيضًا.
والحديث رواه البيهقي 2/ 104، 107، وأصله في مسلم (619).
(3)
"الأم" 1/ 222.
(4)
"المجموع" 3/ 423.
(5)
"المبسوط" للسرخسي 1/ 133.
(6)
"التمهيد" 23/ 61 - 62.
(7)
"الإنصاف" 2/ 66 - 67.
(8)
زاد في (م): في.
(9)
"صحيح البخاري"(385).
(10)
"صحيح البخاري"(542).
(11)
من (م).
والبسط، والخمرة، وغيرها، في الحيلولة بين المصلي وبين الأرض كما تقدم، وفيه جواز العمل القليل في الصلاة.
قال ابن أبي جمرة (1): وهل يكون الفعل اليسير في الصلاة معفوًّا عنه لعذر، أو لا يكون هنا عذر، أو لا يكون إلا مع العذر؟ ينظر (2) إن كانت العلة هنا قلة الشغل (3) ليس إلا، فعلى هذا يجوز لعذر ولغير عذر، وإن كانت العلة رعي زوال التشويش في الصلاة فيجوز الشغل في الصلاة وإن كثر، ما لم يتفاحش، فإنه إذا تفاحش خرج أن يكون صلاة، ولذلك لم يختلفوا أن الشغل اليسير إذا كان لصلاحها أنها لا تبطل، واختلفوا إذا كثر ولم يتفاحش، ولم يختلفوا أنها تبطل إذا تفاحش وقد حد التفاحش بمثل أن يأكل (4) بقدر ما يقارب الشبع.
قال: وهذا الشيء المفعول هل لا يفعله إلا أن [لا يجدَ](5) بد، منه؟ أو يفعله مع وجود البدل؟ أو (6) هو جائز مع وجود البدل؟ أو فعل البدل أحب؟ مثاله أن يقول: لا نتقي بفضل ثيابنا إلا حتى لا نجد شيئًا نتقي به الأرض، أو هو من باب الأولى، فإن نظرنا إلى لفظ الحديث أجزناه (7) مع وجود غيره وفعل غيره يكون أحب، ولا أظن أحدًا اختلف في أن هذا هو المستحب، وإن نظرنا لما نعلم من حال
(1)"بهجة النفوس" 1/ 179.
(2)
في (م): فينظر.
(3)
في (س، ل، م): العمل.
(4)
في (م): يأخذ.
(5)
في (م): يتخذ. وفي (ص، س، ل): يجد. والمثبت صواب ليستقيم السياق.
(6)
في (ص): و.
(7)
في (ص): أخذناه.
الصحابة رضي الله عنهم فهم لم يكن لهم من الدنيا إلا قدر الضرورة، وأنهم في الغالب ليس لهم فضل عن ثيابهم، قلنا: لا يجوز مع (1) وجود غيره، ولعل هذا الحديث لم يكن إلا بعد أن ظهر الإسلام، وكثر عليهم الخير، فلا يترك لفظ الحديث لشيء محتمل. (2)
وقوله: "كنا نصلي" بلفظ الجمع لأنهم كانوا الكل على ذلك، أو عبَّر بالأكثر عن الجميع كما هو شائع، وقوله: مع النبي صلى الله عليه وسلم. أخبر هنا بالفعل؛ لأنهم كانوا يفعلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قوله: "إني أراكم في الصلاة خلفي كلما أراكم أمامي"(3) فإقراره على ذلك حكم.
(فسجد (4) عليه) (5) استدل به مالك (6)، وأبو حنيفة (7)، وأحمد (8) في رواية أنه يصح السجود على الذيل والكم واليد، وإن كان متصلًا به، واستدل أيضًا بما رواه أحمد في "مسنده" عن ابن عباس: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم مطير (9) وهو ينقي الطين إذا سجد بكساء عليه. (10) وقياسًا على باقي الأعضاء.
(1) في (س): بيع.
(2)
"بهجة النفوس" 1/ 179 - 180.
(3)
أخرجه البخاري (418)، ومسلم (424/ 109).
(4)
في (س، ل): فصلى.
(5)
أخرجه البخاري (385)، ومسلم (620/ 191)، والترمذي (584)، والنسائي 2/ 216، وابن ماجه (1033)، وأحمد 3/ 100.
(6)
"المدونة الكبرى" 1/ 170.
(7)
"مراقي الفلاح" 1/ 126.
(8)
"مسائل أحمد برواية ابن هانئ"(224).
(9)
في (ص): مطر.
(10)
"مسند أحمد" 1/ 256.
واحتج أصحابنا على أنه لا يصح السجود على ما يتصل إذا كان [يتحرك لحركته](1) في القيام والقعود، وغيرهما لحديث خباب بن الأرت: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا (2)، وأجابوا عن هذا الحديث بأنه محمول على ثوب منفصل.
وأما حديث ابن عباس في "مسند أحمد" فضعيف في إسناده (3)، وأجاب البيهقي والأصحاب عن هذا الحديث بأن الرجل يسجد على العمامة مع بعض جبهته. وأيد البيهقي مذهب الشافعي (4) بما رواه الإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ: فيأخذ أحدنا الحصى في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه (5).
قال: فلو كان السجود على المتصل جائزًا لما احتاجوا إلى تبريد (6) الحصا، وتعقب بأن يكون الذي كان يبرد الحصا لم يكن في ثوبه فضلة يسجد عليها مع بقاء سترته.
وفيه: تقديم الظهر في أول الوقت، وظاهر الأحاديث الواردة في الأمر بالإبراد يعارضه، فمن قال الإبراد بالظهر رخصة فلا إشكال، وإلا فنقول: هذا منسوخ بالإبراد، والله أعلم.
* * *
(1) في (م): متحرك بحركته. وفي (س): يتحرك بحركته.
(2)
أخرجه مسلم (619/ 190).
(3)
في إسناده حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس. ضعيف.
(4)
"المجموع" 3/ 426.
(5)
أخرجه البيهقي في "الكبرى" 2/ 106 من طريق الإسماعيلي.
(6)
في (س): تنزيل.