الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
77 - باب التَّشْدِيدِ فيمَنْ يرْفَعُ قبْل الإِمامِ أَوْ يَضَعُ قَبْلَهُ
623 -
حَدَّثَنا حَفْصُ بْن عُمَرَ، حَدَّثَنا شُعْبَة، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيادٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَما يَخْشَى - أَوْ أَلا يَخْشَى - أَحَدُكُمْ إِذا رَفَعَ رَأْسَهُ والإِمامُ ساجِدٌ أَنْ يُحَوِّلَ الله رَأْسَهُ رَأْسَ حِمارٍ أَوْ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمارٍ"(1).
* * *
باب التشديد فيمن يرفع قبل الإمام ويضع قبله
[623]
(ثنا حفص بن عمر قال: ثنا شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما يخشى) بتخفيف الميم حرف استفتاح مثل أَلَا، وأصلها النافية دخل فيها حرف الاستفهام وهو هنا استفهام توبيخ (أو) الشك من الراوي (ألا) لا النافية دخلت عليها همزة الاستفهام للتوبيخ (2)(يخشى) يخاف (أحدكم إذا رفع رأسه)[لفظ خبر، ومعناه الأمر، أي ليخش وهو توعد عظيم](3)(والإمام ساجد) لله تعالى. وفي رواية ابن خزيمة (4) في رواية حماد بن زيد عن محمد ابن زياد (5) زيادة: "في صلاته"، وفي رواية حفص بن عمر المذكورة:"الذي يرفع رأسه والإمام ساجد"، وهذا مبين لرواية الصَّحيحين: "إذا
(1) رواه البخاري (691)، ومسلم (427).
(2)
بعدها في جميع النسخ: (مثل ألا)، ولعل الصواب حذفها.
(3)
سقط من (م).
(4)
"صحيح ابن خزيمة"(1600).
(5)
زاد في (ص): بن.
رفع رأسه قبل الإمام" (1).
قال ابن دقيق العيد: الحديث نص في المنع من تقدم المأموم على الإمام في الركوع والسجود معًا (2)، وإنما هو نص في السجود، ويلتحق به الركوع لكونه في معناه، ويمكن أن يفرق بينهما بأن السجود له مزيد مزية في الفضيلة؛ لأن العبد أقرب ما يكون فيه من ربه تعالى؛ ولأنه غاية الخضوع المطلوب، وأما التقدم على الإمام في الخفض للركوع والسجود، فقيل: يلتحق به؛ لأن الاعتدال والجلوس بين السجدتين من الوسائل والرفع من الركوع والسجود قبل الإمام يستلزم قطعه عن غاية كماله ودخول النقص في المقاصد أشد من دخوله في الوسائل، وقد ورد الزجر عن الخفض والرفع قبل الإمام في حديث أخرجه البزار من رواية ابن (3) عبد الله السعدي عن أبي هريرة: الذي يخفض ويرفع قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان (4)، وروى ابن أبي شيبة عن أبي هريرة: الذي يرفع رأسه ويخفضه قبل الإمام، فإنما ناصيته بيد شيطان يخفضها ويرفعها (5).
(1)"صحيح البخاري"(691)، ومسلم (427)(114).
(2)
"إحكام الأحكام" ص 230.
(3)
من (م).
(4)
رواه البزار مرفوعًا كما في "إتحاف الخيرة" 1065/ 2. ورواه عبد الرزاق (3753) في "مصنفه"، والحميدي في "مسنده" (989) موقوفًا.
قال الحميدي: وقد كان سفيان ربما رفعه وربما لم يرفعه. وقال الحافظ في "الفتح" 2/ 183: أخرجه عبد الرزاق من هذا الوجه موقوفًا وهو المحفوظ.
(5)
"مصنف ابن أبي شيبة"(7223).
(أن يحول الله تعالى رأسه) رواية البخاري: أن يجعل (1)، واختلف في معنى التحويل أو الجعل في هذا الحديث هل هو أمر معنوي وهو أن الحمار موصوف بالبلادة فاستعير هذا المعنى للجاهل بما (2) يجب عليه من فرض الصلاة ومتابعة الإمام، ويرجع هذا التأويل أن التحويل لم يقع مع كثرة الفاعلين له، لكن ليس في الحديث ما يدل على أنه يقع؛ ولأن العقوبة من جنس العمل لقوله عليه السلام:"من تحلم كاذبًا ألزم أو كلف أن يعقد بين شعيرتين وليس بعاقد (3) "(4) أي من كذب في حلمه فادعى أنه رأى في النوم ما لم يره فكأنه ادعى أن الله أوحى إليه؛ لأن الرؤيا جزء من النبوة، فكلف أن يأتي بما هو خارق للعادة، وهو عقد شعيرتين.
قال ابن بزيزة (5): يحتمل أن يراد بالتحويل المسخ أو تحويل الهيئة الحسنة (6)، ففي البخاري في الأشربة دليل على جواز وقوع المسخ في هذِه الأمة (7)، ويقوي حمله على ظاهره أن في رواية ابن حبان عن
(1)"صحيح البخاري"(691).
(2)
في (س): مما. وفي (ل): لما.
(3)
في (س): بغافل.
(4)
أخرجه البخاري في "صحيحه"(7402).
(5)
في (ص، ل): زيدة. وفي (س): زبدة. والمثبت من "فتح الباري".
(6)
انظر: "فتح الباري" 2/ 215.
(7)
يعني: حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم - يعني الفقير - لحاجة فيقولون: ارجع غدًا فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة". أخرجه البخاري في الأشربة (5590).
محمد بن زياد: أن يحول الله رأسه رأس (1) كلب بدل (رأس حمار) فهذا يبعد المجاز لانتفاء المناسبة التي ذكروها في بلادة الحمار (أو) شكٌّ من الراوي وهو شعبة، كما رواه الطيالسي عن حماد بن سلمة (2) يجعل الله (صورته صورة حمار) ورواية الربيع:"وجهه وجه حمار"(3)، ورواية ابن جميع:"أن يحول الله رأسه رأس شيطان"(4)، والظاهر أنه من تصرف الرواة. قال عياض: هذِه الروايات متفقة؛ لأن الوجه من الرأس ومعظم الصورة فيه (5)، ولفظ الصورة يطلق على الوجه أيضًا، وأما الرأس فرواتها أكثر وهي أشمل، فهي المعتمدة وخص وقوع الوعيد عليها؛ لأن بها وقعت المخالفة والمعصية بالرفع به، وظاهر الحديث يقتضي تحريم الرفع قبل الإمام؛ لأنه توعد عليه بالمسخ وهو أشد العقوبات، وبذلك جزم النووي في "شرح المُهَذب"(6)، ومع (7) القول بالتحريم فالجمهور أنه يأثم فاعله وتجزئ صلاته، وعن ابن عمر تبطل وبه قال أحمد وأهل الظاهر بناء على أن النهي يقتضي الفساد، وعن أحمد: لو صحت صلاته لرجى له الثواب ولم يخش عليه العقاب (8).
(1) من (م)، "صحيح ابن حبان"(2283).
(2)
"مسند الطيالسي"(2490).
(3)
"صحيح مسلم"(427)(116).
(4)
"معجم الشيوخ" لابن جميع (102).
(5)
"إكمال المعلم" 2/ 215.
(6)
"المجموع" 4/ 234.
(7)
في (ص): وما. وفي (ل): وأما. والمثبت من (م).
(8)
"الإنصاف" للمرداوي 2/ 166.
قلت: والظاهر أن هذا التوعد لمن رفع رأسه متعمدًا، أما من ظن أن الإمام رفع رأسه فرفعه تبعًا للإمام في ظنه؛ فلا إثم أو رفعه ناسيًا أو جاهلًا بالتحريم، وعلى كلِّ تقدير فإذا رفع رأسه ووجد الإمام لم يرفع رأسه فيجب عليه أن يرجع لمتابعة الإمام كما قالوا: يجب على المأموم إذا نسي التشهد وقام أن يرجع إلى التشهد لمتابعة (1) الإمام، والله أعلم.
وفي الحديث كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته وبيانه لهم الأحكام وما يترتب عليها من الثواب والعقاب، واستدل به على جواز المقارنة لأفعال الإمام، ولا دلالة فيه لأنه دل بمنطوقه على منع المسابقة ومفهومه على طلب المتابعة، وأما المقارنة فمسكوت عنها، وفي الحديث لطيفة ذكرها في "القبس" (2) قال: ليس التقدم (3) بالرفع قبل الإمام ونحوه سبب إلا طلب (4) الاستعجال، ودواؤه أن يستحضر العبد أنه لا يسلم قبل سلام الإمام فلا يستعجل في هذِه الأفعال، والله المستعان.
* * *
(1) من (م). وفي باقي النسخ: متابعة.
(2)
من (ل، م). وفي (ص، س): السبب.
(3)
في (م): التقديم.
(4)
في (س): ما طلبه.