الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
15 - باب فِي الوَسْوَسَةِ بِالطَّلاقِ
2209 -
حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ زُرارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ اللهَ تَجاوَزَ لأُمَّتِي عَمّا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ وَبِما حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَها"(1).
* * *
باب في الوسوسة بالطلاق
[2209]
(ثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (ثنا هشام) الدستوائي (عن قتادة، عن زرارة بن أبي أوفى) أبي حاجب الحرشي قاضي البصرة (عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تجاوز لأمتي) أي: لم يؤاخذها، وظاهر الحديث أن هذا من خصائص هذِه الأمة تكريمًا لها وتشريفًا لنبيها بخلاف ما كان على الأمم التي قبلها من المؤاخذة بوساوس النفوس الذي لا طاقة لنا بالخلاص منه حتى قيل: إن أبا يزيد البسطامي أو غيره أقام عشرين سنة أو أكثر يجاهد نفسه حتى استطاع أن يصلي صلاة لا تحدثه نفسه فيها بشيء (عما) أي: عن كل ما (لم يتكلم به أو يعمل به) الإنسان مما خطر في نفسه وترك الكلام به أو العمل به أي: بما حدثته نفسه.
وفي الحديث دليل على أن الطلاق لا يقع بحديث النفس بالطلاق ووسوستها به كما بوب عليه المصنف، وهو مذهب الشافعي (2)
(1) رواه البخاري (2528)، ومسلم (127).
(2)
"الأم" 5/ 377.
والجمهور، وقال الزهري: إذا عزم على ذلك وقع وإن لم يتلفظ به (1)، واتفقوا على أنَّ (2) العزم على الظهار لا يلزم به كفارة. والفاعل ضمير أحد، ويجوز أن يقرأ بالنون أي: نتكلم نحن به، أو ما نعمل (3)، وقد استدل بهذا الحديث بعضُهم على أن ما يهم به الإنسان وإن وطن نفسه على فعله لا يؤاخذ به، واستدل أيضًا بقوله تعالى:{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} (4)، وزعم أن كل من لم يعمل بما عزم عليه ولا نطق به فلا يؤاخذ به، وهو متجاوز عنه. وأجاب القرطبي عن الآية بأن من الهم ما يؤاخذ به، وهو ما استقر واستوطن عزمه عليه، ومنه ما يكون أحاديث لا تستقر فلا يؤاخذ بها كما شهد له به الحديث. وأجاب عن قوله:"ما لم تعمل" أن توطين النفس عليه عمل فيؤاخذ به (5)(وبما حدثت به أنفسها) قال القرطبي: روايتنا بنصب أنفسها على أنه مفعول "حدثت"، وفي "حدثت" ضمير هو فاعل حدثت عائد على الأمة، وأهل اللغة يقولون:"أنفسها" بالرفع على أنه فاعل "حدثت"، يريدون: عما تحدثت به أنفسها بغير اختيار منهم، قاله الطحاوي (6).
والمراد أن الإنسان لا يؤاخذ بالأحاديث الطارئة التي لا تستقر في النفس ولا يركن إليها. قال: وهذا نحو ما قاله القاضي أبو بكر - أظنه
(1) انظر: "الأوسط" لابن المنذر 9/ 201.
(2)
سقط من النسخة، وإثباتها أحسن.
(3)
جاءت في الأصل بعد قوله: (وتشريفا لنبيها)، ووضعناها في مكانها المناسب.
(4)
يوسف: 24.
(5)
"المفهم" 1/ 341.
(6)
"شرح مشكل الآثار" 4/ 322.
الباقلاني - في قوله عليه السلام عن الله تعالى: "إذا هم عبدي بحسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل، فإذا عملها فأنا أكتبها له عشرًا، وإذا هم بسيئة فأنا أغفرها ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها له سيئة واحدة"(1). قال القاضي: إن الهم هنا ما يمر بالفكر من غير استقرار ولا توطين، فلو استمر ووطن قلبه عليه لكان ذلك هو العزم المؤاخذ به أو المثاب عليه، بدليل قوله عليه السلام:"إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار". قالوا: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال:"إنه كان حريصًا على قتل صاحبه"(2). ولا يقال: هذِه المؤاخذة هنا إنما كانت لأنه قد عمل بما استقر في قلبه من حمله للسلاح عليه لا مجرد حرص القلب [لأنا نقول](3) أن هذا فاسد؛ لأنه عليه السلام قد نص على ما وقعت المؤاخذة به [وأعرض عن غيره](4) فقال: "إنه كان حريصًا على قتل صاحبه"، فلو كان حمل السلاح هو العلة لما سكت عنه وعلق المؤاخذة على غيره؛ لأن ذلك خلاف البيان الواجب عند الحاجة إليه.
قال القرطبي: وهذا الذي صار إليه القاضي هو الذي عليه (5) عامة السلف وأهل العلم من الفقهاء والمحدثين فلا يلتفت لكلام غيره (6).
(1) أخرجه مسلم (128) من حديث أبي هريرة رضي الله عنهم بلفظ: "تحدث عبدي بأن يعمل" بدلا من "هم عبدي".
(2)
سيأتي برقم (4268).
(3)
و (4) بياض في الأصل. والمثبت من "المفهم".
(5)
من "المفهم".
(6)
"المفهم" 1/ 341.