الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - باب النَّهْي عَنْ تَزْوِيجِ منْ لَمْ يَلِدْ مِنَ النِّساءِ
2049 -
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَتَبَ إِلي حُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ المَرْوَزيُّ، حَدَّثَنا الفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ واقِدٍ، عَنْ عُمارَةَ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتي لا تَمْنَعُ يَدَ لامِسٍ. قَالَ: "غَرِّبْها". قَالَ: أَخافُ أَنْ تَتْبَعَها نَفْسي. قَالَ: "فاسْتَمْتِعْ بِها"(1).
* * *
[2049]
(قال) المصنف (كتب إلي حسين بن حريث) بضم الحاء المهملة، مصغر ابن عمار الخزاعي (المروزي) فيه دليل على صحة العمل بكتابة الشيخ إلى الراوي عنه بأن يكتب إليه يقول له: أجزت لك ما كتبته لك. سواء اقترنت الكتابة بالإجازة أو انفردت عنها، وهو الصحيح بين أهل الحديث وهو عندهم معدود في المسند الموصول، وقد استعمله البخاري فقال في كتاب الأيمان والنذور: كتب إلي محمد بن بشار.
(أنا الفضل بن موسى) الشيباني، قرية من قرى مرو (عن الحسين بن واقد) بالقاف، قاضي مرو، أخرج له مسلم.
(عن عمارة) بضم العين (بن أبي حفصة) مولى المهلب، أخرج له البخاري والأربعة، وذكر الدارقطني أن الحسين بن واقد تفرد به عن عمارة هذا، وأن الفضل بن موسى تفرد به عن الحسين بن واقد، وأخرجه النسائي من حديث عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي، عن ابن
(1) رواه النسائي 6/ 67، 169 - 170.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(1788).
عباس. وبوب عليه: باب تزويج الزانية (1).
(عن عكرمة، عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن امرأتي) زاد النسائي: من أحب الناس إلي، وهي (لا ترد يد لامس) قال الإمام أحمد: أي أنها تعطي من ماله من يلتمس منها، أي: يطلب، قال: وهذا أشبه؛ إذ لم يكن يأمره بإمساكها وهي تفجر.
قال علي وابن مسعود: إذا جاءكم الحديث عن رسول الله فظنوا به الذي هو أهدى وأتقى (2)، ومنه الحديث:"من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا"(3). أي: يطلبه، فاستعار له اللمس، وسئل عنه ابن الأعرابي فقال: هو الفجور (4).
وقال الخطابي: معناه الزانية (5)، وأنها مطاوعة لمن أرادها لا ترده (6). ويدل عليه تبويب النسائي: باب تزويج الزانية. وقد يحتج به لما قاله أصحابنا وغيرهم أن من قال عن زوجته: لا ترد يد لامس أو أنها تحب الخلوة بالأجنبي ونحوه فهو كناية، فإن أراد الزنا فقذف وإلا
(1)"سنن النسائي" 6/ 66.
(2)
أخرجه ابن ماجه (19)، وأحمد 1/ 385، والدارمي (611) من حديث ابن مسعود. وفي سنده انقطاع. وأخرجه ابن ماجه (20)، وأحمد 1/ 122 من حديث علي، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه"(20).
(3)
أخرجه مسلم (2699)(38)، وسيأتي تخريجه في باب الحث على طلب العلم.
(4)
انظر: "عون المعبود" 6/ 47.
(5)
في "معالم السنن": الريبة.
(6)
"مختصر سنن أبي داود" المطبوع معه "معالم السنن" 3/ 5.
فلا، فإن أنكر الإرادة صدق بيمينه، وأن هذا اللفظ لو كان صريح قذف لما سكت عنه؛ إذ لم يقر على خطأ.
قيل: هي إجابتها لمن أرادها (قال: غربها)(1) أي: أبعدها، يريد الطلاق، يقال: غربته وأغربته إذا تجنبته وأبعدته. ومن كنايات الطلاق عند الشافعي: اغربي، بالغين المعجمة والراء، من غرب يغرب تباعد، واعزبي (2) بالمهملة والزاي من عزب يعزب إذا تباعد، ولفظ رواية النسائي قال:"طلقها" قال: لا أصبر عنها (3).
(قال) إني (أخاف أن تتبعها نفسي) كناية عن الموت (قال: فاستمتع بها) أي: لا تمسكها إلا بقدر ما تقضي متعة النفس بها ومن وطئها، وخاف عليه النبي صلى الله عليه وسلم إن هو أوجب عليه طلاقها أن تتوق نفسه إليها فيقع في الحرام ويفسد حاله، فرأى في دوام نكاحه مع دفع الفساد عنه مع ضيق قلبه أولى، وإن كانت فاسدة الدين، فيحرص عليها ويواقي مواضع التهم وإلا كان شريكًا في المعصية مخالفًا لقوله تعالى:{قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} (4).
(1) وقع هنا تقديم وتأخير في الأصل.
(2)
"الأم" 5/ 374، 377، وانظر:"المجموع" 17/ 101.
(3)
"سنن النسائي" 6/ 69.
(4)
التحريم: 6.
2050 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ أَخْبَرَنا مُسْتَلِمُ بْنُ سَعِيدِ ابن أُخْتِ مَنْصُورِ بْنِ زاذانَ، عَنْ مَنْصُورٍ - يَعْني: ابن زاذانَ - عَنْ مُعاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسارٍ قَالَ: جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِني أَصَبْتُ امْرَأَةً ذاتَ حَسَبٍ وَجَمالٍ وَإِنَّها لا تَلِدُ أَفأَتَزَوَّجُها؟ قَالَ: "لا". ثُمَّ أَتاهُ الثّانِيَةَ فَنَهاهُ ثُمَّ أَتاهُ الثّالِثَةَ فَقَالَ: "تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلُودَ فَإِني مُكاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ"(1).
* * *
باب في تزويج الوليد
[2050]
(ثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا يزيد بن هارون) أبو خالد السلمي (2)(أنا مسلم بن سعيد) الثقفي الواسطي (بن أخت منصور بن زاذان) صدوق، قال عنه يزيد بن هارون: مكث أربعين عامًا لا يضع جنبه الأرض (عن منصور بن زاذان) صدوق، الواسطي (عن معاوية بن قرة) بن إياس البصري (عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال) وللنسائي: ذات حسب ومنصب (3).
(وإنها) بكسر الهمزة؛ لأنها بعد واو الحال (لا تلد) فيه السؤال عن المرأة قبل العقد هل هي (. . .)(4) فإن كانت ثيبًا فيعرف حالها من زوجها الأول، وإن لم يعرف حالها فيراعى صحتها وشبابها؛ فإنها تكون ولودًا
(1) رواه النسائي 6/ 65، وابن حبان (4056، 4057).
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(1789)، قال: إسناده حسن صحيح.
(2)
تحرفت في الأصول الخطية إلى: الشملى.
(3)
"سنن النسائي" 6/ 65.
(4)
بياض في الأصل قدر ثلاث كلمات.
في الغالب مع هذين الوصفين، قاله الغزالي (1). ونحب له أن يعرف من أقاربها وذي عشيرتها كما اعتبر في انقطاع الحيض ونحوه (أفأتزوجها؟ قال: لا) فيه النهي عن تزويج العقيم، وبوب عليه النسائي: باب كراهة تزويج العقيم (2).
(فأتاه الثانية) فسأله (فنهاه، فأتاه الثالثة) فيه جواز تكرر سؤال المفتي إلى ثلاث ولا يزيد عليها، وإنما جازت إعادة السؤال لجواز أن يكون تغير اجتهاده، أو وقف على نص آخر كما يجوز أن يكون نسخ ذلك الحكم بحكم آخر بوحي أو غيره، هذا في حقه صلى الله عليه وسلم، كما أنه يجوز تكرر السؤال لثلاث مفتين اتفقوا في المذهب أو اختلف مذهبهم.
(فقال: تزوجوا الودود) أي: المتحببة إلى زوجها بالتلطف في الخطاب وكثرة الخدمة والأدب والبشاشة في الوجه، وقد قال تعالى في وصف أهل الجنة:{عُرُبًا أَتْرَابًا (37)} (3)، قال تعالى:{وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} (4) فالعرب جمع عروب، وهي المتحببة إلى زوجها، قال المبرد: وهي العاشقة لزوجها (5).
(الولود) فيه استحباب نكاح الولود كما تقدم، قال بعض المتأخرين: إلا أن تكون المصلحة في غير الولود، وكأنه فيما إذا كانت المنكوحة لا لقصد أولادها كما إذا تزوج كتابية لما يحصل في معاشرة الولد لها من
(1)"إحياء علوم الدين" 2/ 41.
(2)
"المجتبى" 6/ 65.
(3)
الواقعة: 37.
(4)
الروم: 21.
(5)
انظر: "فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية" 5/ 217.
المفاسد، وكذا الأمة المملوكة إذا كانت سوداء سيئة الخلق وقليلة الدين.
(فإني مكاثر بكم) فيه بيان علة الأمر بالتزويج لموافقة محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، أما محبة الله فبالسعي في تحصيل الولد لبقاء جنس الحيوان، وإظهار عجائب صنع الله ومجاري حكمته، وبيانه أن السيد إذا سلم إلى عبده البذر وآلات الحرث وهيأ له أرضًا مهيأة للحراثة وكان العبد قادرًا على الحراثة فإن تكاسل وعطل آلة الحرث وترك البذر ضائعًا حتى فسد، ودفع الوكيل عن نفسه بنوع من الحيلة كان مستحقًا للمقت والعقاب من سيده، والله تعالى خلق النطفة في القفا، وهيأ لها في الأنثيين عروقًا ومجاري، وخلق الرحم قرارًا، فلو لم يصرح به الخالق على لسان نبيه فالمراد في الحديث فكيف وقد صرح بالأمر وباح بالسر، فكل ممتنع من النكاح معرض عن الحراثة مضيع للبذر ومعطل لما خلق له، وللحكمة المفهومة من الشواهد.
وأما السعي في محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه بتكثير ما هو مباهٍ به الأمم كما في رواية أبي بكر بن مردويه في "تفسيره" من حديث ابن عمر بلفظ: "تناكحوا تكثروا، فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة"(1). وزاد البيهقي في "المعرفة" عن الشافعي: حتى بالسقط (2).
(1) أخرجه ابن مردويه في "تفسيره" كما بتخريج أحاديث "الإحياء" للزين العراقي 1/ 456 وقال: إسناده ضعيف. وضعف إسناده النووي في "المجموع" 16/ 126.
(2)
"معرفة السنن والآثار" 5/ 219 - 220.