الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
12 -
النِّكَاحُ
1 - باب التَّحْرِيضِ عَلَى النِّكاحِ
2046 -
حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْراهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: إِني لأَمْشِي مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِمِنًى إِذْ لَقِيَهُ عُثْمانُ فاسْتَخْلاهُ، فَلَمّا رَأى عَبْدُ اللهِ أَنْ لَيْسَتْ لَهُ حاجَةٌ قَالَ لي: تَعالَ يا عَلْقَمَةُ. فَجِئْتُ فَقَالَ لَهُ: عُثْمانُ: أَلا نُزَوِّجُكَ يا أَبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِجارِيَةٍ بِكْرٍ لَعَلَّهُ يَرْجِعُ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ ما كُنْتَ تَعْهَدُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: لَئِنْ قُلْتَ ذاكَ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنِ اسْتَطاعَ مِنْكُمُ الباءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجاءٌ"(1).
* * *
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
كتاب النكاح
(1) رواه البخاري (1905)، ومسلم (1400).
باب التحريض على النكاح
[2046]
(ثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي مولاهم، الكوفي، شيخ الشيخين (عن جرير) بفتح الجيم، بن عبد الحميد الضبي الراوي (عن) سليمان (الأعمش، عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس بن عبد الله النخعي، يكنى أبا شبل، كان يشبَّه بعبد الله بن مسعود (قال: إني لأمشي مع عبد الله بن مسعود بمنى) وللبخاري عن علقمة: كنت مع عبد الله بن مسعود فلقيه عثمان بمنى (1). وللنسائي: ابن مسعود لقي عثمان (2). كذا في "جامع الأصول"(3) ولم أجده في ذا الباب (إذ لقيه عثمان رضي الله عنه فاستخلاه) أي: انفرد به في موضع خالٍ، فيه الخلوة عند استكتام السر إذا احتيج إلى ذلك.
(فلما رأى عبد الله) بن مسعود (أن ليست له) أي (حاجة) لعثمان (فقال لي: تعال) بفتح اللام، فعل أمر من تعالى: ارتفع. وأصله أن الرجل العالي كان ينادي السافل فيقول: تعالى. يعني: ارتفع عندي، ثم كثر حتى استعمل في معنى: هلم. مطلقًا، سواء كان موضعه أعلى أم أسفل، فهو في الأصل لمعنى خاص، ثم استعمل في معنى عام، قال الله تعالى:{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا} (4).
(1)"صحيح البخاري"(5065).
(2)
"سنن النسائي" 4/ 170.
(3)
"جامع الأصول" 11/ 426.
(4)
آل عمران: 64.
(يا علقمة، فجئت فقال: ألا نزوجك؟ ) لابن مسعود، وهو المراد بقوله: ألا نزوجك (يا أبا عبد الرحمن) وظاهر هذِه الرواية أن قوله: ألا نزوجك جارية بكرًا؟ كان بحضور علقمة، وظاهر رواية البخاري أنه قال في غيبة علقمة وغيره، بل حين انفرد به، ويحتمل أنه قاله مرتين، مرة في غيبته ومرة في حضوره ليجمع بين الروايتين؛ فإن رواية البخاري: فخليا (1)، فقال عثمان: هل لك يا أبا عبد الرحمن في أن نزوجك بكرًا؟ فلما رأى عبد الله أن ليست له حاجة إلى هذا، أشار إلي، فقال: يا علقمة، فانتهيت إليه وهو يقول: أما لئن قلت ذلك ..
(جارية) أصل الجارية السفينة، سميت بذلك؛ لسرعة جريها، ثم قيل للأمة والبنت التي تصلح للزواج، والخدمة جارية على التشبيه بالسفينة لجريها في أشغال مواليها، والبنت في حوائج والديها وزوجها، ويؤخذ منه أنه ينبغي لمن أراد تزوج امرأة أن يسأل عن حالها في حركتها هل هي نشاط وسرعة وتثبيط وتثاقل عن الحركة وعن حال أبويها هل هي ممهنة بالخدمة وبالصلاة أو لا تمكن من فعل شيء بسبب الدلال.
(بكرًا) فيه استحباب تزوج البكر، كما سيأتي في الحديث بعده، وللنسائي: ألا نزوجك جارية شابة (2)(لعله) هاء ضمير القصة والشأن وهو مخالف للقياس من خمسة أوجه في عوده على ما بعده لزومًا، وأن مفسرة لا تكون إلا جملة، كما في قوله: أن (يرجع إليك من
(1) كذا أكثر روايات البخاري. ورواية الأصيلي: فخلوا. قال ابن التين: وهي الصواب.
(2)
"سنن النسائي" 6/ 101.
نفسك ما كنت تعهد) أي: من نشاطك وقوة شبابك، ولعل المراد بالرجوع هنا التذكر، كما في رواية البخاري والنسائي، والمراد: يتذكر ما كان يعهد من النشاط والقوة بذكر نعم الله تعالى عليه في حال الشباب، ولا ينسى نعم الله عليه، بل يشكر الله على النعم السالفة والحاضرة.
وفيه استحباب تحصيل ما يُذَكِّره النعم إذا نسيها كأخ نصوح، أو معلم شفيق مرشد، وزوجة ديِّنة تذكره نعم الله وتعينه على الطاعة، لا زوجة تشغله عن الله تعالى، فمثل هذا يستحب نكاحها، وفيه أن على الخليفة أن (1) يتفقد أحوال الرعية لا سيما العاملين والأولياء والصالحين، وأن يعرض عليهم ما يحتاجون إليه من زواج وغيره، وأن يدفع عن المحتاج ما يحتاجه من صداق وغيره.
(وقال عبد الله بن مسعود: والله لئن قلت ذاك، لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) زاد البخاري: "يا معشر الشباب"(2)(من استطاع) وفي رواية له عن عبد الرحمن بن يزيد قال: دخلت مع علقمة والأسود على عبد الله، فقال عبد الله: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شبابًا لا نجد شيئًا، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا معشر الشباب من استطاع"(3)(منكم) أصل استطاع، استطوع استثقلت الحركة على الواو فنقلت إلى الساكن قبلها، ثم قلبت الواو ياء، ومعناه: أطاق وقدر، فليست السين فيه للطلب.
(الباءة) بالمد والهاء على الأفصح، المشهورة، وفيها لغة بالقصر
(1) ليست في النسخة الخطية. ذكرناها ليستقيم الكلام.
(2)
"صحيح البخاري"(5065 - 5066).
(3)
"صحيح البخاري"(5066).
ولغة بلا هاء مع المد، ولغة باهة بالهاء عوض الهمزة، وأصلها لغة الجماع مأخوذة من المباءة وهي المنزل؛ لأن من تزوج امرأة بوأها منزلًا، والمراد بالباءة هنا على الأصح المعنى اللغوي، وإنما يتحقق قدرته بالقدرة على مؤنته وهي مؤن النكاح، وقيل: بل أطلق اللفظ هنا على نفس المؤن من مجاز الملازمة، ولو كان المراد الجماع لم يقل:"ومن لم يستطع فعليه بالصوم"؛ لأن العاجز عن الجماع لا يحتاج الصوم، إنما يحتاجه من يقدر عليه، لا على مؤنته، فيكسر به شهوته، وأجيب بأن المراد: وإن لم يستطع الجماع لعدم قدرته على مؤنه فهو عاجز حكمًا وإن كان قادرًا حسًّا، يدل عليه قوله في الرواية المتقدمة: كنا شبابًا لا نجد شيئًا. ويرجح الأول رواية النسائي: "يا معشر الشباب عليكم بالباءة"(1). ويرجح الثاني رواية النسائي: "من كان ذا طول فليتزوج"(2).
وفي بعض شروح "التنبيه" أنها بالمد: القدرة على المؤن، وبالقصر: الوطء، وبالجملة فالمراد واحد، وإنما الخلاف في التعبير عنه هل هو من مجاز الاستعارة بإطلاق الباءة على المؤن، أو من حمل الاستعارة على معناها اللغوي، وهو القدرة شرعًا.
(فليتزوج) معنى التفعل هنا بمعنى الاتخاذ كيتختم إذا اتخذ خاتمًا، أي: فليتخذ له زوجة، وليس في كلام العرب: تزوجت بامرأة، وأما قوله تعالى:{وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} (3) على التضمين، أي: قرناهن بهن، (فإنه
(1)"سنن النسائي" 4/ 169.
(2)
"سنن النسائي" 4/ 171.
(3)
الدخان: 54.
أغض للبصر) أفعل تفضيل إما بمعنى غاضٍّ، كما أشار إليه ابن دقيق العيد، أو للتفضيل على أنه من غض طرفه أي حفظه، وكل شيء كففته فقد غضضته، وأريد بالبصر هنا الطرف؛ لرواية النسائي:"فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج"(1).
فإن قيل: هل لا يكون غض البصر إلا بهذين الأمرين؟
فالجواب: إن هذين أكثره، وقد يكون غض البصر بأن يغطي رأسه حتى لا يرى أحدًا إن كان المعني الجارحة، وإن كان المعني الجارحة مع سكون الفكر في ذلك، فهذا قد يزيله نوع آخر، مثل شدة الخوف والتألم، كما روى الثوري أنه كان إذا مر به خاطر لغير الله يضرب نفسه بقضيب، فربما كان يقطع في اليوم الواحد جملة من القضبان.
(ومن لم يستطع فعليه بالصوم) ذهب بعضهم إلى أنه إغراء للغائب (2)، كقوله:{عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (3) وسهَّل ذلك تَقَدَّم المغرى به في: "من استطاع منكم الباءة"، فصار كالحاضر، وكأنه قيل: فإن لم تستطيعوا فعليكم بالصوم، ذهب ابن عصفور إلى أن الباء زائدة في المبتدأ، والتقدير: فعليه الصوم، فهو خبر لا أمر، وضعف باقتضائه حينئذٍ الوجوب؛ لأن ذلك ظاهر هذِه الصيغة ولا قائل به، وذهب ابن حزم إلى أنه من إغراء المخاطب بتأويل، فقال: ولعل مراده: ومن لم يستطع فدلوه على الصوم. وأوله بعضهم بتقدير:
(1)"سنن النسائي" 4/ 171.
(2)
انظر: "إحكام الأحكام" 1/ 399.
(3)
البقرة: 158.
فأشيروا عليه بالصوم، فحذف فعل الأمر وجعل:"عليه" عوضًا منه.
على أن ابن (1) مالك لم يدخل مثل هذا الإغراء، بل ذكره من أحكام اسم الفعل إذا كان أصله الجار والمجرور أو الظرف، نحو: عليك وإليك وعندك، بمعنى: الزم، وإليك بمعنى تنح، وفيه دليل على أن الصوم يقطع مادة النكاح ويضعفها، وهذا أمر منه صلى الله عليه وسلم للشباب كما في رواية البخاري وغيره أن الشاب له من شهوة النكاح ما قد يغلب عليه، بخلاف الكبير، فإن تلك المادة الكبرى ليست عنده. وفيه دليل على أن المرء مأمور بعمل الأسباب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتسبب في دفع حرارة ما يجده الإنسان مما أشرف إليه بالتأهل.
(فإنه له وجاء) بكسر الواو وتخفيف الجيم مع المد، وهو رض الخصيتين، فإن نزعتا نزعًا فهو الخصاء، وأما ما في حديث ابن حبان بعد قوله:"وجاء" وهو الإخصاء، فإما من تفسير بعض الرواة، وإما مرفوع لكن على المجاز والمشابهة لتقاربهما في المعنى.
قال القرطبي: وقاله بعضهم بفتح الواو والقصر، وليس بشيء، انتهى (2). وذكر ابن سيده الوجهين، قال ابن دقيق العيد: وهو من مجاز المشابهة، الوجاء قطع الفعل، وإعدام الشهوة قطع له أيضًا (3).
(1) سقطت من الأصل.
(2)
"المفهم" 4/ 85.
(3)
"إحكام الأحكام" 1/ 390.