الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
92 - باب في نَبِيذِ السِّقايَةِ
2021 -
حَدَّثَنا عَمْرُو بْن عَوْنٍ، حَدَّثَنا خالِدٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَن بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لابْنِ عَبّاسٍ: ما بالُ أَهْلِ هذا البَيْتِ يَسْقُونَ النَّبِيذَ وَبَنُو عَمِّهِمْ يَسْقُونَ اللَّبَنَ والعَسَلَ والسَّوِيقَ أَبُخْلٌ بِهِمْ أَمْ حاجَةٌ؟ فَقَالَ ابن عَبّاسٍ: ما بِنا مِنْ بُخْلٍ وَلا بِنا مِنْ حاجَةٍ ولكن دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى راحِلَتِهِ وَخَلْفَهُ أُسامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَدَعا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِشَرابٍ فَأُتي بِنَبِيذٍ فَشَرِبَ مِنْه وَدَفَعَ فَضْلَهُ إِلَى أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ كَذَلِكَ فافْعَلُوا". فَنَحْنُ هَكَذا لا نُرِيدُ أَنْ نُغَيِّرَ ما قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (1).
* * *
باب في نبيذ السقاية
[2021]
(ثنا عمرو بن عون) بن أوس السلمي، قال (ثنا خالد، عن حميد، عن بكر بن عبد الله) الصنعاني - أو المزني - (قال: قال رجل لابن عباس) رضي الله عنهما (ما بال أهل هذا البيت يسقون النبيذ) قال الحسن (2): كانت السقاية تنبذ بزبيب، أي: ينقع الزبيب في الماء ثم يماث فيسقى، أي: يعرك لتستخرج قوته ويذوب في الماء، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقع له أول الليل تمرات في تور فيشربه إذا أصبح يومه ذلك، والليلة التي تجيء والغد، والليلة الأخرى، والغد إلى العصر، فإن بقي شيء سقاه الخادم أو أمر به فصب (3).
(1) رواه مسلم (1316).
(2)
في (ر): الحسين.
(3)
أخرجه مسلم (2004)(79).
(وبنو عمهم) أي بنو عبد الدار بن قصي بن كلاب؛ فإن بني عبد مناف بن قصي ومنهم هاشم أخذوا ما بأيدي عبد الدار من الحجابة واللواء والسقاية والرفادة (1)، ورأوا أنهم أولى بذلك منهم لشرفهم عليهم، وفضلهم في قومهم، ثم إنهم اصطلحوا على أن يعطوا بني عبد مناف السقاية والرفادة، وأن تكون الحجابة واللواء لبني عبد الدار، ففعلوا ورضوا بذلك.
قال ابن إسحاق: وولي هاشم بن عبد مناف [السقاية، والرفادة؛ لأنه كان موسرًا متنقلًا سفارًا لا يقيم بمكة، ثم لما هلك هاشم بن عبد مناف](2) بغزة من أرض الشام تاجرًا، ولي الرفادة والسقاية بعده المطلب بن عبد مناف، ثم ولي عبد المطلب بن هاشم السقاية والرفادة بعد موت (3) عمه المطلب (4)، ثم صارت السقاية إلى العباس في الجاهلية، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم أقرها في يده، ولأجلها رخص النبي صلى الله عليه وسلم له ترك المبيت بمنى إيثارًا لنفع المسلمين.
كانوا (يسقون) الحجيج (اللبن والعسل) اللذين هما أغلى المشروبات (والسويق) بفتح السين المتخذ من الحنطة أو الشعير، وسويق الشعير أبرد من سويق الحنطة، لكن فيه قبض ونفخ يذهبه بماء العسل، وكانوا يصنعون طعامًا وشرابًا للحاج فيأكلون منه ويشربون إلى أن يصدروا عنه، فجرى ذلك في الجاهلية حتى قام الإسلام [ثم جرى في
(1) في (م): الرقاق.
(2)
من (م).
(3)
سقط من (م).
(4)
"سيرة ابن هشام" 1/ 130 - 131.
الإسلام] (1) مدة، ثم انقطع وصار الماء لا يحصل إلا بمشقة، فنسأل الله العافية.
(أبخل بهم أم حاجة؟ ) أصابتهم فقدم البخل على الحاجة، وحاشاهم من ذلك (فقال ابن عباس: ما بنا) بحمد الله تعالى (من بخل، ولا بنا من حاجة) ثم ذكر السبب الموجب لسقيهم النبيذ، فقال (ولكن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي مكة (على راحلته وخلفه أسامة بن زيد) رديفه، ولعل هذا لما قدمها لطواف الإفاضة (فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب) يشربه (فأتي بنبيذ) تمر (فشرب منه.) فيه دليل على ما قاله ابن الرفعة وغيره: أنه يستحب لمن شرب من ماء زمزم أن يأتي سقاية العباس فيشرب منها إن كان هناك نبيذ؛ لأنه ثبت من فعله عليه الصلاة والسلام، قال: والنبيذ الذي يجوز شربه ما لم يسكر، أي: كما تقدم.
(ودفع فضله (2) إلى أسامة بن زيد فشرب منه) فيه أنه يستحب لمن أكل أو شرب أن يناول من حضر، فيبدأ بمناولة ما فضل منه لمن عن يمينه وإن كان مفضولًا، أو لمن هو راكب خلفه، وفيه مواساة رديفه الراكب خلفه، وجليسه فيما يأكله ويشربه من هدية ونحوها، فقد روي مرفوعًا:"جلساؤكم شركاؤكم في الهدية"(3)، وهذا إن صح حمل على الندب
(1) من (م).
(2)
زاد في (ر): فضلها.
(3)
ذكره ابن عبد البر في "التمهيد" 6/ 156، وقال العجلوني في "كشف الخفاء" (1060): قال ابن الملقن في "شرح البخاري" في باب الشرب وتبعه العيني: وقد روي أنه عليه الصلاة والسلام. فذكره، قال: وإسناده فيه لين. انتهى.
لإكرام (1) الجليس والصديق، وهذا كله من مكارم (2) الأخلاق.
(ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لمن يسقي على سقاية العباس (أحسنتم وأجملتم) بالجيم، أي: فعلتم فعلًا حسنًا جميلًا، وفيه أنه يستحب لمن رأى أحدًا في فعل خير للمسلمين من سقي المارين أو إزالة أذًى من طريق المسلمين أن يثني عليه ويدعو له ليرغبه في فعل الخير.
(كذلك فافعلوا) أي: استمروا على ما أنتم عليه ولا تتركوه؛ فإنه فعل حسن جميل، (فنحن لا نريد أن نغير ما قال) لنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأثنى على فعله، فيه التمسك بما وردت به السنة والمداومة عليه وإن كان غيره أعلى منه.
(1) في (ر): لا اكرام.
(2)
في (م): محاسن.