الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
13 - باب ما يُكْرَهُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُنَّ مِنَ النِّساءِ
.
2065 -
حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عامِرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تُنْكَحُ المَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِها، وَلا العَمَّةُ عَلَى بِنْتِ أَخِيها، وَلا المَرْأَةُ عَلَى خالَتِها وَلا الخالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِها وَلا تُنْكَحُ الكُبْرى عَلَى الصُّغْرى، وَلا الصُّغْرى عَلَى الكُبْرى"(1).
2066 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَنْبَسَةُ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، أَخْبَرَنِي قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أبا هُرَيْرَةَ يَقُول: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ المَرْأَةِ وَخالَتِها وَبَيْنَ المَرْأَةِ وَعَمَّتِها (2).
2067 -
حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا خَطّابُ بْنُ القاسِمِ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ العَمَّةِ والخالَةِ وَبَيْنَ الخالَتَيْنِ والعَمَّتَيْنِ (3).
2068 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ الِمصْرِيُّ، حَدَّثَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَوْلِ اللهِ تَعالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} قَالَتْ: يا ابن أُخْتِي هِيَ اليَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حِجْرِ وَليِّها فَتُشارِكهُ فِي مالِهِ فَيُعْجِبُهُ مالُها وَجَمالُها فَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَها بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَداقِها فَيُعْطِيَها مِثْلَ ما يُعْطِيها غَيْرُهُ فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهنَّ إلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ وَيَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ مِنَ
(1) رواه البخاري (5109)، ومسلم (1408). وانظر: ما بعده.
(2)
رواه البخاري (5110)، ومسلم (1408). وانظر: ما قبله.
(3)
رواه أحمد 1/ 217، وابن حبان (4116).
وهو في الترمذي (1125) بلفظ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تزوج المرأة على عمتها، أو على خالتها".
وضعف إسناده الألباني في "ضعيف أبي داود"(352).
الصَّداقِ، وَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا ما طابَ لَهُمْ مِنَ النِّساءِ سِواهُنَّ. قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ إِنَّ النّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ هذِه الآيَةِ فِيهِنَّ فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} قَالَتْ: والَّذِي ذَكَرَ اللهُ أَنَّهُ يُتْلَى عَلَيْهِمْ فِي الكِتابِ الآيَةُ الأُولَى التِي قَالَ اللهُ سبحانه وتعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} . قَالَتْ عَائِشَةُ: وَقَوْلُ اللهِ عز وجل فِي الآيَةِ الآخِرَةِ {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} هِيَ رَغْبَةُ أَحَدِكُمْ عَنْ يَتِيمَتِهِ التِي تَكُونُ فِي حِجْرِهِ حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ المالِ والجَمالِ، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوا ما رَغِبُوا فِي مالِها وَجَمالِها مِنْ يَتامَى النِّساءِ إِلَّا بِالقِسْطِ مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ. قَالَ يُونُسُ: وقَالَ رَبِيعَةُ فِي قَوْلِ اللهِ عز وجل {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} قَالَ: يَقُولُ اتْرُكُوهُنَّ إِنْ خِفْتُمْ فَقَدْ أَحْلَلْتُ لَكُمْ أَرْبَعًا (1).
2069 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْراهِيمَ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ الوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْن عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدُّؤَلِيُّ أَنَّ ابن شِهابٍ حَدَّثَهُ أَنَّ عَليَّ بْنَ الحُسَيْنِ حَدَّثَهُ أَنَّهُمْ حِينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ مِنْ عِنْدِ يَزِيدَ بْنِ مُعاوِيَةَ مَقْتَلَ الحُسَينِ بْنِ عَلَيٍّ رضي الله عنهما لَقِيَهُ الِمسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ إِلي مِنْ حاجَةٍ تَأْمُرُنِي بِها؟ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: لا. قَالَ: هَلْ أَنْتَ مُعْطِيَّ سَيْفَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَإِنِّي أَخافُ أَنْ يَغْلِبَكَ القَوْمُ عَلَيْهِ وايْمُ اللهِ لَئِنْ أَعْطَيْتَنِيهِ لا يُخْلَصُ إِلَيْهِ أَبَدًا حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى نَفْسِي، إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طالِبٍ رضي الله عنه خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ عَلَى فاطِمَةَ رضي الله عنها فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَخْطُبُ النّاسَ فِي ذَلِكَ عَلَى مِنْبَرِهِ هذا، وَأَنا يَوْمَئِذٍ مُحْتَلِمٌ فَقَالَ:"إِنَّ فاطِمَةَ مِنِّي وَأَنا أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِها". قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ فَأْثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصاهَرَتِهِ إِيّاهُ فَأَحْسَنَ، قَالَ:
(1) رواه البخاري (2494، 2763، 4574، 5064، 5092، 5140، 6965)، ومسلم (3018).
"حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي وَوَعَدَنِي فَوَفَّى لِي وَإِنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلالًا وَلا أُحِلُّ حَرامًا ولكن والله لا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللهِ مَكانًا واحِدًا أَبَدًا"(1).
2070 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فارِسٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّزّاقِ أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، وعَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابن أَبِي مُلَيكَةَ بهذا الخَبَرِ قَالَ: فَسَكَتَ عَلَيٌّ عَنْ ذَلِكَ النِّكاحِ (2).
2071 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ - المَعْنَى - قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ القُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ أَنَّ المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى المِنْبَرِ يَقُولُ:"إِنَّ بَنَي هِشامِ بْنِ المُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي أَنْ يُنْكِحُوا ابنتَهُمْ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ فَلا آذَنُ ثُمَّ لا آذَنُ ثُمَّ لا آذَنُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ ابن أَبِي طالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابنتَي وَيَنْكِحَ ابنتَهُمْ فَإِنَّما ابنتِي بَضْعَةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي ما أَرابَها وَيُؤْذِينِي ما آذاها". والإِخْبارُ فِي حَدِيثِ أَحْمَدَ (3).
* * *
باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء
[2065]
(ثنا عبد الله بن محمد النفيلي، ثنا زهير، ثنا داود بن أبي هند) واسم أبي هند دينار، قاله المصنف فيما سأله عنه الآجري البصري أحد الأعلام (عن عامر) بن شراحيل (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنكح) يحتمل أن تكون التاء مفتوحة والحاء مجزومة وتكسر لالتقاء الساكنين على الجزم بلا الناهية (المرأة) بالنصب، ويحتمل أن تكون لا نافية وتنكح بضم أوله وفتح ثالثه
(1) رواه البخاري (3110، 3729)، ومسلم (2449). وانظر لاحقيه.
(2)
انظر: السابق، وما بعده.
(3)
رواه البخاري (3714، 3767، 5230، 5278)، ومسلم (2449). وانظر سابقيه.
والحاء مرفوعة خبر معناه النهي؛ فإنه أبلغ من النهي بصيغته وأظهر في الرواية، والمرأة على هذا مرفوع، وقد جاء في رواية البخاري: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة (1)(على عمتها) ومعناه النهي عن هذا النكاح، أنه يفضي إلى التنافر بينهما والتباغض، وإلى قطيعة الرحم، ويدل عليه ما في رواية ابن عدي من حديث ابن عباس: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تزوج المرأة على العمة والخالة، وقال:"إذا فعلتن ذلك قطعتن أرحامكن"(2). وإن كان في سنده من فيه فقد أخرجه ابن حبان في "صحيحه"(3). (ولا العمة على بنت أخيها، ولا المرأة على خالتها، ولا الخالة على بنت أختها) المراد بالعمة والخالة أخت الأب وأخت الأم، وهذا حقيقة، وفي معناها أخت الجد ولو من جهة الأم، وأخت أبي الجد وإن علا وأخت الجدة هان علت، وكذا أخت أم الجدة ولو من قبل الأب، لكن هل ذلك لأنهن عمات وخالات حقيقة كالأول، أو لكونه مجازًا، ولكن حمل اللفظ على حقيقته ومجازه، وهو جائز عند الشافعي (4)(ولا تنكح) العمة (الكبرى على) بنت أختها (الصغرى ولا) تنكح بنت الأخ (الصغرى على) عمتها (الكبرى) ولا تنكح المرأة الكبرى على خالتها الصغرى، ولا تنكح الخالة الصغرى على بنت أختها الكبرى.
(1)"صحيح البخاري"(5110).
(2)
"الكامل" لابن عدي 5/ 262.
(3)
"صحيح ابن حبان"(4116).
(4)
انظر: "الحاوي الكبير" 9/ 204.
قال القرطبي: وهذا مساق حسن بيِّن غير أن فيه واوًا اقتضت إشكالًا، وهي التي في قوله: ولا تنكح الكبرى على الصغرى، ولا الصغرى على الكبرى، فأتى بواو العطف التي تقتضي المغايرة، وبالنهي عن إدخال إحداهن على الأخرى طردًا وعكسًا.
قال: ويرتفع الإشكال بأن تقدر الواو زائدة، ويكون الكلام الذي بعد الجملة الأولى مؤكدًا لما قبله ومبينًا له (1).
[2066]
(ثنا أحمد بن صالح، ثنا عنبسة، قال: أخبرني يونس، عن) محمد (بن شهاب، قال: أخبرني قبيصة بن ذؤيب، أنه سمع أبا هريرة يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين المرأة وخالتها وبين المرأة وعمتها) معنى الجمع بينهما أن يستحل وطئهما معًا بأن يجمع بينهما في نكاح أو يطؤهما بملك اليمين.
قال الشافعي في كتاب "الأم": وهذا مما لا خلاف فيه (2). وقالت طائفة من الخوارج والشيعة وعثمان البتي: يجوز، ولكن لما لم يقيد بهذا الخلاف لم يقدح في حكاية الإجماع، وسواء كان الجمع بالنكاح معًا أم مرتبًا فتبطل الثانية؛ لأن بها حصل الجمع، والمرتب هو المراد به في الحديث قبله:"لا تدخل المرأة على خالتها"(3).
[2067]
(ثنا عبد الله بن محمد النفيلي، ثنا خطاب) بفتح الخاء المعجمة أوله والموحدة آخره (ابن القاسم) قاضي حران، وثقه ابن
(1)"المفهم" 4/ 103.
(2)
"الأم" 5/ 6 بمعناه.
(3)
تقدم.
معين (عن خصيف) بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة وبعد ياء التصغير فاء، ابن عبد الرحمن بن أبي عون الحراني مولى بني أمية صدوق سيء الحفظ.
(عن عكرمة، عن ابن عباس) رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كره أن يجمع بين) المرأة (العمة والخالة) لها سواء كانت خالتها بنسب أو رضاع، وضبطوه بكل امرأتين بينهما قرابة أو نكاح، لو فرضت إحداهما ذكرًا لحرمت المناكحة بينهما، واحترز بالنسب والرضاع عن المصاهرة كالمرأة وأم زوجها فإنه يجوز أن يجمع بينهما، وقد أفتى ابن الفركاح بجواز الجمع بين المرأة وبين خالتها.
قال ابن النحاس: الواجب على لفظ هذا الحديث أن لا يجمع بين امرأتين إحداهما عمة الأخرى والأخرى خالة الأخرى، قال: وهذا يخرج على وجه صحيح، وهو أن يكون رجل وابنه تزوجا امرأة وابنتها، تزوج الأب البنت، والابن الأم، فولدت كل واحدة منهما بنتًا، فابنة الأب عمة ابنة الأم، وابنة الأبن خالة ابنة الأب (1).
(و) لا (بين الخالتين) وهو أن يتزوج رجل ابنة رجل، ويتزوج الثاني ابنة الأول، فيولد لكل واحد منهما ابنة، فابنة واحد منهما خالة الأخرى.
(و) أن يجمع بين (العمتين) وهو أن يتزوج أم رجل ويتزوج الآخر أم الآخر، ثم يولد لكل واحد منهما ابنة، فبنت كل واحد منهما عمة الأخرى (2).
(1) انظر: "المفهم" 4/ 103 - 104.
(2)
انظر: "المفهم" 4/ 104.
[2068]
(ثنا أحمد بن عمرو بن السرح المصري، ثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة بن الزبير أنه سأل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم) رضي الله عنها (عن قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ})(1) أي: فزعتم، وهو ضد الأمن، وقد يكون المخوف منه معلوم الوقوع، وقد يكون مظنونًا، فلذلك اختلف العلماء في تفسير هذا الخوف، فقال أبو عبيدة: خفتم: أيقنتم (2). وقال آخرون: خفتم: ظننتم.
قال ابن عطية: والذي اختاره أن الخوف على بابه من الظن لا من اليقين، والتقدير: من غلب على ظنه التقصير في القسط لليتيمة فليعدل عنها ({أَنْ لَا تُقْسِطُوا}) تعدلوا، يقال: أقسط الرجل إذا عدل، وقسط إذا جار وظلم، وقرأ ابن وثاب والنخعي: تقسطوا. بفتح التاء على تقدير زيادة: لا، كأنه قال: وإن خفتم أن تجوروا (3)({فِي الْيَتَامَى}) اليتيم في بني آدم من قبل الأب، وفي الحيوان من قبل الأم، وأصل اليتيم أن يقال على من لم يبلغ، وقد أطلق في هذِه الآية على المحجور عليها صغيرة كانت أو كبيرة، استصحابًا لإطلاق اسم اليتم لبقاء الحجر عليها، وإنما قلنا أن اليتيمة الكبيرة قد دخلت في الآية؛ لأنها قد أبيح العقد عليها في الآية، ولا تنكح اليتيمة الصغيرة؛ إذ لا إذن لها، فإذا بلغت جاز نكاحها لكن بإذنها.
(1) النساء: 3.
(2)
"مجاز القرآن" 1/ 114.
(3)
انظر: "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" 2/ 8.
({فَانْكِحُوا مَا}) وجاز وقوع ما للآدميين وإن كان أصلها لمن لا يعقل؛ لأن من وما يتعاقبان، قال الله تعالى:{وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5)} (1) أي من بناها، وقال الله تعالى:{فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} (2) أي: ما يمشي، فمن هنا لمن يعقل ومن النساء؛ لقوله تعالى بعد ذلك:{طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} ، وقرأه ابن أبي عبلة (3): من طاب. على الأصل {طَابَ لَكُمْ} قيل: المراد نكاحًا طيبًا، وقراءة ابن أبي عبلة ترده.
واتفق كل من يعاني العلوم أن قوله تعالى {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} ليس له مفهوم، فقد أجمع المسلمون على أن من لم يخف القسط في اليتامى فله أن ينكح أكثر من واحدة (4)، وقد تعلق أبو حنيفة بهذِه الآية في تجويزه نكاح اليتيمة قبل البلوغ، وقال: إنها تكون يتيمة قبل البلوغ، وبعد البلوغ ليست بيتيمة (5)، بدليل أنه لو أراد البالغة لما نهى عن حطها عن صداق مثلها لأنها تختار ذلك، فيجوز إجماعًا، وذهب مالك والشافعي والجمهور إلى أن ذلك لا يجوز حتى تبلغ وتستأمر (6)؛ لقوله تعالى:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} (7)، والنساء اسم يطلق على الكبار، كالرجال في الذكور (قالت: يا ابن أختي) لأن عروة
(1) الشمس: 5.
(2)
النور: 45.
(3)
في النسخة الخطية: علية. وهو خطأ.
(4)
انظر: "المفهم" 7/ 330.
(5)
"الحجة على أهل المدينة" 3/ 144.
(6)
"المدونة" 2/ 103، وانظر:"المجموع" 16/ 168 - 169.
(7)
النساء: 127.
من أسماء وهي أخت عائشة (هي اليتيمة) مجاز، كقوله تعالى:{وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} (1) فسماهم يتامى وقد بلغوا، مجازًا، وقيل: سُمِّين يتامى وأيتام؛ لأنهن كن أيتام، كقوله تعالى:{فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46)} (2) ولا سحر مع السجود، فلا يتم مع البلوغ، وكان يقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يتيم أبي طالب؛ اعتبارًا لما كان عليه (تكون في حجر) بفتح الحاء وكسرها (وليها فتشاركه في ماله) أي: في المال المتخلف عن أبيه أو أمه، ولا يلزم من المشاركة التسوية في المال، أو يكون لها مال عنده من غير الميراث (فيعجبه مالها) الذي تحت يده (وجمالها) إن كانت جميلة (فيريد وليها أن يتزوجها) إن جاز له ذلك (من غير أن يقسط) بضم أوله وكسر ثالثه، أي يعدل في مقدار صداقها (فيعطيها) بالنصب (مثل ما يعطيها) بسكون الياء؛ لأنه في موضع صلة الموصول الذي هو (ما) عطاء (غيره) لو أراد زواجها (فنهوا) عن (أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن) قرأ ابن وثاب والنخعي بفتح التاء من: تقسطوا. على تقدير زيادة: لا. كأنه قال: وإن خفتم أن تجوروا. وعلى قراءة الجمهور: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا} (3)(ويبلغوا بهن أعلى سنتهن) أي: أعلا عادتهن (من الصداق) ومهور أمثالهن (وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم) أي حل لهم من النساء، هذا الأمر بالنكاح هو ندب لقومه وإباحة، لا تحذير بحسب قرائن الأمر، والنكاح في الجملة في
(1) النساء: 2.
(2)
الشعراء: 46.
(3)
النساء: 3.
الأغلب مندوب إليه سواهن، فإنه أبعد في التهمة وأسلم في الدين والعرض.
(قال عروة) بن الزبير (قالت عائشة) رضي الله عنها (ثم إن الناس) أي: جماعة من الصحابة (استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: سألوه أن يفتيهم بعد هذِه الآية التي في أول النساء (فيهن) في إماء الأيتام (فأنزل الله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ})(1) أي: في أمر النساء وأحكامهن في الميراث وغير ذلك ({قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ}) أمر الله نبيه أن يقول لهم: إن الله يفتيكم فيهن، أي: يبين لكم حكم ما سألتم عنه. وروى أشهب، عن مالك، كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل فلا يجيب حتى نزل عليه الوحي، وذلك في كتاب الله:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} . ({وَمَا يُتْلَى}) في موضع رفع عطف على اسم الله، والمعنى: والقرآن يفتيكم، وهو قوله {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} .
({عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ}) أي: القرآن ({فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ}) معناه: النهي عما كانت العرب تفعله من ضم اليتيمة الجميلة الغنية بدون ما تستحقه من المهر، ومن عضل اليتيمة الدميمة الفقيرة عن النكاح أبدًا، والدميمة الغنية حتى يرثها الولي، ونحو ذلك مما يقصد به الولي منفعة نفسه في الدنيا لا نفع اليتيمة، والذي كتب لهن هو توفية ما تستحقه من مهر وإلحاقها بأقرانها.
وقرأ أبو (عبد الله)(2) المدني في: {يَتَامَى النِّسَاءِ} بياءين من
(1) النساء: 127.
(2)
في النسخ الخطية: عبيد.
تحت (1)، قال أبو الفتح: والقول في هذِه القراءة أنه أراد أيامى فقلبت الهمزة ياء، كما قلبت الهمزة في: قطع الله أديه. أي: يده (2). والأيامى: جمع أيم بتشديد الياء ({وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}) أي: في أن تنكحوهن فحذفت في، أي: ترغبون في مالها إذا كانت كثيرة المال، وحديث عائشة يدل على أن المحذوف: عن. أي: وترغبون عن أن تنكحوهن. قال في حديثها: وترغبون أن تنكحوهن رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره، حين تكون قليلة المال والجمال، كما سيأتي.
(قالت) عائشة (والذي ذكر الله) تعالى (أنه يتلى عليهم في الكتاب) هي (الآية التي قال الله تعالى فيها) في أول النساء: ({وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ}) أي: حل ({لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ})(3) قال بعضهم: تأويل الآية أن الله تعالى خاطب أولياء اليتامى، فقال: وإن خفتم من أنفسكم المشاحة في صداقهن وأن لا تعدلوا فتبلغوا بهن صداق أمثالهن فلا تنكحوهن وانكحوا غيرهن من الغرائب اللاتي أحل الله لكم خطبتهن (قالت عائشة: وقول الله عز وجل في الآية الآخرة) من سورة النساء ({وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ})(4) هذِه الرغبة (هي رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره) يجوز أن يكون من حجر الثوب وهو
(1) انظر: "مختصر في شواذ القرآن" لابن خالويه ص 35، "المحتسب" لابن جني 1/ 200.
(2)
"المحتسب" 1/ 200.
(3)
النساء: 3.
(4)
النساء: 127.
طرفه المقدم؛ لأن الإنسان يربي ولده ويتيمته في حجره، وكذا الولي القائم بأمر اليتيم يأخذه في حجره غالبًا (حين تكون قليلة المال والجمال) فلا يرغب في نكاحها، وكان عمر بن الخطاب يأخذ الناس في الدرجة الفضلى في هذا المعنى، فكان إذا سأل الولي عن يتيمته فقيل: هي غنية جميلة. قال: اطلب لها من هو خير منك وعد عليها بالنفع. وإذا قيل: هي دميمة قليلة المال. قال له: أنت أولى بها وبالستر عليها من غيرك (فنهوا) الأولياء (أن ينكحوا ما) أي: اليتيمة التي (رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء) اللاتي في حجورهن (إلا بالقسط) يعني: بالعدل (من أجل رغبتهم عنهن) حيث كن قليلات المال والجمال (قال يونس) بن يزيد بن أبي النجاد القرشي، أحد الرواة (وقال ربيعة) قال المنذري: يشبه أن يكون ابن أبي عبد الرحمن شيخ مالك (1). (في قول الله: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} قال: يقول) الله تعالى لأولياء الميت حين تحرجوا عن القيام بمصالح أموال اليتامى (اتركوهن) أي: اتركوا نكاحهن (إن خفتم) العجز عن القيام بمصالحهن (فقد أحللت لكم) من غيرهن (أربعًا) فإن لم تقدروا أي تتركوهن فلا تكثروا منهن فتحتاجون إلى مخالطتهن.
قال القرطبي: وأقرب الأقوال وأصحها قول عائشة في تفسيرها من الفقه ما قال به مالك من صداق المثل والرد إليه فيما فسد من الصداق، ووقع الاختلاف في مقداره لقولها: بأدنى من سنة صداقها. فوجب أن يكون صداق المثل معروفًا لكل صنف من الناس على قدر أحوالهم،
(1) انظر: "عون المعبود" 6/ 76.
وقال مالك: للناس صداقات عرفت لهم وعرفوا لها صداقات وأكفاء، وقال: إذا بلغت اليتيمة وأقسط الولي صداقها جاز له أن يتزوجها، ويكون هو الناكح والمنكح على ما قررته عائشة، وبه قال مالك وأبو حنيفة، وقال الشافعي: لا يجوز له أن يتزوجها إلا بإذن السلطان أو يزوجها عنه ولي لها مثله، أو أعلى منه (1).
[2069]
(ثنا أحمد بن محمد بن حنبل، ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد)(2) الزهري قال (حدثني أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المدني.
(عن الوليد بن كثير) المدني الكوفي قال (حدثني محمد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي، أن) محمد (بن شهاب) الزهري (حدثه، أن علي بن حسين) بن علي بن أبي طالب زين العابدين رضي الله عنهما حدثه (3)(أنهم) أي وجماعته الذي كانوا معه (حين قدموا المدينة) شرفها الله تعالى (من عند يزيد بن معاوية مقتل) منصوب لنيابته عن ظرف الزمان (4)، وهو من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، أي أيام مقتل، ومنه كان كذا طلوع الثريا، أي وقت طلوع الثريا، وهو كثير يقاس (الحسين بن علي) بن أبي طالب، وكان مقتله يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، وقيل: سنة اثنتين وستين.
(1)"الجامع لأحكام القرآن" 5/ 14 - 15.
(2)
تحرفت في الأصل إلى: سعيد.
(3)
سقطت من الأصل واستدركتها من مطبوعة "السنن".
(4)
في الأصل: المكان. ولعله سبق قلم.
(لقيه المسور بن مخرمة) بن نوفل الزهري (فقال له: هل لك إلي من حاجة). (من) زائدة تنصص العموم، كقوله تعالى:{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} (1)(تأمرني بها؟ ) فيه فضيلة قضاء حوائج أهل العلم والصلاح وبيت النبوة والشرف، وسؤالهم عما لهم من الحوائج ليبادر إلى قضائها.
(قال) علي بن الحسين (فقلت له: لا) ثم (قال: فهل أنت معطيَّ) بتشديد الياء المفتوحة للتخفيف (سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم) استفهام بمعنى الطلب، طلب المسور سيف رسول الله إرادة التبرك، وكان على يد الحسين فلما قتل أراد المسور أن يأخذه لئلا يأخذه بنو أمية، ثم حلف على القطع على المستقبل ثقة بالله في إبراره.
(فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه، وايم الله لئن أعطيتنيه) فيه حجة لابن مالك وغيره أيما وقع ثاني ضميرين منصوبين فالاتصال أرجح، ويجوز: أعطيني إياه (لا يخلص) بضم الياء وفتح اللام (إليه) أي: لا يصل إليه أحد (أبدًا) وتكرر ذكر: خلص، بمعنى: وصل، ومنه حديث الإسراء:"فلما خلصت"(2) أي: وصلت وبلغت. ومنه حديث هرقل: إني أخلص إليه (3).
(حتى يصل)(4) بضم المثناة تحت وفتح اللام (إلى) أي حتى يبلغ
(1) فاطر: 3.
(2)
تحرفت في الأصل إلى: جلست. والحديث في البخاري (3430) من حديث مالك بن صعصعة.
(3)
أخرجه البخاري (7)، ومسلم (1773)(74) من حديث أبي سفيان.
(4)
كذا في الرواية التي اعتمد عليها الشارح. ولفظ رواية ابن داسة: يبلغ.
الهلاك إلى (نفسي) قبله، ورواية مسلم: حتى تبلغ نفسي (1). بضم المثناة فوق من: يبلغ، ثم قال (إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خطب بنت أبي جهل) بن هشام، كما تقدم نسبه، قال الطبري: اسم بنت أبي جهل هذِه: جويرية، أسلمت وبايعت وتزوجها عتاب بن أسيد (2)، وقيل: اسمها جميلة (3)، وقيل: اسمها العوراء، ذكره عبد الغني بن سعيد، وهي معدودة من الصحابة، وقيل: اسمها: جويرية (على فاطمة) البتول سيدة نساء العالمين، عن علي قال: قلت: يا رسول الله، لم سميت فاطمة؟ قال:"إن الله عز وجل فطمها وذريتها من النار يوم القيامة"(4). قال الطبري: أخرجه الحافظ الدمشقي (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس) فيه ما يدل على جواز خطبة الإمام الناس وجمعهم للأمر الذي يحدث (في ذلك على المنبر) فيه أن السنة للخطيب أن يكون على منبر أو مرتفع (وأنا محتلم) أي بلغت مبالغ الرجال، كذا في الصحيحين (5)، وفيه نظر؛ فإن الجماعة نصوا على أنه ولد بمكة في السنة الثانية، وتوفي رسول الله وهو ابن ثمان سنين، فإن كان يريد كالمحتلم لكثرة ضبطه لصغره (فقال: إن فاطمة مني) أي: جزء مني، كما في الرواية الآتية:"بضعة مني"(وإني أخاف أن تفتن في دينها)
(1)"صحيح مسلم"(2449)(95).
(2)
تحرفت في الأصل إلى: سعيد.
(3)
تحرفت في الأصل إلى: جهدمه، وانظر:"الإصابة" 8/ 72.
(4)
أخرجه الخطيب البغدادي 12/ 331 من حديث ابن عباس بسند ضعيف، كما في "الفوائد المجموعة" للشوكاني (123).
(5)
"صحيح البخاري"(3110)، و"صحيح مسلم"(2449)(95).
فكره النبي صلى الله عليه وسلم فتنتها وتخوف من ذلك لفرط ما تحملها الغيرة على زوجها من عداوة بنت عدو أبيها ومشاركتها في زوجها، وأن عداوة الآباء قد تؤثر، وخاف صلى الله عليه وسلم على ابنته من المفسدة في دينها من ضرر يسري إليها (قال: ثم ذكر صهرًا له) الصهر يطلق على زوج البنت وأقاربه، من صهرت الشيء وأصهرته إذا قربته، والمصاهرة مقاربة بين الأجانب المتباعدين (من بني عبد شمس) هو أبو العاص ابن الربيع، زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه: هشيم، ويقال: لقيط، ويقال: القاسم، وحكى البغوي فيه: مقسم (1).
(فأثنى عليه في مصاهرته فأحسن) لأنه أحسن في معاشرته مع ابنته وكان محبًّا لها، وأرادت قريش منه أن يطلقها فأبى، فشكر النبي صلى الله عليه وسلم له ذلك، ثم إنه حضر مع المشركين ببدر فأسر وحمل إلى المدينة، فبعثت فيه زينب قلادتها، فردت عليها وأطلق لها صلى الله عليه وسلم (قال: حدثني فصدقني) حدثه أن يرد أموال قريش ويسلم، ففعل (ووعدني فوفى) بتخفيف الفاء (لي) كان وعد النبي أن يرسل إليه ابنته زينب، فوفى له بوعده وأرسلها، وهاجرت زينب، وبقي هو بمكة على شركه إلى أن خرج في عير لقريش تاجرًا، وذلك قبل الفتح بيسير، فعرض لتلك العير زيد بن حارثة في سرية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذها، وأفلت أبو العاص هاربًا إلى أن جاء المدينة فاستجار بزينب فأجارته، وكلم النبي صلى الله عليه وسلم الناس في رد جميع ما أخذت تلك السرية.
(وإني لست أحرم حلالًا) فيه الإعلام بإباحة نكاح بنت أبي جهل لعلي
(1)"معجم الصحابة" 5/ 167.
- رضي الله عنه، وأنه حلال، فلم يحرمه النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه تصريح بأن الحكم بالتحليل والتحريم من الله تعالى، وإنما الرسول مبلغ عن الله تعالى، ويستدل به من منع من اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في الأحكام، ومن منع جواز تفويض الأحكام للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا حجة فيه؛ لأن اجتهاد المجتهد لا يوجب الأحكام، وإنما يظهرها من النصوص كما هو مقرر في كتب الأصول، ويقيد هذا أن حكم الله تعالى على علي وعلى غيره التخيير من نكاح ما طاب له من النساء الأربع، وإنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم بينهما لعلتين منصوصتين: أحدهما أن ذلك يؤدي إلى أذى فاطمة فيتأذى حينئذٍ النبي صلى الله عليه وسلم فيهلك من آذاه، فنهى عن ذلك لكمال شفقته على علي وعلى فاطمة، والثانية خوف الفتنة عليها بسبب الغيرة، قال الداوودي: فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان اشترط على علي، ولعله إن صح ذلك أن يكون علي تطوع به بعد العقد وقبل.
(ولا أحل حرامًا) ولعله قاله استطرادًا لما قبله (ولكن والله) أقسم بالله على المستقبل ثقة بالله أن يبر قسمه (لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم) وقد ذكر أبو علي السبخي في "شرح التلخيص" أنه يحرم التزوج على بنات النبي صلى الله عليه وسلم، أي: كل من تنسب إليه بالبنوة (1). (وبنت عدو الله) فيه دليل على أن الأصل أن ولد الخبيث خبيث وولد العدو عدو، إلى أن يتبين خلاف ذلك، وفيه بقاء عار الآباء في أعقابهم بقوله:"بنت عدو الله" مع كونها مسلمة كما سبق، وكذلك الخير والشرف في الدين يبقى في العقب، كقوله تعالى:{وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} (2)، وقد استنبط بعض
(1)"فيض القدير" 4/ 554.
(2)
الكهف: 82.
الفقهاء من هذا منع نكاح الأمة على الحرة، ورد ذلك بعضهم؛ لأنه يلزم منه منع نكاح الحرة المكاتبة على المسلمة، ومنع نكاح ابنة المرتد على من ليس أبوها كذلك (مكانًا) منصوب على المفعول به بعد إسقاط الخافض توسعًا، والتقدير: في مكان (واحدًا) وقيل: منصوب على الظرفية تشبيهًا له بالمبهم، ورواية ابن ماجه وغيره:"ولا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله عند رجل واحد"(أبدًا) ولعل هذِه الرواية مبينة للرواية التي قبلها؛ فإن قوله: في مكان واحد. يفهم أنه لو كانا في مكانين لجاز، وهذا بعيد المراد.
[2070]
(ثنا محمد بن) عبد الله بن خالد بن (فارس) بن ذؤيب الهذلي شيخ البخاري (ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن عروة، وعن أيوب، عن) عبيد الله (بن أبي مليكة، بهذا الخبر، وقال: فسكت علي عن) تلك الخطبة التي لابنة أبي جهل (وذلك النكاح) الذي عزم عليه وعن غيره، ولم يتزوج عليها ولا تسرى عليها حتى ماتت.
[2071]
(ثنا أحمد) بن عبد الله (بن يونس، وقتيبة بن سعيد - المعنى - قال أحمد) بن يونس (ثنا الليث، حدثني عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة القرشي التيمي، أن المسور بن مخرمة رضي الله عنه حدثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول: إن بني هشام (1) بن المغيرة استأذنوا) النبي صلى الله عليه وسلم (أن ينكحوا) أي: يزوجوا (ابنتهم من علي بن أبي طالب) رضي الله عنه.
فإن قيل: لفظ الحديث قبله أن عليًّا خطب بنت أبي جهل على فاطمة، وهنا: بني هشام (2) بن المغيرة استأذنوا؟
(1) و (2) تحرفت في النسخ إلى: هاشم.
فالجواب: لا منافاة بينهما، فأبو جهل عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي.
(فلا آذن) في ذلك (ثم لا آذن، ثم لا آذن) فإن قيل: ثم حرف عطف ولا بد فيه من المغايرة بين المتعاطفين.
فالجواب: أن الثاني مغاير للأول، باعتبار أن فيه تأكيدًا ليس للأول، وبوب عليه البخاري: باب: ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف (1). لما يخاف على فاطمة في الجمع بينها وبين ابنة أبي جهل من الافتتان لأجل الغيرة، ولما يتوقع من مناكدة هذِه الضرة؛ لأن عداوة الآباء قد تؤثر في عداوة الأبناء (إلا أن يريد) علي (ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي) فيه جواز سؤال الأب طلاق ابنته من زوجها إذا كان بسبب كخوف فتنتها من الغيرة أو غيرها، وأما الطلاق من غير سبب فمكروه (2) (وينكح ابنتهم) أي: ابنة بني هشام بن المغيرة (فإنما ابنتي بضعة) بفتح الباء هي القطعة من اللحم، ويجمع على بضاع كقصعة وقصاع، وسماها في رواية الصحيحين:"مضغة"(3)، وهي قدر ما يمضغه الماضغ (مني) ويعني بذلك أنها كالجزء منه، ويؤلمه ما آلمها (يريبني) يجوز الضم.
قال ابن القوطية: يقال: رابني الشيء وأرابني إذا خوفني وشككني.
قال النووي: يريبني بفتح الياء. قال إبراهيم الحربي: الريب ما رابك
(1) بوب به على حديث (5230).
(2)
زاد هنا: وإن كان لغير سبب.
(3)
"صحيح مسلم"(2449)(96).
من شيء خفت عقباه، وقال الفراء وأبو زيد وغيرهما: راب وأراب بمعنى (1).
وقال غيرهم: يريبني، أي: يشق علي ويؤلمني. يقال: رابني فلان إذا رأيت منه ما تكره، ثلاثيًّا، وهذيل يقال: أرابني رباعيًّا. ومنه (ما أرابها) أي شق عليها (ويؤذيني ما آذاها) يعني: إذا تأذت فاطمة في نفسها تأذى النبي صلى الله عليه وسلم بسببها، وأذى النبي صلى الله عليه وسلم حرام، وفيه القول بسد الذرائع وإعمال للمصالح، وأن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من حرمة غيره ويظهر حالنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، بل يحرم علينا كل شيء يتأذى به، وإن كان في أصله مباحًا لنا وإن أدى إلى أذى النبي صلى الله عليه وسلم ارتفعت الإباحة ولزمت التحريم، وفيه ما يدل على غضب الرجل لابنته وولده وحرمه، وعلى الحرص في دفع ما يؤدي إلى ضررهم وإن كان بوجه جائز.
(والإخبار) بكسر الهمزة (في حديث أحمد) دون قتيبة.
(1)"شرح النووي" 16/ 2.