المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌46 - باب في جامع النكاح - شرح سنن أبي داود لابن رسلان - جـ ٩

[ابن رسلان]

فهرس الكتاب

- ‌66 - باب الصَّلاةِ بِجَمْعٍ

- ‌67 - باب التَّعْجِيلِ مِنْ جَمْعٍ

- ‌68 - باب يَوْمِ الحَجِّ الأَكْبَرِ

- ‌69 - باب الأَشْهُرِ الحُرُمِ

- ‌70 - باب مَنْ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَةَ

- ‌71 - باب النُّزُولِ بمِنًى

- ‌72 - باب أي يَوْمٍ يَخْطُبُ بِمِنًى

- ‌73 - باب مَنْ قَالَ: خَطَبَ يَوْمَ النَّحْرِ

- ‌74 - باب أي وَقْتٍ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ

- ‌75 - باب ما يَذْكُرُ الإِمامُ في خُطْبَتِهِ بِمِنًى

- ‌76 - باب يَبِيتُ بمَكَّةَ لَيالي مِنًى

- ‌77 - باب الصَّلاةِ بِمِنًى

- ‌78 - باب القَصْرِ لأَهْلِ مَكَّةَ

- ‌79 - باب في رَمْي الجِمارِ

- ‌80 - باب الحَلْقِ والتَّقْصِيرِ

- ‌81 - باب العُمْرَةِ

- ‌82 - باب المُهِلَّةِ بِالعُمْرَةِ تَحِيضُ فَيُدْرِكُها الحَجُّ فَتَنْقُضُ عُمْرَتَها وَتُهِلُّ بِالحَجِّ هَلْ تَقْضي عُمْرَتَها

- ‌83 - باب المَقامِ في العُمْرةِ

- ‌84 - باب الإِفاضَةِ في الحَجِّ

- ‌85 - باب الوَداعِ

- ‌86 - باب الحائِضِ تَخْرُجُ بَعْدَ الإِفاضَةِ

- ‌87 - باب طَوافِ الوَداعِ

- ‌88 - باب التَّحْصِيبِ

- ‌89 - باب فِيمَنْ قَدَّمَ شَيْئًا قَبْلَ شَيء في حَجِّهِ

- ‌90 - باب في مَكَّةَ

- ‌91 - باب تَحْرِيمِ حَرَمِ مَكَّةَ

- ‌92 - باب في نَبِيذِ السِّقايَةِ

- ‌93 - باب الإِقامَةِ بِمَكَّةَ

- ‌94 - باب في دُخُولِ الكَعْبَةِ

- ‌95 - باب الصلاة في الحِجْرِ

- ‌96 - باب في مالِ الكَعْبَةِ

- ‌97 - باب في إِتْيانِ المَدِينَةِ

- ‌98 - باب في تَحْرِيمِ المَدِينَةِ

- ‌99 - باب زِيارَةِ القُبُورِ

- ‌كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌1 - باب التَّحْرِيضِ عَلَى النِّكاحِ

- ‌2 - باب ما يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ تَزْوِيجِ ذاتِ الدِّينِ

- ‌3 - باب في تَزْوِيجِ الأَبْكارِ

- ‌4 - باب النَّهْي عَنْ تَزْوِيجِ منْ لَمْ يَلِدْ مِنَ النِّساءِ

- ‌5 - باب في قَوْلِهِ تَعالَى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً}

- ‌6 - باب في الرَّجُلِ يَعْتِقُ أَمَتَهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُها

- ‌7 - باب يَحْرُمُ مِنَ الرَّضاعَةِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ

- ‌8 - باب فِي لَبَنِ الفَحْلِ

- ‌9 - باب فِي رَضاعَةِ الكَبِيرِ

- ‌10 - باب فِيمَنْ حَرَّمَ بِهِ

- ‌11 - باب هَلْ يُحَرِّمُ ما دُونَ خَمْسِ رَضَعاتٍ

- ‌12 - باب فِي الرَّضْخِ عِنْدَ الفِصالِ

- ‌13 - باب ما يُكْرَهُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُنَّ مِنَ النِّساءِ

- ‌14 - باب فِي نِكاحِ المُتْعَةِ

- ‌15 - باب فِي الشِّغارِ

- ‌16 - باب فِي التَّحْلِيلِ

- ‌17 - باب فِي نِكاحِ العَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ مَوالِيهِ

- ‌18 - باب فِي كَراهِيَةِ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ

- ‌19 - باب فِي الرَّجُلِ يَنْظُرُ إِلَى المَرْأَةِ وَهُوَ يُرِيدُ تَزْوِيجَها

- ‌20 - باب فِي الوَليِّ

- ‌21 - باب فِي العَضْلِ

- ‌22 - باب إِذا أَنْكَحَ الوَلِيّانِ

- ‌23 - باب قَوْلِهِ تَعالَى: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ}

- ‌24 - باب فِي الاسْتِئْمارِ

- ‌25 - باب فِي البِكْرِ يُزَوِّجُها أَبُوها وَلا يَسْتَأْمِرُها

- ‌26 - باب فِي الثَّيِّبِ

- ‌27 - باب فِي الأَكْفاءِ

- ‌28 - باب فِي تَزْوِيجِ مَنْ لَمْ يُولَدْ

- ‌29 - باب الصَّداقِ

- ‌30 - باب قِلَّةِ المَهْرِ

- ‌31 - باب فِي التَّزْوِيجِ عَلَى العَمَلِ يُعْمَلُ

- ‌32 - باب فِيمَنْ تَزَوَّجَ وَلَمْ يُسَمِّ صَداقًا حَتَّى ماتَ

- ‌33 - باب في خُطْبَةِ النِّكاحِ

- ‌34 - باب فِي تَزْوِيجِ الصِّغارِ

- ‌35 - باب فِي المَقامِ عِنْدَ البِكْرِ

- ‌36 - باب في الرَّجُلِ يَدْخُلُ بِامْرَأَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُنْقِدَها شيْئًا

- ‌37 - باب ما يُقالُ لِلْمُتَزَوِّجِ

- ‌38 - باب في الرَّجُلِ يتَزَوَّجُ المَرْأَةَ فيَجِدُهَا حُبْلَى

- ‌39 - باب في القَسْمِ بيْنَ النِّساءِ

- ‌40 - باب فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِطُ لَهَا دَارَهَا

- ‌41 - باب فِي حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى المَرْأَةِ

- ‌42 - باب فِي حَقِّ المَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا

- ‌43 - باب في ضَرْبِ النِّساءِ

- ‌44 - باب ما يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ غَضِّ البَصَرِ

- ‌45 - باب في وَطْءِ السَّبايا

- ‌46 - باب في جامِعِ النِّكَاحِ

- ‌47 - باب في إِتْيَانِ الحَائِضِ وَمُبَاشَرَتِهَا

- ‌48 - باب في كَفَّارَةِ مَنْ أَتَى حَائِضًا

- ‌49 - باب ما جَاءَ في العَزْلِ

- ‌50 - باب ما يُكْرَهُ منْ ذِكْرِ الرَّجُلِ ما يَكُونُ مِنْ إِصابَةِ أَهْلِهِ

- ‌كِتَابُ الطَّلَاقِ

- ‌1 - باب فِيمَنْ خَبَّبَ امْرَأةً عَلى زَوْجِها

- ‌2 - باب فِي المَرْأَةِ تَسْأَلُ زَوْجَها طَلاقَ امْرَأَةٍ لَهُ

- ‌3 - باب فِي كَراهِيَةِ الطَّلاقِ

- ‌4 - باب فِي طَلاقِ السُّنَّةِ

- ‌5 - باب الرَّجُلِ يُراجِعُ وَلا يُشْهِدُ

- ‌6 - باب في سُنَّةِ طَلاقِ العَبْدِ

- ‌7 - باب فِي الطَّلاقِ قَبْلَ النِّكاحِ

- ‌8 - باب الطَّلاقِ عَلَى غَيْظٍ

- ‌9 - باب الطَّلاقِ عَلَى الهَزْلِ

- ‌10 - باب نَسْخِ المُراجَعَةِ بَعْدَ التَّطْلِيقاتِ الثَّلاثِ

- ‌11 - باب فِيما عُنِيَ بِهِ الطَّلاقُ والنِّيّاتُ

- ‌12 - باب فِي الخِيارِ

- ‌13 - باب فِي أَمْرُكِ بِيَدِكِ

- ‌14 - باب فِي البَتَّةِ

- ‌15 - باب فِي الوَسْوَسَةِ بِالطَّلاقِ

- ‌16 - باب فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لاِمْرَأَتِهِ: يا أُخْتِي

- ‌17 - باب فِي الظِّهارِ

الفصل: ‌46 - باب في جامع النكاح

‌46 - باب في جامِعِ النِّكَاحِ

.

2160 -

حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شيْبَةَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ قالا: حَدَّثَنا أَبُو خالِدٍ - يَعْني: سُليْمانَ بْنَ حيّانَ - عَنِ ابن عَجْلَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً أَوِ اشْتَرى خادِمًا فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خيْرَها وَخيْرَ ما جَبَلْتَها عَليْهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّها وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَليْهِ وَإِذَا اشْتَرى بَعِيرًا فَلْيَأْخُذْ بِذِرْوَةِ سَنامِهِ وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ: زادَ أَبُو سَعِيدٍ: "ثُمَّ لْيَأْخُذْ بِناصِيَتِها وَلْيَدْعُ بِالبَرَكَةِ". في المَرْأَةِ والخادِمِ (1).

2161 -

حَدَّثَنا مُحَمَّد بْن عِيسَى، حَدَّثَنا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ كُريْبٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرادَ أَنْ يَأْتيَ أَهْلَهُ قَالَ بِسْمِ اللهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطانَ مَا رَزَقْتَنا ثُمَّ قُدِّرَ أَنْ يَكُونَ بيْنَهُما وَلَدٌ في ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شيْطَانٌ أَبَدًا"(2).

2162 -

حَدَّثَنا هَنَّادٌ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيانَ، عَنْ سُهيْلِ بْن أَبِي صالِحٍ عَنِ الحَارِثِ بْنِ مُخَلَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرْيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ في دُبُرِها"(3).

2163 -

حَدَّثَنا ابن بَشَّارٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جابِرًا يَقُولُ إِنَّ اليَهُودَ يَقُولُونَ إِذَا جَامَعَ الرَّجُل أَهْلَهُ في فَرْجِها

(1) رواه ابن ماجه (1918، 2252)، والنسائي في "السنن الكبرى"(10069، 10093). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود"(1876).

(2)

رواه البخاري (141)، ومسلم (1434).

(3)

رواه ابن ماجه (1923)، وأحمد 2/ 444، والدارمي (1180)، والنسائي في "السنن الكبرى"(9015). واللفظ لأحمد والنسائي.

وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود"(1878)، قال: حديث حسن بهذا اللفظ، والأصح عنه بلفظ:"لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها".

ص: 508

مِن وَرائِها كَانَ وَلَدُهُ أَحْوَلَ فَأَنْزَلَ اللهُ سبحانه وتعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (1).

2164 -

حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْن يَحْيَى أَبُو الأَصْبَغِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ - يَعْني: ابن سَلَمَةَ -، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحاقَ، عَنْ أَبانَ بْنِ صالِحٍ عَنْ مُجاهِدٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ إِنَّ ابن عُمَرَ - والله يَغْفِرُ لَهُ - أَوْهَمَ إِنَّما كَانَ هذا الحَى مِنَ الأَنْصَارِ - وَهُمْ أَهْلُ وَثَنٍ - مَعَ هذا الحَى مِنْ يَهُودَ - وَهُمْ أَهْلُ كِتابٍ - وَكَانُوا يَرَوْنَ لَهُمْ فَضْلًا عَليْهِمْ في العِلْمِ فَكَانُوا يَقْتَدُونَ بِكَثِيرٍ مِنْ فِعْلِهِمْ وَكانَ مِنْ أَمْرِ أَهْلِ الكِتابِ أَنْ لا يَأْتُوا النِّساءَ إِلَّا عَلَى حَرْفٍ وَذَلِكَ أَسْتَرُ ما تَكُونُ المَرْأَةُ فَكَانَ هذا الحَى مِنَ الأَنْصارِ قَدْ أَخَذُوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ وَكَانَ هذا الحَى مِنْ قُريْشٍ يَشْرَحُونَ النِّساءَ شَرْحًا مُنْكَرًا ويَتَلَذَّذُونَ مِنْهُنَّ مُقْبِلاتٍ وَمُدْبِراتٍ وَمُسْتَلْقِياتٍ فَلَمَّا قَدِمَ المُهَاجِرُونَ المَدِينَةَ تَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنْهُمُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ فَذَهَبَ يَصْنَعُ بِها ذَلِكَ فَأَنْكَرَتْهُ عَليْهِ وقَالَتْ إِنَّما كُنَّا نُؤْتَى عَلَى حَرْفٍ فاصْنَعْ ذَلِكَ وَإِلَّا فاجْتَنِبْنِي حَتَّى شَريَ أَمْرُهُما فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأَنْزَلَ اللهُ عز وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أي مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِراتٍ وَمُسْتَلْقِياتٍ يَعْنِي بِذَلكَ مَوْضِعَ الوَلَدِ (2).

* * *

باب في جامع النكاح

[2160]

(ثنا عثمان بن أبي شيبة وعبد الله بن سعيد) بن حصين الكندي (قالا: ثنا أبو خالد سليمان بن حيان) الأحمد (عن محمد بن

(1) البقرة: 223، والحديث رواه البخاري (4528)، ومسلم (1435).

(2)

رواه الطبري في "تفسيره" 2/ 395 - 396، 396، والحاكم 2/ 195، 279، والبيهقي 7/ 195.

وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود"(1880).

ص: 509

عجلان) أخرج له مسلم (عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده) رضي الله عنه، وتقدم (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا تزوج أحدكم امرأة) ظاهره أن هذا الدعاء يقال عند دخوله على أهله، وبوب عليه ابن ماجه: باب ما يقول إذا دخل عليه أهله، ولفظه:"إذا أفاد أحدكم امرأة"(1)(أو اشترى خادمًا) يعني الجارية أو الغلام كما في رواية النسائي (2) والحاكم في المستدرك (3)(فليقل: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه) قال في النهاية: أي خلقتها وطبعتها عليه (وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها) لفظ ابن ماجه والحاكم: "جبلت"(4)(عليه، وإذا اشترى بعيرًا) لفظ ابن ماجه وغيره: "دابة"، وهو أعم؛ فإنه يشمل البقر والغنم والخيل والبغال ونحو ذلك (فليأخذ بذروة) بكسر الذال المعجمة وسكون الراء المهملة، ويقال: بضم الذال وهو أعلى جزء من السنام، وذروة الجبل وكل شيء أعلاه، والسنام للبعير كالألية للغنم، وجمعه أسنمة (وليقل مثل ذلك) ويستحب أن يقول مع ذلك: اللهم بارك لي فيه وارزقني منه.

(قال المصنف: زاد أبو سعيد) عبد الله بن سعيد الأشج شيخ المصنف في روايته (ثم ليأخذ بناصيتها) شعر مقدم الرأس، جمعها النواصي، والناصاة والناصية لغير طيء (وليدعو) كذا الرواية بإثبات الواو بعد لام الأمر، وكان حقها أن تحذف كما في بعض النسخ:"فليدع" وإثباتها

(1)"سنن ابن ماجه"(1918).

(2)

"السنن الكبرى" للنسائي (9998).

(3)

"المستدرك" 2/ 185 - 186.

(4)

"سنن ابن ماجه"(1918).

ص: 510

محمول على إجراء المعتل مجرى الصحيح، فأثبت الواو واكتفى بتقدير حذف الضمة التي كان ثبوتها منويا بالرفع، ونظيرها قول الشاعر:

هجوت زبان ثم جئت معتذرًا

من هجو زبان فلم تهجو ولم تدع

كذا قال ابن مالك، ولا يقال: إنه ضرورة لإمكان أن يقال: من هجو زبان لا تهج ولا تدع (1).

قال ابن مالك: وأكثر ما يجري المعتل مجرى الصحيح فيما آخره ياء أو واو، فمن ذلك في الياء قراءة قنبل في السبعة (إنه من يتقي ويصبر) (2) ومنه قول عائشة: إنه إن يقم مقامك يبكي (3). وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى الروايتين: "مروا أبا بكر فليصلي بالناس". ومن مجيء الألف على الأظهر قوله عليه السلام: "فلا يغشانا في مجالسنا". قال ابن مالك وغيره: ويجوز أن يكون إثبات الواو من باب الإشباع، فتكون الواو متولدة من إشباع ضمة العين بعد سقوط الواو الأصلية جزمًا. قال: وهي لغة معروفة أعني إثبات الحركات الثلاث وتوليد الأحرف الثلاثة بعدها، ومنه قراءة الحسن (سأوريكم دار الفاسقين)(4) بإشباع ضمة الهمزة، ومثله رواية أحمد بن صالح عن ورش:(إياك نعبدو وإياك نستعين) بإشباع ضمة الدال.

(1) في المخطوط: وليدع.

(2)

انظر: "السبعة في القراءات" 1/ 351.

(3)

أخرجه البخاري (712).

(4)

انظر "تفسير الزمخشري" 2/ 158.

ص: 511

(بالبركة) وهي زيادة الخير، وقيل: دوامه من البركة التي فيها الماء الدائم. (في العبد والخادم) والدابة.

[2161]

(ثنا محمد بن عيسى) بن نجيح بن الطباع، روى عنه البخاري تعليقًا (ثنا جرير، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد) رافع الأشجعي (عن كريب، عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو أن أحدكم أراد أن يأتي أهله) لفظ ابن السني: "لو أن أحدكم إذا جامع"(1). ويحتمل أن تكون (لو) هذِه التي للتمني، قال ابن مالك: لو المصدرية أغنت عن فعل التمني. قال الزمخشري: قد تأتي (لو) في معنى التمني كـ: لو تأتيني فتحدثني. فيقال: إن أراد أن الأصل: وددت لو تأتيني فحذف فعل التمني لدلالة (لو) عليه فأشبهت (ليت) في إشعار التمني (2).

(قال: بسم الله) قال الغزالي: يستحب أن يبدأ باسم الله ويقول: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} أولًا، ويكبر ويهلل ويقول: باسم الله العلي العظيم، اللهم اجعلها ذرية طيبة إن كنت قدرت أن تخرج ذلك من صلبي، قال: وإذا قرب من الإنزال يقول في نفسه ولا يحرك شفتيه: الحمد لله الذي جعل من الماء بشرًا (3).

قال ابن أبي جمرة: فمن نسي التسمية حتى أولج فيقول: جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، ويترك التسمية تنزيهًا لاسم الله،

(1)"عمل اليوم والليلة"(608).

(2)

انظر "مغني اللبيب" لابن هشام 1/ 352.

(3)

"إحياء علوم الدين" 2/ 50.

ص: 512

ويحصل المقصود، ومن تركه الاتباع (1).

وبوب البخاري على هذا الحديث في الوضوء: باب التسمية على كل حال وعند الوقاع. قال ابن بطال: فيه حث وندب على ذكر الله في كل وقت على طهارة وغيرها، ورد على قول من قال: لا يذكر الله إلا وهو طاهر، وفيه أن تسمية الله عند ابتداء كل عمل مستحبة تبركًا بها واستشعارًا بأن الله هو الميسر لذلك العمل والمعين عليه (2).

(اللهم جنبنا) أي: باعدنا عنه، والجنابة البعد (الشيطان) يعني: وذريته (وجنب الشيطان) فإن قيل: لم خاف على المجامع مسندًا إليه وفاعل المرزوق هو الله تعالى؟ قلت: يشبه أن يكون لما كان المجامع بالغًا ينسب إليه الاكتساب الذي يذم عليه ويمدح جاء بلفظ جنبنا وأضيف التجنب إليه، وطلب من الله أن يعينه على التجنب عن الشيطان، ويوفقه لذلك، ولما كان المولود طفلًا ليس له اكتساب ولا حركة أضيف الفعل إلى الله تعالى فقيل: جنب الشيطان (ما رزقتنا)(ما) هو المفعول الثاني لجنب، والمراد منه الولد، وإن كان اللفظ أعم ذلك، وفيه دليل على أن الرزق ليس مخصوصًا بالغداء والعشاء، بل يعم كل ما ينتفع به ولو كان حرامًا، والعائد إلى الموصول محذوف وهو ضمير المفعول الثاني للرزق الذي هو كالإعطاء في أحد المفعولين (ثم قدر أن يكون بينهما ولد) لفظ البخاري:"ثم قدر بينهما في ذلك، أو قضي ولد". والولد يشمل الذكر والأنثى والقضاء والنذر

(1) كذا. ولم أقف على هذا النقل بعد طول بحث.

(2)

"شرح صحيح البخاري" لابن بطال 1/ 230.

ص: 513

لا فرق بينهما لغةً، وفي الاصطلاح: القضاء هذا الأمر الكلي الإجمالي الذي في الأزل، والقدر وهو جريان ذلك الكلي وتفاصيل ذلك المجمل الواقعة، قاله الكرماني في النكاح (1).

(في ذلك) الجماع (لم يضره) بفتح الراء؛ لأنه أخف الحركات وضمها لاتباع الضاد والضم أفصح، رواية ابن ماجه:"ثم كان بينهما ولد لم يسلط عليه"(2)(الشيطان (3) أبدًا) نسخة: شيطان.

إن قيل: معنى (لم يضره) لم يصرعه شيطان، وقيل: لا يطعن فيه الشيطان عند ولادته ويطعن في خاصرة من لا يقال في جماعه ذلك.

قال عياض: ولم يحمله أحد على العموم على جميع الضرر والوسوسة والإغواء (4).

قال القرطبي: أما قصره على الصرع وحده فليس بشيء؛ لأنه تحكم بغير دليل مع صلاحية اللفظ له ولغيره، وأما القول الثاني ففاسد؛ بدليل قوله عليه السلام:"كل مولود يطعن الشيطان في خاصرته إلا ابن مريم فإنه جاء يطعن في خاصرته فطعن في الحجاب"(5)؛ وهذا يدل على أن الناجي من هذا هو عيسى عليه السلام وحده؛ لخصوص دعوة أمه {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (6)، ثم إن طعنه ليس بلازم منه الضرر؛ لأنه طعن كثيرًا

(1)"البخاري بشرح الكرماني" 19/ 119.

(2)

"سنن ابن ماجه"(1919).

(3)

أخرجه البخاري (141)، ومسلم (1434)(116).

(4)

"إكمال المعلم" 4/ 610.

(5)

رواه البخاري (3286) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(6)

آل عمران: 36.

ص: 514

من الأنبياء والأولياء ولم يضرهم ذلك. ومقصود الحديث أن الولد يقال له ذلك يحفظ من إضلال الشيطان وإغوائه؛ لأنه يكون من جملة العباد المخصوصين بقوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} (1)، وذلك ببركة دعاء الأبوين وبركة اسم الله (2).

[2162]

(ثنا هناد) بن السري (عن وكيع، عن سفيان) بن عيينة (عن سهيل بن أبي صالح) السمان (عن الحارث بن مخلد) بضم الميم وفتح المعجمة وتشديد اللام الزرقي، صدوق (3) (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ملعون من أتى امرأته في دبرها) نسخة: امرأة، وهي أعم من امرأته. ورواية الطبراني والحاكم عن أبي هريرة أيضًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله سبعة من فوق سبع سماوات"، وردد اللعنة على كل واحد منهم ثلاثًا:"ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون"(4). روى الإمام أحمد والبزار ورجالهما رجال الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللوطية الصغرى يأتي الرجل امرأته في دبرها"(5).

والملعون: الذي تبرأ الله منه وأبعده من رحمته وثوابه. وقال له:

(1) الإسراء: 65.

(2)

"المفهم": 4/ 159 - 160.

(3)

"الكاشف" 1/ 197.

(4)

أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط"(8497)، والحاكم في "المستدرك" 4/ 356.

(5)

أخرجه أحمد 2/ 182، والبزار كما في "كشف الأستار" (1455). وقال البزار عقيبه: لا أعلم في هذا الباب حديثًا صحيحًا.

ص: 515

عليك لعنتي كما قال لإبليس اللعين: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} (1)، وأصل اللعن في اللغة الإبعاد.

وقال القرطبي: إن وطء المرأة في دبرها حرام، وما نسب إلى مالك في كتاب السر ومحمد بن كعب القرظي وأصحاب مالك فباطل، وهم مبرؤون منه؛ لأن الحكمة في خلق الأزواج بث (2) النسل، فغير موضع النسل لا يناله ملك النكاح، وهذا هو الحق. وقد قيل: إن القذر من النجو (3) أكثر من دم الحيض (4).

[2163]

(ثنا) محمد (ابن بشار قال: ثنا عبد الرحمن) بن مهدي الحافظ البصري (ثنا سفيان، عن محمد بن المنكدر قال: سمعت جابرًا رضي الله عنه يقول: إن اليهود) كانوا (يقولون: إذا جامع الرجل أهله) لفظ مسلم: إذا أتى الرجل امرأته (5)(في فرجها) أي: قبلها (من ورائها) حالة انتكاسها (كان الولد أحول) رواية: ولده أحول العين اليمنى أو اليسرى، وروى النسائي عن أبي النضر أنه قال لنافع مولى ابن عمر: قد أكثر عليك القول إنك تقول عن ابن عمر أنه أفتى بأن يؤتى النساء في أدبارهن. قال نافع: لقد كذبوا علي، ولكن سأخبرك كيف كان الأمر: إن ابن عمر عرض علي المصحف يومًا وأنا عنده حتى بلغ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} قال: يا نافع، أتدري ما أمر هذِه الآية؟ إنا كنا

(1) ص: 78.

(2)

في الأصل: من.

(3)

النجو: ما يخرج من الدبر من ريح وغائط.

(4)

"تفسير القرطبي" 3/ 94.

(5)

"صحيح مسلم"(1435)(117).

ص: 516

معشر قريش نجبي النساء، فلما دخلنا المدينة ونكحنا الأنصار أردنا منهن ما كنا نريد من نسائنا، فإذا هن قد كرهن ذلك، وكان نساء الأنصار إنما يؤتين على جنوبهن (فأنزل الله عز وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ}) (1) (2) تقدم ({فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}) أي: ائتوا مواضع حرثكم كيف شئتم.

[2164]

(ثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ) بالغين المعجمة، الحراني ثقة (3) قال (حدثني محمد بن سلمة) بفتح السين الحراني، مولى باهلة، أخرج له مسلم.

(عن محمد بن إسحاق) صاحب "المغازي"(عن أبان) عدم الصرف أفصح (ابن صالح) أبي بكر، علق له البخاري استشهادًا في باب: هل على من لم يشهد الجمعة غسل.

(عن مجاهد)(4) وفي الجنائز عن الحسن بن مسلم (5).

(عن ابن عباس قال: إن) عبد الله (بن عمر) رضي الله عنهما (والله) بالرفع (يغفر له) جملة معترضة. فيه استحباب دعاء الإنسان بالتوبة أو المغفرة أو الرحمة أو نحو ذلك لمن ذكره وذكر أنه وقع منه خطأ أو كذب أو نسيان ونحو ذلك، ولا يكون هذا من الغيبة المحرمة، كما

(1) البقرة: 223.

(2)

أخرجه النسائي في "السنن الكبرى"(8929).

(3)

"الكاشف" 2/ 203.

(4)

أورده البخاري (898) قال: رواه أبان عن مجاهد، عن طاوس، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لله على كل مسلم حق أن يغتسل في كل سبعة أيام يومًا".

(5)

أورده البخاري (1349).

ص: 517

قال الغزالي: اجتنب أنواع الغيبة وهي: غيبة العلماء والمنتسبين إلى أهل الدين والصلاح ليظهروا من أنفسهم التعفف عن الغيبة ولا يدرون أنهم قد جمعوا بين فاحشتين: الرياء والغيبة، مثل أن يقول: فلان المسكين قد بلي بآفة عظيمة تاب الله عليه منها، وكذا غفر الله له ذلك (1).

(أوهم) ابن عمر، قال الخطابي: كذا وقع في الرواية، والصواب: وهم، من غير ألف يعني: مع كسر الهاء إذا غلط في الشيء، ووهم مفتوحة الهاء إذا ذهب وهمه إلى الشيء، وأوهم بالألف إذا سقط من قراءته انتهى. ومن الأول حديث: إنه سجد للوهم وهو جالس، أي: للغلط.

ومن الثاني حديث ابن عباس: إنه وهم في تزويج ميمونة. أي: ذهب وهمه إليه، ومن الثالث: أنه أوهم في صلاته. أي: أسقط منها شيئًا. قال الخطابي: ويشبه أن يكون بلغ ابن عباس عن ابن عمر خلاف ما كان يذهب إليه ابن عباس (2).

قال المنذري: وقد تتوجه الرواية بأن يكون ابن عباس جعل قول ابن عمر في الآية إسقاطًا للصواب على وجه المجاز، والله أعلم.

(إنما كان هذا الحي) بالرفع بدل من (هذا) التي هي اسم كان (من الأنصار) من قريش (وهم) قبل أن يقدموا المدينة ويسلموا (أهل وثن) قال في "النهاية": الفرق بين الوثن والصنم: أن الوثن كل ما له جثة معمولة من جواهر الأرض أو من الخشب أو من الحجارة كصورة

(1)"إحياء علوم الدين" 3/ 145.

(2)

"معالم السنن" الملحق بـ "مختصر المنذري" 3/ 80 - 81.

ص: 518

الآدمي ينصب فيعبد من دون الله تعالى، والصنم: الصورة بلا جثة يعني على حائط ونحوه. قال: ومنهم من لم يفرق بينهما وأطلقهما على المعنيين، وقد يطلق الوثن على غير الصورة كحديث عدي بن حاتم: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي طوق من ذهب، فقال لي: ألق هذا الوثن عنك (1).

(مع هذا الحي من يهود) غير منصرف للعلمية ووزن الفعل، أو لأنه جعل قبيلة كما قيل: هذِه مجوس، غير منصرف؛ لأنهم أرادوا به القبيلة، ويجوز دخول الألف واللام عليه فيقال: اليهود، والنسبة إليه يهودي، وقيل: اليهودي نسبة إلى يهودا بن يعقوب عليهما السلام، هكذا أورده الصغاني يهودا في باب المهملة (2) (وهم أهل كتاب) وكتابهم التوراة المنزلة على موسى عليه السلام (وكانوا) يعني: الأنصار قبل أن يسلموا (يرون) بفتح الياء (أن لهم) أي: لليهود، ويحتمل أن يكون الضمير في (وكانوا) يعود (3) على اليهود (فضلًا عليهم في العلم) للكتاب الذي أنزل عليهم. فيه فضيلة أيضًا إنصاف الآدمي من نفسه، واعترافه بفضيلة أهل العلم ومرتبتهم عليهم، هذا وهم في الجاهلية الجهلاء، وجاء الإسلام بموافقة ذلك، والمسلمون أحق من اليهود بهذا كما قال صلى الله عليه وسلم: لما قدم المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء فقال: ما هذا؟ قالوا: يوم

(1) أخرجه الترمذي (3095) وقال: حديث غريب.

وحسنه الألباني في "صحيح سنن الترمذي"(2471).

(2)

انظر: "المصباح المنير" للفيومي: هود.

(3)

في الأصل: يعودون.

ص: 519

صالح نجى الله موسى وبني إسرائيل من عدوهم، فقال:"إنا أحق بموسى منكم"، فصامه وأمر بصيامه (1)(فكانوا يقتدون) بهم (في كثير من فعلهم) فيه متابعة أهل العلم والاقتداء بهم فيما يفعلونه ويأمرون به إذا كانوا من العاملين بما علموه وإلا فلا يقتدى بهم كما في كثير من علماء هذا الزمان، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء (2).

(وكان من أمر أهل الكتاب) وعادتهم المستقرة في جماعهم (أن لا يأتوا النساء إلا على حرف) بفتح الحاء المهملة أي: جنب مضطجعات، والحرف في الأصل هو الطرف والجانب، ومنه حرف الجبل وحرف الرغيف (وذلك) الوطء الذي على هذِه الهيئة والكيفية (أستر ما تكون) من أحوال المرأة وكيفيتها من الجماع، وفيه فضيلة التستر عند الجماع من أعين الإنس والجن، ويدل عليه ما رواه ابن ماجه عن عتبة بن عبد الأسلمي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ولا يتجرد تجرد العيرين"(3). والعير بفتح العين المهملة وسكون المثناة تحت ثم راء مهملة هو الحمار الوحشي، والمراد بالحديث أن يتغطى هو وأهله عند الجماع بثوب أو ملحفة أو لحاف ونحوه مما يسترهما جميعًا، وروى الخطيب من حديث أم سلمة: أن

(1) أخرجه البخاري (2004)، ومسلم (1130)(127) وغيرهما من حديث ابن عباس رضي الله عنه. وسيأتي تخريجه عند أبي داود مفصلًا (2444) باب في صوم عاشوراء.

(2)

أخرجه البخاري (3558)، ومسلم (2336)(90)، وغيرهما من حديث ابن عباس رضي الله عنه. وسيأتي تخريجه عند أبي داود (4188) باب ما جاء في الفرق.

(3)

"السنن" لابن ماجه (1921).

ص: 520

رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغطي رأسه ويغض صوته ويقول للمرأة: "عليك السكينة"(1). وإذا كان الجماع على جنب أستر الهيئات فهو أولى الحالات عند الجماع.

(فكان هذا الحي من الأنصار) الذين هم أهل الأوثان (قد أخذوا بذلك) الفعل (من فعلهم) في الوطء (وكان هذا الحي من قريش يشرحون) بفتح الياء والراء بينهما شين معجمة (نساءهم) يقال: شرح فلان جاريته إذا وطئها نائمة على قفاها مستلقية، وأصل الشرح في اللغة البسط، ومنه انشراح الصدر وهو انبساطه، وشرحت المسألة إذا بسطت الكلام فيها وبينت المشكل من معناها، وقيل في شرح النساء: أنه التوسعة والبسط في التلذذ والاستمتاع، وشرح الله الصدر وسعه لبيان الحكم الشرعية (شرحًا منكرًا) عند من ينكره ولا يقول به (ويتلذذون منهن) أي: بهن، فمن بمعنى الباء كقوله تعالى {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} (2)، ويحتمل أن تكون للابتداء (مقبلات) بالجر الذي هو علامة النصب؛ لأنه حال من فاعل تلذذ، ويحتمل أن يراد بمقبلات مضطجعات على جنوبهن، وجه الفاعل إلى وجه الموطوءة، والأول الذي يقتضيه سياق الحديث أظهر، والله أعلم بالصواب.

(1) أخرجه الخطيب كما في "فيض القدير" للمناوي 5/ 90 قال العراقي في "المغني" 1/ 401: رواه عن أم سلمة بسند ضعيف.

وقال الزين العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" 1/ 489: إسناده ضعيف.

وقد روى الطبراني نحوه في "المعجم الكبير" 22/ 83 رقم (200) من حديث واثلة.

(2)

الشورى: 45.

ص: 521

(ومدبرات متجهات) كما تقدم في الحديث أو باركات (ومستلقيات) على أقفيتهن.

(فلما قدم المهاجرون) من مكة إلى (المدينة) الشريفة (تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار، فذهب) لما دخل عليها (يصنع بها) في الوطء الشرح (ذلك) الفعل (فأنكرته عليه؛ ) لكونها لم تألفه ولا اعتادته (قالت: إنما كنا نؤتى على حرف) أي: جنب كما تقدم (فاصنع ذلك) الذي اعتدنا له (وإلا فاجتنبني) كان منها هذا الامتناع قبل نزول الآية وإلا بعد نزولها فلا يجوز للمرأة أن تمتنع منه على أي حال شاء ما دام في محل الوطء المشروع وشاع ذلك (حتى شري) بفتح الشين المعجمة وكسر الراء وفتح المثناة تحت آخره (أمرهما) أي: عظم وتعاظم وارتفع، وأصله من قولهم: شري البرق وأشرى إذا لج في اللمعان وكثر تكرره، وشري السحاب إذا تفرق في وجه الغيم، واستشرى الرجل إذا لج في الأمر (فبلغ ذلك رسول) بالنصب (1)(الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله) تعالى ({نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ})(2) هذا الحديث يدل على أنه سبب نزول {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الآية، وفي الحديث الذي قبله حديث نص على أن هذِه الآية نزلت بسبب قول اليهود المذكور.

أجاب القرطبي: هذان سببان مختلفان ولا [بعد في نزول](3) الآية

(1) في الأصول: بالرفع، والمثبت هو الصحيح لغة.

(2)

البقرة: 223.

(3)

بياض في الأصل. واستدركته من "المفهم" 4/ 157.

ص: 522

جوابًا للفريقين في وقت واحد، وتكرر نزول الآية في وقتين مختلفين كما قد روى غير واحد من النقلة في الفاتحة أنها تكرر نزولها بمكة والمدينة. قال: وقد تمسك طائفة بعموم لفظ {أَنَّى شِئْتُمْ} ورأوا أنها متناولة لقبل المرأة ودبرها، فأجازوا وطء المرأة في دبرها، وممن نسب إليه هذا القول سعيد بن المسيب ونافع وابن الماجشون من أصحابنا، وحكي عن مالك في كتاب يسمى كتاب السر، وحكى العتبي إباحة ذلك عن مالك. قال: وأظنه من ذلك الكتاب. قال: وجمهور السلف والعلماء على تحريم ذلك، ولا متمسك للمبيحين بالآية؛ لأنها نزلت جوابًا لما ذكر فيقصر على نوع ما نزلت جوابًا له؛ فإنهم سألوا عن جواز الوطء في الفرج من جهات متعددة فأجيبوا بجوازه، فأتى على عمومها في جهات المسلك الواحد لا في المسالك (1).

(مقبلات) على جنب كما تقدم (ومدبرات ومستلقيات، يعني بذلك) كله (موضع الولد) وهو القبل.

(1)"المفهم" 4/ 157 - 158.

ص: 523