الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
44 - باب ما يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ غَضِّ البَصَرِ
.
2148 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عُبيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبي زُرْعَةَ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نَظْرَةِ الفَجْأَةِ فَقَالَ:"اصْرِفْ بَصَرَكَ"(1).
2149 -
حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْن مُوسَى الفَزاريُّ، أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ الإِياديِّ عَنِ ابن بُريْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِعَليٍّ: "يا عَليُّ لا تُتْبعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَليْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ"(2).
2150 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبي وائِلٍ، عَنِ ابن مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تُباشِرُ المَرْأَةُ المَرْأَةَ لِتَنْعَتَها لِزَوْجِها كَأَنَّمَا يَنْظُرُ إِليْها"(3).
2151 -
حَدَّثَنا مُسْلِمٌ بْن إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا هِشامٌ، عَنْ أَبي الزُّبيْرِ عَنْ جابِرٍ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رَأى امْرَأَةً فَدَخَلَ عَلَى زيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَقَضَى حاجَتَهُ مِنْها ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَصْحابِهِ فَقَالَ لَهُمْ:"إِنَّ المَرْأَةَ تُقْبِلُ في صُورَةِ شيْطانٍ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شيْئًا فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ فَإِنَّهُ يُضْمِرُ ما في نَفْسِهِ"(4).
2152 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبيْدٍ، حَدَّثَنا ابن ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، أَخْبَرَنَا ابن طاوُسٍ،
(1) أخرجه مسلم (2159)(45)، والترمذي (2776)، وأحمد 4/ 361، والدارمي (2685) من طريق يونس به.
(2)
أخرجه الترمذي (2777)، وأحمد 5/ 351 من طريق شريك به. وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك. وصححه الحاكم في "المستدرك" 2/ 194 ووافقه الذهبي وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود"(1865).
(3)
رواه البخاري (5240، 5241)، والترمذي (2792)، وأحمد 1/ 380 من طريق شقيق ابن سلمة.
(4)
رواه مسلم (1403).
عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قَالَ: ما رَأيْتُ شيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمّا قَالَ أَبُو هُريْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَى ابن آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحالَةَ فَزِنا العيْنيْنِ النَّظَرُ وَزِنا اللِّسانِ المَنْطِقُ والنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي والفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ ويُكَذِّبُهُ"(1).
2153 -
حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ، عَنْ سُهيْلِ بْنِ أَبي صالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرْيرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لِكُلِّ ابن آدَمَ حَظُّهُ مِنَ الزِّنَا". بهذِه القِصَّةِ قَالَ: "واليَدانِ تَزْنِيانِ فَزِنَاهُما البَطْشُ والرِّجْلان تَزْنِيانِ فَزِناهُما المَشْى والفَمُ يَزْني فَزِناهُ القُبَلُ"(2).
2154 -
حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللِّيْثُ، عَنِ ابن عَجْلانَ، عَنِ القَعْقاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صالِحٍ، عَنْ أَبي هُريْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بهذِه القِصَّةِ قَالَ:"والأُذُنُ زِناها الاسْتِماعُ"(3).
* * *
باب ما يؤمر به من غض البصر
[2148]
(ثنا محمد بن كثير) العبدي (أنا سفيان) بن سعيد الثوري، قال (حدثني يونس بن عبيد بن دينار) العبدي مولى عبد القيس (عن عمرو بن سعيد) البصري، مولى ثقيف، أخرج له مسلم (عن أبي زرعة) هرم، وقيل: عبد الله بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي (عن) جده (جرير) بن عبد الله البجلي رضي الله عنه (قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجاءة) بضم
(1) رواه البخاري (6243، 6612)، ومسلم (2657). وانظر لاحقيه.
(2)
أخرجه مسلم (2657/ 21)، وأحمد 2/ 343 من طريق سهيل بن أبي صالح به. وليس عند مسلم ذكر زنا الفم.
(3)
أخرجه مسلم (2657)(21)، وأحمد 2/ 379 من طريق أبي صالح به.
الفاء وفتح الجيم مع المد، وفي لغة فجأة بفتح الفاء وسكون الجيم بوزن عنزة، وهي التي تقع بغتة من غير قصد فهي معفو عنها، والمحرم إدامة النظر وتأمل المحاسن كما في الحديث الذي بعده:"لا تتبع النظرة النظرة"(فقال: اصرف بصرك) أي: اقلبه إلى الناحية الأخرى كما في حديث الخثعمية التي استقبلته فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره عنها (1)، وفي رواية للترمذي: فأخذ بذقن الفضل فعدل بصره عن النظر إليها، وزاد الترمذي فقال العباس: لويت عنق ابن عمك، فقال:"رأيت شابًّا وشابة فلم آمن عليهم الشيطان"(2).
[2149]
(ثنا إسماعيل بن موسى الفزاري) بفتح الفاء وتخفيف الزاي نسبة إلى فزارة بن ظبيان وإسماعيل صدوق شيعي (3)(ثنا شريك، عن أبي ربيعة) قال ابن منده: اسمه عمرو بن ربيعة (الإيادي) روى الدارمي عن ابن معين، قال ابن ربيعة: الذي روى عنه شريك كوفي ثقة (4). فلعله هذا وهو الظاهر (عن) عبد الله (بن بريدة، عن أبيه) بريدة بن الحصيب ابن عبد الله بن الحارث الأسلمي (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي) بن أبي طالب (يا علي لا تتبع) بضم أوله (النظرة) الأولى (النظرة) الثانية، أي: لا تلحق النظرة الأولى التي بغير قصد بالنظرة الثانية التي تقصد بها التمتع بشهوة (فإن لك) النظرة (الأولى) معفو عنك فيها، وأنت غير مخاطب
(1)"الكاشف" 1/ 250 (411).
(2)
أخرجه البخاري (1513)، ومسلم (1334)(407) وغيرهما من حديث عبد الله بن عباس.
(3)
"سنن الترمذي"(885).
(4)
"تاريخ ابن معين" رواية الدارمي (948).
به، فلا توصف بطاعة ولا معصية ولا إباحة؛ إذ ليست داخلة تحت اكتساب الآدمي وهي كرعشة المرتعش، وهذا الحديث يبين الحديث الذي قبله، وأن قوله:"اصرف بصرك" لم يرد به نظرة الفجأة كما هو ظاهر اللفظ، وإنما يصرف بصره عن النظرة التي بعدها التي تقع تحت اكتساب الآدمي، فكأنه يقول: إذا نظرت إلى ما لا يجوز بغتة بغير قصد، فاصرف بصرك عن الدوام، وعن النظرة الثانية.
(وليست لك) النظرة (الثانية) أي: ليس لك أن تعود إلى النظرة الثانية، والتعمد ابتداء في معنى الثانية المقصودة، وهذِه النظرة والله أعلم ليست من الكبائر، بل من صغائر الذنوب التي تكفرها الطاعات إذا اجتنبت الكبائر، وقد جعل ذلك في حديث أبي هريرة مكفرًا بالوضوء حيث قال:"إذا توضأ العبد أو المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء"(1). ويدل على ذلك أيضًا قصة الذي أصاب من المرأة ما دون أن يمسها، فقال:"صلِّ معنا"، فنزلت {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (2)(3).
[2150]
(ثنا مسدد، ثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله (عن الأعمش، عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي (عن) عبد الله (بن مسعود) رضي الله عنه.
(قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تباشر) بكسر الراء لالتقاء الساكنين،
(1) أخرجه البخاري (526)، ومسلم (2763) وغيرهما من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(2)
أخرجه مسلم (244/ 32)، والترمذي (2) وأحمد 2/ 303 من حديث أبي هريرة.
(3)
هود: 114.
وأصله الجزم على النهي، ويجوز رفع الراء على أنه خبر بمعنى النهي كقوله:{لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)} (1)(المرأة) بالرفع (المرأة) من المباشرة، وهي الملامسة، قال أبو الحسن القابسي: هذا من أبين ما تحمى به الذرائع (2). فإنه نهى أن تضاجع المرأة المرأة، وبين لما نهاها عن ذلك، وأخبر أن ذلك ينتهي إلى أن تصف لزوجها المرأة بأمارات منها وصفات تقوم مقام نظره إليها، ولعل ذلك يدخل في قلب زوجها من الفتنة بالموصوفة فقد يكون سببًا لطلاق الزوجة، أو يكون وصفها لها قبيحًا فيكون ذلك غيبة لها (لتنعتها) بكسر لام الجر ونصب تنعت بأن المقدرة. ورواية البخاري:"فتنعتها"(3) بالفاء بدل اللام وهو نصب أيضًا على جواب النهي، فكأن الشيخ أبو الحسن جعل النعت يقع على الحسن والقبيح.
قال الخليل: النعت وصفك الشيء بما فيه من حسن إلا أن يتكلف متكلف فيقول: ذا نعت سوء، قال: وكل شيء جيد بالغ فهو نعت (4).
وقال الداودي: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مباشرة المرأة المرأة (لزوجها) للوجه الذي ذكره ابن مسعود. فكأنه جعل فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها من كلام ابن مسعود. قال السفاقسي: وظاهر الحديث ما ذكره الشيخ أبو الحسن قبل هذا أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، والغرض من
(1) الواقعة: 79.
(2)
انظر: "شرح البخاري" لابن بطال 7/ 365.
(3)
"صحيح البخاري"(5240).
(4)
"العين" 2/ 72 (نعت).
الحديث انتفاء النعت لا المباشرة، لكن أوقع النهي عن المباشرة؛ لأن بها توصلت إلى معرفة نعتها فهو نهي للسبب والمراد المسبب، وفي معنى المباشرة رؤية المرأة في الحمام ونحوه؛ فإنه سبب إلى معرفة نعتها (كأنما) لفظ البخاري:"كأنه"(1)(ينظر إليها) استدلوا به على جواز السلم في الحيوان إذا وصف وصفًا تامًّا، وقد يستدل به على أنه يصح البيع بالصفة التي تقوم مقام النظر كما في الحديث:"كأنه ينظر إليها" كما يصح في السلم، قال ابن قدامة: وهو قول أكثر أهل العلم. وعن أحمد: لا يصح حتى يراه (2). كما هو الجديد من مذهب الشافعي (3).
[2151]
(ثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي شيخ البخاري (ثنا هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي.
(عن أبي الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة) أي: وقع نظره عليها فجأة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا تحتجب النساء منه (فدخل على) امرأته (زينب بنت جحش) رضي الله عنها، الظاهر أنه إنما خصها بالدخول دون غيرها؛ لأن النوبة في المبيت كانت عندها (فقضى حاجته منها)(4) لا يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل فقضى حاجته أنه كان غلبته شهوته أو مالت نفسه إليها حاشاه عن ذلك، إنما فعل ذلك ليسن وليُقتدى به وليحسم عن نفسه ما يتوقع
(1)"صحيح البخاري"(5240).
(2)
"المغني" 6/ 33.
(3)
أنظر: "الأم" 4/ 241.
(4)
في الأصل: منه.
وقوعه (ثم خرج إلى أصحابه) أي: بعض أصحابه (فقال لهم: إن المرأة تقبل في صورة شيطان) أي: في صفته من الوسوسة والتحرك للشهوة النفسية والميل الطبيعي، وذلك يدعوه إلى الفتنة بها وهي أعظم من فتنة الشيطان، ولذلك قال عليه السلام:"ما تركت في أمتي فتنة أضر على الرجال من النساء"(1). يعني: بما يدعو الشيطان بوسوسته وأعوانه بتزيينها في قلوب الناظرين إليها.
(فمن وجد من ذلك شيئًا) ولمسلم: "فإذا أبصر أحدكم امرأة"(2)، وفي رواية له:"فأعجبته ووقعت في قلبه"(3)(فليأت أهله) وفيه تسمية الزوجة أهل، وفي معناه أمته الموطوءة، فيه [وصفه](4) صلى الله عليه وسلم لدواء ذلك الداء المحرك للشهوة للنساء يطفئها بالجماع وإراقة ما تحرك من الماء، إذ هو صلى الله عليه وسلم طبيب أمته ومرشدهم إلى مصالح أمورهم (فإنه) أي: فإن جماع امرأته (يضمر) بضم الياء وفتح الضاد المعجمة وتشديد الميم المكسورة، ويجوز سكون الضاد مع تخفيف الميم (ما في نفسه) أي: يضعفه ويقلله، من الضمور وهو الهزال وقلة اللحم، ورواية مسلم:"فإن ذلك يرد ما في نفسه"(5). قال القرطبي: للرد وجهان: أحدهما: أن المني إذا خرج انكسرت الشهوة وانطفت فزال تعلق النفس بالصورة المرئية. وثانيها: أن محل الوطء والإصابة متساوٍ من
(1) أخرجه البخاري (5096)، ومسلم (2740/ 97) من حديث أسامة بن زيد.
(2)
"صحيح مسلم"(1403)(9).
(3)
"صحيح مسلم"(1403). ولفظه: "إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه".
(4)
زيادة يقتضيها السياق.
(5)
"صحيح مسلم"(1403)(9).
النساء كلهن، والتفاوت إنما هو من خارج ذلك، فليكتف الناظر بمحل الوطء الذي هو المقصود ويغفل عما سواه (1). وقد دل على هذا ما جاء في الحديث في رواية:"فليأت أهله فإن معها مثل الذي معها"(2).
[2152]
(ثنا محمد بن عبيد) بن (حساب الغبري)(3) البصري شيخ مسلم (ثنا) محمد (بن ثور) بفتح المثلثة الصنعاني العابد، سئل عنه أبو حاتم فقال: الفضل والعبادة والصدق (4)(عن معمر، أنا) عبد الله (ابن طاوس) سمي بذلك لأنه كان طاوس القراء (عن أبيه) طاوس بن كيسان الخولاني الهمداني.
(عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: ما رأيت شيئًا أشبه باللمم) أصل اللمم والإلمام الميل إلى الشيء وطلبه من غير مداومة عليه، وهو ما عفا الله عنه من صغائر الذنوب بقوله تعالى {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} (5)، واختلف فيه، ومعنى الآية والله أعلم: الذين يجتنبون المعاصي غير اللمم يغفر لهم اللمم كما في قوله تعالى {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (6)، فمعنى الآيتين: إن اجتناب الكبائر يسقط الصغائر وهو اللمم، وفسره ابن عباس بما في هذا الحديث من النظر واللمس والغمز والمضاجعة
(1)"المفهم" 4/ 91.
(2)
أخرجه الترمذي (1158) من حديث جابر رضي الله عنه.
(3)
تحرفت إلى: حسان العبدي. والمثبت من مصادر الترجمة.
(4)
"الجرح والتعديل" 7/ 218.
(5)
النجم: 32.
(6)
النساء: 31.
والتقبيل ونحو ذلك، وقيل: هو أن يلم بالذنب ولا يفعله، وقيل: نظره (1) بلا تعمد، وقيل: هو ما لم يشرع فيه حدٌّ في الدنيا، ولا نص على عقابه في الآخرة (بما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) لفظ مسلم: قال أبو هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (2)(إن الله كتب على ابن آدم) أي: قدَّر عليه وقضى، وهو نص في الرد على القدرية، والظاهر أن المراد به العموم، فمعنى كتب على كل مكلف من بني آدم (حظه) أي نصيبه (من الزنا أدرك) قال القرطبي: كذا صح وهو مرفوع على أنه خبر مبتدأ مضمر، أي: وهو مدرك (ذلك) الذي قدر له (3)(لا محالة) بفتح الميم أي: لا بد، ولا حيلة له في التخلص من إدراك ما كتب عليه ووقوعه (فزنا) مقصور (4) كقوله:{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} (5)(العينين النظر) بهما، والمراد به ما زاد على النظرة الأولى التي هي غير مكتسبة، وهي نظرة الفجأة، فالزيادة عليها على سبيل الشهوة المحرمة إلى الأجنبية، وروى البزار بإسناد رواته مشهورون عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كل عين زانية"(6). يعني: إما حقيقيًّا أو مجازيًا، فالحقيقي بإدخال الفرج في
(1) تحرفت إلى: يضره. والمثبت من كتب التفسير. وهو قول الحسين بن الفضل. وراجع "تفسير الثعلبي" 9/ 149.
(2)
"صحيح مسلم"(2657)(20).
(3)
"المفهم" 6/ 674 وكلام القرطبي على لفظة: "مدرك ذلك لا محالة" وليس على لفظ: "أدرك".
(4)
في المخطوط: مقصرًا.
(5)
الإسراء: 32.
(6)
"مسند البزار"(3034). وهو مخرج عند الترمذي (2786)، وأحمد 4/ 394، والدارمي (2688). وقال الترمذي: حسن صحيح.
الفرج الحرام، والمجازى بالنظر الحرام (وزنا اللسان المنطق) بالكلام الحرام فيما يتعلق بالوطء ونحو ذلك، و (المنطق) في رواية المصنف بفتح الميم وسكون النون، وفي رواية مسلم:"النطق" بغير ميم.
(والنفس تمنى) أصله تتمنى بتاءين حذفت إحداهما تخفيفًا (وتشتهي) أي: تتمنى الوطء وتشتهيه، والتمني والشهوة هما زنا النفس؛ لأنها تلتذ بالحديث في ذلك وتتمنى وتشتهي (والفرج) يدخل فيه ذكر الرجل وفرج المرأة (يصدق ذلك ويكذبه) يعني أنه إن حصل إيلاج الفرج الحقيقي يكمل زنا تلك الأعضاء وثبت إثمه عليها، وإن لم يحصل ذلك واجتنب كفر عنه زنا تلك الأعضاء كما قال تعالى:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (1).
[2153]
(ثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (ثنا حماد) بن سلمة (عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان (عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لكل) واحد من (ابن آدم حظه) أي: نصيبه الذي كتب عليه (من الزنا) لا محالة (بهذِه القصة) المذكورة (قال) فيها (واليدان تزنيان، فزناهما البطش) وهو الأخذ القوي الشديد، ولعل المراد أخذها إليه بقوة شديدة ليقبلها أو يجامعها أو يضاجعها ونحو ذلك من اللمس على أعضائها وجسمها مما يلتذ به (والرجلان تزنيان) أيضًا زنا حقيقيًّا إن حصل الوطء بعد ذلك، وإلا فمجازيًّا (فزناهما المشي) إلى المزني بها (والفم يزني) أيضًا (فزناه القبل) بضم القاف وفتح الباء الموحدة جمع قبلة كجمع غرف جمع غرفة، والمراد أن زنا الفم تقبيل
(1) النساء: 31.
وجه الأجنبية.
[2154]
(ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا الليث، عن) محمد (بن عجلان) القرشي مولى بنت الوليد، أخرج له مسلم (عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح) السمان (عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذِه القصة) المذكورة، و (قال) في هذِه (والأذن زناها الاستماع) إلى ما يتعلق بأمر الزنا ويؤدي إلى تحصيله، وإنما أطلق على هذِه الأمور كلها؛ لأنها مقدماته؛ إذ لا يحصل الزنا الحقيقي في الغالب إلا بعد استعمال هذِه الأعضاء في تحصيله.