المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌11 - باب فيما عني به الطلاق والنيات - شرح سنن أبي داود لابن رسلان - جـ ٩

[ابن رسلان]

فهرس الكتاب

- ‌66 - باب الصَّلاةِ بِجَمْعٍ

- ‌67 - باب التَّعْجِيلِ مِنْ جَمْعٍ

- ‌68 - باب يَوْمِ الحَجِّ الأَكْبَرِ

- ‌69 - باب الأَشْهُرِ الحُرُمِ

- ‌70 - باب مَنْ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَةَ

- ‌71 - باب النُّزُولِ بمِنًى

- ‌72 - باب أي يَوْمٍ يَخْطُبُ بِمِنًى

- ‌73 - باب مَنْ قَالَ: خَطَبَ يَوْمَ النَّحْرِ

- ‌74 - باب أي وَقْتٍ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ

- ‌75 - باب ما يَذْكُرُ الإِمامُ في خُطْبَتِهِ بِمِنًى

- ‌76 - باب يَبِيتُ بمَكَّةَ لَيالي مِنًى

- ‌77 - باب الصَّلاةِ بِمِنًى

- ‌78 - باب القَصْرِ لأَهْلِ مَكَّةَ

- ‌79 - باب في رَمْي الجِمارِ

- ‌80 - باب الحَلْقِ والتَّقْصِيرِ

- ‌81 - باب العُمْرَةِ

- ‌82 - باب المُهِلَّةِ بِالعُمْرَةِ تَحِيضُ فَيُدْرِكُها الحَجُّ فَتَنْقُضُ عُمْرَتَها وَتُهِلُّ بِالحَجِّ هَلْ تَقْضي عُمْرَتَها

- ‌83 - باب المَقامِ في العُمْرةِ

- ‌84 - باب الإِفاضَةِ في الحَجِّ

- ‌85 - باب الوَداعِ

- ‌86 - باب الحائِضِ تَخْرُجُ بَعْدَ الإِفاضَةِ

- ‌87 - باب طَوافِ الوَداعِ

- ‌88 - باب التَّحْصِيبِ

- ‌89 - باب فِيمَنْ قَدَّمَ شَيْئًا قَبْلَ شَيء في حَجِّهِ

- ‌90 - باب في مَكَّةَ

- ‌91 - باب تَحْرِيمِ حَرَمِ مَكَّةَ

- ‌92 - باب في نَبِيذِ السِّقايَةِ

- ‌93 - باب الإِقامَةِ بِمَكَّةَ

- ‌94 - باب في دُخُولِ الكَعْبَةِ

- ‌95 - باب الصلاة في الحِجْرِ

- ‌96 - باب في مالِ الكَعْبَةِ

- ‌97 - باب في إِتْيانِ المَدِينَةِ

- ‌98 - باب في تَحْرِيمِ المَدِينَةِ

- ‌99 - باب زِيارَةِ القُبُورِ

- ‌كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌1 - باب التَّحْرِيضِ عَلَى النِّكاحِ

- ‌2 - باب ما يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ تَزْوِيجِ ذاتِ الدِّينِ

- ‌3 - باب في تَزْوِيجِ الأَبْكارِ

- ‌4 - باب النَّهْي عَنْ تَزْوِيجِ منْ لَمْ يَلِدْ مِنَ النِّساءِ

- ‌5 - باب في قَوْلِهِ تَعالَى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً}

- ‌6 - باب في الرَّجُلِ يَعْتِقُ أَمَتَهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُها

- ‌7 - باب يَحْرُمُ مِنَ الرَّضاعَةِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ

- ‌8 - باب فِي لَبَنِ الفَحْلِ

- ‌9 - باب فِي رَضاعَةِ الكَبِيرِ

- ‌10 - باب فِيمَنْ حَرَّمَ بِهِ

- ‌11 - باب هَلْ يُحَرِّمُ ما دُونَ خَمْسِ رَضَعاتٍ

- ‌12 - باب فِي الرَّضْخِ عِنْدَ الفِصالِ

- ‌13 - باب ما يُكْرَهُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُنَّ مِنَ النِّساءِ

- ‌14 - باب فِي نِكاحِ المُتْعَةِ

- ‌15 - باب فِي الشِّغارِ

- ‌16 - باب فِي التَّحْلِيلِ

- ‌17 - باب فِي نِكاحِ العَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ مَوالِيهِ

- ‌18 - باب فِي كَراهِيَةِ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ

- ‌19 - باب فِي الرَّجُلِ يَنْظُرُ إِلَى المَرْأَةِ وَهُوَ يُرِيدُ تَزْوِيجَها

- ‌20 - باب فِي الوَليِّ

- ‌21 - باب فِي العَضْلِ

- ‌22 - باب إِذا أَنْكَحَ الوَلِيّانِ

- ‌23 - باب قَوْلِهِ تَعالَى: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ}

- ‌24 - باب فِي الاسْتِئْمارِ

- ‌25 - باب فِي البِكْرِ يُزَوِّجُها أَبُوها وَلا يَسْتَأْمِرُها

- ‌26 - باب فِي الثَّيِّبِ

- ‌27 - باب فِي الأَكْفاءِ

- ‌28 - باب فِي تَزْوِيجِ مَنْ لَمْ يُولَدْ

- ‌29 - باب الصَّداقِ

- ‌30 - باب قِلَّةِ المَهْرِ

- ‌31 - باب فِي التَّزْوِيجِ عَلَى العَمَلِ يُعْمَلُ

- ‌32 - باب فِيمَنْ تَزَوَّجَ وَلَمْ يُسَمِّ صَداقًا حَتَّى ماتَ

- ‌33 - باب في خُطْبَةِ النِّكاحِ

- ‌34 - باب فِي تَزْوِيجِ الصِّغارِ

- ‌35 - باب فِي المَقامِ عِنْدَ البِكْرِ

- ‌36 - باب في الرَّجُلِ يَدْخُلُ بِامْرَأَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُنْقِدَها شيْئًا

- ‌37 - باب ما يُقالُ لِلْمُتَزَوِّجِ

- ‌38 - باب في الرَّجُلِ يتَزَوَّجُ المَرْأَةَ فيَجِدُهَا حُبْلَى

- ‌39 - باب في القَسْمِ بيْنَ النِّساءِ

- ‌40 - باب فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِطُ لَهَا دَارَهَا

- ‌41 - باب فِي حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى المَرْأَةِ

- ‌42 - باب فِي حَقِّ المَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا

- ‌43 - باب في ضَرْبِ النِّساءِ

- ‌44 - باب ما يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ غَضِّ البَصَرِ

- ‌45 - باب في وَطْءِ السَّبايا

- ‌46 - باب في جامِعِ النِّكَاحِ

- ‌47 - باب في إِتْيَانِ الحَائِضِ وَمُبَاشَرَتِهَا

- ‌48 - باب في كَفَّارَةِ مَنْ أَتَى حَائِضًا

- ‌49 - باب ما جَاءَ في العَزْلِ

- ‌50 - باب ما يُكْرَهُ منْ ذِكْرِ الرَّجُلِ ما يَكُونُ مِنْ إِصابَةِ أَهْلِهِ

- ‌كِتَابُ الطَّلَاقِ

- ‌1 - باب فِيمَنْ خَبَّبَ امْرَأةً عَلى زَوْجِها

- ‌2 - باب فِي المَرْأَةِ تَسْأَلُ زَوْجَها طَلاقَ امْرَأَةٍ لَهُ

- ‌3 - باب فِي كَراهِيَةِ الطَّلاقِ

- ‌4 - باب فِي طَلاقِ السُّنَّةِ

- ‌5 - باب الرَّجُلِ يُراجِعُ وَلا يُشْهِدُ

- ‌6 - باب في سُنَّةِ طَلاقِ العَبْدِ

- ‌7 - باب فِي الطَّلاقِ قَبْلَ النِّكاحِ

- ‌8 - باب الطَّلاقِ عَلَى غَيْظٍ

- ‌9 - باب الطَّلاقِ عَلَى الهَزْلِ

- ‌10 - باب نَسْخِ المُراجَعَةِ بَعْدَ التَّطْلِيقاتِ الثَّلاثِ

- ‌11 - باب فِيما عُنِيَ بِهِ الطَّلاقُ والنِّيّاتُ

- ‌12 - باب فِي الخِيارِ

- ‌13 - باب فِي أَمْرُكِ بِيَدِكِ

- ‌14 - باب فِي البَتَّةِ

- ‌15 - باب فِي الوَسْوَسَةِ بِالطَّلاقِ

- ‌16 - باب فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لاِمْرَأَتِهِ: يا أُخْتِي

- ‌17 - باب فِي الظِّهارِ

الفصل: ‌11 - باب فيما عني به الطلاق والنيات

‌11 - باب فِيما عُنِيَ بِهِ الطَّلاقُ والنِّيّاتُ

.

2201 -

حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْراهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقّاصٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّما الأَعْمالُ بِالنِّيّاتِ وَإِنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيا يُصِيبُها أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُها فَهِجْرَتُهُ إِلَى ما هاجَرَ إِلَيْهِ"(1).

2202 -

حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ وَسُلَيْمانُ بْنُ دَاوُدَ قالا أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ كَعْبٍ - وَكَانَ قائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَميَ - قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مالِكٍ. فَساقَ قِصَّتَهُ فِي تَبُوكَ قَالَ: حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ مِنَ الخَمْسِينَ إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْتِي فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ. قَالَ: فَقُلْتُ: أُطَلِّقُها أَمْ ماذا أَفْعَلُ قَالَ: لا بَلِ اعْتَزِلْها فَلا تَقْرَبَنَّها. فَقُلْتُ لامْرَأَتِي: الحَقِي بِأَهْلِكِ فَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ سُبْحانَهُ فِي هذا الأَمْرِ (2).

* * *

باب فيما عني به الطلاق والنيات

[2201]

(ثنا محمد بن كثير) الضبعي (3) العبدي (أنا سفيان) بن سعيد الثوري (قال: حدثنا يحيى بن سعيد) الأنصاري، أخرج له الشيخان.

(عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص الليثي قال:

(1) رواه البخاري (1)، ومسلم (1907).

(2)

رواه البخاري (4418)، ومسلم (2769).

(3)

كذا. وليست في نسبته. ولعلها: البصري.

ص: 637

سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال) جمع عمل وهو حركة البدن بكله أو بعضه، وربما أطلق على حركة النفس والأسبق في الفهم اختصاصه بالجارحة وعلى التفهم فتكون النية ونحوها من عمل القلب مخصوصًا من العموم؛ إذ لا يحتاج إلى نية، وكذلك بعض التروك كإزالة النجاسة ونحوها للدليل على خروج ذلك كله بخلاف الصوم؛ فإنه باقٍ على شموله الحكم له، فيحتاج إلى النية والفرق أن الصوم من قبل المصالح، فلا بد من حضوره في الذهن لتحصل مصلحة النفس بمشقة الجوع الباعث على الصدقة، وأما غيره فهو من قبيل درء المفاسد، وهو موجود وإن لم يخطر بالبال.

واعلم أن في الكلام حذفًا؛ لأن إنما كانت في الحصر ففيها نفي الحكم عن غير المذكور، والأعمال إذا وقعت من غير نية لا تكون مثبتة، ولا بد من تقدير ما يصح فيه الكلام بما يناسب معناه المقصود منه، ويسمى مثل هذا عند الأصوليين دلالة الاقتصار. واختلفوا في المقدر المناسب، فالشافعية وغيرهم قدروا: إنما صحة الأعمال (1) أو إنما اعتبار الأعمال (بالنية) وقدر قومٌ: إنما كمال الأعمال بالنية، والأول أرجح باعتبار أن النفي لما يُقَدَّرُ كان التجوز بما هو أقرب إليه أولى من البعيد، ونفي الصحة أقرب لنفي الحقيقة من نفي الكمال؛ لأن الصحة ألزم للحقيقة من الكمال، نعم ينبغي أن يكون المقدر: إنما الأعمال معتبرة أو مجزئة بالنية؛ إذ لا بد للجارِّ من متعلق محذوف هنا هو الخبر في الحقيقة فينبغي أن يجعل المقدر أولًا في ضمن الخبر كما

(1) انظر: "الغرر البهية في شرح البهجة الوردية" 1/ 84، "إعانة الطالبين" 1/ 49.

ص: 638

مثلناه، فيستغني عن إضمار شيء في الأول، لئلا يصير في الكلام حذفان: حذف مبتدأ أولًا، وحذف الخبر ثانيًا.

قال البرماوي: لكن يعارضه أن الخبر يصير كونًا خاصًّا، وإذا قدرنا إنما صحة الأعمال كائنة كان كونًا مطلقًا، وحَذفُ الكون المطلق أكبر من الكون الخاص وحذف المضاف كثير أيضًا بارتكاب حذفين نكرة، وقياس أولى من حذف واحد نقله شذوذًا، ويشهد لذلك ما قرروه في حذف خبر المبتدأ بعد لولا في الكون الخاص على العام، ومنهم من جعل المقدر القبول أي: إنما قبول الأعمال بالنية الباقية يحتمل أن تكون للمصاحبة، ويحتمل أن تكون للشبهية، ويظهر أثرهما في أن النية شرط أو ركن إن قلنا للمصاحبة: كانت شرطًا؛ لأن الشرط خارج عن الماهية مصاحب لها، أو للشبهية كانت ركنًا؛ لأن جزاء الماهية له تأثير.

قال الحافظ المقدسي: النية والقصد والإرادة والعزم بمعنًى، والعرب تقول: بوأك الله بحفظه، أي: قصدك، وعبارة بعضهم: أنها تصميم القلب على فعل الشيء. وقال الماوردي: هي قصد الشيء مقترنًا بفعله وإن تراخى عنه كان عزمًا (1)، قاله في كتاب الأيمان، وأصل النية نوية بكسر النون فقلبت الواو ياءً لسكونها بعد كسرة وأدغمت، قال الجوهري: ويقال في النية نية بالتخفيف (2)، وفي رواية:"بالنيات" كما بوب عليه المصنف، وهذا من مقابلة الجمع بالجمع على معنى لكل عمل نية كرَكِبَ القوم دوابَّهم.

(1) نقله عنه في "مغني المحتاج" 5/ 427.

(2)

"الصحاح"(نوى).

ص: 639

واعلم أن الحصر المذكور من حصر المبتدأ والخبر، ويعبر عنه الشاميون بقصر الموصوف على الصفة، وذلك لأن المحصور فيه أو المقصور عليه هو المؤخر، ثم هو أيضًا قصر خاص خلافًا لما ادعاه ابن دقيق العيد أنه عام (1)، وممن قرأ الحديث كذلك السماني في "إعجاز القرآن". (وإنما) الحاصل (لكل امرئ ما) يعني الذي (نوى) فـ (ما) موصول اسمي، ويجوز أن يكون موصولًا حرفيًّا فلا يحتاج لعائد، بل التقدير: وإنما لكل امرئ نيته، ولا بد من حذف مضاف على التقديرين لئلا يلزم اتحاد هذِه الجملة مع التي قبلها؛ لأن الأولى قد تضمنت أن كل عامل لا يصح عمله إلا بنية، فإذا كانت النية موجودة في عمله، فقد حصل له وإلا فلا يحصل له فيقدر هنا: وإنما لكل امرئ ثواب ما نوى ونحو ذلك، فتكون الأولى قد نبهت على أن الأعمال لا تصير ذات ثواب إلا بنية، والثانية على أن العامل يكون له من العمل على مقدار نيته، ولهذا أُخِّرت عنها ليرتبها عليها.

وقال بعضهم: الجملة الأولى لبيان اعتبار النية لغرض تمييز العبادة عن العادة، والثانية لغرض تمييز رتب العبادات كالتعيين والفريضة في الصوم والصلاة، فإن النية تنقسم إلى نية تعبد وهو إخلاص العمل لله تعالى، ونية تمييز كمن أقبض رب الدين من جنس دينه شيئًا، فإنه يحتمل التمليك هبة وفرضًا ووديعة وإباحة ونحو ذلك (فمن كانت هجرته) هي فعلة من هجره هجرًا إذا تركه، والمراد هنا الهجرة من مكة إلى المدينة قبل أن تفتح مكة، وبعد الفتح لا هجرة بل جهاد ونية، نعم

(1)"إحكام الأحكام" 1/ 60.

ص: 640

حكم الهجرة باقٍ من سائر بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، ويسمى الخروج لطلب العلم هجرة (إلى) طاعة (الله) وإلى عبادة الله (و) طاعة (رسوله صلى الله عليه وسلم فهجرته إلى الله ورسوله) هذِه الجملة جواب الشرط المذكور قبله وهو (من) وظاهره اتحاد الشرط مع الجزاء، وذكروا تخريجه من وجوه:

أحدها: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نية وقصدًا فهجرته إلى الله ورسوله حكمًا وشرعًا وهو جنس باعتبار السياق، فإنه في الاعتبار بالنية، لكن يضعفه في جهة العربية أن الحال المثبتة لا تحذف بلا دليل، ولهذا منع بعضهم تعلق الباء في بسم الله بحال محذوفة أي: أبتدئ متبركًا، قال: لأن حذف الحال في نحو ذلك لا يجوز.

ولقائل أن يقول: إن الحذف هنا لم يقع إلا لدليل من السياق كما تقدم فإن تقريره: فمن كانت هجرته خالصة لله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله مقبولة، وهو أحسن من الأول باعتبار جعل التقييد في متعلق الجار، فاستغني عن حذف الحال وجعله في الثاني المحذوف خبرًا لمبتدأ وهو كثير، وتعبيره فيه بالقبول أخص من تقدير حكمًا وشرعًا؛ إذ كل مقبول هو شرعي، ولا ينعكس إلا أن فيه ضعفًا من جهة حذف الكون الخاص من غير دليل، وهو خالصة، وأما تعبيره إلى باللام فلا حاجة إليه؛ فإنه يقال: خلص إليه إذا وصل إليه.

ثالثها: أنه على إقامة السبب مقام المسبب، أي: استحق الثواب العظيم المستحق للمهاجر إلى الله ورسوله، وإنما أعاد المجرور ظاهرًا لا مضمرًا؛ إذ لم يقل: فهجرته إليهما، ولا ذكره بلفظ الموصول كما في الذي بعده لقصد الاستلذاذ والتبرك بذكر الله ورسوله بخلاف الدنيا والمرأة؛ فإن الإبهام والإخفاء فيهما أولى، وأيضًا فيخلص من جمع

ص: 641

اسم الله ورسوله في ضمير واحد كما تقدم في: "بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله"(1). (ومن كانت هجرته إلى دنيا) نسخة: الدنيا بضم الدال، وحكى ابن قتيبة كسرها ولا تنوين على المشهور؛ لأنها فعلى من الدنو والتأنيث يمنع من الصرف، وحكى ابن جني تنوينها لغة نادرة، وأورد ابن مالك أن أفعل التفضيل المذكر لا يؤنث ولا يثنى، ولا يجمع، فلا يقال: صغرى وكبرى، بل أصغر وأكبر في الكل، وأجاب بأنه أجري مجرى الأسماء وصار كرجعى في معنى الدنيا قولان للمتكلمين: أحدهما: ما على الأرض من الجو والهوى. وأظهرهما: كل مخلوق من الجواهر والأعراض الموجودة قبل الدار الآخرة، والمراد بها في الحديث المالُ ونحوه، بدليل ذكر المرأة بعده (يصيبها) أي: تحصل له وهو استعارة من إصابة الغرض في الرمي، وأصله من الصواب، وهو ضد الخطأ (أو امرأة) إنما أفردها بالذكر مع دخولها في لفظ دنيا بدليل حديث:"الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة"(2) وقد تقدم أن المراد بالدنيا المال ونحوه، ويحتمل أن ذلك من ذكر الخاص على العام [ولكن] لا يكون إلا بالواو (يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه) قالوا: إنما جاء هذا الحديث في رجل كان يخطب امرأة بمكة فهاجرت إلى المدينة فتبعها الرجل رغبة في نكاحها، فسمي مهاجر أم قيس (3)، ولما خرج في صورة طالب فضيلة

(1) سبق برقم (1099)، وسيأتي أيضًا برقم (4981).

(2)

أخرجه مسلم (1467)(64)، والنسائي 6/ 69، من حديث عبد الله بن عمرو.

(3)

رواه الطبراني في "الكبير" 9/ 103 (8540) عن ابن مسعود، وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 101: رجاله رجال الصحيح.

ص: 642

الهجرة وأبطن خلاف ما أظهر توجَّهَ عليه الذَّمُّ.

[2202]

(ثنا أحمد بن عمرو ابن السرح وسليمان بن داود) أبو الربيع المهري، كان زاهدًا فقيها على مذهب مالك، قال النسائي: ثقة (1)(قالا: ثنا) عبد الله (بن وهب قال: أخبرني يونس، عن) محمد (ابن شهاب قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك) الأنصاري، أخرج له الشيخان (أن عبد الله بن كعب) بن مالك والده (وكان قائد كعب) بن مالك (من بنيه) أي: من دون أولاده (حين عمي) بكسر الميم والده كعبًا رضي الله عنهم[(قال: سمعت كعب بن مالك، فساق)](2) قصته) المذكورة (في) الصحيحين وغيرهم عن غزوة (تبوك) بفتح الكاف غير منصرف للتأنيث والعلمية على المشهور، وسميت باسم الموضع وهي بالشام منه إلى المدينة أربع عشرة مرحلة، وإلى الشام (3) إحدى عشرة مرحلة، وهذِه آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه. و (قال) فيها (حتى مضت أربعون) ليلة، كذا للبخاري (4) (من الخمسين) ليلة التي اجتنب الناس كلامنا فيها (إذا) فجائية (رسول) بالرفع مبتدأ (رسول) مضاف إليه (الله صلى الله عليه وسلم يأتي) وفي الصحيحين (5): يأتيني (فقال: إن رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك) فيه دليل على أن للإمام أن يؤدب بعض من وقع منه الذنب باعتزال امرأته في النوم معها في الفراش وفي الاستمتاع بشيء

(1)"مشيخة النسائي"(93).

(2)

من "السنن".

(3)

في "الفتح" 8/ 111: دمشق.

(4)

"صحيح البخاري"(4418).

(5)

البخاري (4418)، ومسلم (2769).

ص: 643

حتى يأذن له (فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ ) فيه استفهام ما يجهل حكمه وطلب البيان عنه (قال: لا) تطلقها (بل اعتزلها) في الفراش وغيره (فلا تقربنها) بتشديد نون التوكيد كما في مسلم، وللبخاري بتخفيفها (1). قال ابن العربي: سمعت الشاشي يقول في مجلس النظر إذا قيل: لا تقرب بفتح الراء كان معناه لا تتلبس بالفعل يعني المنهي عنه وإن كان بضم الراء كان معناه: لا تدنوا منه (2)(فقلت لامرأتي: الحقي) بكسر الهمزة وفتح الحاء (بأهلك) فيه حذف تقديره: لأني لا يحل لي أن أقربك. وفيه أن قوله لزوجته: الحقي بأهلك. ليس بصريح طلاق، ولا يقع به شيء إذا لم ينو؛ لأنه لفظ محتمل لأن تذهب إلى أهلها لأنها مطلقة أو لغيره، ولا فرق بين أن يكون لها أهل أو لم يكن (فكوني عندهم) الظاهر أن زوجته هذِه كان لها أهل تذهب إليهم، فيه جواز خروج المرأة إلى بيت أهلها بإذن زوجها ومطاوعته في الخروج وإن لم يكن لها غرض، وفيه الاحتياط بمجانبته ما يخاف منه الوقوع في منهي عنه؛ لأنه كان شابًّا يخاف على نفسه، ولأنه لم يستأذن في خدمة زوجته له. وفيه أن المرأة إذا احتاجت إلى الخروج تكون عند أهلها أولى من أن تكون عند أهل الزوج أو نساء أجانب (حتى يقضيَ الله) أي: يحكم بتوبته وينزلها على نبيه صلى الله عليه وسلم (في هذا الأمر) الذي قضاه عليه بما يشاء.

(1) في (الأصل): يخوفها. والمثبت هو الصواب.

(2)

"أحكام القرآن" لابن العربي 1/ 227.

ص: 644