الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 - باب فِي لَبَنِ الفَحْلِ
2057 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ العَبْدِيُّ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ أفلَحُ بْنُ أَبي القُعَيْسِ فاسْتَتَرْتُ مِنْهُ. قَالَ: تَسْتَتِرِينَ مِني وَأَنا عَمُّكِ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: مِنْ أَيْنَ؟ قَالَ: أَرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أَخي. قَالَتْ: إِنَّما أَرْضَعَتْني المَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْني الرَّجُلُ. فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ: "إِنَّهُ عَمُّكِ فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ"(1).
* * *
باب في لبن الفحل
[2057]
(ثنا محمد بن كثير العبدي، أنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن هشام بن عروة) بن الزبير (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة قالت: دخل علي أفلح) بفتح الهمزة وسكون الفاء (ابن أبي القعيس) بضم القاف وفتح العين المهملة، وفي البخاري: أفلح أخو أبي القعيس (2). وقيل: أفلح أبو القعيس (3) أخو عائشة من الرضاعة
(فاستترت منه) وللبخاري عن عائشة: أن أفلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها وهو عمها من الرضاعة بعد أن نزل الحجاب، فأبت أن تأذن له (4) (قال: تستترين مني وأنا عمك) فيه التثبيت بالأحكام حتى يتضح
(1) رواه البخاري (2644، 4796، 5103، 5239، 6156)، ومسلم (1445). وانظر: ما سلف برقم (2055).
(2)
"صحيح البخاري"(4796)، وكذا هو عند مسلم (1445/ 5).
(3)
"صحيح البخاري"(4796)، و"فتح الباري" 9/ 54.
(4)
"صحيح البخاري"(5103)، وكذا هو عند مسلم (1445/ 3).
بالاستفتاء، وفيه عدم كراهة التسمية بأفلح وإن كان قد جاء ما يخالفه، ولعل تقريره عليه السلام في هذا الحديث بيان الجواز، وأن النهي عن الكراهة دون التحريم أعني حديث النهي عن التسمية بأفلح (وأنا عمك) وللبخاري: أتحتجبين مني وأنا عمك؟ (1).
(قالت: قلت: من أين؟ قال: أرضعتك امرأة أخي) وفي الصحيح عن عائشة: لو كان فلان (2) حيًّا لعمها من الرضاعة دخل علي؟ قال: "نعم". ثم قال في آخر الحديث: "إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة"(3). قال القابسي: هما عمان لعائشة أحدهما أخو أبيها أبي بكر من الرضاعة أرضعتهما امرأة واحدة، والثاني أخو أبيها من الرضاعة يعني أخا أبي القعيس (4). كما قال: أرضعتك امرأة أخي. قال ابن أبي حازم: هما واحد في الحديثين.
قال عياض: والأشبه قول أبي الحسن؛ إذ لو كان واحدًا لم تحتج للامتناع منه ولحجابه بعد إعلام النبي صلى الله عليه وسلم لها بذلك، أو لسؤالها عن عمها الميت لو كان حيًّا. ورجح بعضهم قول أبي حازم، وقال: لعل عم حفصة كان بخلاف عمها، وأفلح إما أن يكون أخاها (5) شقيقًا والآخر لأب أو أم فقط، أو يكون أحدهما أعلى في العمومة والأخر أدنى أو يكون أحدهما أرضعت زوجة أخيه بعد موته والأخر في
(1)"صحيح البخاري"(2644).
(2)
سقطت من الأصل، واستدركتها من "صحيح البخاري".
(3)
"صحيح البخاري"(2646).
(4)
"شرح النووي" 10/ 20.
(5)
في "إكمال المعلم": أخوهما.
حياته، فأشكل هذا الأمر عليها حتى سألت عن حكم ذلك.
وفي حديث عائشة حجة على أن قليل الرضاعة وكثيرها يحرم كما تقدم؛ إذ لم يقع في الرضاع سؤال عن عدد الرضعات، واكتفي فيه بأنه عم من الرضاعة مجملًا ولم يفصل (1).
(قالت: إنما أرضعتني المرأة) فيه الحصر بإنما، ومفهوم الحصر أن الرجل لم يرضع وإنما ذكر (ولم يرضعني الرجل) زيادة في البيان.
اختلف العلماء في التحريم بلبن الفحل، فجمهور العلماء على أنه يحرم كما هو ظاهر الحديث، وذهبت طائفة إلى أنه لا يحرم وإنما يقع التحريم في ناحية المرأة لا من ناحية الرجل، روي هذا عن عائشة وابن عمر وابن الزبير وغيرهم من التابعين، وهو مذهب أهل الظاهر وابن ابنة الشافعي، وقيل: إنه لا يصح عن عائشة، وهذا الأشبه؛ لأنها روت الحديث فيه، وقال الإمام الشافعي: نشر الحرمة إلى الفحل خارج عن القياس؛ فإن اللبن ليس ينفصل منه، وإنما ينفصل منها، والمتبع الحديث (2)(فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثته، فقال: إنه عمك) بوب عليه البخاري في الشهادات: باب: الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض والموت القديم.
(فليلج عليك)(3) وللبخاري في باب: لبن الفحل: فأمرني أن آذن له.
(1)"إكمال المعلم" 4/ 324.
(2)
انظر: "الحاوي الكبير" 11/ 358 - 359، و"عون المعبود" 6/ 59 - 60 به.
(3)
أخرجه البخاري كما تقدم، ومسلم (1445/ 3)، والترمذي (1148)، والنسائي 6/ 103، وابن ماجه (1949) من طرق عن عروة بنحوه.
وفيه إثبات التحريم بلبن الفحل، وأن زوج المرضعة بمنزلة الوالد للرضيع، وأخاه بمنزلة العم له. قال الخطابي: اللفظ عام ومعناه خاص، وتفصيله أن الرضاع يجري عمومه في تحريم النكاح للمرضعة وذوي أرحامها على الرضيع مجرى النسب، ولا يجري بين الرضيع وذوي أرحامه مجراه، وذلك أنه إذا أرضعته صارت أمًّا له يحرم عليه نكاحها ونكاح محارمها، وهي لا تحرم على أبيه ولا على ذوي أنسابه غير أولاده (1). فيجري الأمر في هذا الباب عمومًا في أحد الشقين وخصوصًا في الشق الآخر.
(1)"مختصر سنن أبي داود" المطبوع معه "معالم السنن" 3/ 9.