الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - باب فِي طَلاقِ السُّنَّةِ
.
2179 -
حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ عُمَرَ بْنُ الخَطّابِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مُرْهُ فَلْيُراجِعْها ثُمَّ لْيُمْسِكْها حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شاءَ أَمْسَكَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ شاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ العِدَّةُ التِي أَمَرَ اللهُ سُبْحانَهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَها النِّساءُ"(1).
2180 -
حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا اللَّيْثُ، عَنْ نافِعٍ أَنَّ ابن عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ وَهِيَ حائِضٌ تَطْلِيقَةً بِمَعْنَى حَدِيثِ مالِكٍ (2).
2181 -
حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ، عَنْ سالِمٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مُرْهُ فَلْيُراجِعْها ثُمَّ لْيُطَلِّقْها إِذَا طَهُرَتْ أَوْ وَهِيَ حامِلٌ"(3).
2182 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنا يُونُسُ، عَنِ ابن شِهابٍ أَخْبَرَنِي سالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَتَغَيَّظَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ:"مُرْهُ فَلْيُراجِعْها ثُمَّ لْيُمْسِكْها حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شاءَ طَلَّقَها طاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَذَلِكَ الطَّلاقُ لِلْعِدَّةِ كَما أَمَرَ اللهُ عز وجل"(4).
2183 -
حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ
(1) رواه البخاري (4908)، ومسلم (1471).
(2)
رواه البخاري (5332)، ومسلم (1471).
(3)
رواه مسلم (1471/ 5).
(4)
رواه البخاري (4908)، ومسلم (1471/ 4).
ابن سِيرِينَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابن عُمَرَ فَقَالَ: كَمْ طَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ فَقَالَ واحِدَةً (1).
2184 -
حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ، حَدَّثَنا يَزِيدُ - يَعْنِي: ابن إِبْراهِيمَ -، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: قُلْتُ: رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حائِضٌ. قَالَ: تَعْرِفُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حائِضٌ. فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ فَقَالَ: "مُرْهُ فَلْيُراجِعْها ثُمَّ ليُطَلِّقْها فِي قُبُلِ عِدَّتِها". قَالَ: قُلْتُ فَيُعْتَدُّ بِها قَالَ: فَمَهْ أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ واسْتَحْمَقَ (2).
2185 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ صالِحٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ أَخْبَرَنا ابن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَيْمَنَ مَوْلَى عُرْوَةَ يَسْأَلُ ابن عُمَرَ وَأَبُو الزُّبَيْرِ يَسْمَعُ قَالَ: كَيْفَ تَرى فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حائِضًا قَالَ طَلَّقَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حائِضٌ قَالَ عَبْدُ اللهِ فَرَدَّها عَلَيَّ وَلَمْ يَرَها شَيْئًا وقَالَ: "إِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ". قَالَ ابن عُمَرَ وَقَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوى هذا الحَدِيثَ، عَنِ ابن عُمَرَ يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَنَسُ بْنُ سِيرِينَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَأَبُو الزُّبَيْرِ وَمَنْصُورٌ، عَنْ أَبِي وائِلٍ مَعْناهُمْ كُلُّهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يُراجِعَها حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شاءَ أَمْسَكَ وَكَذَلِكَ رَواهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سالِمٍ، عَنِ ابن عُمَرَ وَأَمّا رِوايَةُ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سالِمٍ وَنافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يُراجِعَها حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شاءَ
(1)"مصنف عبد الرزاق"(10959). ورواه البخاري (5253)، ومسلم (1471/ 7) بنحوه.
(2)
رواه البخاري (5258)، ومسلم (1471/ 7).
طَلَّقَ وَإِنْ شاءَ أَمْسَكَ وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ الخُراسانِيِّ عَنِ الحَسَنِ عَنِ ابن عُمَرَ نَحْوُ رِوايَةِ نافِعٍ والزُّهْرِيِّ والأَحَادِيثُ كُلُّها عَلَى خِلافِ ما قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ (1).
* * *
باب في طلاق السنة
[2179]
(ثنا القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر) عند المحدثين أن الإسناد الذي فيه مالك عن نافع عن ابن عمر يسمى: سلسلة الذهب (2).
(أنه طلق امرأته) آمنة بنت غفار، قاله ابن باطيش وابن نقطة في "تكملة الإكمال"(3)، وعزاه لابن سعد (4)، وقيل: آمنة بنت عمار، وفي "مسند أحمد" من حديث نافع أن عمر قال: يا رسول الله إن عبد الله طلق
(1) أشار إليها مسلم (1471/ 14)، ورواها أبو نعيم في "مستخرجه على مسلم"(3471). وهي أيضًا في "مسند أحمد" 2/ 80.
قال الحافظ في "الفتح" 9/ 353: وإسناده على شرط الصحيح فإن مسلما أخرجه من رواية حجاج بن محمد عن ابن جريج وساقه على لفظه ثم أخرجه من رواية أبي عاصم عنه وقال نحو هذِه القصة. ثم أخرجه من رواية عبد الرزاق عن ابن جريج قال: مثل حديث حجاج وفيه بعض الزيادة. فأشار إلى هذِه الزيادة ولعله طوى ذكرها عمدا. ا. هـ. وصححه الألباني في "الإرواء"(2058).
(2)
وهو قول البخاري. انظر: "مقدمة ابن الصلاح" ص 16.
(3)
"المغني" لابن باطيش 2/ 537، "إكمال الإكمال"(4188).
(4)
في "الطبقات الكبرى" 8/ 211: آمنة بنت عفان غير أنه في "تكملة الإكمال"، و"توضيح المشتبه" 6/ 302: غفار. نقلا عن ابن سعد. وذكر هذا الاختلاف ابن حجر في "الإصابة" 8/ 5 ط العلمية.
امرأته النوار (1) فيحتمل أن يكون هذا لقبها وذاك اسمها.
(وهي حائض) جملة حالية، وليست بحامل.
(على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهذا معلوم مما بعده، فذكره له على سبيل التأسيس، ومن ورود التأسيس في كتاب الله {قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} (2) فإنها تأسيس لقوله تعالى بعدها {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} (3) والتأكيد خلاف التأسيس (فسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه رسول الله عن ذلك) فيه سؤال أهل العلم عند تجدد الحوادث؛ ليعلم حكم الله فيها وليبلغ حكمها من لم يكن حاضرًا (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مره) أصلها: اأمره بهمزتين الأولى للوصل مضمومة تبعًا لثالث الفعل وهو الميم كما في أقبل، والثانية فاء الكلمة ساكنة تبدل تخفيفًا من جنس حركة ما قبلها فيقال: أؤمر، وإذا وصل الفعل بما قبله زالت همزة الوصل وسكنت الهمزة الأصلية كما قال تعالى {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} (4) لكن هذِه الثلاثة ألفاظ استعملتها العرب من غير همز، فقالوا: خذ ومر وكل؛ لكثرة دورها في الكلام، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم:"مره". على الأمر بعد بالمراجعة على طريق الندب وهو قول الشافعي (5) وأحمد (6) وأبي حنيفة (7)؛ لأن الأمر بالأمر بالشيء لا يكون أمرًا بذلك الشيء على
(1)"مسند أحمد" 2/ 124. وليس فيه لفظة: النوار. وعزاه الحافظ في "الفتح" 9/ 259 إلى مسند أحمد بهذا اللفظ وقال: هذا إسناد على شرط الشيخين.
(2)
آل عمران: 49.
(3)
آل عمران: 50.
(4)
طه: 132.
(5)
انظر: "المستصفى" ص 216.
(6)
انظر: "روضة الناظر" 1/ 582.
(7)
انظر: "التقرير والتحبير" 2/ 79.
الأصح عند الأصوليين (1)، فلا تكون المراجعة واجبة، فلو كانت واجبة لقال رسول الله لعمر: أخبره أن الله أمره بالمراجعة، أو إني آمره بالرجعة، ولا يصار إلى أنه أمر إلا بدليل. قال عياض: فأمره بمراجعتها واجب عندنا خلافًا لأبي حنيفة والشافعي، ولا حجة لهما إن قالا: فإن الآمر لابن عمر بالمراجعة أبوه وليس لأبيه أن يضع الشرع لأن أباه إنما أمره بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فهو مبلغ إليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم (2)(فليراجعها) بكسر اللام على الأصل؛ لأنها لام الأمر الجازمة للمضارع، ويجوز إسكانها، وقرئ بهما في السبع (3)، والأمر بالمراجعة للندب كما تقدم، قال أصحابنا: والصارف للأمر للوجوب؛ فإن الله قال: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (4) وغيرها من الآيات المقتضية للتخيير بين الإمساك بالرجعة أو الفراق بتركها، وفيه جمع بين الحديث والآيات إذا حملنا الأمر على الندب (ثم ليمسكها) بضم الياء وكسر السين، كما قال تعالى:{وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا} (5) وفي رواية في الصحيح: "ثم يمسكها"(6). بحذف لام الأمر، وجزم الكاف، عطفًا على الأمر قبله. والمراد بهذا الأمر: استمرار الإمساك لها؛ لأن الرجعة إمساك لها
(1) وهو قول المالكية أيضًا، انظر:"شرح تنقيح الفصول" ص 148.
(2)
"إكمال المعلم" 5/ 5.
(3)
اتفقوا على تسكين لام الأمر إذا كان قبلها (واو) أو (فاء) في جميع القرآن، واختلفوا إذا كان قبلها (ثم) بين التسكين والكسر. انظر:"السبعة" لابن مجاهد ص 177.
(4)
الطلاق: 2.
(5)
البقرة: 231.
(6)
"صحيح البخاري"(5332)، ومسلم (1471).
(حتى تطهر) واختلف في المعنى الذي لأجله منعه إيقاع الطلاق في الطهر الثاني للحيضة التي طلق فيها (ثم تحيض) بعد ذلك (ثم تطهر) فإنه أمر أولًا بالرجعة ثم بتأخير الطلاق إلى طهر يلي هذا الحيض، فقيل: لئلا تصير الرجعة لغرض الطلاق، ولو طلق في أول طهر بخلاف الطهر الثاني حتى قيل: إنه يستحب الوطء في الطهر الأول، وإن كان المرجح خلافه، وقيل: هو عقوبة للمطلق في الحيض المحرم وتغليظ عليه، ورد (1) بأن ابن عمر لم يكن يعلم تحريمه.
وأجيب بأن تغليظه صلى الله عليه وسلم دون أن يعذره يقتضي أن ذلك في غاية الظهور، وأن هذا لا يكاد يخفى على أحد، وقيل: لأن الطهر الأول مع الحيض قبله كالشيء الواحد، وقيل: لأنه إذا طال مقامها رجي أن لا يطلق لأنه قد يطأها في الطهر الأول، فيذهب ما في نفسه منها من سبب طلاقها.
وادعى القرطبي أن هذا الحديث رواه سالم بن عبد الله ويونس بن جبير عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق". ولم يقولوا: "ثم تحيض ثم تطهر"، وهذا الذي في "المختصر" رواه الترمذي بلفظ:"ثم يطلقها طاهرًا أو حاملًا"(2).
قال شيخنا البلقيني: وليس في رواية سالم ويونس، ورواية ابن عمر مخالفة في المعنى، بل في اللفظ، قال: وإنما يختلفان من وجه آخر،
(1) في الأصل: وأورد. والمثبت أليق بالسياق.
(2)
"سنن الترمذي"(1176).
وهو أن في رواية لسالم في مسلم: فأمره أن يراجعها طاهرًا من غير جماع. وسيأتي في الرواية الآتية: "مره فليراجعها ثم ليطلقها إذا طهرت أو وهي حامل" كما سيأتي.
(ثم إن شاء) الزوج (أمسك) زوجته، أي: دام عصمتها (بعد ذلك) كله (وإن شاء طلق) فيه دليل على جواز الجمع بين الطلقات الثلاث؛ لأنه قال: طلقها فأطلق الطلاق، ولم يفصل بين الثلاث والثنتين، أو الواحدة تدل على جواز الجمع؛ لأن قاعدة مذهب الشافعي أن ترك التفصيل في قضايا الإجمال منزل منزلة العموم في المقال، وطلق هنا قضية الإجمال فكان كالعموم (1).
(قبل أن يمس) بفتح الياء والميم، أي: قبل أن يجامعها، واحترز قبل اللمس عما لو طلقها في طهر جامعها فيه، وكانت ممن تحبل ولَمَّ بها حمل فإن الطلاق في هذِه الحالة حرام وواقع عليها، وعلل التحريم بأمرين: أن الزوج لا يأمن أن تكون حاملًا فيندم على مفارقتها مع الولد، والثاني أنها تكون مرتابة بالحمل؛ فإنها في هذِه الحالة لا تعلم هل تعتد بوضع الحمل أم بالأقراء.
(فتلك) المدة زمن (العدة التي أمر الله) تعالى في كتابه العزيز في قوله تعالى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (2)(أن تطلق لها النساء) أي: فيها؛ فاللام بمعنى: في، كقوله تعالى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (3) {لَا
(1) انظر: "البرهان" للجويني 1/ 122.
(2)
الطلاق: 1.
(3)
الأنبياء: 47.
يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} (1)، وقولهم: مضى لسبيله، ولا تصح الإشارة التي في قوله:"فتلك" إلى (2) الحيضة؛ لأن الطلاق في الحيض غير مأمور به، بل منهي عنه، انتهى.
[2180]
(ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا الليث، عن نافع، أن) عبد الله (بن عمر رضي الله عنه طلق امرأة له وهي حائض تطليقة) يعني: واحدة كما سيأتي مصرحًا به في الرواية الآتية (بمعنى حديث مالك) عن نافع كما تقدم.
[2181]
(ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا وكيع) بن الجراح ومات قبله (عن سفيان) بن عيينة.
(عن محمد بن عبد الرحمن) بن عبيد (مولى آل طلحة) التيمي من الكوفة، أخرج له مسلم والبخاري في "الأدب".
(عن سالم) بن عبد الله (بن عمر) رضي الله عنهما (أنه طلق امرأته) آمنة، كما تقدم (وهي حائض) جملة حالية، وطلاق النفساء في معنى الحائض.
واستثني من الطلاق في الحيض صور منها: الحامل إذا حاضت. فلا يحرم طلاقها على الأصح، ومنها: إذا قال: أنت طالق مع آخر حيضك، ومنها: الحكمان في صورة الشقاق لا يحرم في الحيض للحاجة إلى قطع النزاع، ومنها: المؤلي إذا طولب فطلق في زمن الحيض، قاله الإمام وغيره وتوقف فيه الرافعي (3).
(1) الأعراف: 187.
(2)
في الأصل: أي. والمثبت المناسب للسياق.
(3)
انظر: "روضة الطالبين" 8/ 4.
(فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: مره فليراجعها) الأمر للاستحباب كما تقدم؛ لأنه بالمراجعة يزيل المعنى الذي حرم الطلاق من أجله وهو تطويل العدة، وإذا راجعها فهل يرتفع أثر التحريم؟ حكى النووي في تعليقه على الوسيط أن جماعة من مشايخه قالوا: يرتفع التحريم؛ لأنها كفارة له، ولأنه رجوع عن المصيبة لأنها توبة وهي تجب ما قبلها، وبه يتقوى مذهب مالك أن الأمر بالرجعة هنا أمر وجوب (1)؛ لأنها توبة من معصية، والتوبة واجبة، وردَّ الماوردي على مالك بأنه أورد على أن الارتجاع لا يجب إذا طلقها في طهر جامعها فيه مع أنه حرام بالاتفاق، فكذا في الطلاق في الحيض (2)(ثم ليطلقها) يعني إن شاء طلاقها، قال الماوردي والروياني: لو طلق للسنة ثم راجعها ندب أن لا يطلق أخرى حتى يطأ لتكون المراجعة للاستمتاع.
قال الرافعي: وكان الوجهين للاستحباب أما الإباحة فما ينبغي فيها خلاف (إذا طهرت) أي: إذا شرعت في الطهر الأول قبل أن يمس لأنه إن جامعها حرم عليه أن يطلق في ذلك الطهر (أو) يطلقها (وهي حامل) ولفظ الترمذي: "فليراجعها ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملًا".
قال عياض: في قول مسلم: "ليطلقها طاهرًا أو حاملًا" فيه دلالة على جواز طلاق الحامل على الإطلاق دون التفصيل، يعني سواء كانت حائضًا أو غير حائض. قال: وقد منعه بعض أصحابنا كما منع طلاق من لم يدخل بها وهي حائض، وأجازه الآخرون. قال: وهذا راجع
(1) انظر: "البيان والتحصيل" 5/ 464.
(2)
"الحاوي" 10/ 123.
إلى الاختلاف في النهي عن الطلاق في الحيض، فمن رأى أنه معلل بتطويل العدة أجازه في الحامل وفي التي لم يدخل بها؛ إذ الحامل عدتها الوضع فلا تطويل فيها، ومن لم يدخل بها لا عدة عليها أصلًا فتوصف بطول أو قصر، ومن رآه غير معلل منع الطلاق في المسألتين جميعًا. قال: وفيه نظر؛ لأن قضية ابن عمر قضية عين، فإذا قلنا أن النهي غير معلل افتقر المنع في المسألتين إلى دليل على القول بأن القضايا في الأعيان لا تتعدى، أو كون مجرد النهي غير معلل لا يوجب الحكم في المسألتين بالمنع. وأما الطريقة الأخرى وهي إثبات التعليل فإنما يصح ما قالوه فيها أيضًا على القول بأن العلة إذا ارتفعت ارتفع حكمها، وهذا فيه تفصيل وتحقيق (1).
وقال النووي: فيه دليل لجواز طلاق الحامل التي تبين حملها وهو مذهب الشافعي (2).
قال ابن المنذر: وبه قال أكثر العلماء - يعني: بحل طلاق الحامل وإن كان قد جامعها فيه - لأن المطلق مع العلم بالحمل قد وطأ نفسه عليه (3).
وقد استدل بهذا الحديث أصحابنا على أن طلاق (4) الحامل سني كما قال القفال، قال: وكأن الشافعي لم يبلغه هذا الحديث (5).
(1)"إكمال المعلم" 5/ 13 - 14.
(2)
"شرح النووي على صحيح مسلم" 10/ 65.
(3)
"الأوسط" لابن المنذر 9/ 145 - 146.
(4)
ليست بالأصل والسياق يقتضيها.
(5)
انظر: "حاشيتا قليوبي وعميرة" 3/ 349.
والأصح عند الشافعية ليس ببدعي ولا سني.
[2182]
(ثنا أحمد بن صالح) العبدي (ثنا عنبسة، ثنا يونس، عن) محمد (بن شهاب قال: أخبرني سالم بن عبد الله عن أبيه) عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (أنه طلق) الطلاق لفظ جاهلي ورد الشرع باستعماله أو تقريره كما قاله الإمام (1)(امرأته) فيه أن غير الزوج لا يصح طلاقه بغير نيابة شرعية أو قولية لا بالتخيير ولا بالتعليق (وهي حائض) مدخول بها.
(فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ) الغيظ هو الغضب المحيط بالكيد (2)(رسول الله) وفي النسائي: فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم (3).
وفيه دليل على تحريم الطلاق في الحيض؛ فإنه أنكره بتغيظه عليه مع أن ابن عمر لم يكن عرف تحريم ذلك عليه.
وأجيب بأن تغيظه صلى الله عليه وسلم دون أن يعذره لعدم علمه يقتضي أن تحريم ذلك في غاية الظهور، وأنه لا يكاد يخفى على أحد.
وقد استدل بهذا الحديث من يقول من أصحابنا وغيرهم أن طلاق الحامل الحائض أنه بدعي فيحرم؛ لأنه طلاق في الحيض وقد نهي عن الطلاق في الحيض، ووجه التحريم أنه صلى الله عليه وسلم تغيظ على ابن عمر حين طلق الحائض ولم يستفصل بين أن تكون حاملًا أو غير حامل، فدل على أنه لا فرق في التحريم للقاعدة المطردة أن ترك الاستفصال في
(1)"نهاية المطلب" 14/ 5.
(2)
انظر: "المصباح المنير" 2/ 459.
(3)
"سنن النسائي" 6/ 138. وفيه: (فتغيظ). وليس (فتغير وجه).
قضايا الإجمال منزل منزلة العموم في المقال.
(ثم قال: مره) استدل به على أن المراجعة التي بعده غير واجبة؛ لأنه لم يأمر عبد الله وإنما أمر أباه، والأمر بالأمر بالشيء ليس أمرًا بذلك الشيء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"مروهم بالصلاة لسبع"(1). والصلاة ليست واجبة على ابن سبع.
(فليراجعها) فيه دليل على أن قول المطلق رجعيًّا: راجعتك، أو ارتجعتك، صريح في المراجعة، لا يفتقر إلى نية، وقد اشتهرت هذِه اللفظة في المراجعة بين أهل العرف كاشتهار اسم الطلاق فيه، والاحتياط في المراجعة أن يقول: راجعت امرأتي أو زوجتي إلى نكاحي أو زوجتي، أو راجعتها لما وقع عليها من طلاقي، وقد يؤخذ من اقتصاره في الحديث على لفظ المراجعة أن الرجعة لا تفتقر إلى ولي ولا صداق ولا رضا المرأة ولا علمها، وكذا لا تفتقر إلى شاهدي عدل يحضران المراجعة، لكن يستحب، وهو المذهب (2).
(ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر) قال ابن قدامة في "المغني": فإذا راجعها وجب إمساكها حتى تطهر، واستحب إمساكها حتى تحيض حيضة أخرى ثم تطهر على ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم (3).
قال ابن عبد البر: وذلك من وجوه: منها: أن الرجعة لا تكاد تعلم صحتها إلا بالوطء؛ لأنه المبتغى من النكاح، ولا يحصل الوطء إلا في
(1) أخرجه الطبراني في "الأوسط"(4129) من حديث أنس بن مالك.
(2)
انظر: "الإقناع" للماوردي ص 153.
(3)
"المغني" 10/ 329.
الطهر؛ فإذا وطئها حرم طلاقها حتى تحيض ثم تطهر. ومنها: أن الطلاق حرم في الحيض لتطويل المدة، فلو طلقها عقب الرجعة من غير وطء كانت في معنى المطلقة قبل الدخول، وكانت تبني على عدتها، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع حكم الطلاق بالوطء، واعتبر الطهر الذي في محل الوطء، فإذا وطئ حرم عليه طلاقها حتى تحيض ثم تطهر، وقد جاء في حديث عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مره فليراجعها، فإذا طهرت مسها، حتى إذا طهرت أخرى فإن شاء طلقها وإن شاء أمسكها". رواه ابن عبد البر (1).
ومنها: أنه عوقب على إيقاعه في الوقت المحرم بمنعه منه في الوقت الذي يباح له.
(ثم إن شاء طلقها) فيه دليل على أنه لا إثم في الطلاق بغير سبب، لكن يكره كما في الحديث المتقدم:"أبغض الحلال إلى الله الطلاق". فيكون "أبغض الحلال" بيانا لكراهة التنزيه، وتعليقه هنا على المشيئة لبيان أنه ليس بحرام.
(طاهرًا قبل أن يمس) أي: قبل أن يطأها، وفيه تحريم الطلاق في طهر جامعها فيه كما تقدم.
(فذلك الطلاق للعدة) أي: عند زمان عدتهن، وهو عند الشروع في الطهر، فاللام في العدة بمعنى: عند، كقولهم: لخمس خلون، وجعل منه ابن جني قراءة الجحدري:{بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} (2) بكسر اللام
(1)"التمهيد" 15/ 53 - 55.
(2)
ق: 5.
وتخفيف الميم (1)، والمراد أنها تأتي للتأقيت إذا قرنت بالوقت مثل:"صوموا لرؤيته"(2)، وجعل منه الزمخشري:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (3).
(كما أمر الله تعالى) الظاهر أن أمر هنا بمعنى أذن وأباح، وهو كقولك: يا من طرق الباب ادخل؛ لأن الطلاق غير مأمور به، قيل: قد جاء: "أبغض المباح إلى الله الطلاق"(4).
[2183]
(ثنا الحسن بن علي) الخلال (ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني.
(عن) محمد (بن سيرين قال: أخبرني يونس بن جبير) أبو غلاب الباهلي البصري (أنه سأل) عبد الله (ابن عمر فقال: كم طلقت امرأتك) وهي حائض؟ (فقال) طلقة (واحدة) ووهم من روى ثلاثًا. كما رواه مسلم عن ابن سيرين أيضًا (5).
استدل به مالك وعامة أصحابه على ما ذهبوا إليه من أنه لا بد في طلاق السنة من أن يعتبر في الوقت أن يطلقها واحدة، ويتركها حتى تنقضي عدتها ولا يردفها، ومتى خالف شيئًا من ذلك خرج عن طلاق السنة ووصف بالبدعة (6).
وقال أبو حنيفة وأصحابه: هذا أحسن الطلاق (7).
(1)"المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات" 2/ 282.
(2)
رواه البخاري (1909)، ومسلم (1081) من حديث أبي هريرة.
(3)
طه: 14.
(4)
تقدم بلفظ: أبغض الحلال.
(5)
"صحيح مسلم"(1471/ 11).
(6)
"المدونة" 2/ 3.
(7)
"بدائع الصنائع" 3/ 88.
وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور: ليس في عدد الطلاق سنة ولا بدعة (1)
[2184]
(عن) عبد الله بن مسلمة (القعنبي، ثنا يزيد بن إبراهيم) القشيري أبو يزيد (عن محمد بن سيرين) قال (حدثني يونس بن جبير، قال: سألت عبد الله بن عمر، قلت: رجل) رجل مبتدأ، ويحتمل أن يكون سوغ الابتداء به وهو نكرة كونه موصوف بصفة محذوف تقديره: رجل متزوج (طلق امرأته) فحذف الصفة كما قالوا: ضعيف عاذ بقرملة (2) فيه حذف تقديره: رجل ضعيف، والمبتدأ في الحقيقة المحذوف وهو موصوف مبتدأ وضعيف خبره، ثم حذف المبتدأ وثبتت خبره صفته.
(وهي حائض، فقال: تعرف) فيه حذف لهمزة الاستفهام تقديره: أتعرف. كقول الشاعر:
ثم قالوا: تحبها؟ قلت: بهرًا
…
عدد الرمل والحصى والتراب (3)
تقديره: أتحبها؟ .
(عبد الله بن عمر؟ قلت: نعم. قال: فإن عبد الله بن عمر) سؤاله عن معرفة ابن عمر مع جوابه كالتوطئة لما يأتي بعده (طلق امرأته وهي حائض)
(1)"الأم" 5/ 264، و"المغني" 10/ 330 - 331.
(2)
القرمل: شجر ضعيف ترتفع على سويقة قصيرة لا تستر من خلفها ولا تظل من تحتها. وهذا مثل يضرب من استعاذ بأضعف منه. انظر: "اللسان" مادة (قرمل).
(3)
انظر: "الكامل في اللغة والأدب" 2/ 179، وعزاه لعمر بن أبي ربيعة، وهو في "ديوانه" ص 60.
في غيبة النبي صلى الله عليه وسلم (فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فسأله) عن ذلك (فقال: مره) فيه أن تأديب الوالد ولده وتعليمه الأحكام الشرعية أولى من الحاكم، ولهذا لم يطلبه النبي ليأمره بالمراجعة مشافهًا له، بل أمر والده ليأمره تشريعًا لهذِه الأمة بأمور دينها، وكذلك المفتي الوالد عن مسألة تتعلق بولده يجيبه عنها، ليكون الوالد هو المباشر لذلك دون المفتي، هذا ما ظهر لي من معنى الحديث. والله أعلم.
(فليراجعها) المراجعة مما استعمل فيه فاعل لغير المشاركة في الفعل بل لموافقة أفعل الذي همزته للتعدية نحو: باعدته بمعنى: أبعدته، وضاعفته بمعنى: أضعفته، وراجعتها بمعنى أرجعتها إلى عصمتي (ثم يطلقها) بجزم القاف عطفًا على الأمر قبله (في قبل) (1) بضم القاف والباء الموحدة (عدتها) أي: وقت استقبال العدة والشروع فيها، أي: طلقها في طهر لم يجامعها فيه.
قال السفاقسي: فيه رد على أبي حنيفة في قوله: الأقراء الحيض؛ لأن قبل العدة وهي حالة تعتد بها من العدة وهي فيها طاهر، فدل على أن الأقراء هي الأطهار (قال: فقلت) له (فيعتد) في بعض النسخ: فتعتد بفتح المثناتين بينهما عين مهملة، وفي بعضها: يعتد بضم المثناة تحت مبني لما لم يسم فاعله، وفيه حذف همزة الاستفهام كما تقدم، أي: أفيعتد (بها؟ ) أي: بتلك التطليقة وتحسب عليها، يعني: المطلقة (قال: فمه) أصلها: فما؟ أي: فهل يكون إلا ذلك؟ والفاء في (فمه) دخلت على (ما) الاستفهامية وأبدلت ألف ما هاء لقرب مخرجها منها
(1) في (الأصل): قبيل.
كما في هرقت وأرقت، أي: فما يكون إن لم تحسب بتلك التطليقة.
قال الكرماني: ويحتمل أن تكون يعني: (مه) التي هي كلمة الكف والزجر عنه أي: انزجر عنه فإنه لا شك في وقوع الطلاق وكونه محسوبًا في عدد الطلاق (1)(أرأيت إن عجز) إن عجز عن النطق بالرجعة أأسقط عنه عجزه وقوع الطلاق وحكمه؟ وهذا من المحذوف منه جواب إن الشرطية لدلالة مجرى الكلام عليه.
(واستحمق) هذا مثال لما جاء فيه استفعل للتحول من حالة إلى حالة؛ لأن معنى استحمق أي صار كالأحمق حين فعل فعله. كما يقال: استحجر الطين، أي: صار كالحجر، واستنسر البغاث (2) أي: صار كالنسر، كقول الشاعر:
إن البغاث بأرضنا تستنسر (3)
أي: تتحول وتصير إلى صفة النسر. قال النووي: أي أيرتفع عنه الطلاق وإن استحمق؟ فهو استفهام إنكار تقديره: لا يمنع احتسابها لعجزه وحماقته، والقائل لهذا الكلام هو عبد الله بن عمر صاحب القضية، ويريد به نفسه وإن ذكر الضمير بلفظ الغيبة. وقد جاء في رواية مسلم أن ابن عمر قال: ما لي لا أعتد بها وإن كنت عجزت واستحمقت؟ (4)(5) وفيه حذف تقديره: أرأيت إن عجز واستحمق
(1)"شرح البخاري" 19/ 179.
(2)
تحرفت في الأصل إلى: بغاة.
(3)
انظر: "العقد الفريد" 3/ 27، "المستقصى في أمثال العرب" 1/ 402.
(4)
"صحيح مسلم"(1471)(11).
(5)
"شرح صحيح مسلم" 10/ 66.
أيسقط عنه الطلاق حمقه أو يبطله عجزه؟ قال القرطبي: هو بفتح التاء والميم مبنيًّا للفاعل، ولا يجوز بناؤه للمفعول؛ لأنه غير متعدٍ (1). انتهى.
وفيه رد على من يرويه بالضم على ما لم يسم فاعله، يعني: إن الناس استحمقوه وعدوه أحمق حين وضع الطلاق في غير موضعه، وإنما هو بفتح التاء مبنيًّا للفاعل، أي: يكلف الأحمق بما يفعله من الطلاق وامرأته حائض.
[2185]
(ثنا أحمد بن صالح، ثنا عبد الرزاق، أن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس (أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن) المخزومي المكي مولى عزة، ويقال (مولى عروة) قال ابن طاهر: وهو أصح (يسأل ابن عمر وابن الزبير يسمع) سؤاله (فقال: كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضًا؟ ) منصوب على الحال.
(قال: طلق عبد الله بن عمر امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسأل عمر رسول الله، فقال: إن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض) فيه أنه يجوز للسائل والمفتي أن يبهم السائل فيقول: ما تقول؟ أو: ما ترى في رجل طلق امرأته حائضًا؟ كما فعل عبد الرحمن بن أيمن في سؤال ابن عمر، ويجوز أن يعينه إذا كان المفتي يعلمهما ويقول: إني طلقت زوجتي وهي حائض. كما فعل ابن عمر في سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(قال عبد الله) بن عمر رضي الله عنه (فردها) يعني التطليقة (عليَّ) وللنسائي: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليراجعها" فردها علي (2).
(1)"المفهم" 4/ 233.
(2)
"سنن النسائي" 6/ 139.
ويحتمل أن يراد: فرد الزوجة عليَّ حين أمرني بمراجعتها (ولم يرها) أي: لم ير التطليقة شيئًا ولم يحسبها من الطلقات الثلاث، كما سيأتي (وقال: إذا طهرت) من حيضها (فليطلق) في أي طهر شاء من الأول والثاني سواء اغتسلت أم لا، والمراد بالطهر الذي يطلق فيه طهر تشرع فيه في العدة منه؛ فإنها قد تطهر ولا تشرع في عدته كما في وطء الشبهة الواقع في المدة التي تثبت له المراجعة فيها، وحينئذٍ فلا يقع طلاق فيه؛ لأنه بدعي بل يتأخر وقوعه إلى وقت طهر تشرع به في عدته (1) (أو ليمسك) إن شاء (قال ابن عمر: وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ} ) وللنسائي: فقال النبي صلى الله عليه وسلم ({يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ})(2) نادى النبي صلى الله عليه وسلم ثم خاطب أمته؛ لأنه السيد المقدم، فإذا نودي وخوطب خطاب الجمع كانت أمته داخلة في ذلك الخطاب، ومعنى {إِذَا طَلَّقْتُمُ}: إذا أردتم التطليق، كقوله {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} (3)، {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} (4) ({فَطَلِّقُوهُنَّ} في قبل) بضم القاف والموحدة (عدتهن) قال في "النهاية": وفي رواية: "في قبل طهرهن"، أي: في إقباله وأوله حين يمكنها الدخول في العدة والشروع فيها، وذلك في حالة الطهر، يقال: كان ذلك في قبل الشتاء، أي: إقباله (5).
وهذِه القراءة رواها المصنف والنسائي، وحكاها المازني عن النبي صلى الله عليه وسلم وعثمان وجابر (6) بن عبد الله ومجاهد وزيد، وقرأ أبو نهيك وأبو ذر:
(1) انظر: "مغني المحتاج" 4/ 500.
(2)
الطلاق: 1.
(3)
المائدة: 6.
(4)
النحل: 98.
(5)
"النهاية" 4/ 9.
(6)
كذا ولعله: خالد بن عبد الله كما في "إيجاز البيان عن معاني القرآن" 2/ 820.
(فطلقوهن لقبل عدتهن) بضم القاف وسكون الباء (1).
قال ابن مهران: وعن مجاهد (فطلقوهن قبل عدتهن) بفتح القاف واللام مع سكون الباء (2).
(قال المصنف: روى) بفتح الراء والواو (هذا الحديث عن ابن عمر: يونس بن جبير، وأنس بن سيرين) أو محمد بن سيرين (وسعيد بن جبير، وزيد بن أسلم، وأبو الزبير) محمد بن مسلم (ومنصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي.
(عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (معناهم كلهم) برفع اللام (أن النبي أمره أن يراجعها) ثم يمسكها (حتى تطهر، ثم إن شاء طلق) بعد ذلك (وإن شاء أمسك) يعني أنها إذا شرعت في أول الطهر فهو مخير بين الطلاق والإمساك (وكذلك رواه محمد بن عبد الرحمن) ابن عبيد مولى آل طلحة بن عبيد القرشي (عن سالم) بن عبد الله (عن أبيه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وأما رواية الزهري، عن سالم بن عبد الله ونافع عن ابن عمر: أن النبي أمره أن يراجعها) ويمسكها (حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر) طهرًا يشرع فيه العدة كما تقدم (ثم إن شاء طلق) طلقة واحدة (وإن شاء أمسك) أي: استدام بقاءها لعصمته، واستمرت إلى الطهر الثاني.
(وروي عن عطاء) بن أبي مسلم (الخراساني) مولى المهلب بن أبي صفرة (عن الحسن) بن أبي الحسن البصري (عن ابن عمر رواية نافع
(1) انظر: "فضائل القرآن" لأبي عبيد ص 315، "أحكام القرآن" لابن العربي 4/ 436.
(2)
انظر: "الناسخ والمنسوخ" للنحاس 1/ 217، "المحتسب" لابن جني 2/ 323.
عن الزهري) قال المصنف: (والأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير) يعني: من أن الطلقة في الحيض لا تحتسب عليه تطليقة.
لكن قال شيخنا ابن حجر: لم ينفرد أبو الزبير، فقد رواه عبد الوهاب الثقفي عن عبيد الله، عن نافع: أن ابن عمر قال في الرجل يطلق امرأته وهي حائض، قال ابن عمر: لا يعتد بذلك. أخرجه محمد بن عبد السلام الحسيني، عن بندار، عنه. ثم قال: وإسناده صحيح، لكن يحمل قوله: لا يعتد بذلك على معنى أنه خالف السنة، لا على أن الطلقة لا تحسب جمعًا بين الروايات القوية (1). انتهى.
فإن البخاري صرح بأنها تحسب عليه، ولمسلم نحوه (2).
قال الشافعي: ورواية نافع أثبت عن ابن عمر من أبي الزبير، والأثبت من الحديثين أولى أن يقال به (3).
وقال أبو عمر النمري: لم يقل عنه أحد غير أبي الزبير، وقد يحتمل أن يكون معناه: لم يره شيئًا ثابتًا تحرم معه الرجعة ولا تحل له إلا بعد زوج، أو لم يره شيئًا جائزًا في السنة ماضيًا في حكم الاختيار وإن كان لازمًا على سبيل الكراهة (4).
(1)"التلخيص الحبير" 3/ 419.
(2)
البخاري (5253)، ومسلم (1471).
(3)
"معرفة السنن والآثار" 5/ 453.
(4)
"التمهيد" 15/ 65 - 66.