الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنُّ لِكُلِّ رَجُلٍ من أهل الجنة كُوّةً يَنْظُرُ منها إلَى أعداء اللَّه كيف يُعَذَّبُونَ في النار، فإذا نَظَرُوا إلَى أهل النار، وما يَلْقَوْنَ فيها من العذاب، حَمِدُوا اللَّهَ تعالى، وَعَرَفُوا أنَّ اللَّهَ عز وجل قد أكرمهم، ثم يُطْبَقُ على أهل النار، وَيُحالُ بينهم، وَتُسَدُّ تلك الكُوَى
(1)
، فذلك قوله تعالى:{هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)} أي: هل جُوزِيَ الكُفّارُ، وَأُثِيبُوا بِما كانوا يفعلون فِي الدنيا من معاصي اللَّه تعالى، ومعنى الاستفهام ها هنا التقرير.
وقرأ حَمْزةُ والكسائيُّ وهشام: "هَل ثُّوِّبَ" بالإدغام
(2)
، و {ثُوِّبَ} فعل من الثواب، وأصله ما يَثُوبُ؛ أي: يَرْجِعُ، وَثُوِّبَ وَأُثِيبَ وَأثابَ بِمَعْنًى واحدٍ.
فصل
رُوِيَ عن عَدِيِّ بنِ حاتِمٍ قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يُؤْمَرُ يَوْمَ القِيامةِ بِناسٍ من النّاسِ إلَى الجَنّةِ، حَتَّى إذا دَنَوْا منها، واسْتَنْشَقُوا رائِحَتَها، وَنَظَرُوا إلَى قُصُورِها وَإلَى ما أعَدَّ اللَّهُ لأهلها فيها، نُودُوا أنِ اصْرِفُوهُمْ، لا نَصِيبَ لَهُمْ فيها، قال: فَيَرْجِعُونَ بِحَسْرةٍ ما رَجَعَ بِمِثْلِها الأوَّلُونَ والآخِرُونَ، فيقولون: رَبَّنا: لَوْ أدْخَلْتَنا النّارَ قَبْلَ أن تُرِيَنا ما أرَيْتَنا مِنْ ثَوابِكَ، وما أعْدَدْتَ فيها لأوليائكَ، كان
(1)
رواه الطبري عن ابن عباس وكعب في جامع البيان 30/ 139، ورُوِيَ أيضًا، عن مقاتل وأبي صالح، ينظر: زاد المسير 9/ 61، تفسير القرطبي 19/ 268.
(2)
قرأَ حَمْزةُ والكِسائِي وهِشامٌ وابنُ مُحَيْصِنٍ، وهارونُ ويونسُ كلاهما عن أبِي عمرو:{هَلْ ثُوِّبَ} بإدغام الثاء في اللام، وهو إدغام جائز عند سيبويه، وإن كان أقَلَّ من إدغام اللام في الراء كما ذَكَرَ سيبويه في الكتاب 4/ 458 - 459، وقرأ الباقون وأبو عمرو في رواية اليَزِيدِيِّ بغير إدغام، فمن أدغم فَلِقُربِ مَخْرَجَي الحرفين، ومن أظْهَرَ فلأنهما من كلمتين، ينظر: السبعة ص 676، معانِي القراءات 3/ 132، الحجة للفارسي 4/ 106، الإتحاف 2/ 598.
أهْوَنَ علينا، قال: ذَلِكَ أرَدْتُ بِكُمْ، كُنْتُمْ إذا خَلَوْتُمْ بارَزْتُمُونِي بالعَظائِمِ، وإذا لَقِيتُمُ النّاسَ لَقِيتُمُوهُمْ مُحْسِنِينَ، تُراءُونَ النّاسَ بِخِلَافِ ما في قُلُوبِكُمْ، هِبْتُمُ النّاسَ ولم تَخافُونِي، وَأجْلَلْتُمُ النّاسَ وَلَمْ تُجِلُّونِي، وَتَرَكْتُمْ لِلنّاسِ وَلَمْ تَتْرُكُوا لِي، فاليَوْمَ أُذِيقُكُمْ ألِيمَ العَذابِ مَعِ ما حَرَمْتُكُمْ مِنَ الثَّواب"
(1)
، فذلك قوله تعالى:{فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} ، واللَّه أعلم.
* * *
(1)
هذا حديث موضوع، فيه أبو جَنادةَ السَّلُولِيُّ، وهو مُتَّهَمٌ بالكذب وَوَضْعِ الأحاديث، ينظر: كتاب المجروحين 3/ 156، المعجم الأوسط 5/ 336، المعجم الكبير 17/ 86، الموضوعات لابن الجوزي 3/ 162.