الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ سَألْتُ رَبِّي عز وجل مَسْألةً وَدِدْتُ أنِّي لَمْ أكُنْ سَألْتُهُ، قُلْتُ: أيْ رَبِّ! إنَّهُ قد كانت أنْبياءُ قَبْلِي، منهم مَنْ سَخَّرْتَ له الرّيحَ، وَذَكَرَ سُلَيْمانَ، ومنهم مَنْ كان يُحْيِي المَوْتَى، وَذَكَر عِيسَى، ومنهم ومنهم"، قال:" فَقالَ: ألَمْ أجِدْكَ يتِيمًا فَآويتُكَ؟ " قال: "قُلْتُ: بَلَى إي رَبِّ، قال: ألَمْ أجِدْكَ ضالًا فَهَدَيْتُكَ؟، "قلتُ: "بَلَى إي رَبِّ، قال: ألَمْ أجِدْكَ عائِلًا فَأغْنَيْتُكَ؟ "، قال:"قلتُ: "بَلَى إي رَبّ"، قال: ألَمْ أشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْتُ عَنْكَ وِزْرَكَ؟ "، قال:"قلتُ: بَلَى إي رَبِّ"
(1)
.
ثم أوْصاهُ باليتامى والفقراء، فقال تعالَى:{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9)} لا تَقْهَرْ حَقَّهُ، ولا تَظْلِمْهُ، وَلَا تَحْقِرْهُ، وَلَا تَكْفَهِرَّ في وَجْهِهِ، فقد ذُقْتَ اليُتْمَ فاعْطِفْ على اليتيم وارْحَمْهُ، وَكُنْ له كالأبِ الشَّفِيقِ.
وقرأ النَّخْعِي والشَّعْبِيُّ: "فَلَا تَكْهَرْ"
(2)
بالكاف، وكذلك هو في قراءة عبد اللَّه بن مسعود، والكَهْرُ في اللغة: القَهْرُ والانْتِهارُ، والكَهْرُ: عُبُوسُ الوَجْهِ والشَّتْمُ
(3)
، والعرب تُعاقِبُ بَيْنَ الكاف والقاف
(4)
، يَدُلُّ عليه حَدِيثُ مُعاوِيةَ بنِ
(1)
رواه الحاكم في المستدرك 2/ 526 كتاب التفسير: سورة "والضُّحَى"، والطبرانِيُّ في المعجم الأوسط 4/ 75، والمعجم الكبير 11/ 360، والواحدي في الوسيط 4/ 510، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 8/ 253 كتاب علامات النبوة: باب عِظَمِ قَدْرِهِ صلى الله عليه وسلم.
(2)
وهي أيضًا، قراءة أشْهَبَ العُقَيْلِيِّ وجعفر بن محمد، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 175، شواذ القراءة للكرماني ورقة 266، تفسير القرطبي 20/ 100، البحر المحيط 8/ 482.
(3)
قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 248/ ب، وينظر: تهذيب اللغة 6/ 11، 12، اللسان: كهر.
(4)
ينظر: معانِي القرآن للفراء 3/ 241، 274، غريب الحديث للهروي 1/ 114 - 115، =
الحَكَمِ
(1)
الذي تكلم في الصلاة: "واللَّه ما كَهَرَني وَلَا ضَرَبَنِي"
(2)
، يعني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
و {الْيَتِيمَ} نصب بـ {تَقْهَرْ} ، وكذلك قوله:{وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10)} أي: تَزْجُرْ، قال المفسرون
(3)
: يريد السائل على الباب، يقول: لَا تَنْهَرْهُ إذا سَألَكَ، فقد كُنْتَ فَقِيرًا، فَإمّا أن تُطْعِمَهُ، وإما أن تَرُدَّهُ رَدًّا لَيِّنًا. يقال: نَهَرَهُ وانْتَهَرَهُ: إذا اسْتَقْبَلَهُ بِكَلِمةٍ تَزْجُرُهُ، واليتيم والسائل هما اسمان يدلان على الجنس.
و"أمّا" إذا كانت تَخْيِيرًا كُسِرَتْ، تقول: ارْكَبْ إمّا فَرَسًا وَإمّا حِمارًا، قال اللَّه تعالى:{إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} [الكهف: 86]
(4)
فكسرها للتخيير،
= الإبدال لابن السكيت ص 114، الإبدال والمعاقبة والنظائر ص 78، 79، إعراب ثلاثين سورة ص 122، إعراب القراءات السبع 2/ 498، تهذيب اللغة 6/ 11 - 12.
وقال ابن سيده: "يقال: كَشَطْتُ عنه جِلْدَهُ وَقَشَطْتُ، قال: وقريش تقول: كَشَطْتُ، وقيس وتميم وأسد تقول: قَشَطْتُ، وفي مصحف عبد اللَّه بن مسعود: "قُشِطَتْ"، قال: ويقال: قَحَطَ القِطارُ وَكَحَطَ، وَقَهَرْتُ الرَّجُلَ أقْهَرُهُ، وَكَهَرْتُهُ أكْهَرُهُ، وسمعت بعض غَنْمِ بنِ دُودانَ يقول: "فَلَا تَكْهَرْ". المخصص 13/ 277.
(1)
معاوية بن الحَكَمِ بن مالك بن خالد بن صَخْرِ بن الشَّرِيدِ السُّلَمِيِّ الحجازي، صحابِيٌّ كان يسكن بلاد بني سليم، ويَنْزِلُ المدينة. [الثقات لابن حبان 3/ 373، تهذيب التهذيب 10/ 185].
(2)
رواه الإمام أحمد في المسند 5/ 447، 448، ومسلم في صحيحه 2/ 70 كتاب المساجد ومواضع الصلاة: باب تحريم الكلام في الصلاة، ورواه الطبرانِي في المعجم الكبير 19/ 401 - 402.
(3)
قاله جمهور المفسرين، ينظر: معانِي القرآن للفراء 3/ 275، معانِي القرآن وإعرابه 5/ 340، الوسيط 4/ 512، زاد المسير 9/ 165، تفسير القرطبي 20/ 101.
(4)
الكهف 86.
و"أمّا" إذا كانت خَبَرًا فُتِحَتْ، تقول: أمّا عَمْرٌو فَقادِمٌ، وَأمّا زيدٌ فَظاعِنٌ، وهي هاهنا خَبَرٌ
(1)
، قال الشاعر:
524 -
تَرَحَّلَ جِيرانِي، فَأمّا خِيارُهُمْ
…
فَسارُوا، وَأمّا شَرُّهُمْ فَمُقِيمُ
(2)
قوله: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)} ؛ أي: حَدِّثْ بِما أنْعَمَ اللَّه عَلَيْكَ وَما خَصَّكَ به من النبوة والإسلام والقرآن.
(1)
"إمّا" المكسورة بمعنى "أوْ"، ومعناها الإباحة أو التخيير، و"أمّا" المفتوحة ليست خَبَرًا كما قال المؤلف، بل هي حرف شرط، والفاء واقعة في جوابها، قال سيبويه:"وأما "أمّا" ففيها معنى الجزاء، كأنه يقول: عَبْدُ اللَّهِ مَهْما يَكُنْ مِنْ أمْرِهِ فَمُنْطَلِقٌ، ألا ترى أن الفاء لازمة لَها أبدا". الكتاب 4/ 235.
وقال المبرد: "هذا باب "أمّا" و"إمّا"، أما المفتوحة فإن فيها معنى المُجازاةِ، وذلك قوله: أمّا زيدٌ فله درهم، وَأمّا زَيْدٌ فَأعْطِهِ دِرْهَمًا، فالتقدير: مَهْما يَكُنْ من شيء فَأعْطِ زيدًا دِرْهَمًا، فَلَزِمَت الفاءُ الجَوابَ، لِما فيه من معنى الجزاء. . . وَمَنْ رَأي أن يقول: زيدًا ضَرَبْتُهُ، نصب بهذا فقال: أمّا زيدًا فاضْرِبْهُ، وقال: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ}. . .، وأما "إمّا" المكسورة فإنها تكون في موضع "أوْ"، وذلك قولك: ضَرَبْتُ إمّا زيدًا وَإمّا عَمْرًا؛ لأن المعنى: ضَرَبْتُ زيدًا أوْ عَمْرًا، وقال اللَّه تعالى:{إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ} ، وقال:{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} . المقتضب 3/ 27 - 28، وينظر أيضًا: حروف المعاني ص 63، 64، تهذيب اللغة 15/ 628 - 630، الصاحبي ص 206، الأزهية ص 153، معانِي الحروف ص 129: 131، رصف المبانِي ص 97، مغني اللبيب ص 78 وما بعدها، الجنى الدانِي ص 522.
(2)
البيت من الطويل لابن مَيّادةَ، وَنُسِبَ لِمُزاحِمٍ العُقَيْليِّ. وروايته في ديوان ابن ميادة:
مَنازِلُ، أمّا أهلُها فتَحَمَّلُوا
…
فَسارُوا، وَأمّا صَبُّهُمْ فَمُقِيمُ
التخريج: ديوان ابن ميادة ص 251، معجم البلدان 7/ 175: قِنْعٌ، زهر الآداب 4/ 5، تاريخ دمشق 18/ 204، منتهى الطلب 7/ 131.