الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نَعَتَ خَزَنةَ النار، فقال:"كَأنَّ أعْيُنَهُم البَرْقُ، وكَأنَّ أنْيابَهُم الصَّياصِي، يَجُرُّونَ شُعُورَهُمْ، لأحدهم مِثْلُ قُوّةِ الثَّقَلَيْنِ، يَسُوقُ أحَدُهُم الأُمّةَ وعلى رَقَبَتِهِ جَبَلٌ، فَيَرْمِي بِهِمْ في النار، ويَرْمِي بِالجَبَلِ فَوْقَهُمْ"
(1)
.
وما بعده ظاهر الإعراب إلَى قوله تعالى: {وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} شَكٌّ وَنفاقٌ، قاله أكثر المفسرين
(2)
، وقال الحسين بن الفضل
(3)
: المرض هاهنا: الخلاف لا النفاق؛ لأن السورة مكية، ولَمْ يكن بِمَكّةَ نِفاقٌ البَتّةَ {وَالْكَافِرُونَ} ، أي: وليقول الكافرون مشركو مكة {مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا} إن جعلتَ "ما" و"ذا" اسمًا واحدًا كانت في موضع نصب بـ {أَرَادَ} ، وإن جعلتَ "ذا" بمعنى "الَّذِي" كانت "ما" استفهامًا اسمًا تامًّا رفعًا بالابتداء، و"ذا" الخبر، و {أَرَادَ} صلة "ذا"، والهاء محذوفة منه، يعني: ما الذي أراده اللَّه بهذا؟، على تقدير: أيُّ شَيْءٍ أراده اللَّه بهذا الحديث مثلًا؟ وهو نصب على البيان
(4)
.
ومعنى الآية: ماذا أراد اللَّه بِوَصْفِ عَدَدِ خَزَنةِ جَهَنَّمَ بِتِسْعةَ عَشَرَ؟ وذلك أن أبا جهل بن هشام -لعنه اللَّه- قال: يا معشر قريش! ألا تَرَوْنَ أن محمَّدًا
(1)
ينظر: الكشف والبيان 10/ 74، الكشاف 4/ 184، عين المعانِي ورقة 139/ ب، تفسير القرطبي 19/ 79، الدر المنثور 6/ 284.
(2)
ينظر: جامع البيان 29/ 202، الكشاف 4/ 185، زاد المسير 8/ 408، تفسير القرطبي 19/ 82.
(3)
ينظر قوله في الكشف والبيان 10/ 74، المحرر الوجيز 5/ 396، زاد المسير 8/ 409.
(4)
من أول قوله "إن جعلت "ما" و"ذا" اسمًا واحدًا"، قاله مَكِّيٌّ فِي مشكل إعراب القرآن 2/ 426.
يُخَوِّفُكُمْ بِخَزَنةِ جَهَنَّمَ، وزعم أنهم تِسْعةَ عَشَرَ، وأنتم الدُّهْمُ، أفَيُعْجِزُ كُلَّ مِائةٍ منكم أن يَبْطِشُوا بِرَجُلٍ من خَزَنةِ جهنم، فتخرجوا منها؟، قال أبو الأشَدَّيْنِ -واسمه: أُسَيْدُ بن كَلَدةَ بنِ أُسَيْدِ بنِ خَلَفٍ الجُمَحِيُّ
(1)
-: يا معشر قريش: إذا كان يومُ القيامة فأنا أمشي بين أيديكمِ على الصراط، فَأدْفَعُ عَشْرةً بِمَنْكِبِي الأيْمَنِ وَتسْعةً بِمَنْكِبِي الأيْسَرِ في النار، ونَمْضِي نَدْخُلُ الجَنّةَ
(2)
.
وقيل
(3)
: إنه قال لأبِي جهل: بل أنا أكفيك تسعةً على ظهري، وثمانيةً على صدري، واكْفُونِي أنتم اثنين، وإنما سُمِّيَ أبا الأشَدَّيْنِ لِشِدَّتِهِ، وكنيته أبو الأعور، وكان أعْوَرَ شَدِيدَ البَطْشِ، فلما سَمِعَ المسلمون ما قال أبو جهل وأبو الأشدين قالوا: يَقِيسُ الملائكةَ إلى الحَدّادِينَ؟
(4)
يعني: يقيس الملائكةَ إلَى السَّجّانِينَ من الناس، والعرب تُسَمِّي السَّجّانَ حَدّادًا، وكُلُّ مانِعٍ عند العرب حَدّادٌ
(5)
، وفي هذا المعنى يقول الشاعر:
422 -
إنَّما الفَقْرُ والغِناءُ مِنَ اللَّـ
…
ه فَهَذا يُعْطَى وَهَذا يُحَدُّ
(6)
(1)
كان من عُتاةِ الكافرين، دَعا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إلَى المصارعة، وقال: إنْ صَرَعْتَنِي آمَنْتُ بكَ، فَصَرَعَهُ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فلم يؤمن، ينظر: الروض الأُنُفُ للسهيلي 2/ 65.
(2)
ينظر: جامع البيان 29/ 199، الوسيط 4/ 384، زاد المسير 8/ 408، عين المعانِي ورقة 139/ ب، لباب النقول ص 206 - 207.
(3)
ينظر: الكشف والبيان 10/ 74، الكشاف 4/ 184، زاد المسير 8/ 408.
(4)
يُضْرَبُ مَثَلًا في الصغير يُقاسُ بالكبير، ينظر: الفاخر للمفضل بن سلمة ص 112، جمهرة الأمثال 1/ 217، مجمع الأمثال 1/ 238.
(5)
قاله ابن الأنباري في الزاهر 1/ 288، وينظرة شفاء الصدور 181/ ب، تهذيب اللغة 3/ 421.
(6)
البيت من الخفيف، لَمْ أقف على قائله.
اللغة: الغِناءُ: الغِنَي، ولكنه مَدَّهُ للضرورة.
التخريج: الإنصاف في مسائل الخلاف للأنباري ص 747.
أي: يُمْنَعُ، وقال آخر:
423 -
لَقَدْ ألَّفَ الحَدّادُ بَيْنَ عِصابةٍ
…
تَساءَلُ فِي الأقْتادِ ماذا ذُنُوبُها
(1)
ومنه قيل لِلْبَوّابِ: حَدّادٌ؛ لأنه يَمْنَعُ الدّارَ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ أهْلِها
(2)
، قال الأعشى:
424 -
فَقُمْنا وَلَمّا يَصِحْ دِيكُنا
…
إلى جَوْنةٍ عِنْدَ حَدّادِها
(3)
أراد: بَوّابِها، وسُمِّيَ الحَدِيدُ حَدِيدًا لِمَنْعِهِ من السلاح ووصوله إلى لَابِسِهِ.
قوله: {كَذَلِكَ} ؛ أي: كَما أضَلَّ مَنْ أنْكَرَ عَدَدَ الخَزَنةِ، وَهَدَى مَنْ صَدَّقَ ذلك {يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} يعني: من الملائكة الذين خلقهم اللَّه لِتَعْذِيبِ أهْلِ النار، لا يعلم عِدَّتَهُمْ إلا اللَّهُ، وهذا جواب لأبِي جهل بن هشام حين قال: أما لِمُحَمَّدٍ أعْوانٌ إلا تسعة عشر؟ والمعنى: أن تسعة
(1)
البيت من الطويل، لِلسَّمْهَرِيّ العُكْلِيِّ، ورواية ديوانه:
لقد جَمَّعَ الحَدّادُ بَيْنَ عِصابةٍ
…
تَساءَلُ فِي الأسْجانِ ماذا ذُنُوبُها
اللغة: العِصابةُ: جَماعةُ ما بين العشرة إلى الأربعين، الأقْتادُ: جَمْعُ قَتَدٍ وهو خَشَبُ الرَّحْلِ.
التخريج: ديوانه ص 36 (ضمن أشعار اللصوص)، الزاهر لابن الأنباري 1/ 289، الأغانِي ص 8476 ط دار الشعب.
(2)
قاله أبو عبيد في غريب الحديث 2/ 37، 38، وينظر: غريب الحديث لابن قتيبة 1/ 39، الصحاح 2/ 462.
(3)
البيت من المتقارب، للأعشى من قصيدة يمدح بها سلامة بن يزيد الحميري.
اللغة: الجَوْنةُ: السوداء، يعني خابية الخمر لأنها كانت تُطْلَى بالقار حتى لا ترشح، الحَدّادُ هنا: الخَمّارُ، وَسَمّاهُ حَدّادًا لأنه يَمْنَعُ الخَمْرَ ويُمْسِكُها حتى يُبْذَلَ له ثَمَنُها.
التخريج: ديوانه ص 119، غريب الحديث للهروي 2/ 38، جمهرة اللغة ص 95، الزاهر لابن الأنباري 1/ 289، الأزهية للهروي ص 197، تصحيح الفصيح وشرحه لابن درستويه ص 240، التذكرة الحمدونية 8/ 359، زاد المسير 1/ 193، خزانة الأدب 8/ 226.