الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل
(1)
: قَوْلًا ثَقِيلًا لا يَحْمِلُهُ إلّا قَلْبٌ مُؤَيَّدٌ بالتوفيق ونَفْسٌ مُزَيَّنةٌ بالتوحيد، وقيل
(2)
: معناه: قَوْلًا خَفِيفًا على اللسان ثَقِيلًا فِي الميزان.
فصل
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سأل الحارثُ بن هشام
(3)
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه! كيف يأتيك الوَحْيُ؟ فقال: "أحْيانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلةِ الجَرَسِ، وهو أشَدُّ عَلَىَّ، فَيَنْفَصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ ما قالَ، وأحْيانًا يَتَمَثَّلُ لِي المَلَكُ فِي صُورةِ رَجُلٍ فَأعِي ما يقول"، قالت عائشةُ:"وَلَقَدْ رَأيْتُهُ يَنْزِلُ عليه فِي اليَوْمِ الشَّدِيدِ البَرْدِ فَيَنْفَصِمُ عنه وَإن جَبِينَهُ لَيَرْفَضُّ عَرَقًا"
(4)
.
قوله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} يعني ساعاته كلها، فَكُلُّ ساعة منه ناشِئةٌ،
(1)
قاله أبو بكر بن طاهر والحسين بن الفضل، ينظر: الكشف والبيان 10/ 60، عين المعانِي ورقة 138/ ب، تفسير القرطبي 19/ 38.
(2)
قاله ابن زيد والحسين بن الفضل، ينظر: الكشف والبيان 10/ 60، زاد المسير 8/ 390، عين المعانِي ورقة 138/ ب.
(3)
الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي، أبو عبد الرحمن القرشي، صحابِيٌّ كان شريفًا في قومه في الجاهلية والإسلام، شهد بَدْرًا مع المشركين، وأسلم يوم الفتح، ثم خرج بأهله وماله إلى الشام في عهد عُمَرَ، فلم يزل مجاهدًا بالشام حتى مات في طاعون عَمْواسَ سنة (18 هـ). [أسد الغابة 1/ 351، الإصابة 1/ 697 - 699].
(4)
رواه الإمام أحمد في المسند 6/ 158، 257، والبخاري في صحيحه 1/ 2 باب "كيف كان بدء الوحي"، 4/ 80 كتاب بدء الخلق: باب ذِكْرِ الملائكة، ورواه مسلم في صحيحه 7/ 82 كتاب الفضائل: باب عَرَقِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم في البَرْدِ وحِينَ يأتيه الوَحْيُ. ومعنى ارْفَضَّ العَرَقُ والدَّمْعُ: سالَ وتَتابَعَ سَيَلَانُهُ. اللسان: رفض.
سُمِّيَتْ بذلك؛ لأنها تَنْشَأُ، ومنه: نَشَأتِ السَّحابةُ: إذا زادَتْ، وأنْشَأها اللَّهُ
(1)
، وجمعها ناشِئاتٌ، وقيل
(2)
: ناشئة الليل هي القيام بعد النوم، وقيل
(3)
: هي القيام مِنْ آخِرِ الليل، وقال المفسرون
(4)
: اللَّيْلُ كُلُّهُ ناشِئةٌ.
وقوله: {هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} ؛ أي: أثْبَتُ قِيامًا، قرأ أبو عمرو وابن عامر وابن محيصن:"وِطاءً"
(5)
بكسر الواو ممدودًا على "فِعالٍ" بمعنى المُواطَأةِ والمُوافَقةِ، وهو أن يُوَطِّئَ المُصَلِّي قَلْبَهُ وسَمْعَهُ وبَصَرَهُ ولسانَهُ
(6)
، وقرأ الباقون بفتح الواو مقصورًا؛ أي: فَراغًا لِلْقَلْبِ.
(1)
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن ص 493، وقوله:"ومنه: نشأت السحابة: إذا زادت"، لعل الصواب: إذا ابْتَدَأتْ كما ذكر ابن قتيبة، وقال الجوهري:"وَنَشَأتِ السَّحابةُ: ارْتَفَعَتْ، وأنْشَأها اللَّهُ". الصحاح 1/ 78.
(2)
هذا قول عائشة وابن عباس ومجاهد، ينظر: الكشف والبيان 10/ 61، الوسيط 4/ 373، الكشاف 4/ 176، المحرر الوجيز 5/ 387، تفسير القرطبي 19/ 40، البحر المحيط 8/ 354.
وقال ابنُ الأعرابِيِّ: "إذا نِمْتَ من أوَّلِ اللَّيْلِ ثُم قُمْتَ، فتلك الناشئة، ومنه: ناشِئةُ الليل"، ينظر قوله في أمالِيِّ القالِي 2/ 222، الوسيط للواحدي 4/ 373، زاد المسير 8/ 391.
(3)
هذا قول يَمانٍ وابن كيسان، ينظر: الكشف والبيان 10/ 61، زاد المسير 8/ 390، تفسير القرطبي 19/ 40.
(4)
قاله ابن عباس وابن الزبير وابن جبير وابن زيد، ينظر: جامع البيان 29/ 159، تهذيب اللغة 11/ 419، الكشاف 4/ 176، المحرر الوجيز 5/ 387، 388، تفسير القرطبي 19/ 40.
(5)
وهي، أيضًا، قراءة اليَزِيدِيِّ والحَسَنِ وأبِي العالية ومجاهد وحُمَيْدِ ويُونُسَ والمُغِيرةِ وابن أبِي إسحاق وأبِي حَيْوةَ، ينظر: السبعة ص 658، تفسير القرطبي 19/ 40، البحر المحيط 8/ 355، الإتحاف 2/ 568 - 569.
(6)
قاله ابن قتيبة والأزهري، ينظر: تأويل مشكل القرآن ص 365، 366، تهذيب اللغة 14/ 51، معانِي القراءات 3/ 99.
والمعنى: أن صلاة الليل أشَدُّ على المُصَلِّي من صلاة النهار؛ لأن الليل للنوم، وذلك أن الإنسان إذا نامَ لَمْ يَدْرِ مَتَى يَسْتَيْقِظُ
(1)
، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأتَكَ عَلَى مُضَرَ"
(2)
.
فمن كَسَرَ الواوَ ومَدَّ نَصَبَهُ على المصدر، يقال: واطَأْتُ فُلَانًا على كذا مُواطَأةً وَوِطاءً: إذا وافَقْتَهُ عليه، ومنه قوله تعالى:{لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ}
(3)
، ومَنْ فَتَحَ الواوَ وقَصَرَ نَصَبَهُ على البيان
(4)
.
قوله: {وَأَقْوَمُ قِيلًا} يعني: قَوْلًا؛ أي: وَأشَدُّ استقامةً، وأصْوَبُ قِراءةً وعِبادةً، وأتَمُّ إخْلاصًا وبَرَكةً، وهو منصوب على التفسير.
قوله: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7)} قرأه العامة بالحاء المهملة غير المعجمة، يعني: فَراغًا وَسَعةً لِنَوْمِكَ وَتَصَرُّفِكَ في حَوائِجِكَ، وأصل السَّبْحِ: سُرْعةُ الذَّهابِ، ومنه السباحة في الماء لِتَقَلُّبِ السّابِحِ بِيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وفَرَسٌ سابِحٌ: إذا كان شَدِيدَ الجَرْيِ
(5)
، قال الشاعر:
(1)
هذا القول حكاه الفراء عن بعضهم في المعانِي 3/ 197، وينظر: الحجة للفارسي 4/ 71.
(2)
هذا جزء من حديث رواه الإمام أحمد بسنده عن أبِي هريرة في المسند 2/ 271، 418، 470، 502، 521، والبخاري في صحيحه 1/ 195 كتاب الأذان: باب "يهوي بالتكبير حين يسجد".
(3)
التوبة 37.
(4)
المؤلف في قوله هذا مُتابِعٌ لِمَكِّيِّ بن أبِي طالب، فقد قال مكيٌّ:"مَنْ فَتَحَ الواوَ نَصَبَهُ على البيان، ومَنْ كَسَرَها وَمَدَّ نَصَبَهُ على المصدر". مشكل إعراب القرآن 2/ 418، وهذا وهم من كليهما، فإنه منصوب على التمييز على القراءتين، وينظر: الدر المصون 6/ 404.
(5)
قاله الأزهري في التهذيب 4/ 338، وينظر: الصحاح 1/ 372، الكشف والبيان 10/ 62، الوسيط 4/ 374.
412 -
أباحُوا لَكُمْ شَرْقَ البِلَادِ وَغَرْبَها
…
فَفِيها لَكُمْ يا صاحِ سَبْحٌ مِنَ السَّبْحِ
(1)
وقال آخر:
413 -
أعَزُّ مَكانٍ فِي الدُّنا سَرْجُ سابِحٍ
…
وَخَيْرُ جَلِيسٍ فِي الزَّمانِ كتابُ
(2)
وقرأ يحيى بن يَعْمُرَ وعكرمةُ: "سَبْخًا"
(3)
بالخاء المعجمة، أراد: خِفّةً وسَعةً واستراحةً للأبدان بالنوم، والتَّسْبِيخُ: توسيع القطن والصوف وَتَنْفِيشُهُما، يُقالُ للمرأة: سَبِّخِي قُطْنَكِ أي: وَسِّعِيهِ وَنَفِّشِيهِ
(4)
، ويقال لِقِطَعِ القُطْنِ: سَبائِخُ
(5)
، قال الأخطل يَصِفُ القُنّاصَ والكِلَابَ:
414 -
فَأرْسَلُوهُنَّ يُذْرِينَ التُّرابَ كَما
…
يُذْرِي سَبائِخُ قُطْنٍ نَدْفُ أوْتارِ
(6)
(1)
البيت من الطويل، لَمْ أقف على قائله.
التخريج: الكشف والبيان 10/ 62، عين المعانِي ورقة 138/ ب، البحر المحيط 8/ 355، روح المعاني 29/ 105.
(2)
البيت من الطويل، للمتنبي، وروايته في ديوانه:"فِي الأنامِ كِتابُ".
اللغة: الدُّنا: جمع دُنْيا، السّابِحُ: الشَّدِيدُ الجَرِيءُ، فَكَأنَّهُ يَسْبَحُ فِي جَرْيِهِ.
التخريج: ديوانه 1/ 193، العمدة 1/ 240، المناقب والمثالب ص 240، زهر الآداب 1/ 184، التاج: دنا.
(3)
وهي أيضًا قراءة ابن أبِي عَبْلةَ والضحاك وأبِي وائل، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 164، إعراب القراءات السبع 2/ 405، 406، تفسير القرطبي 19/ 42، البحر المحيط 8/ 355.
(4)
قاله الفراء والطبري، ينظر: معانِي القرآن 3/ 197، جامع البيان 29/ 164، وينظر أيضًا: تهذيب اللغة 7/ 189، الكشف والبيان 10/ 62، اللسان: سبخ، التاج: سبخ.
(5)
قال الخليل: "والسَّبائِخُ: قِطَعُ القُطْنِ إذا نُدِفَ". العين 4/ 204، وينظر: غريب الحديث للهروي 1/ 34، تهذيب اللغة 7/ 188.
(6)
البيت من البسيط، للأخطل، ويُرْوَى:"يُذْرِينَ العَجاجَ كما. . . يَنْفِي".
اللغة: يُذْرِينَ الترابَ: يُطَيِّرْنَهُ وَيَرْمِينَ بِهِ، النَّدْفُ: ضَرْبُ القُطْنِ بالمِنْدَفِ وهو الخشبة التي تكون بِيَدِ النَّدّافِ يَطرق بها الوتر لِيَرَقَّ القطنُ. =
وقال ثَعْلَبٌ
(1)
: السَّبْحُ: التَّرَدُّدُ والاضْطِرابُ، والسَّبْخُ: السُّكُونُ والسُّكُوتُ.
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَسَبِّخُوها بالماءِ"
(2)
؛ أي: سَكِّنُوها، والتَّسْبِيخُ أيضًا: التخفيف، يقال: اللَّهُمَّ سَبِّخْ عنه الحُمَّى؟ أي: خَفِّفْها عنه، وسَمِعَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عائشةَ رضي الله عنها تَدْعُو على سارق، فقال:"لا تُسَبِّخِي عَنْهُ بِدُعائِكِ عَلَيْهِ"
(3)
؟ أي: لا تُخَفِّفِي عنه من وِزْرِهِ بدعائك عليه، وقال الخليل رحمه الله
(4)
: التَّسْبِيخُ: النَّوْمُ.
= التخريج: ديوانه ص 140، العين 4/ 204، غريب الحديث للهروي 1/ 34، جامع البيان 29/ 164، جمهرة اللغة ص 289، 673، تهذيب اللغة 7/ 189، إعراب القراءات السبع 2/ 406، مقاييس اللغة 3/ 126، الكشف والبيان 10/ 62، تفسير القرطبي 19/ 43، اللسان: سبخ، البحر المحيط 8/ 355، الدر المصون 6/ 405، التاج: سبخ، ندف.
(1)
مجالس ثعلب ص 403، وقد ضبطه الأستاذ عبد السلام هارون في الموضعين بالحاء المهملة، ونَصُّ كَلَامِ ثعلب:{إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7)} : يعني اضطِرابًا، السَّبْحُ: السُّكُونُ، والسَّبْحُ: الاضطراب"، وينظر قوله بنصه الذي ورد هنا في شفاء الصدور ورقة 176/ أ، وينظر أيضًا: ياقوتة الصراط ص 537، 538.
(2)
الحديث وَرَدَ بِهَذا اللفظ في شفاء الصدور ورقة 176/ أ، مجمع البيان 10/ 160، عين المعانِي 138/ ب، تفسير القرطبي 43/ 19، وورد في كُتُبِ الحديث بلفظ "فَأبْرِدُوها بِالماءِ"، وبلفظ "فَأطْفِئُوها بِالماءِ"، رواه الإمام أحمد في المسند 2/ 21، 85، 134، 6/ 50، 91، والطبراني في المعجم الأوسط 2/ 245، 3/ 62، 4/ 206، المعجم الكبير 4/ 274، 276، 24/ 124.
(3)
رواه الإمام أحمد في المسند 6/ 45، 215، وأبو داود في سننه 1/ 335 كتاب الصلاة: باب الدعاء، 2/ 458 كتاب الأدب: باب فيمن دعا على من ظَلَمَ.
(4)
لَمْ يذكر الخليل أن من معانِي التسبيخ النَّوْمَ، فقد قال:"والتَّسْبِيخُ: نحو السَّلِّ والتَّخْفِيفِ، وقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: "لا تُسَبِّخِي عليه بدعائك"؛ أي: لا تُخَفِّفِي". العين 4/ 204، ولكن =
قوله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ} بالتوحيد والتعظيم {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8)} أي: أخْلِصْ للَّه في الدعاء، وانْقَطِعْ إليه في العبادة انقطاعًا، وهو رفض الدنيا وما فيها، والتِماسُ ما عند اللَّه تعالى.
وأصل البَتْلِ في اللغة: القَطْعُ وتَمْيِيزُ الشيء من الشيء، يقال: بَتَلْتُ الشَّيْءَ، أي: قَطَعْتُهُ، وصَدَقةٌ مَبْتُولةٌ أي: مقطوعة عن صاحبها وخارجة إلى اللَّه تعالى، لا قدرة له عليها
(1)
، وقد نَهَى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عن التَّبَتُّلِ
(2)
، وهو الانقطاع عن النكاح، ومنه قيل لِمَرْيَمَ العَذْراءِ: البَتُولُ لانقطاعها عن الأزواج، وسُمِّيَتْ فاطمةُ رضي الله عنها: البَتُولَ، أي: المُنْقَطِعةَ إلى اللَّه تعالى بعبادتها، وقال ثعلبٌ
(3)
: سُمِّيَتْ بذلك لانقطاعها عن نساء زمانها دِينًا وحَسَبًا وفضلًا، قال امرؤ القيس:
415 -
تُضِيءُ الظَّلَامَ بِالعَشاءِ كَأنَّها
…
مَنارةُ مُمْسَى راهِبٍ مُتَبَتِّلِ
(4)
= الجوهري هو الذي قال ذلك، فقد قال:"والتسبيخ أيضًا: النوم الشديد، أبو عمرو: السُّبْخُ: النَّوْمُ والفَراغُ، وقرأ بعضهم: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا}؛ أي: فَراغًا". الصحاح 1/ 423، وينظر: اللسان: سبخ.
(1)
ينظر في معانِي هذه المادة: غريب الحديث للهروي 4/ 19، غريب الحديث لابن قتيبة ص 494، معانِي القرآن وإعرابه 5/ 241، تهذيب اللغة 14/ 291 - 292، الكشف والبيان 10/ 63، الوسيط 4/ 374، اللسان: بتل.
(2)
رواه الإمام أحمد عن سَمُرةَ بن جُنْدُبِ والسيدة عائشةَ في المسند 5/ 17، 6/ 97، 125، 157، 253، والدارمي في سننه 2/ 133 كتاب النكاح: باب النهي عن التبتل، والطبرانِيُّ في المعجم الأوسط 8/ 234، والمعجم الكبير 7/ 214.
(3)
قال ثعلب: "وَتَبَتُّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلًا" التُّبَتُّلُ: الانقطاع، أي انْقَطِعْ إليه انْقِطاعًا، ومنه يقال: مَرْيَمُ البَتُولُ أي: انقطعت عن الناس". مجالس ثعلب ص 545، وينظر قوله أيضًا في تهذيب اللغة 14/ 292، اللسان: بتل.
(4)
البيت من الطويل، لامرئ القيس يصف امرأة. =
وتَبْتَيلٌ "تَفْعِيلٌ" منه، يقال: بَتَّلَهُ فَتبَتلَ، ومعنى "تَبَتَّلْ إلَيْهِ"؛ أي: بَتِّلْ إلَيْهِ نَفْسَكَ، فلذلك جاء {تَبْتِيلًا} ، وهو مصدر جاء على غير الصدر زِيادةَ تَوْكِيدٍ
(1)
.
قوله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} قال وهب بن مُنبَهٍ: رَبُّ المشرق حين تشرق الشمس، ورب المغرب حين تغرب الشمس، قال ابن عباس: تطلع الشمس عند مدينة يقال لها: جابَلْقُ
(2)
، لها ألف باب، على كل باب منها ألف حَرَسِيٍّ
(3)
، وهم الذين ذكرهم اللَّهُ في كتابه فقال: {تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ
= اللغة: المَنارةُ: الشمعة ذات السراج، مُمْسَى الرّاهِبِ: صَوْمَعَتُهُ.
التخريج: ديوانه ص 17، جمهرة اللغة ص 1074، الزاهر لابن الأنباري 2/ 53، 346، الصحاح 2492، الصاحبي ص 432، جمهرة أشعار العرب ص 130، الكشف والبيان 10/ 63، المختار من شعر بشار ص 142، مجمع البيان 10/ 160، عين المعانِي ورقة 138/ ب، تفسير القرطبي 19/ 44، اللسان: مسا، البحر المحيط 8/ 352، الدر المصون 6/ 406، اللباب في علوم الكتاب 19/ 467، التاج: مسا، فتح القدير 5/ 317.
(1)
قال سيبويه: "هذا باب ما جاء المصدر فيه على غير الفعل لأن المعنى واحد، وذلك قولك: اجْتَوَرُوا تَجاوُرًا، وَتَجاوَرُوا اجْتِوارًا؛ لأن معنى اجْتَوَرُوا وتَجاوَرُوا واحدٌ، ومثل ذلك: انْكَسَرَ كَسْرًا، وكُسِرَ انْكِسارًا؛ لأن معنى كُسِرَ وانْكَسَرَ واحدٌ، وقال اللَّه تبارك وتعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} لأنه إذا قال: أنْبَتَهُ فكأنه قال: قد نَبَتَ، وقال اللَّه عز وجل: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} لأنه إذا قال: تَبَتَّلْ فكأنه قال: بَتِّلْ". الكتاب 4/ 81، وينظر: أدب الكاتب ص 510، 511، المقتضب 1/ 74، 3/ 204، الأصول لابن السراج 3/ 134، معانِي القرآن وإعرابه 5/ 241، إعراب القرآن 5/ 57، الخصائص 2/ 309، الكشاف 4/ 177، شرح المفصل 1/ 111، عين المعانِي 138/ ب.
(2)
في الأصل: "جابلقا".
(3)
الحَرَسِيُّ: واحد الحَرَسُ، وهم حَرَسُ السلطان وخَدَمُهُ المرتبون لِحِفْظِهِ وحِراسَتِه، وإنما كان الواحد حَرَسِيًّا، لأنه قد صار اسمَ جِنْسٍ فَنُسِبَ إليه، ينظر: الصحاح 3/ 916، النهاية لابن الأثير 1/ 353، اللسان: حرس.
مِنْ دُونِهَا سِتْرًا}
(1)
، وتغرب الشمس عند مدينة يقال لها: جابَرْسُ
(2)
، لها ألف باب، على كل باب منها ألف حَرَسِيٍّ، فيتضاعفون فرقًا منهم، فلولا صِياحُهُمْ لسمعتم وَجِيبَها إذ هي سقطت.
قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو وحَفصٌ: {رَبُّ الْمَشْرِقِ} بالرفع على الابتداء
(3)
، وخبره:{لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9)} يعني: كفيلًا بما وَعَدَكَ أنه سيفعله لك، وقيل
(4)
: هو رفع على إضمار "هُوَ"، وقرأ الباقون بالخفض
(5)
على نعت الرب، وقيل: على البدل من قوله: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ} .
قوله: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} لك يا محمد من التكذيب والأذي
(1)
الكهف 90.
(2)
في الأصل: "جابرسا". وأما جابَلْقُ وجابَرْسُ، أو جابَلْصُ، فهما مدينتان، قال الخليل:"جابَلْقُ وجابَلْصُ: مدينتان، إحداهما بالمَشْرق، والأخرى بالمغرب، ليس خلفها أنيس". العين 5/ 243.
وقال الأزهري: "جابَلْقُ وجابَلْصُ مدينتان إحداهما بالمشرِق والأُخرى بالمغرب، ليس وراءهما إنْسِيٌّ؛ ورُوِيَ عن الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، رحمه الله، حديثٌ ذَكَرَ فيه هاتين المدينتين، ويقال: جابَلَقُ وجابَرَصُ، قَيَّدَهُما أبو هاشم كذلك"، التهذيب 9/ 384، وينظر أيضًا: معجم البلدان 2/ 91، معجم ما استعجم 1/ 354، القاموس المحيط ص 792 جابلص، 1125 جابلق، اللسان: جبلق، التاج: جبلق، جبلص.
(3)
قاله الأخفش والنحاس والفارسي، ينظر: معانِي القرآن للأخمش ص 513، إعراب القرآن 5/ 57، الحجة للفارسي 4/ 72.
(4)
قاله الأزهري والفارسي، ينظر: معانِي القراءات 3/ 155، الحجة للفارسي 4/ 72.
(5)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وحَفْصٌ عن عاصمٍ، وابنُ محيصن ومجاهدٌ وابنُ أبِي إسحاقَ:{رَبُّ الْمَشْرِقِ} بالرفع، وقرأ أبو بكر عن عاصم، وابنُ عامر وحمزةُ والكسائيُّ ويعقوبُ وخلف والأعمش وابن محيصن بالخفض، ينظر: السبعة ص 658، تفسير القرطبي 19/ 45، البحر المحيط 8/ 355، الإتحاف 2/ 569.
{وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10)} لا جَزَعَ فيه، وهذه الآية نَسَخَتْها آيةُ القتال
(1)
.
قوله: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ} ؛ أي: خَلِّ بَيْنِي وبينهم، فإن قيل: ما معنى قوله: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ} ، واللَّهُ تعالى يفعل ما يشاء لا يَحُولُ بينه وبين ما أراده شَيْءٌ ولا حائِلٌ دونه؟ قيل: إن العرب إذا أرادت أن تأمر الإنسان بإزالة هَمِّهِ تقول: ذَرْنِي فَإنِّي أكْفِيكَهُ، وكذلك قوله:{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا}
(2)
، يعني الوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه المخزومي، ونصب "المُكَذِّبِينَ" عطفًا على النون والياء أو مفعول معه
(3)
.
وقوله: {أُولِي النَّعْمَةِ} يعني: ذَوِي الغِنَى وكثرة المال، وإنما كُتْبَتْ {أُولِي} بزيادة واو بعد الألف فَرْقًا بينه وبين "إلى"
(4)
، {وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11)} تهديد ووعيد، نزلت هذه الآية في صناديد قريش المكذبين المستهزئين، قالت عائشة رضي الله عنها:"لَمّا نَزَلَتْ هذه الآيةُ لَمْ يَكُنْ إلا يَسِيرًا حتى كانت وَقْعةُ بَدْرٍ"
(5)
.
(1)
قاله قتادة، ينظر: الناسخ والمنسوخ ص 62، نواسخ القرآن ص 248، زاد المسير 8/ 392، تفسير القرطبي 19/ 45.
(2)
المدثر 11. وهذا قول الزجاج فِي معانِي القرآن وإعرابه 5/ 241، وينظر: شفاء الصدور ورقة 176/ ب، 177/ أ.
(3)
هذا الوجه والذي قبله قالهما النحاس ومَكِّيٌّ، ينظر: إعراب القرآن 5/ 58، مشكل إعراب القرآن 2/ 420.
(4)
قاله النحاس في إعراب القرآن 5/ 58، وقال ابن الحاجب:"وَزادُوا في {أُولِي} واوًا فَرْقًا بينه وبين "إلى"، وأجري {أُولُو} عليه". شرح الكافية للرضي 3/ 327، وينظر: شرح الشافية للجاربردي 2/ 274.
(5)
رواه الحاكم في المستدرك 4/ 595 كتاب الأهوال: باب "ضِرْسُ الكافر يوم القيامة مثل أُحُدٍ"، وينظر: مسند أبِي يعلى 8/ 56، الوسيط 4/ 375، مجمع الزوائد 7/ 130 كتاب التفسير: سورة المزمل.
والنَّعْمةُ -بفتح النون-: سَعةُ العَيْشِ والرّاحةُ والتَّنَعُّمُ والثروة، والنُّعْمةُ بضم النون: المَسَرّةُ، والنِّعْمةُ بكسر النون: المِنّةُ، يقال: نَعْمَ وَنَعْمةَ وَنُعْمةَ عَيْنٍ ونُعْمَى عَيْنٍ
(1)
، ونصب {قَلِيلًا} على النعت لمصدر محذوف أو لظرف محذوف تقديره: إمْهالًا قَلِيلًا أو وَقْتًا قَلِيلًا
(2)
.
قوله: {إِنَّ لَدَيْنَا} ؛ أي: عندنا {أَنْكَالًا} يعني: قُيُودًا عِظامًا في أرْجُلِ أهْلِ النار، لا تُفَكُّ أبَدًا، وقيل
(3)
: الأنْكالُ: الأغلال، واحدها: نِكْلٌ، {وَجَحِيمًا (12)} يعني: عظيمًا من النار {وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ} غير سائِغ يأخذ بالحلق، لا هو نازِلٌ، ولا هو خارِجٌ، وهو الغِسْلِينُ والزَّقُّومُ والضَّرِيعُ، {وَعَذَابًا أَلِيمًا (13)} وَجِيعًا.
(1)
ويقال أيضًا: وَنَعْمَ عَيْنٍ، وَنَعْمةَ عَيْنٍ، وَنُعْمةَ عَيْنٍ، وَنُعْمَى عَيْنٍ، وَنُعْمَ عَيْنٍ، وَنَعامَ عَيْنٍ، وَنُعامَ عَيْنٍ، وَنِعامَ عَيْنٍ، وَنَعامةَ عَيْنٍ، وَنَعِيمَ عَيْنٍ، وَنُعامَى عَيْنٍ، هذا كله معناه: أفْعَلُ ذلك كَرامةً لَكَ وَإنْعامًا بِعَيْنِكَ، ومعناه أيضًا: أُقِرُّ عَيْنَكَ بِطاعَتِكَ واتِّباعِ أمْرِكَ، وهذه الصيغ كلها منصوبة عند سيبويه على إضمار الفعل المتروك إظهاره، قال سيبويه:"هذا باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروكِ إظْهارُهُ من المصادر فِي غير الدعاء، من ذلك قولك: حَمْدًا وَشُكْرًا لا كُفْرًا، وَعَجَبًا، وَأفْعَلُ ذَلِكَ وَكَرامةً وَمَسَرّةً وَنُعْمةَ عَيْنٍ وَحُبًّا، ونَعامَ عَيْنٍ". الكتاب 1/ 318 - 319، وقاله مثله في الكتاب 2/ 302.
وحكى الأزهري هذه الصيغ عن الكسائي عن اللحيانِي في تهذيب اللغة 3/ 10، وينظر أيضًا: الصحاح 5/ 2044، تصحيح الفصيح وشرحه ص 346، الكشاف 4/ 177، اللسان: نعم، البحر المحيط 8/ 356.
(2)
الوجهان قالهما النحاس ومكي، ينظر إعراب القرآن 5/ 58، مشكل إعراب القرآن 2/ 420.
(3)
قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 177/ أ، وقال القرطبي:"وقال الكَلْبِيُّ: الأنْكالُ: الأغْلَالُ، والأول أعْرَفُ في اللغة". الجامع لأحكام القرآن 19/ 46، وينظرْ البحر المحيط 8/ 356.