الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة {انْشَقَّتِ}
مكية
وهي أربعمائة وثلاثون حرفًا، ومائة وتسع كلمات، وخمس وعشرون آيةً.
باب ما جاء فِي فضل قراءتها
عن أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرَأ سُورةَ {انْشَقَّتِ}، أعاذَهُ اللَّهُ أنْ يُعْطِيَهُ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ"
(1)
.
وَرُوِيَ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ قَرَأ سورةَ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} اسْتَغْفَرَتْ لَهُ سَماءُ الدُّنْيا بِما فِيها"
(2)
.
باب ما جاء فيها من الإعراب
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز وجل: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} ؛ أي: انْفَطَرَتْ، قال المفسرون
(3)
: وانشقاقها من علامات القيامة {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا} ؛ أي: سَمِعَتْ لِرَبِّها
(1)
ينظر: الكشف والبيان 10/ 158، الوسيط 4/ 451، الكشاف 4/ 236، مجمع البيان 10/ 301.
(2)
لَمْ أعثر له على تخريج.
(3)
ينظر قولهم في الوسيط 4/ 451، زاد المسير 9/ 62، تفسير القرطبي 19/ 269.
وَأطاعَتْ فِي الانشقاق، مأخوذ من الأُذُنِ وهو الاستماع للشيء والإصغاء إليه {وَحُقَّتْ (2)}؛ أي: حُقَّ لَها أنْ تَسْمَعَ كلامَ خالقها عز وجل
(1)
.
وقد تقدم الكلام فيما يرتفع بعد {إِذَا} فِي سورة {كُوِّرَتْ}
(2)
، وأنه على إضمارِ فِعْلِ عند البصريين تقديره: إذا انشقت السماء انشقت، الفعل الثانِي مُفَسِّرٌ للفعل الأَول، وعند الكوفيين هو ابتداء وخبر، والعامل في {إِذَا}: اذْكُرْ
(3)
، وقيل
(4)
: العامل فيه {انْشَقَّتْ} ، وقيل
(5)
: العامل فيه قوله: {فَمُلَاقِيهِ}
(6)
.
واختلفوا في جواب {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} ، فقيل
(7)
: جوابه متروكٌ؛ لأن المعنى مفهوم، وقيل
(8)
: جوابه: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ} ، ومجازه: إذا
(1)
قاله أبو عمر الزاهد فِي ياقوتة الصراط ص 563، وينظر أيضًا: غريب القرآن للسجستانِيِّ ص 176.
(2)
انظر ما تقدم 4/ 304.
(3)
قاله النحاس في إعراب القرآن 5/ 185، وينظر: مشكل إعراب القرآن 2/ 465.
(4)
ذكره مَكِّيٌّ في مشكل إعراب القرآن 2/ 465.
(5)
قاله الأخفش في معانِي القرآن ص 534، وينظر: مشكل إعراب القرآن 2/ 465، وعلى هذه الأوجه الثلاثة تكون "إذا" ظرفًا، فلا تحتاج إلى جواب، والمعنى: اذْكُرْ خَبَرَ ذلك الوقت، أو فملاقيه في ذلك الوقت ونحو ذلك، ينظر: إعراب القرآن للنحاس 5/ 185، مشكل إعراب القرآن 2/ 465، فإذا جعلت "إذا" شرطية احتاجت إلى جواب، وهو ما سيذكره المؤلف بعد قليل.
(6)
الانشقاق 6.
(7)
حكاه المبرد عن بعضهم، وأجازه، وقاله الزجاج والنقاش وابن جني، وحكاه ابن الأنباري بغير عزو، انظر: المقتضب للمبرد 2/ 79، معانِي القرآن وإعرابه 5/ 303، إيضاح الوقف والابتداء ص 971، شفاء الصدور ورقة 222/ أ، سر صناعة الاعراب ص 647، وينظر أيضًا: الكشاف للزمخشري 4/ 234، عين المعانِي ورقة 143/ ب.
(8)
قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 222/ أ، وحكاه ابن عطية وأبو حيان عن الأخفش =
السماء انشقت، لَقِيَ كُلُّ كادِحٌ ما عَمِلَهُ، وقيل
(1)
: جوابه: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} ، وتكون الواو زائدةً مقحمةً، معناه: إذا السماء انشقت أذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ.
قال ابن الأنباري
(2)
: وهذا غلط؛ لأن العرب لا تُقْحِمُ الواوَ إلا مع {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} ، كقوله تعالى:{حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}
(3)
، ومع "لَمّا"، كقوله تعالى:{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ}
(4)
، معناه: نادَيْناهُ، فالواو لا تُقْحَمُ مع غير هذين الوجهين. قال
(5)
: ويجوز أن يكون الجواب فاءً مضمرةً، كأنه قال: إذا السَّماءُ انْشَقَّتْ فَيا أيُّها الإنسان إنَّكَ كادِحٌ.
ومعنى قوله: {كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا} ؛ أي: عامِلٌ واصِلٌ به إلَى رَبِّكَ عَمَلًا، والكَدْحُ: عَمَلُ الإنْسانِ من الخير والشر
(6)
، يقال: كَدَحَ فِي كذا: إذا جَدَّ فيه واجتهد، والكادِحُ: الكادُّ الكاسِبُ، ويقال
(7)
: فُلانٌ يَكْدَحُ على عِيالِهِ وَلِعِيالِهِ؛ أي: يَعْمَلُ وَيَكْتَسِبُ.
= والمبرد، ينظر: المحرر الوجيز 5/ 457، البحر المحيط 8/ 438، وأما في المقتضب فإن المبرد يرى أن الجواب هو قوله:{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} . المقتضب 2/ 77.
(1)
هذا قول الكوفيين والأخفش، ينظر: معانِي القرآنَ للفراء 3/ 249، المقتضب للمبرد 2/ 77، 78، إعراب القراءات السبع 2/ 454، سر صناعة الإعراب ص 646، الإنصاف ص 456.
(2)
إيضاح الوقف والابتداء ص 971.
(3)
الزمر 73.
(4)
الصافات 103 - 104.
(5)
يعني ابن الأنباري.
(6)
قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 22/ أ، وحكاه الأزهري عن الليث في تهذيب اللغة 4/ 94، وينظر: الكشف والبيان 10/ 159، الوسيط 4/ 452.
(7)
قاله أبو عمر الزاهد في ياقوتة الصراط ص 564، والجوهوي فِي الصحاح 1/ 398.
وقال القُتَيْبِيُّ
(1)
: معناه: ناصِبٌ في مَعِيشَتِكَ إلَى لِقاءِ رَبِّكَ، والكَدْحُ: السَّعْيُ والجُهْدُ فِي الأمْرِ حَتَّى يَكْدَحَ ذلك فيه أي: يُؤَثِّرَ، ومنه قول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ سَألَ وَلَهُ ما يَكْفِيهِ جاءَتْ مَسْألتهُ يَوْمَ القِيامةِ خُدُوشًا أوْ خُمُوشًا أو كُدُوحًا فِي وَجْهِهِ"
(2)
؛ أي: أثَرُ الخَدْشِ، قال ابن مُقْبِلٍ:
هَلِ العَيْشُ إلّا تارَتانِ؟، فَمِنْهُما
…
أمُوتُ وَأُخْرَى أبْتَغِي العَيْشَ أكْدَحُ
(3)
وقوله: {فَمُلَاقِيهِ} ؛ أي: فَمُلَاقٍ عَمَلَكَ وَمُجازًى به خَيْرًا كانَ أو شَرًّا، وهو في موضع رفع على إضمار مبتدأ محذوف تقديره: فَأنْتَ مُلَاقِيهِ، والأصل ضم الياء، فحُذِفَت الضمةُ لثقلها.
قوله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7)} يعني ديوان أعماله {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8)} وهو أن يُتَقَبَّلَ منه، ويُتَجاوَزَ عن سيئاته، و {مَنْ} محلها رفع بالابتداء، والفاء وما بعدها الخبر، وكذلك حُكْمُ ضِدِّها فِي الآية التِي بعدها.
قوله: {وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9)} يعني: ينقلب من بين يدي اللَّه تعالى إلَى أهله في الجنة من الحُورِ العِينِ والآدَمِيّاتِ مَسرُورًا فَرِحًا بِما أُوتِيَ من الخير والكرامة، وهو منصوب على الحال.
(1)
تفسير غريب القرآن ص 521.
(2)
رواه الإمام أحمد عن ابن مسعود في المسند 1/ 388، 441، وأبو داود في سننه 1/ 366 كتاب الزكاة: باب من يُعْطَى من الصدقة، وابن ماجه في سننه 1/ 589 كتاب الزكاة: باب مَنْ سَألَ عن ظَهْرِ غِنًى.
(3)
تقدم برقم 114 ص 341.