الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العامة بالتاء لقوله: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10)} ؛ أي: رُقَباءَ من الملائكة يحفظون أعمالكم عليكم، ثم نَعَتَهُمْ فقال:{كِرَامًا كَاتِبِينَ (11)} يعني: كِرامًا على رَبِّهِمْ، كاتبين يكتبون أقوالكم وأعمالكم {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)} من الخير والشر فيكتبونه، قال الحسن
(1)
: يعلمون ما ظَهَرَ منهم بجوارحهم، ولا يَعْلَمُونَ ما يُحَدِّثُونَ به أنْفُسَهُمْ، قال مجاهد
(2)
: مع كل إنسان مَلَكانِ: مَلَكٌ عن يَمِينِهِ يكتب الخيرَ، وَمَلَكٌ عن يَسارِهِ يكتب الشَّرَّ.
فصل
عن أبِي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يقول اللَّه تعالى: إذا أرادَ عَبْدِي أنْ يَعْمَلَ سَيِّئةً، فَلَا تَكْتُبُوها عليه حَتَّى يَعْمَلَها، فَإنْ عَمِلَها فاكْتُبُوها عَلَيْهِ بِمِثْلِها، وَإنْ تَرَكَها مِنْ أجْلِي، فاكْتُبُوها حَسَنةً، وَإذا أرادَ عَبْدِي أنْ يَعْمَلَ حَسَنةً فَلَمْ يَعْمَلْها، فاكْتُبُوها لَهُ حَسَنة، فَإنْ عَمِلَها فاكْتُبُوها لَهُ بِعَشْرِ أمْثالِها إلَى سَبْعِمِائةِ ضِعْفٍ"
(3)
.
قوله: {إِنَّ الْأَبْرَارَ} يعني المطيعين في الدنيا {لَفِي نَعِيمٍ (13)} وهو الجنةُ في الآخرة {وَإِنَّ الْفُجَّارَ} يعني الذين كَذَّبُوا محمَّدًا صلى الله عليه وسلم {لَفِي جَحِيمٍ (14)} عظيمٍ من النار {يَصْلَوْنَهَا} ؛ أي: يدخلونها {يَوْمَ الدِّينِ (15)} يوم الجزاء على الأعمال، وهو يوم القيامة {وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16)} .
(1)
ينظر قوله في التبيان للطوسي 10/ 292، تفسير القرطبي 19/ 248.
(2)
ينظر قوله في الوسيط 4/ 438.
(3)
رواه البخاري في صحيحه 8/ 198 كتاب التوحيد: باب قول اللَّه، تعالَى-:"يُرِيدُونَ أنْ يُبَدِّلُواْ كَلامَ اللَّهِ"، ورواه ابن حبان في صحيحه 2/ 105 كتاب البر والإحسان: باب تَفَضُّلِ اللَّه عز وجل بِكَتْبِهِ حَسَنةً واحدة لِمَنْ هَمَّ بسيئةٍ.
ثُمَّ عَظَّمَ ذلك اليومَ، فقال تعالى:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17)} يعني يوم الحساب، ثم كَرَّرَهُ تفخيمًا لشأنه، فقال:{ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18)} {مَا} هنا استفهام فيها معنى التعجب والتعظيم، وقد ذكرتُ نظيرها في سورة الحاقة
(1)
، فَأغْنَى عن الإعادة هاهنا؛ إذ المعنى واحد، وتكرار {مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18)} لِيُفْهَمَ ثَوابُ الأبْرارِ وَعِقابُ الفُجّارِ.
ثم أخْبَرَ نَبيَّهُ صلى الله عليه وسلم عن يوم الدين، فقال تعالى:{يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)} يعني يوم القيامة {لِلَّهِ (19)} المعنى: إنَّ اللَّهَ لا يُمَلِّكُ فِي ذلك اليومِ أحَدًا شَيْئًا من الأمور كما مَلَّكَهُمْ في دار الدنيا.
وقوله: {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ} قرأ أهل مكة وأهل البصرة برفع الميم
(2)
رَدًّا على اليوم الأول بدلًا منه، ويجوز أن يُرفع على إضمار "هُوَ"
(3)
، وقرأ غيرهم بالنصب على الظرف؛ أي: في يوم الدين، واختاره أبو عبيد، قال
(4)
: لأنها إضافة غير محضة، قال ابن الأنباري
(5)
: وهو في موضع رفع إلّا أنه نصب؛ لأنه مضاف غير محض، كما تقول: أعْجَبَنِي يَوْمَ يَقُومُ
(6)
زَيْدٌ، وأنشد أبو العباس:
(1)
الحاقة 1 - 2، وينظر ما سبق 4/ 34 - 35.
(2)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وابن محيصن واليزيدي وابن أبِي إسحاق وعيسى بن عمر وابن جندب: "يَوْمُ لَا تَمْلِكُ" بالرفع، وقرأ الباقون بالنصب، ينظر: السبعة ص 674، البحر المحيط 8/ 428، الإتحاف 2/ 595.
(3)
قاله الأخفش في معانِي القرآن ص 531، وقاله الزجاج والنحاس ومَكِّيٌّ أيضًا، ينظر: معانِي القرآن وإعرابه 5/ 296، إعراب القرآن 5/ 170، مشكل إعراب القرآن 2/ 462.
(4)
ينظر قوله واختياره في الكشف والبيان 10/ 148.
(5)
إيضاح الوقف والابتداء ص 969.
(6)
في الأصل: "يوم القيامة"، وهو خطأ، والتصويب من إيضاح الوقف والابتداء.
485 -
مِنْ أيِّ يَوْمَيَّ مِنَ المَوْتِ أفِر
أيَوْمَ لمْ يُقدَرَ أمْ يَوْمَ قُدِرْ
(1)
فاليومان الثانيان مخفوضان على الترجمة عن اليومين الأولين، إلّا أنهما نُصِبا في اللفظ؛ لأنهما أُضِيفا إلَى غير محض.
وقال قوم: اليوم الثانِي منصوب على المحل، كأنه قال: فِي يومِ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شيئًا، والأمر يومئذٍ للَّه.
* * *
(1)
البيتان من الرجز المشطور، لعَلِيٍّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، ونُسِبا للحارث بن منذر الجرمي.
التخريج: ديوان الإمام عليٍّ ص 79، النوادر لأبي زيد ص 164، معانِي القراءات 3/ 128، الخصائص 3/ 94، المحتسب 2/ 366، العقد الفريد 1/ 105، 5/ 274، 287، شرح الجمل لطاهر بن أحمد 2/ 243، تفسير القرطبي 19/ 249، التذكرة الحمدونية 2/ 441، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 5/ 132، 8/ 55، البحر المحيط 8/ 483، الجنى الدانِي ص 267، مغني اللبيب ص 365 - 366، شرح شواهد المغني ص 674، فتح القدير 5/ 461.