الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27)} كان حَفْصٌ يقف على النون من قوله: {مَنْ} وَقْفةً، ثم يبتدئ:{رَاقٍ}
(1)
، والمعنى: مَنْ يَصْعَدُ بِرُوحِهِ إلَى السماء؟ مَلَائِكةُ الرَّحْمةِ أم مَلَائِكةُ العَذابِ؟
(2)
.
وقيل
(3)
: معناه: هَلْ مِنْ طَبِيبٍ يَرْقِي؟ هَلْ مِنْ مُداوٍ شافٍ؟ قال قتادة
(4)
: التَمَسُوا له الأطِبّاءَ، فلم يُغْنُوا عنه من قَضاءِ اللَّه شيئًا، {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28)}؛ أي: عَلِمَ أنه الخروج من الدنيا، كما قال بعضهم:
436 -
فِراقٌ لَيْسَ يُشْبِهُهُ فِراقُ
…
قَدِ انْقَطَعَ الرَّجاءُ عَنِ التَّلَاقِي
(5)
فصل
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن العبد لَيُعالِجُ كُرَبَ المَوْتِ وَسَكَراتِهِ، وَإنَّ مَفاصِلَهُ يُسَلِّمُ بَعْضُها على بَعْضٍ، تقول:
(1)
وهي قراة قُنْبُلٍ أيضًا، ينظر: السبعة ص 661، معاني القراءات 3/ 106، الحجة للفارسي 4/ 79.
(2)
قاله ابن عباس ومقاتل وأبو العالية وأبو الجوزاء، ينظر قولهم في: جامع البيان 29/ 242، غريب القرآن للسجستانِيِّ ص 168، زاد المسير 8/ 424، عين المعانِي ورقة 140/ أ، تفسير القرطبي 19/ 111.
(3)
قاله ابن عباس أيضًا والضحاك وقتادة وأبو قلابة وابن قتيبة، ينظر: غريب القرآن لابن قتيبة ص 501، جامع البيان 19/ 242، غريب القرآن للسجستانِيِّ ص 168، الكشف والبيان 10/ 89، المحرر الوجيز 5/ 406، تفسير القرطبي 19/ 111.
(4)
ينظر قوله في جامع البيان 29/ 242، الحجة للفارسي 4/ 79، الكشف والبيان 10/ 89، الوسيط للواحدي 4/ 395.
(5)
البيت من الوافر، للحسين بن عليِّ بن أبِي طالب.
التخريج: الكشف والبيان 10/ 89، عين المعانِي ورقة 140/ أ، تفسير القرطبي 19/ 112، موسوعة كلمات الإمام الحسين ص 837.
عَلَيْكَ السَّلَامُ تُفارِقُنِي وَأُفارِقُكَ إلَى يوم القيامة"
(1)
.
قوله: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29)} يعني شِدّةَ الدنيا وَشِدّةَ الآخرة، وما في الآخرة من النَّكالِ والزَّلَازِلِ والأهوال، ومعنى "التَفَّتْ": التَصَقَتْ، من قولهم: امْرَأةٌ لَفّاءُ: إذا التَصَقَتْ فَخِذاها
(2)
، ويقال: هو من التِفافِ ساقَيِ الرَّجُلِ عند السِّياقِ، يعني: عند سَوْقِ رُوحِ العبد إلَى رَبِّهِ، يقال: التَفتِ السّاقُ بِالسّاقِ مثل قولهم: شَمَّرَتِ الحَرْبُ عن ساقِها: إذا اشْتَدَّتْ
(3)
، قال الشاعر يصف حَرْبًا:
قَدْ شَمَّرَتْ عَنْ ساقِها فَشُدُّوا
وَجَدَّتِ الحَرْبُ بِكُمْ فَجِدُّوا
(4)
وقوله: {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30)} يعني: النهاية والمرجع إلَى اللَّه تعالى في الآخرة، وهو رفع خبر {إِلَى} ، وإن شئت قلت: رفعه على الابتداء، وخبره {إِلَى رَبِّكَ} مقدم عليه.
قوله: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31)} يعني أبا جهل بن هشام، إذْ لَمْ يُصَدَّقْ بالقرآن، ولا صَلَّى له {وَلَكِنْ كَذَّبَ} بالقرآن {وَتَوَلَّى (32)}؛ أي: أعْرَضَ عن الإيمان باللَّه {ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33)} يعني: يَتبَخْتَرُ، يقال: جاءَ يَمْشِي المُطَيْطاءَ، وهي
(1)
هذا حديث موضوع، ينظر: عين المعانِي ورقة 140/ أ، تفسير القرطبي 17/ 13، كنز العمال 15/ 563، تذكرة الموضوعات ص 214.
(2)
قاله الفراء في معانِي القرآن 3/ 212، وقال الأزهري:"اللَّيْثُ: اللَّفَفُ: كَثْرةُ لَحْمِ الخَدَّيْنِ والفَخِذَيْنِ، وهو في النساء نَعْتٌ وفي الرجال عَيْبٌ، تقول: رَجُلٌ ألَفُّ: ثَقِيلٌ". تهذيب اللغة 15/ 333، وينظر: غريب القرآن للسجستانِيِّ ص 168.
(3)
قاله ابن قتيبة والزجاج، ينظر: غريب القرآن لابن قتيبة ص 501، معانِي القرآن وإعرابه 5/ 254، وينظر: غريب القرآن للسجستانِيِّ ص 168.
(4)
تقدم برقم 383، 4/ 23.
مِشْيةٌ يَتَبَخْتَرُ فيها وَيَمُدُّ مَطاهُ فِي مَشْيِهِ، وأصله من المَطا وهو الظَّهْرُ
(1)
، وقيل
(2)
: أصله: يَتَمَطَّطُ؛ أي: يَتَمَدَّدُ، والمَطُّ: المَدُّ، فَجُعِلَتْ إحدى الطاءين ياءً، كما قيل: يَتَظَنَّى وأصله: يَتَظَنَّنُ.
وقوله: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34)} هذا وعيد وتهديد على إثْرِ وعيد وتهديد من اللَّه تعالى إلَى أبِي جهل -لعنه اللَّه-، قالت الخنساء:
437 -
هَمَمْتُ بِنَفْسِي كُلَّ الهُمُومِ
…
فَأوْلَى لِنَفْسِي، أوْلَى لَها
(3)
(1)
قاله الأصمعي وأبو عبيد وأبو عبيدة وغيرهم، ينظر: غريب الحديث للهروي 1/ 223، مجاز القرآن 2/ 278، الزاهر لابن الأنباري 1/ 423، غريب القرآن للسجستانِيِّ ص 168، الصحاح 3/ 1159.
والمُطَيْطاءُ: يُمَدُّ ويُقْصَرُ، قال ابن وَلَّادٍ:"والمَطا: الظَّهْرُ، مقصور يُكْتَبُ بالألف، والمَطا أيضًا: التَّمَطِّي. . .، والمَطا: الصاحب، ويقال: مِطْوٌ". المقصور والممدود ص 103، وينظر أيضًا: المقصور والممدود للقالِي ص 115 - 116، المسائل العضديات ص 206.
وقال ابن الأثير: "المُطَيْطاءُ هي بالمد والقصر: مِشْية فيها تَبَخْتُرٌ وَمَدُّ اليَدَيْنِ، يقال: مَطَوْتُ وَمَطَطْتُ بمعنى مَدَدْتُ، وهي من المُصَغَّراتِ التِي لَمْ يُسْتَعْمَلْ لَها مُكَبَّرٌ". النهاية في غريب الحديث 4/ 340، وينظر أيضًا: الفائق للزمخشري 3/ 247.
(2)
قال أبو عبيد: "ومن جعل التَّمَطِّيَ من المَطِيطةِ فإنه يذهب به مذهب تَظَنَّيْتُ من الظَّنِّ، وَتَقَضَّيْتُ من التَّقَضُّضِ، كقول العَجّاجِ:
تَقَضِّيَ البازِي إذا البازِي كَسَرْ
يريد: تَقَضُّضَ البازِي، وكذلك يقال: التَّمَطِّي يريد: التَّمَطُّطَ". غريب الحديث 1/ 224، وقاله ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن ص 501، وحكاه ابن الأنباري عن أبِي عبيدة في الزاهر 1/ 423، وينظر: مشكل إعراب القرآن ص 432، 433، مجالس ثعلب ص 465، شفاء الصدور ورقة 185/ ب، المسائل العضديات ص 206، 207، غريب القرآن للسجستانِيِّ ص 168، والمَطِيطةُ: الماءُ الخاثِرُ في أسفل الحَوْضِ، سُمِّي بذلك لأنه يَتَمَدَّدُ.
(3)
البيت من المتقارب، للخنساء ترثي أخاها صَخْرًا، ونسبه الأصفهاني لِعامِرِ بن جُوَيْنٍ الطائي، ويُرْوَي: =
و {أَوْلَى} كلمة تُقالُ للرجل يصيبه مَكْرُوهٌ يستوجبه، وقيل
(1)
: هي كلمة تقولها العرب لِمَنْ قارَبَهُ المَكْرُوهُ، وأصله من الوَلى وهو القُرْبُ، قال الشاعر:
438 -
فَصالُوا صَوْلةً فِيمَنْ يَلِيهِمْ
…
وَصُلْنا صَوْلةً فِيمَنْ يَلِينا
(2)
والعرب تقول للرجل إذا قارَبَ العَطَبَ: أوْلَى لَكَ أي؛ كِدْتَ تَذْهَبُ
(3)
،
= وَهَمَّتْ بِنَفْسِي كُلُّ الهُمُومِ
التخريج: ديوان الخنساء ص 121، الكامل للمبرد 4/ 50، التعازي والمراثي ص 99، الأغانِي 8/ 72، العقد الفريد 3/ 268، 5/ 167، الكشف والبيان 10/ 91، الحماسة البصرية ص 651، عين المعانِي ورقة 140/ أ، تفسير القرطبي 19/ 115، 20/ 107، اللسان: ولي، البحر المحيط 8/ 382، الدر المصون 6/ 433، اللباب في علوم الكتاب 19/ 575، خزانة الأدب 9/ 346.
(1)
هذا قول الأصمعي، فقد قال الأزهريُّ:"وقال أبو نصر: قال الأصمعي: "أوْلَى" معناه: قارَبَكَ ما تَكْرَهُ، أي: نَزَلَ بكَ يا أبا جهل ما يمْرَهُ وَقارَبَكَ، وأنشد الأصمعي:
فعادَى بين هادِيَتَيْن منها
…
وأوْلَي أن يَزيد على الثَّلاثِ
أي: قارَبَ أن يَزِيدَ، قال أبو العَبّاسِ: لَمْ يَقُلْ أحَدٌ في "أوْلَى لَكَ" أحْسَنَ مِمّا قال الأصمعيُّ".
التهذيب 15/ 448، وينظر: الخصائص 3/ 44، الصحاح 6/ 2530 - 2531، الكشف والبيان 10/ 91، اللسان: ولي.
(2)
البيت من الوافر، لعمرو بن كلثوم، ورواية ديوانه:"فَصالُوا صَوْلَهُمْ. . . وَصُلْنا صَوْلَنا".
اللغة: صالَ عَلَى قِرْنِهِ صَوْلةً: حَمَلَ عَلَيْهِ في الحرب.
التخريج: ديوانه ص 66، شرح القصائد السبع الطوال ص 412، شرح القصائد المشهورات 2/ 114، العقد الفريد 5/ 246، الكشف والبيان 10/ 91، جمهرة أشعار العرب ص 292، تاريخ دمشق 10/ 143، منتهى الطلب 2/ 141، أساس البلاغة: صول، شرح المعلقات السبع للزوزنِيِّ ص 183.
(3)
قال المبرد: "يقول الرُّجُلُ إذا حاوَلَ شَيْئًا فَأفْلَتَهُ من بعد ما كاد يصيبه: أوْلَى لَهُ، وإذا أفْلَتَ من عَظِيمةٍ قال: أوْلَى لِي، ويُرْوَى عن ابن الحَنَفِيّةِ أنه كان يقول إذا مات مَيِّتٌ في جِوارِهِ أوْ في دارِهِ: أوْلَى لِي، كِدْتُ، واللَّهِ، أكُونُ السَّوادَ المُخْتَرَمَ". الكامل 4/ 51، وقاله النقاش =
و {لَكَ} في هذا الموضع بمعنى "بكَ"؛ لأن العرب تضع هذه اللام موضع الباء، تقول: لِما صَبَرُوا، والمعنى: أولَى لَكَ فَأوْلَى، فَكَرَّرَهُ على وجه التأكيد
(1)
.
وقال بعض أهل اللغة
(2)
: جاء {أَوْلَى} غَيْرَ مُنَوَّنٍ؛ لأن تقديره "أفْعَلُ"، مثل: أعْمَى وَأعْشَى، ومعناه من الوَيْلِ، ويُقالُ
(3)
: إن الوَيْلَ مُشْتَقٌّ من فعل قد مات فِعْلُهُ، ومنه قول جَرِيرٍ:
439 -
يَضْرِبْنَ بِالأكْبادِ وَيْلًا وائِلا
يَتْرُكْنَ أطْرافَ الخُصَى جَلاجِلا
(4)
= في شفاء الصدور ورقة 185/ ب، وينظر: الفريد للهمدانِيِّ 4/ 313، تفسير القرطبي 16/ 244، البحر المحيط 8/ 72، الدر المصون 6/ 153.
(1)
قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 186/ أ.
(2)
حكاه النَّقّاشُ عن رَجُلٍ من أهل اللغة دون أن يُسَمِّيَهُ في شفاء الصدور ورقة 186/ أ، ومعنى هذا الكلام أن "أوْلَى" ممنوع من الصرف للصفة ووزن الفعل، والصواب أنه ممنوع للعلمية ووزن الفعل، وقال بعضهم: إن "أوْلَى" وزنه "فَعْلَى"، والألف فيه للإلحاق لا للتأنيث، قال العكبري:"وهو على القولين هنا عَلَمٌ، فلذلك لَمْ يُنَوَّنْ، ويَدُلُّ عليه ما حُكِيَ عن أبِي زيدٍ فِي النوادر: هي أوْلاةُ بالتاء غير مصروف". التبيان ص 1255، وينظر: المحرر الوجيز 5/ 117، البيان للأنباري 2/ 475، 478، شرح الكافية للرضي 3/ 329.
(3)
حكاه النقاش أيضًا بغير عزو فِي شفاء الصدور ورقة 186/ أ، وابن فارس في الصاحبي ص 285، 286، وحكاه أبو حيان عن الجرجاني في البحر المحيط 8/ 72، وينظر: الدر المصون 6/ 153.
(4)
البيتان من الرجز المشطور لجرير، من قصيدة يهجو بها غَسّانَ بن ذُهَيْلٍ السُّلِيطِيُّ، ورواية الثاني في ديوانه:"يَتْرُكُ أصْفانَ الخُصَى"، والضمير في "يَضْرِبْنَ" يعود إلى الحَمِيرِ التي ذكرها في بيت سابق، يريد: أن هذه الحَمِيرَ يَضْرِبْنَ بُطُونَهُنَّ بِجَرادِينَ ضِخامٍ، ووَيْلًا وائِلًا؛ أي: شَدِيدًا جِدًّا، الأصْفانُ: جمع صَفَنٍ وهو جِلْدُ الأُنثْيَيْنِ، الجَلَاجِلُ: الأجْراسُ، واحدها جُلْجُلٌ. =
فتقدير {فَأَوْلَى} : "أفْعَلُ" من الوَيْلِ، وكان يجب أن يكون أويلَ، إلّا أن عين الفعل جُعِلَتْ موضع اللام، وَجُعِلَت اللامُ موضع اللام، كما قالوا: قَوْسٌ وَقِسِيٌّ.
ومعنى الآية: كأنه يقول لأبِي جَهْلٍ: الوَيْلُ لَكَ يَوْمَ تَجِيءُ، والوَيْلُ لَكَ يَوْمَ تَمُوتُ، والوَيْلُ لَكَ يَوْمَ تُبْعَثُ، والوَيْلُ لَكَ يَوْمَ تَدْخُلُ النّارَ، وَرُوِيَ أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقول:"لِكُلِّ أُمّةٍ فِرْعَوْنٌ، وَإن فِرْعَوْنَ هَذِهِ الأُمّهِ أبو جهل - لَعَنَهُ اللَّهُ"
(1)
.
وقوله: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ} يعني أبا جهل {أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)} ؛ أي: مُهْمَلًا فلا يُؤْمَرَ بخَيْرٍ، ولا يُنْهَى عن شَرٍّ، ولا يُحاسَبَ بِعَمَلِهِ في الآخرة، كقوله:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا}
(2)
، يُقالُ: أسْدَيْتُ حاجَتِي؛ أي: ضَيَّعْتُها، وَإبِلٌ سُدًى: تَرْعَى حيث شاءَتْ بلا راعٍ، و {سُدًى} فِي موضع نصب على الحال
(3)
، وإن شئت على خَبَرِ ما لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ
(4)
، وقرأ أهل الكوفة:"سُدَى" بالإمالة فِي حال الوقف
(5)
.
= التخريج: ديوانه ص 974، شرح نقائض جرير والفرزدق 1/ 29، 30، تهذيب اللغة 12/ 207، الصاحبي ص 285، المحكم والمحيط الأعظم 5/ 213، اللسان: صفن، غضض.
(1)
رواه عبد الرزاق في تفسيره 3/ 384، وينظر: جامع البيان 30/ 322، الكشف والبيان 10/ 92.
(2)
المؤمنون 115.
(3)
قاله النحاس في إعراب القرآن 5/ 93، وصاحب الحال هو الضمير في قوله:"يُتْرَكَ"، و"أنْ يُتْرَكَ" في تأويل مصدرٍ سَدَّ مَسَدَّ مَفْعُولَيْ "حَسِبَ"، ينظر: مشكل إعراب القرآن 2/ 433، التبيان للعكبري ص 1256، الفريد للهمدانِيِّ 4/ 579.
(4)
أي: أنه مفعول ثانٍ لـ "يُتْرَكَ"، والأول هو نائب الفاعل وهو الضمير المستتر، ولَمْ أقف على صاحب هذا القول.
(5)
ينظر: التيسير للدانِي ص 151، النشر 2/ 37، الإتحاف 2/ 575.
قوله: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37)} يُمْنِيها الرَّجُلُ في الرَّحِمِ أي: يَصُبُّها، قرأ الحسن وابن مُحَيْصِنٍ ويعقوبُ وسَلَّامٌ:{يُمْنَى} بالياء، وهي رواية حَفْصٍ والمُفَضَّلِ عن عاصم واختيار أبِي عُبَيْدٍ لأجل المَنِيِّ، وقرأ الباقون بالتاء
(1)
لتأنيث النُّطْفةِ، وهو اختيار أبِي حاتم.
ومعنى قوله: {يُمْنَى} ؛ أي: تُقَدَّرُ وَتُخْلَقُ، والمَنِي مُشَدَّدٌ وهو الذي يخرج بالشهوة مُتَتابعًا، والذي يخرج بعد البول: الوَدْيُ، وهو مُخَفَّفٌ، وَحُكِيَ بالتشديد أيضًا
(2)
.
قوله: {ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً} يعني: بَعْدَ النُّطْفةِ، والعَلَقةُ: الدَّمُ {فَخَلَقَ فَسَوَّى (38)} يعني: فَسَوَّى خَلْقَهُ {فَجَعَلَ مِنْهُ} يعني: مِنَ الدَّمِ {الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} الذَّكَرُ زَوْجٌ، والأُنْثَى زَوْج، وهما بَدَلٌ من {الزَّوْجَيْنِ} ، و {فَجَعَلَ} هاهنا بمعنى "خَلَقَ"، فلذلك تعدى إلَى مفعول واحد
(3)
.
قوله: {أَلَيْسَ ذَلِكَ} يعني الذي فعل هذا {بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)} وهذا تقريرٌ لَهُمْ؛ أي: مَنْ قَدَرَ على الابتداء أقْدَرُ على البعث بعد الموت، وفي هذه
(1)
قرأ: "يُمْنَى" بالياء أيضًا الجَحْدَرِيُّ ومجاهدٌ وهشامٌ في روايةٍ عنه، وأبو عمرو في روايةِ عَيّاشٍ عنه، وقرأ ابنُ كثير ونافعٌ وأبو بكر عن عاصمٍ، وحمزةُ والكسائي وهشامٌ، وهارونُ عن أبِي عمرو:"تُمْنَى" بالتاء، ينظر: السبعة ص 662، تفسير القرطبي 19/ 117، النشر 2/ 394، البحر المحيط 8/ 382، الإتحاف 2/ 575.
(2)
قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 186/ ب، قال الأزهري:"وروى أبو عبيد: قال الأُمَوِيُّ: هو المَذْيُّ والمَنِيُّ والوَدِيُّ مُشَدَّداتٍ، قال: وغَيْرُهٌ يخفف، قال: وقال أبو عبيد: المَنِيُّ وحده مشدد، والآخران مخففان، ولا أعلمني سَمِعْتُ التخفيف في المَنِيِّ". تهذيب اللغة 14/ 231، وينظر: إعراب القراءات السبع 2/ 418، الصحاح 6/ 2521 ودي، اللسان: مذي، مني، ودي.
(3)
قاله مَكّيُّ بن أبِي طالب في مشكل إعراب القرآن 2/ 433.
الآية رَدٌّ على الدَّهْرِيّةِ وأصحابِ [عبد اللَّهِ بنِ]
(1)
معاوية والنَّصارَى الذين يزعمون أن الأجساد لا تُبْعَثُ
(2)
.
ولا يجوز الإدغام في الياءين عند النحويين كما لا يجوز إذا لَمْ يُنصب الفعل؛ لأنك لو أدغمت لالتَقَى ساكنانِ، إذ الثانِي ساكنٌ، والأول لا يُدْغَمُ حَتَّى يُسَكَّنَ، وكذلك كل حَرْفٍ أدْغَمْتَهُ فِي حرف بعده، لا بدَّ من إسكان الأول، وقد أجمعوا على منع الإدغام فِي حال الرفع، فأما فِي حال النصب فقد أجازه الفَرّاءُ لأجل تَحَرُّكِ الياء الثانية
(3)
، وهو لا يجوز عند البصريين
(4)
؛ لأن الحركة عارضة ليست بأصل.
(1)
ما بين المعكوفين زيادة يقتضيها السياق. وأصحاب عبد اللَّه بن معاوية: فرقة من غلاة الشيعة، ويُسَمَّوْنَ أيضًا بِالجَناحِيّةِ، وهم أتباع عبد اللَّه بن معاوية بن عبد اللَّه بن جعفر بن أبِي طالب، وهؤلاء يزعمون أن الأرواح تتناسخ، وأن روح اللَّه حَلَّتْ في آدم ثُمَّ في الأنبياء بعده إلَى محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ثم في عَلِيٍّ ثم في أولاده الثلاثة من بعده، ثم صارت إلَى عبد اللَّه بن معاوية، وأنه حَيٌّ لَمْ يَمُتْ، ينظر: الأنساب للسمعانِيِّ 2/ 90، الفَرْقُ بَيْنَ الفِرَقِ للإمام عبد القادر بن طاهر البغدادي ص 235، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط 5، 1982 م.
(2)
قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 187/ أ.
(3)
قال الفراء: "وقد يستقيم أن تدغم الياء والياء في "يحيا" و"يعيا"، وهو أقل من الإدغام في "حَيَّ"؛ لأن "يَحْيا" يسكن ياؤها إذا كانت في موضع رفع، فالحركة فيها ليست لازمة، وجواز ذلك أنك إذا نصبتها كقول اللَّه، تبارك وتعالى: "ألَيْسَ ذَلِكَ بِقادِرٍ عَلَى أنْ يُحْيِيَ المَوْتَى"استقام إدغامها هاهنا". معانِي القرآن 1/ 412، وأنشد الفراء شاهدا لذلك، وهو قول الشاعر:
وَكَأنَّها بَيْنَ النِّساءِ سَبِيكةٌ
…
تَمْشِي بِسُدّةِ بَيْتِها فَتَعَيُّ
معانِي القرآن 3/ 213.
(4)
قال سيبويه: "وإذا قُلْتَ: يُحْيِي أو مُعْيٍ، ثم أدركه النَّصْبُ فقلتَ: رَأيْتُ مُعْيِيًا، ويُرِيدُ أنْ يُحْيِيَهُ، لَمْ تُدْغِمْ لأن الحركة غير لازمة. . . والدليل على أن هذا لا يُدْغَمُ قَوْلُهُ عز وجل: =