الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ثَعْلَبٌ
(1)
: معنى قوله: {رَهَقًا} يعني: خَسارًا، وأصل الرَّهَقِ غِشْيانُ الشَّيْءِ، يقال: رَهِقَتْنا الشَّمْسُ: إذا قَرُبَتْ، وراهَقَ الغُلَامُ: إذا دَنا من الاحتلام.
فصل
عن كَرْدَمِ بن أبِي السّائِبِ الأنصاريِّ
(2)
قال: خَرَجْتُ مَعَ أبِي إلى المدينة، وذلك أوَّلَ ما ذُكِرَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بِمَكّةَ، فَآوانا المَبِيتُ إلى راعِي غَنَمٍ، فلما انتصف الليل جاء ذئب، وَأخَذَ حَمَلًا من الغَنَمِ، فَوَثَبَ الراعي، فنادى: يا عامِرَ الوادي! جارَكَ، فَنادَى مُنادٍ لا نَراهُ، يقول: يا سِرْحانُ
(3)
أرْسِلْهُ، فإذا بالحَمَلِ يَشْتَدُّ حتى دخل في الغَنَمِ لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ، فأنزل اللَّه تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم بمكة:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} "
(4)
، وذلك أنَّهُمْ كانوا يزدادون بِهَذا التَّعَوُّذِ طُغْيانًا، يقولون: سُدْنا الإنْسَ والجِنَّ.
قوله: {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا} يعني الجن {كَمَا ظَنَنْتُمْ} يا معشر الكفار من الإنس {أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7)} بعد موته {وَأَنَّا} يعني الجن {لَمَسْنَا السَّمَاءَ} هو من الالتِماسِ، وليس هو من اللَّمْسِ، {فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا} من الملائكة
(1)
ينظر قوله في شفاء الصدور ورقة 171/ ب، الكشف والبيان 10/ 51، عين المعانِي ورقة 138/ أ.
(2)
ويُقال: كردم بن أبِي الشنابِلِ، له صحبة، سكن المدينة، ذكره ابن حبان في التابعين، وقال:"يَرْوِي المراسيلَ". [الثقات 3/ 355، 5/ 341، أسد الغابة 4/ 235، الإصابة 5/ 431 - 432].
(3)
السِّرْحانُ: الذِّئْبُ، وجمعه سَراحٍ وسَراحِينُ. اللسان: سرح.
(4)
رواه الطبرانِيُّ فِي المعجم الكبير 19/ 191، 192، والعقيلي فِي الضعفاء الكبير 1/ 101، وينظر: الكشف والبيان 10/ 50، 51، الوسيط 4/ 364، تاريخ دمشق 25/ 332، مجمع الزوائد 7/ 129 كتاب التفسير: سورة {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} .
{وَشُهُبًا (8)} من النجوم التي يُرْجَمُ بِها الشياطينُ الذين يَسْتَرِقُونَ السَّمْعَ، قال أوْسُ بن حَجَرٍ -وكان جاهليًّا-:
404 -
فانْقَضَّ كَالكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ يَتْبَعُهُ
…
نَقْعٌ تَخالُ عَلَى أرْجائِها طُنُبا
(1)
ونصب {حَرَسًا} على التفسير، وإن شِئْتَ على خبر ما لَمْ يُسَمَّ فاعلُهُ
(2)
، و"شُهُبًا" عطف عليه.
قوله: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا} يريد: من السماء {مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} فالآن حِينَ حاوَلْنا الاستماعَ رُمِينا بِالشُّهُب، وذلك قوله:{فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9)} لِيُرْمَى بِهِ، و {مَقَاعِدَ} نصب على الظرف.
قوله تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11)} يعني: جَماعاتٍ متفرقين وأهواءً مختلفةً، أهْلُ مِلَلٍ شَتَّى، مؤمنون وكافرون، ويهود
(1)
البيت من البسيط، لأوس بن حَجَرٍ يصف الغُبارَ الناتج من رَكْضِ الفَرَسِ، ورواية ديوانه:
وانْقَضَّ كالدِّرِّيءِ يَتْبَعُهُ
…
نَقْعٌ يَثُورُ تَخالُهُ طُنُبا
وهو بِهَذِهِ الرواية من بحر الكامل، ومعنى "تَخالُهُ طُنُبا": تَخالُهُ فُسْطاطًا مضروبًا.
التخريج: ديوانه ص 3، الحيوان 6/ 275، 279، تأويل مشكل القرآن ص 430، المعانِي الكبير ص 739، تهذيب اللغة 14/ 158، الكشاف 4/ 168، المحرر الوجيز 5/ 381، زاد المسير 4/ 390، عين المعانِي ورقة 138/ أ، تفسير القرطبي 19/ 13، منتهى الطلب 2/ 238، محاضرات الأدباء 2/ 170، 662، اللسان: درأ، البحر المحيط 8/ 343، اللباب في علوم الكتاب 19/ 420، التاج: درأ.
(2)
قال مَكِّيُّ بن أبِي طالب: "وحَرَسًا: نصب على التفسير، وكذا شُهُبًا". مشكل إعراب القرآن 2/ 414، ومثلَه قال الأنباريُّ في البيان 2/ 466، وقال المنتجبُ الهمدانِيُّ: و {حَرَسًا} : تمييزٌ لا مفعولٌ ثانٍ لقوله: {مُلِئَتْ} باقٍ على أصله كما زعم بعضهم؛ لأن "مَلأ" لا يتعدى إلَى مفعولين". الفريد للهمداني 4/ 543 - 544، وأجاز أبو حيان أن يُعَدَّى إلَى مفعولين، ينظر: البحر المحيط 8/ 342، وينظر أيضًا: الدر المصون 6/ 392.
ونصارى، وواحد الطرائق طريقة، والقِدَدُ: الفِرَقُ، واحدتها قِدّةٌ
(1)
، وأصلها من القَدِّ وهو القَطْعُ، قال لَبِيدٌ يَرْثِي أخاه إرْبِدَ
(2)
:
405 -
لَمْ تَبْلُغِ العَيْنُ كُلَّ نَهْمَتِها
…
لَيْلةَ تُمْسِي الجِيادُ كالقِدَدِ
(3)
وقال آخر:
406 -
وَلَقَدْ قُلْتُ وَزيدٌ حاسِرٌ
…
يَوْمَ وَلَّتْ خَيْلُ عَمْرٍو قِدَدا
(4)
ويُقالُ لِكُلِّ ما قُطِّعَ من الأدِيمِ: قِدّةٌ، وجمعها قِدَدٌ، ويقال: صارَ القَوْمُ قِدَدًا: إذا تَفَرَّقَتْ حالَاتُهُمْ، قال مجاهد
(5)
: يعني: مسلمين وكافرين، وقال الحسن
(6)
: الجِنُّ أمْثالُكُمْ، منهم قَدَرِيّةٌ ومُرْجِئةٌ ورافِضةٌ وشِيعةٌ.
(1)
قاله أبو عبيدة وابن قتيبة، ينظر: مجاز القرآن 2/ 272، غريب القرآن لابن قتيبة ص 495، وينظر أيضًا: ياقوتة الصراط ص 535، تهذيب اللغة 8/ 368.
(2)
في الأصل: "إربدا".
(3)
البيت من المنسرح لِلَبِيدٍ، ورواية ديوانه:
لَمْ يُبْلِغِ العَيْنَ كُلَّ نَهْمَتِها
اللغة: النَّهْمةُ: كُلُّ ما تَطْمَحُ فِيهِ النَّفْسُ، يعني: أنه لَمْ يَسْمَحْ لِعَيْنِهِ أنْ تَطْمَحَ إلَى هَذِهِ الأُمُورِ في وَقْتِ الشِّدّةِ، القِدَدُ: سُيُورُ الجِلْدِ، يعني: أنَّ الخَيْلَ ضامِرةٌ إمّا لِجَدْبِ الزَّمانِ أوْ اسْتِعْدادًا لِلْحَرْبِ.
التخريج: ديوانه ص 50، السيرة النبوية لابن هشام 4/ 993، الأغانِي 15/ 139، الكشف والبيان 10/ 51، عين المعانِي ورقة 138/ أ، تفسير القرطبي 19/ 15، السيرة النبوية لابن كثير 4/ 113، اللباب في علوم الكتاب 19/ 424، فتح القدير 5/ 306.
(4)
البيت من الرَّمَلِ، لِلَبِيدٍ كما ذَكَرَ الشوكانِيُّ، ولَمْ أقف عليه في ديوانه.
التخريج: تفسير القرطبي 19/ 16، الكشف والبيان 10/ 52، فتح القدير 5/ 306.
(5)
ينظر قوله في جامع البيان 29/ 139، الوسيط 4/ 366.
(6)
ينظر قوله في الوسيط 4/ 366، زاد المسير 8/ 380.
قوله: {وَأَنَّا ظَنَنَّا} عَلِمْنا وَأيْقَنّا {أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ} ؛ أي: لَنْ نَفُوتَهُ إذا أراد بنا أمْرًا {وَلَنْ نُعْجِزَهُ} أن نسبقه {هَرَبًا (12)} إنْ طَلَبَنا، يعني: أنه يدركنا حيث كُنّا، وهو منصوب على المصدر الذي هو في موضع الحال
(1)
، وقيل
(2)
: على التفسير.
قوله: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا} يعني القرآن {آمَنَّا بِهِ} ؛ أي: صَدَّقْنا به {فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ} ؛ أي: يُصَدِّقْ به وبما جاء به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، {فَلَا يَخَافُ بَخْسًا}؛ أي: نَقْصًا {وَلَا رَهَقًا (13)} ؛ أي: ظُلْمًا في قول الفراء
(3)
، وقال الأزهريُّ
(4)
: الرَّهَقُ: اسم من الإرْهاقِ، وهو أن يَحْمِلَ الإنسانُ على نفسه ما لا يُطِيقُ، يقال: أرْهَقْتُهُ أنْ يُصَلِّيَ؛ أي: أعْجَلْتُهُ عن الصلاة، والرَّهَقُ أيضًا: السَّفَهُ والنَّوْكُ، وهو الحُمْقُ، ورفع {يَخَافُ} على جواب الشرط بالفاء كقولك: مَنْ يُكْرِمْنِي فَأُكْرِمُهُ.
قوله تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ} يعني الذين آمنوا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، {وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ} الجائرون العادلون عن الحق، يقال: أقْسَطَ الرَّجُلُ فهو مُقْسِطٌ:
(1)
وصاحب الحال هو ضمير الفاعل في قوله: "نُعْجِزَهُ"، وهذا قول النحاس ومَكِّيٍّ، ينظر: إعراب القرآن 5/ 49، مشكل إعراب القرآن 2/ 415، وينظر أيضًا: الفريد للهمداني 4/ 544.
(2)
حكاه المنتجب الهمدانِيُّ بغير عزو في الفريد 4/ 545، وينظر: عين المعانِي ورقة 138/ أ.
(3)
معانِي القرآن 3/ 193.
(4)
قال الأزهري: "الرهق: اسم من الإرهاق، وهو أن يُحْمَلَ عليه ما لا يُطِيقُهُ". التهذيب 5/ 399، وأما قوله:"يقال: أرْهَقْتُهُ أنْ يُصَلِّيَ"، فقد حكاه الأزهري عن النَّضْرِ بن شُمَيْلٍ، وأما قوله:"والرَّهَقُ أيضًا: السَّفَهُ والنَّوْكُ"، فقد حكاه الأزهري عن الشَّيْبانِيِّ في التهذيب 5/ 398.
إذا عَدَلَ، قال اللَّه تعالى:{وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}
(1)
، وقَسَطَ يَقْسِطُ قُسُوطًا: إذا جارَ
(2)
، قال الشاعر:
407 -
قَوْمٌ هُمُ قَتَلُوا ابْنَ هِنْدٍ عَنْوةً
…
عَمْرًا وَهُمْ قَسَطُوا عَلَى النُّعْمانِ
(3)
أي: جاروا، وأنشد ابن زيد:
408 -
قَسَطْنا عَلَى الأمْلَاكِ فِي عَهْدِ تُبَّعٍ
…
وَمِنْ قَبْلِ ما أرْخَى النُّفُوسَ عِقابُها
(4)
وقوله: {فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14)} ؛ أي: قَصَدُوا طَرِيقَ الحَقِّ، وعَمَدُوا وأمُّوا الهُدَى وأتَوْهُ، والمعنى: أصابُوا الرَّشَدَ.
والتَّحَرِّي كلمة جامعة للقَصْدِ والتَّعَمُّدِ للشيء، يقال: فُلَانٌ يَتَحَرَّى الخَبَرَ: إذا قَصَدَهُ وطَلَبَهُ، ومنه قولهم: هَذا أحْرَى، بِمَعْنَى أوْجَبُ، وتَحَرَّيْتُ الشَّيْءَ أي: قَصدْتُ الواجِبَ فيه.
(1)
الحجرات 9.
(2)
ينظر: مجاز القرآن 1/ 90، 167، غريب القرآن لابن قتيبة ص 490، تهذيب اللغة 8/ 388، الصحاح 3/ 1152.
(3)
البيت من الكامل، للفرزدق يَرُدُّ على جرير في هجائه للأخطل.
التخريج: ديوانه 2/ 345، شرح نقائض جرير والفرزدق 3/ 94، الشعر والشعراء ص 235، الأغانِي 9/ 183، الكشف والبيان 10/ 52، المحرر الوجيز 5/ 382، مجمع البيان 10/ 149، عين المعانِي ورقة 138/ أ، منتهى الطلب 5/ 378، تفسير القرطبي 19/ 17، البحر المحيط 8/ 344، اللباب في علوم الكتاب 19/ 426، خزانة الأدب 6/ 9، روح المعانِي 29/ 89.
(4)
البيت من الطويل، لَمْ أقف على قائله.
التخريج: جامع البيان 29/ 141، الكشف والبيان 10/ 52، مجمع البيان 10/ 149، عين المعانِي ورقة 138/ أ.
فمن جعله مُشْتَقًّا قال: أصله من الحَرا، وهو مَأْوَى الرَّجُلِ وموضعه الذي يكون فيه، ومَنْ لَمْ يَجْعَلْ له اشتقاقًا يقول: هي كلمة جاءت كما جاء سائر الكلام نُطْقًا، لا مأخوذًا من شيء، وقيل: المُتَحَرِّي: المُتَخَلِّقُ لذلك والمُتَعَمِّدُ له، يقال: فُلَان حَرِيّ بكذا وخَلِيقٌ به وقَمِينٌ به وجَدِيرٌ به وعَشِيٌّ به
(1)
.
ويقال
(2)
: أصل هذا كله من المقاربة للشيء، ومنه: تَحَرِّي القِبْلةِ لِمَنْ عُمِّيَتْ عليه، قال امرؤ القيس:
409 -
دِيمةٌ هَطْلَاءُ فِيها وَطَفٌ
…
طَبَقُ الأرْضِ تَحَرَّى وَتَدُرّْ
(3)
قوله: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ} الجائرون الظالمون {فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)} وَقُودًا للنار فِي الآخرة {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} قرأه العامة بكسر الواو،
(1)
من أول قوله: "والتحري: كلمة جامعة للقصد" قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 172/ أ.
(2)
ذكره النقاش بغير عزو في شفاء الصدور ورقة 172/ ب.
(3)
البيت من الرَّمَلِ لامرئ القيس.
اللغة: الدِّيمةُ: مَطَرٌ يَكُونُ مَعَ سُكُونٍ، وقيل: يَكُونُ خَمْسةَ أيّامٍ أوْ سِتّةً، وَقِيلَ: يَوْمًا وَلَيْلةً، الهَطْلَاءُ: المَطَرُ الضَّعِيفُ الدّائِمُ، الوَطَفُ: الدُّنُوُّ مِنَ الأرْضِ، طَبقُ الأرْضِ؛ أيْ: هَذِهِ السَّحابةُ تُطَبِّقُ الأرْضَ وَتَعُمُّها كُلَّها لِسَعَتِها وَكَثْرةِ مَطَرِها، تَحَرَّى: تتَعَمَّدُ المَكانَ وَتَثْبُتُ فِيهِ، تَدُرُّ: يَكْثُرُ ماؤُها.
التخريج: ديوانه ص 144، غريب الحديث للهروي 4/ 312، مجاز القرآن 2/ 272، تهذيب اللغة ص 6/ 177، 9/ 9، 14/ 37، 210، مقاييس اللغة 1/ 208، ديوان المعانِي 2/ 3، المخصص 9/ 118، الكشف والبيان 10/ 52، المختار من شعر بشار ص 142، أمالِيُّ ابن الشجري 1/ 60، تصحيح الفصيح ص 475، شرح أدب الكاتب للجواليقي ص 304، محاضرات الأدباء 2/ 557، عين المعانِي ورقة 138/ أ، اللسان: حري، دوم، طبق، هطل، وطف، البحر المحيط 8/ 437، الدر المصون 6/ 500، التاج: وطف، هطل، دوم، حري.
وقرأ يحيى والأعمش بضم الواو
(1)
، وقوله:{الطَّرِيقَةِ} يعني الحق والإيمان والهدى {لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16)} كثيرًا، وذلك بعدما رُفِعَ عنهم المَطَرُ سَبْعَ سِنِينَ، وقيل: لأعطيناهم مالًا كثيرًا وعَيْشًا رَغَدًا، وإنما ضَرَبَ الماءَ الغَدَقَ مَثَلًا لأن الخير كُلَّهُ والرِّزْقَ يكون بالمطر.
{لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} ؛ أي: لِنَخْتَبِرَهُمْ، فنَعْلَمَ كيف شُكْرُهُمْ فيما خُوِّلُوا {وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ} يعني القرآن {يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)} يعني: شِدّةَ العَذاب الذي لا راحةَ فيه، وهو شرط وجزاء، قرأ الكوفيون ويعقوب وأيوبُ:{يَسْلُكْهُ} بالياء وهي الاختيار، وقرأ مُسْلِمُ بن جُنْدُبٍ
(2)
: "نُسْلِكْهُ بضم النون وكسر اللام، وقرأ الآخرون بفتح النون وضَمِّ اللام
(3)
، وهما لغتان، يقال: سَلَكَهُ وأسْلَكَهُ بِمَعْنًى واحدٍ
(4)
، ومعناه: يُدْخِلْهُ عَذابًا صَعَدًا شاقًّا، والمعنى: ذا صَعَدٍ
(1)
ذكر سيبويه أنها لغة قليلة، ينظر: الكتاب 4/ 155، وينظر أيضًا: الأصول 2/ 370، إعراب القرآن 1/ 192، 5/ 49، الخصائص 3/ 132، المحتسب 2/ 333، تفسير القرطبي 19/ 18، البحر المحيط 8/ 345.
(2)
مُسْلِمُ بن جُنْدُب الهُذَلِيُّ، أبو عبد اللَّه القاضي المَدَنِيُّ، تابعي مقرئ محدث ثقة، روى عن الزبير ابن العوامً وأبي هريرة وابن عمر وغيرهم، كان قاضيَ أهل المدينة، ويقضي بغير أجر، كان من فصحاء الناس، وهو الذي أدَّبَ عمرَ بن عبد العزيز، توفِّي سنة (156 هـ). [غاية النهاية 2/ 297، تهذيب الكمال 27/ 495 - 496].
(3)
قرأ عاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف والأعمش: "يَسْلُكْهُ" بالياء، وقرأ مسلم ابن جندب وطلحة والأعرج:"نُسْلِكْهُ" بضم النون وكسر اللام، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر:"نَسْلُكْهُ" بفتح النون وضم اللام، ينظر: السبعة ص 656، تفسير القرطبي 19/ 19، البحر المحيط 8/ 345، الإتحاف 2/ 566.
(4)
قاله أبو عبيدة وأبو عبيد وابن الأعرابِيِّ، ينظر: مجاز القرآن 1/ 347، وقول أبِي عبيد وابن الأعرابِيِّ في تأويل مشكل القرآن ص 432، إعراب القرآن للنحاس 5/ 51، تهذيب اللغة 10/ 63، الصحاح 4/ 1591.
أي: ذا مَشَقّةٍ، ونصب {عَذَابًا} لأنه مفعول {يَسْلُكْهُ} ، بمعنى: في عذاب
(1)
.
قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} ؛ أي: الأرضُ للَّه، والمساجد للَّه: السُّجُودُ ومَواضِعُهُ من الأرض، والواحد مَسْجِدٌ بكسر الجيم
(2)
، وقيل
(3)
: المَساجِدُ: الأعضاء واحدها مَسْجَدٌ بفتح الجيم، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أُمِرْتُ أنْ أسْجُدَ على سبعة أعْضاءٍ، ولا أكُفَّ شَعَرًا ولا ثَوْبًا"
(4)
.
وقيل
(5)
: إنه يعني المسجد الحرام ومَسْجِدَ الخَيْفِ ومَسْجِدَ بَيْتِ
(1)
يعني أنه منصوب على نزع الخافض، ذكره الأنباري والمنتجب الهمدانِيُّ، ينظر: البيان للأنباري 2/ 467، الفريد للهمدانِيِّ 4/ 545.
(2)
قاله الحسن وقتادة وابن جبير، ينظر: جامع البيان 29/ 145، شفاء الصدور ورقة 173/ أ، الكشف والبيان 10/ 54، تفسير القرطبي 19/ 20.
وقال سيبويه: "وأما المَسْجِدُ فإنه اسمٌ للبيت، ولَسْتَ تريد به موضع السجود وموضعَ جبهتك، لو أرَدْتَ ذلك لقُلْتَ: مَسْجَدٌ". الكتاب 4/ 90، يعني أنه اسم مكان، وقال ابن قتيبة:"وَأنَّ المَساجِدَ للَّه"، أي: السُّجُودُ للَّه، هو جمع مَسْجَدٍ، يقال: سَجَدْتُ سُجُودًا ومَسْجَدًا، كما يقال: ضَرَبْتُ فِي البلاد ضَرْبًا ومَضْرَبًا، ثم يُجْمَعُ فيقال: المساجد للَّه، كما يقال: المَضارِبُ في الأرض لطلب الرزق". غريب القرآن ص 491، وينظر أيضًا: تأويل مشكل القرآن ص 432 - 433، وحكى الأزهري عن الليث أن المَسْجَدَ بفتح الجيم في مواضع السجود من الأرض ومن الجسد أيضًا، ينظر: التهذيب 10/ 570.
(3)
قاله الفراء في معانِي القرآن 3/ 194، وحكاه عنه ابن السكيت في إصلاح المنطق ص 120، 221، وينظر: معانِي القرآن وإعرابه 5/ 236، شفاء الصدور ورقة 173/ أ، الصحاح 2/ 484، الكشف والبيان 10/ 54، الوسيط 4/ 467، تفسير القرطبي 19/ 20.
(4)
رواه البخاري عن ابن عباس في صحيحه 1/ 198، 199 كتاب الأذان: باب السجود على سبعة أعظم، وباب "لا يَكُفُّ شَعَرًا"، ورواه مسلم في صحيحه 2/ 52 كتاب الصلاة: باب أعضاء السجود.
(5)
ذكره النقاش بغير عزو في شفاء الصدور ورقة 173/ أ، ومَسْجِدُ الخَيْفِ: هو مَسْجِدُ =