الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النار، قيل
(1)
: نزلت هذه الآية في أبِي سُفْيانَ بنِ حَرْبٍ، وقيل: في أُمَيّةَ وَأُبَيٍّ ابْنَي خَلَفٍ الجُمَحِيِّ؛ لأنهما كانا كافرين، وأبو سفيان مات على الإسلام، وقيل: الآية عامّهٌ فِي الكفار.
ومعنى قوله: {فَسَنُيَسِّرُهُ} ؛ أي: نُهَيِّئُهُ، والعرب تقول: قد يَسَّرَتِ الغَنَمُ: إذا تَهَيَّأتْ لِلْوِلَادةِ
(2)
، وقد تقدم الإعراب في الآية قبلها، فَأغْنَى عن الإعادة هاهنا؛ إذ المعنى واحد.
فصل
عن عَلِيِّ بنِ أبِي طالِبٍ رضي الله عنه قال: كُنّا فِي جِنازةٍ في بَقِيعِ الغَرْقَد
(3)
، فَأتانا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَعَدَ وَنَحْنُ حَوْلَهُ، وَبِيَدِهِ مِخْصَرةٌ لَهُ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ
(4)
بِها الأرْضَ ويُفَكِّرُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقالَ:"ما مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ إلّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الجَنّةِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ النّارِ، وما مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسةٍ إلّا وَقَدْ كُتِبَتْ شَقِيّةً أو سَعِيدةً"، فقال رَجُلٌ من القوم: أفَلا نَتَّكِلُ عَلَى كِتابِنا وَنَدَعُ العَمَلَ؟ فَمَنْ كانَ مِنْ أهْلِ السَّعادةِ فَسَيَصِيرُ إلَى السَّعادةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ الشَّقاوةِ
(1)
ينظر: الوسيط 4/ 504، زاد المسير 9/ 150، تاريخ دمشق 30/ 70.
(2)
قاله الفراء في معانِي القرآن 3/ 271، وأنشد:
هُما سَيِّدانا يَزْعُمانِ، وَإنَّما
…
يَسُودانِنا أنْ يَسَّرَتْ غَنَماهُما
وقاله النقاش في شفاء الصدور 244/ ب، وحكاه الأزهري عن الفراء وأبي عبيد في تهذيب اللغة 13/ 59، 60.
(3)
بَقِيعُ الغَرْقَدِ: مقبرة بالمدينة، والبَقِيعُ: المكان المُتَّسِعُ، ولا يُسَمَّى بَقِيعًا إلّا وفيه شَجَرٌ، والغَرْقَدُ: شَجَرٌ له شَوْكٌ كان يَنْبُتُ في هذه المقبرة، فَذَهَبَ وَبَقِيَ الاسمُ لازمًا للموضع. معجم البلدان 1/ 560، اللسان: بقع.
(4)
يَنْكُتُ بِها الأرْضَ؛ أي: يَضْرِبُ الأرضَ بِطَرَفِها فَيُوَثِّرُ فيها. اللسان: نكت.
فَإنَّهُمْ مُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ الشِّقْوةِ، فقال:"لا، اعْمَلُوا وَسَدِّدُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ، أمّا مَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ السَّعادةِ، فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ السَّعادةِ، وَأمّا مَنْ كانَ مِنْ أهْلِ الشَّقاوةِ، فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ الشَّقاوةِ"، ثُمَّ تَلَا هذه الآياتِ:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}
(1)
، رواه البخاريُّ ومسلمٌ.
قوله: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11)} يعني: في جَهَنَّمَ، و"ما" في موضع نصب بـ {يُغْنِي}؛ أي: وَأيُّ شَيْءٍ يَدْفَعُ عنه مالُهُ إذا سَقَطَ فِي النّارِ؟
(2)
وقيل
(3)
: إذا هَلَكَ، يُقال في الهَلاكِ: رَدِيَ يَرْدَى وَتَرَدَّى: إذا سَقَطَ، وَرَدُؤَ الرَّجُلُ يَرْدُؤُ رَداءةً، فَهُوَ رَدِيءٌ مُرْدِئٌ
(4)
.
قوله: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12)} ؛ أي: البيان، قال الزَّجّاجُ
(5)
: معناه: علينا أن
(1)
صحيح البخاري 2/ 99 كتاب الجنائز: باب موعظة المُحَدِّثِ عند القَبْرِ، 6/ 84 كتاب تفسير القرآن: سورة "واللَّيْلِ إذا يَغْشَى"، صحيح مسلم 8/ 46، 47 كتاب القَدَرِ: باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وَأجَلِهِ. والمِخْصَرةُ: قضيب يُمْسِكُهُ الرئيسُ لِيَتَوَكَّأ عليه، ويُشِيرَ بهِ إلَى ما يريد، سُمِّيَتْ بذلك لأنها تحمل تحت الخصر. اللسان: خصر.
(2)
يعني أن "ما" استفهامية، قاله النحاس في إعراب القرآن 5/ 243، وذهب ابن خالويه إلى أن "ما" نافية، وأجازه مَكِّيٌّ، ينظر: إعراب ثلاثين سورة ص 111، مشكل إعراب القرآن 2/ 479، وينظر أيضًا: التبيان للعكبري ص 1291، الفريد للهمدانِيِّ 4/ 685، تفسير القرطبي 20/ 85، 86، مغني اللبيب ص 415.
(3)
قاله النحاس فِي إعراب القرآن 5/ 243، وينظر أيضًا: إعراب ثلاثين سورة لابن خالويه ص 111.
(4)
هذا أيضًا، من كلام النحاس، وقال الأزهري:"قال الليث: رَدُؤَ الشَّيْءُ يَرْدُؤُ رَداءةً، وإذا أصاب الإنسانُ شَيْئًا رَدِيئًا فهو مُرْدِئٌ، وكذلك إذا فعل شيئا رَدِيئًا". تهذيب اللغة 14/ 167 - 168.
(5)
معانِي القرآن وإعرابه 5/ 336.
نُبَيِّنَ طَرِيقَ الهُدَى من طريق الضلال، واللام لام توكيد دخلت على الهدى، فحُذفت الألف لئلا تشبه "لا" التي للنفي، ولالتصاق اللام بما بعدها
(1)
، وكذا قوله:{وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (13)} يعني: الدنيا والآخرة.
قوله: {فَأَنْذَرْتُكُمْ} يا أهل مكة {نَارًا تَلَظَّى (14)} يعني: على الكفار، وقرأ عبيد بن عمير:{تَلَظَّى} على الأصل، [وقرأ البَزِّيُّ:{نَارًا تَّلَظَّى} بتشذيد التاء]
(2)
، وقرأ غيرهما على الحذف
(3)
، وهو فعل مستقبل، والأصل فيه: تتَلَظَّى، فأدغمت التاء بالتاء.
ومعنى {تَلَظَّى} : تَوَهَّجُ وَتَلْتَهِبُ وَتَأجَّجُ {لَا يَصْلَاهَا} ؛ أي: لا يدخلها {إِلَّا الْأَشْقَى (15)} يعني المشرك {الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16)} كَذبَ بِاللَّهِ وَرُسلِهِ وَكُتُبِهِ، وَتَوَلَّى عن طاعة اللَّه.
{وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17)} يعني: المُتَّقِي رَبَّهُ التّارِكُ مَحارِمَهُ {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18)} يطلب أن يكون عند اللَّه زاكِيًا رغبةً إليه وَتَقَرُّبًا، لا يطلب رِياءً ولا سُمْعةً {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19)}؛ أي: لا يُرِيدُ مُكافَأةَ أحَدٍ فَيُجازِيهُ عليها، ولا يَتَصَدَّقُ لِيُكافَأ على صَدَقَتِهِ ولا على نِعْمةٍ أُنْعِمَ بِها عَلَيْهِ {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ
(1)
قاله النحاس في إعراب القرآن 5/ 243.
(2)
ما بين المعقوفتين زيادة يقتضيها السياق.
(3)
قرأ عبد اللَّه بن مسعود وابن الزبير وزيد بن عَلِيّ وَعُبَيْدُ بن عُمَيْرٍ وسفيانُ بن عُيَيْنةَ وعمرو ابن دينار وطلحة بن مصرف: "تَتَلَظَّى" بتاءين، وقرأ ابن كثير في رواية البَزِّيِّ عنه ورويسٌ:{نَارًا تَّلّظَّى} لإدغام التنوين في التاء، ينظر: السبعة ص 690، مختصر ابن خالويه ص 175، إعراب القراءات السبع 2/ 493، تفسير القرطبي 20/ 86، البحر المحيط 8/ 478، الإتحاف 2/ 614.