الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عشرهم خزنة النار، ولهم من الأعوان والجنود من الملائكة ما لا يعلمه إلّا اللَّه.
فصل
عن الأوْزاعِيِّ قال: قال موسى عليه السلام: "رَبِّ: مَنْ مَعَكَ فِي السماء؟ قال مَلَائِكَتِي، قال: كم عدتهم يا رَبِّ؟ قال: اثنا عشر سِبْطًا، قال: كم عدد كُلِّ سِبْطٍ؟ قال: عَدَدُ التراب"
(1)
.
ثم رَجَعَ إلَى ذِكْرِ سَقَرَ، فقال تعالى:{وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)} يعني: موعظة لِلْعالَمِ، و {هِيَ} رفع ابتداء وخبَرٌ محقق، تقديره: هي ذكرى للبشر {كَلَّا وَالْقَمَرِ (32)} أقسم -سبحانه- بالقمر، وله أن يقسم بما شاء من خلقه، يعني: حَقًّا والقَمَر {وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33)} يعني: وَلَّى ذاهِبًا بظلمته.
قرأ نافع وحمزة وخلف ويعقوب وحفص وابن محيصن: "إذْ" بغير ألف {أَدْبَرَ} بألف، غير أن وَرْشًا ينقل حركة الهمزة إلى الذال، ويحذف الهمزة، وقرأ غيرهم بِضِدِّهِ
(2)
وهما لغتان
(3)
، قال الشاعر:
(1)
ينظر: الكشف والبيان 10/ 75، عين المعانِي ورقة 139/ ب، تفسير القرطبي 19/ 83.
(2)
قرأ: "إذْ أدْبَرَ" أيضًا الحَسَنُ وابنُ جُبَيْرٍ والسُّلَمِيُّ وابنُ سيرِبنَ والأعْرَجُ وزيدُ بنُ عَلِيٍّ، وقرأ وَرْشٌ:"إذَ دْبَرَ" بحَذْفِ الهمزة وَنَقْلِ حَركَتِها إلَى الذال، وقرأ الحَسَنُ وأبو رُزينٍ وأبو رجاء وابن يَعْمُر والسُّلَمِيُّ وطلحة والأعمش ويونس بن عبيد:"إذا أدْبرَ"، وكذلك هو في مصحف ابن مسعود وأُبَيٍّ، وقرأ ابن عباس وابن الزبير وبقية السبعة، وأبو بكر عن عاصم، ومجاهدٌ وعطاءٌ وشيبة وقتادة والحسن وطلحة وعمر بن عبد العزيز:"إذا دَبَرَ"، ينظر: السبعة ص 659، الكشف عن وجوه القراءات 2/ 347، تفسير القرطبي 19/ 84، البحر المحيط 8/ 369.
(3)
يعني: دَبَرَ وأدْبَرَ، قال الفراء:"ولا أراهما إلا لغتين، يقال: دَبَرَ النَّهارُ والشِّتاءُ والصَّيْفُ وأدْبَرَ". معاني القرآن 3/ 204، وينظر: معانِي القرآن وإعرابه 5/ 248، تهذيب اللغة 14/ 111، معانِي القراءات 3/ 103.
425 -
صَدَعَتْ غَزالةُ قَلْبَهُ بِفَوارِسٍ
…
تَرَكَتْ مَسامِعَهُ كَأمْسِ الدّابِرِ
(1)
قوله: {وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34)} يعني: أضاءَ وَتَنَوَّرَ عن ظلمة الليل، قرأه العامة بالألف على معنى: أضاءَ، وقرأ ابن السَّمَيْفَعِ:"سَفَرَ"
(2)
بغير ألف، وهما لغتان يقال: سَفَرَ وَجْهُ فُلَانٍ وَأسْفَرَ: إذا أضاءَ، وَسُفِرَ البَيْتُ: إذا كُنِسَ، ويقال لِلْمِكْنَسةِ: المِسْفَرةُ
(3)
، ويجوز أن يكون من قولهم: سَفَرَ وَجْهُ المَرْأةِ: إذا ألْقَتْ خِمارَها عن وجهها
(4)
. والليل والصبح خفض بالعطف على القمر بواو القسم
(5)
.
قوله: {إِنَّهَا} يعني سَقَرَ {لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35)} يعني: لإحدى الأمور
(1)
البيت من الكامل، لِعِمْرانَ بن حِطّانَ يخاطب الحَجّاجَ بن يوسف، ونُسِبَ لِشَبِيب بن يزيد الشَّيْبانِيِّ، ويُرْوَى:
صَدَعَتْ غَزالةُ جَمْعَهُمْ بِفَوارسٍ
…
جَعَلَت كَتَائِبَهُمْ كأمْسِ الدّابِرِ
اللغة: غَزالةُ: امرأةٌ خارِجِيّةٌ، قيلْ إنها زَوْجُ شَبِيبٍ الخارجي.
التخريج: ديوان الخوارج ص 114، جمهرة اللغة ص 923، الأغانِي 16/ 155، العقد الفريد 5/ 44، إعراب القراءات السبع 2/ 410، الخصائص 2/ 267، الكشف والبيان 10/ 76، التذكرة الحمدونية 2/ 450، تاريخ دمشق 12/ 182، 43/ 497، 498، الحماسة البصرية ص 226، عين المعانِي ورقة 139/ ب.
(2)
هذه قراءة ابن السَّمَيْفَعِ وعيسى بن الفضل، ينظر: تفسير القرطبى 19/ 84، البحر المحيط 8/ 37.
(3)
قاله أبو عبيد في غريب الحديث 1/ 63، وحكاه الأزهري عنه في التهذيب 12/ 401.
(4)
قال الفراء: "وإذا ألْقَتِ المَرْأةُ نِقابَها أو بُرْفُعَها فيل: سَفَرَتْ فَهِي سافِرٌ، ولا يقال: أسْفَرَتْ". معانِي القرآن 3/ 239، وينظر: معانِي القرآن وإعرابه 5/ 284، تهذيب اللغة 12/ 400، 401، الصحاح 2/ 686.
(5)
يعني أنهما معطوفان على "القمر" المخفوض بواو القسم.
العِظامِ، وهذا جواب القسم، وأراد بالكُبَرِ دَرَكاتِ جَهَنَّمَ وأبْوابَها، وهي سبعة: جَهَنَّمُ ولَظَى والحُطَمةُ والسَّعِيرُ وسَقَرُ والجَحِيمُ والهاوِيةُ -أعاذنا اللَّه منها-، والكُبَرُ جمع الكُبْرَى، وهي النار مثل الأُولَى والأُوَلِ والصُّغْرَى والصُّغَرِ.
قوله: {نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36)} يعني: تَذْكِرةً لِلْعالَمِ، قال الزَّجّاجُ
(1)
والكِسائِيُّ
(2)
: هو منصوب على الحال من المضمر في قوله: {قُمْ فَأَنْذِرْ}
(3)
يريد: قُمْ نَذِيرًا لِلْبَشَرِ. قال ابن الأنباري
(4)
: وهذا قبيح؛ لأن الكلام قد طال فيما بينهما.
وقيل: هو نصب على القطع من قوله: {إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ} ؛ لأنها معرفة و {نَذِيرًا} نكرة، وإن شئتَ نَصَبْتَهُ على القطع أيضًا من العائد في {سَقَرَ} ، قاله ابن الأنباري
(5)
، وقال الخليل
(6)
: النَّذِيرُ مصدر كالنَّكِيرِ، كأنك قلتَ: إنْذارًا للبشر، وقيل
(7)
: هو منصوب على إضمار فعل؛ أي: صَيَّرَها اللَّهُ
(1)
قال الزجاج: "ويجوز أن يكون {نَذِيرًا} منصوبًا مُعَفقًا بأول السورة على معنى: قُمْ نَذِيرًا لِلْبَشَرِ". معانِي القرآن وإعرابه 5/ 249.
(2)
ينظر قوله في إعراب القرآن 5/ 72، مشكل إعراب القرآن 2/ 427، الوسيط 4/ 385. وقد حكاه الفراء بغير عَزْوٍ، وَرَدَّهُ فقال: "كان بعض النحويين يقول: إنْ نصبتَ {نَذِيرًا} من أول السورة: يا محمد قُمْ نَذِيرًا لِلْبَشَرِ. وليس ذلك بشيء، واللَّه أعلم-؛ لأن الكلام قد حدث بينهما شَيْءٌ منه كَثِيرٌ، وَرَفْعُهُ في قراءة أُبَيٍّ يَنْفِي هذا المعنى". معانِي القرآن 3/ 205.
(3)
المدثر 2.
(4)
ينظر قوله في تفسير القرطبي 19/ 85.
(5)
إيضاح الوقف والابتداء ص 956.
(6)
ينظر قوله في الكشف والبيان 10/ 76، تفسير القرطبي 19/ 85، البحر المحيط 8/ 370، الدر المصون 6/ 419 - 420.
(7)
قاله النحاس فِي إعراب القرآن 5/ 72، وينظر: مشكل إعراب القرآن 2/ 427، تفسير القرطبي 19/ 86.
نَذِيرًا؛ أي: ذات إنذار، فَذَكرَ اللفظ على النَّسَبِ، وقيل
(1)
: هو نصب على إضمار "أعْنِي"، وقرأ إبراهيم بن أبِي عَبْلةَ:"نَذِيرٌ لِلْبَشَرِ"
(2)
.
{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ} بَدَلٌ من قوله: {لِلْبَشَرِ} {أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)} يعني: يتقدم فِي الخير، أو يتأخر في المعصية، وهذا وعيد وتهديد كقوله تعالى:{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}
(3)
، وكقوله:{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}
(4)
.
{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)} يعني: بِما عَمِلَتْ رَهِينةٌ بعملها فِي جهنم، إلا من اسْتَثْنَى اللَّهُ تعالى فإنهم غير مُرْتَهَنِينَ، وهم أصحاب اليمين، وذلك قوله تعالى:{إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39)} يعني المؤمنين، واليمين صفة لكل خير وسعادة، وهم الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم.
وما بعده ظاهر التفسير إلَى قوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49)} يعني كفار قريش حين نَفَرُوا عن القرآن، وأعرضوا عن الإيمان، والتذكرة: التذكير بمواعظ القرآن، ونصب {مُعْرِضِينَ} على الحال
(5)
، وقيل: معناه:
(1)
حكاه النحاس عن الأخفش الأصغر في إعراب القرآن 5/ 72، وينظر: مشكل إعراب القرآن 2/ 427.
(2)
قرأ بالرفع أُبَيُّ بنُ كعب وإبراهيم بن أبِي عَبْلةَ، وعلى هذه القراءة يكون "نَذِيرٌ" خَبَرًا بعد خَبَرٍ لـ "إنَّ"، أو خَبَرَ مبتدأ محذوف؛ أي: هي نذير، ينظر: الفريد للهمداني 4/ 567، تفسير القرطبي 19/ 86، البحر المحيط 8/ 370.
(3)
الكهف 29.
(4)
فصلت 40.
(5)
قاله سيبويه والمبرد وغيرهما، ينظر: الكتاب 2/ 61، المقتضب 3/ 237، وينظر أيضًا: معانِي القرآن وإعرابه 5/ 249، إعراب القرآن 5/ 74، أمالِيُّ ابن الشجري 3/ 7.
صارُوا مُعْرِضِينَ، فعلى هذا التأويل يكون منصوبًا على الخبر
(1)
.
ثم شَبَّهَهُمْ في نُفُورِهِمْ عن القرآن يحُمُرٍ نافِرةٍ، فقال تعالى:{كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50)} قرأ أهل المدينة والشام وأيوبُ بفتح الفاء أي: مُنَفَّرْة مَذْعُورةٌ، وقرأ الآخرون بالكسر
(2)
؛ أي: نافِرةٌ، يقال: نَفَرَتْ واسْتَنْفَرَتْ بِمَعْنًى واحِدٍ، وأنشد الفَرّاء
(3)
:
426 -
أمْسِكْ حِمارَكَ إنُّهُ مُسْتَنْفَرٌ
…
فِي إثْرِ أحْمِرةٍ عَمَدْنَ لِقُرَّبِ
(4)
(1)
يعني على خبر "مالِ"، وهذا قول الكوفيين، وينظر ما سبق في قوله تعالى:{فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ} . المعارج 36 ص 1194 من هذا الكتاب، وينظر: الجمل المنسوب للخليل ص 58.
(2)
قرأ نافعٌ وابن عامر وأبو جعفر والمفضلُ عن عاصم: "مُسْتَنْفَرةٌ" بفتح الفاء، وقرأ الباقون، وحفصٌ وأبو بكر عن عاصم بكسر الفاء، ينظر: السبعة ص 660، تفسير القرطبي 19/ 89، البحر المحيط 8/ 372، الإتحاف 2/ 572.
(3)
معانِي القرآن 3/ 206.
(4)
البيت من الكامل، لنافع بن لُقَيْط الفَقْعَسِيِّ الأسَدِيِّ، ويُرْوَى:"ارْبِطْ حِمارَك. . عَمَدْنَ لِغُرَّبِ".
اللغة: ارْبِطْ حِمارَكَ: مَثَلٌ يُضْرَبُ لِمَنْ يُؤْذِي قَوْمَهُ، وَمَعْناهُ: كُفَّ نَفْسَكَ عَنْ أذَى قَومِكَ فَإنَّكَ عُيِّرْتَ في شَتْمِهِمْ كَما يُعَيَّرُ الحِمارُ عَنْ مَرْبِطِهِ، عَمَدْنَ: قَصَدْنَ، غُرَّبٌ: جَبَلٌ دُونَ الشّامِ في بلَادِ بَنِي كَلْبٍ.
التخريج: المعانِي الكبير ص 793، جامع البيان 29/ 210، معانِي القرآن وإعرابه 5/ 250، ديوان الأدب 2/ 431، تهذيب اللغة 8/ 119، 15/ 210، معانِي القراءات 3/ 104، إعراب القراءات السبع 2/ 412، الصحاح ص 833، الكشف والبيان 10/ 78، زاد المسير 8/ 412، مجمع البيان 10/ 184، عين المعانِي ورقة 139/ ب، تفسير القرطبي 19/ 89، اللسان: غرب، نفر، البحر المحيط 8/ 373، الدر المصون 6/ 422، اللباب في علوم الكتاب 19/ 536، التاج: غرب، نفر.
والقَرَبُ: طَلَبُ الماءِ، والقارِبُ: هو الطّالِبُ
(1)
، ويُرْوَى:
فِي إثْرِ أحْمِرةٍ عَمَدْنَ لِغُرَّبِ
و"غُرَّبٌ" اسم جَبَلٍ، ذكره صاحب ديوان الأدب
(2)
.
وقوله: {فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)} يعني الأسد بلسان العرب، وهو بلسان الحبشة: القَسْوَرةُ، وبلسان فارس: شير، وبلسان النَّبَطِ: أريا
(3)
.
قال ثعلب
(4)
: اختلف الناس فيه، فقالت طائفة: القسورة هاهنا: الأسد، وهي "فَعْوَلةٌ" من القَسْرِ وهو القَهْرُ، سُمِّيَ الأسد بذلك لأنه يقهر السباع كلها، وكل ضخم شديد عند العرب فهو قَسْوَرٌ وقَسْوَرةٌ، وقالت طائفة: هم الرُّماةُ رِجالُ القَنْصِ، لا واحد له من لفظه، وقالت طائفة: القَسْوَرةُ: سَوادُ أوَّلِ الليل، ولا يُقالُ لِسَوادِ آخِرِ الليل: قَسْوَرةٌ.
والمعنى: أن المشركين كانوا إذا سَمِعُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآنَ هَرَبُوا منه كما تَهْرُبُ الحُمُرُ الوَحْشِيّةُ من الأسد.
قوله: {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52)} نصب على خَبَرِ ما لَمْ
(1)
قال الخليل: "والقُرَّبُ: طَلَبُ الماءِ لَيْلًا". العين 5/ 153، وينظر: غريب الحديث للهروي 3/ 187، اللسان: قرب، التاج: قرب.
(2)
قال الفارابِيُّ: "وَغُرَّبٌ: اسم موضع". ديوان الأدب 1/ 323، ولَمْ يذكر أنه اسم جَبَلٍ.
(3)
قاله ابن عباس، ينظر: جامع البيان 1/ 20، 29/ 212 - 213، شفاء الصدور ورقة 182/ ب، الكشف والبيان 10/ 79، تفسير القرطبي 19/ 89، اللسان: قسر، اللسان: قسر.
(4)
هذا القول حكاه عنه تلميذه أبو عمر الزاهد في ياقوتة الصراط ص 542، وينظر أيضًا: شفاء الصدور ورقة 182/ أ، تهذيب اللغة 8/ 399.
يُسَمَّ فاعله
(1)
، والصحف: الكتب، واحدتها صحيفة، و {مُنَشَّرَةً} معناها: مَنْشُورة.
وذلك أن المشركين قالوا: يا محمد: بَلَغَنا أن الرجل من بَنِي إسرائيل كان يُصْبِحُ مكتوبًا عند رأسه ذَنْبُهُ وكَفّارَتُهُ، فَأْتِنا بِمِثْلِ ذلك، فَكَرِهَ ذلك رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم
(2)
فأنزل اللَّه تعالى: {كَلَّا} ؛ أي: ليس الأمر كما يريدون ويقولون، وقيل: معناه حَقًّا، وكُلُّ ما وَرَدَ عليك من هذا الباب فهذا وجهه
(3)
، والمعنى: كَلَّا لا يُؤْتَوْنَ الصُّحُفَ.
ثم قال تعالى: {بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (53)} لَكِنْ لا يخافون عذاب الآخرة، والمعنى: أنهم لو خافوا النار لَما اقترحوا الآياتِ بعد قيام الأدلة الواضحات {كَلَّا إِنَّهُ} يعني القرآن {تَذْكِرَةٌ (54)} تذكير وموعظة {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55)} يعني: فَهِمَهُ وَوَعاهُ واتَّعَظَ به.
ثم رَدَّ المشيئة إلَى نفسه، فقال:{وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} يعني:
(1)
في الأصل: "على اسمِ ما لَمْ يُسَمَّ فاعله" وهو خطأ. ومعناه أن {صُحُفًا} مفعول ثانٍ لـ {يُؤْتَى} ، والمفعول الأول هو نائب الفاعل الذي هو ضمير مستتر يعود على قوله:"امْرِئٍ".
(2)
قاله الكلبي، ينظر قوله في الكشف والبيان 10/ 79، الكشاف للزمخشري 4/ 188، زاد المسير 8/ 413.
(3)
هذا مذهب لبعض العلماء، قال مَكِّيٌّ:"وذهبت طائفة إلى أنها [يعني: كَلَّا] يُوقَفُ عليها فِي كل موضع، فإن كان قبلها ما يُرَدُّ ويُنْكَرُ كان معناها: ليس الأمر كذلك. . . وإذا كان قبلها ما لا يُرَدُّ ولا يُنْكَرُ كان معناها "حَقًّا"، نحو "تَظُنُّ أنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرةٌ. كَلَّا "أي: حَقًّا ما ذُكِرَ". الوقف على كلّا وبلى ونعم في القرآن لمكيٍّ بن أبي طالب ص 50.
ثم قال مَكِّيٌّ: "قوله: "بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرةً. كَلَّا" الوقف على "كَلَّا" حَسَنٌ بالِغٌ، تجعلها رَدًّا لِما قبلها؛ أي: لا يُؤْتَى ذلك. . . ويجوز الابتداء بـ "كَلَّا" على معنى "ألا" وعلى معنى "حَقًّا"، والوقف عليها أحْسَنُ". الوقف على كلَّا وبلى ونعم ص 58.