الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل
(1)
: هو نصب بِنَزْعِ حرف الصفة، وقيل
(2)
: هو مفعول من أجله، وقوله:{إِنَّ في ذَلِكَ} يعني: الذي فعل بفرعون حين كَذَّبَ وَعَصَى {لَعِبْرَةً} ؛ أي: عِظةً {لِمَنْ يَخْشَى (26)} اللَّهَ.
فصل
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "قال موسى: يا رَبِّ أمْهَلْتَ فِرْعَوْنَ أربعمائة سنة وهو يقول: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}، ويُكَذِّبُ آياتِكَ، وَيَجْحَدُ رُسُلَكَ، فأوحى اللَّه تعالى إليه: "يا مُوسَى إنَّهُ كان حَسَنَ الخُلُقِ سَهْلَ الحِجابِ، فَأحْبَبْتُ أنْ أُكافِئَهُ"
(3)
.
ثم خاطَبَ منكري البعث، فقال تعالى {أَأَنْتُمْ} يعني كفار مكة {أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27)}؛ أي: رَفَعَها فقال لها: كُوني فكانت، وكل شيء ارتفع فوق شيءٍ فهو بِناءٌ، وهو استفهام تقرير، ورفع {السَّمَاءُ} عطفًا على {أَشَدُّ} بـ {أَمِ} ، والتقدير: أخَلْقُكُمْ بعد الموت أشَدُّ عِنْدَكُمْ أم السَّماءُ في تَقْدِيرِكُمْ؟ وَهُما في قُدْرةِ اللَّه واحِدٌ، فَإنَّ الذي قَدَرَ على خَلْقِ السماء قادِرٌ على إحيائكم بعد الموت، نظيره قوله تعالى:{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ}
(4)
.
(1)
أي: بِنَكالِ الآخرة والأولى، ذكره القرطبي بغير عزو في تفسيره 19/ 132، وينظر: اللباب في علوم الكتاب 20/ 140.
(2)
ذكره مِكِّيٌّ بغير عزو في مشكل إعراب القرآن 2/ 455، وبه قال الأنباري في البيان 2/ 493، وينظر: التبيان للعكبري ص 1269.
(3)
ينظر: الوسيط 4/ 420، تاريخ دمشق 61/ 81، مجمع البيان 10/ 257، الدر المنثور 3/ 105.
(4)
غافر 57.
ثم وَصَفَ خَلْقَ السماء، فقال:{رَفَعَ سَمْكَهَا} يعني طُولَها مَسِيرةَ خمسمائة عامٍ بلا عَمَدٍ {فَسَوَّاهَا (28)} يعني: فَسَوَّى خَلْقَها، فلا ترى فيها فَطْرًا ولا وَهْنًا {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} جعله مظلمًا، والغَطَشُ: الظُّلْمةُ، وَرَجُلٌ أغْطَشُ أي: أعْمَى {وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29)} يعني: أبْرَزَ شَمْسَها وَأظْهَرَ نهارها، وإنَّما أضافهما إلَى السماء لأن الظلمة والنور كلاهما يَنْزِلُ من السماء.
{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30)} يعني: بَعْدَ خَلْقِ السماء بَسَطَها، مأخوذ من الدَّحْوِ وهو البَسْطُ والمَدُّ، يقال: دَحا يَدْحُو دَحْوًا، وَدَحَى يَدْحَى دَحْيًا لغتان
(1)
، فمن قال: يَدْحُو قال: دَحَوْتُ، ومن قال: يَدْحَى قال: دَحَيْتُ، قرأ العامة:{وَالْأَرْضَ} بالنصب على تقدير: دَحا الأرْضَ دَحاها، وقرأ الحسن بالرفع
(2)
على الابتداء، وكلا الوجهين شائعان
(3)
، ومعناهما البَسْطُ والمَدُّ.
قال ابن عباس وعبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنهما: خَلَقَ اللَّهُ الكَعْبةَ، وَوَضَعَها على الماءِ على أرْبَعةِ أرْكانٍ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ الدنيا بِألْفَيْ عامٍ، ثم دَحا الأرْضَ مِنْ تَحْتِ البَيْتِ
(4)
.
(1)
قال أبو عبيدة: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} بَسَطَها، يقول: دَحَوْتُ وَدَحَيْتُ". مجاز القرآن 2/ 285، وقال ابن دريد: "والدَّحْوُ مصدر دَحا يَدْحُو دَحْوًا: إذا دَحا به على وجه الأرض، وقالوا: دَحا يَدْحَى دَحْيا، وليس بالثَبْت، وقال مَرّةً أُخرى: دَحا يَدْحِي دَحْيًا". جمهرة اللغة 1/ 506، وينظر أيضًا: الاشتقاق لابن دريد ص 77، 78، 511، 541، إعراب القرآن 5/ 146، وقال الأزهري: "قال شَمِرٌ: قال ابنُ الأعرابِيِّ يقال: هو يَدْحُو الحَجَرَ بِيَدِهِ، وقد دَحا به يَدْحُو دَحْوًا، ودَحَى يَدْحِي دَحْيًا". تهذيب اللغة 5/ 191.
(2)
قرأ الحَسَنُ وأبو حَيْوةَ وعمرو بن عُبَيْدٍ وابنُ أبِي عَبْلةَ وأبو السَّمّالِ وعمرو بن ميمون وعيسى بن عمر: "والأرْضُ" بالرفع، ينظر: تفسير القرطبي 19/ 205، 206، البحر المحيط 8/ 415.
(3)
يعني اللغتين: دَحا يَدْحُو ودَحَى يَدْحَى.
(4)
ينظر: جامع البيان 1/ 762، عين المعانِي ورقة 142/ أ، تفسير القرطبي 19/ 205، تفسير ابن كثير 1/ 184، الدر المنثور 1/ 127.
وقيل
(1)
: معناه: والأرْضَ مَعَ ذلك دَحاها، و {بَعدَ} بمعنى "مَعَ"، كما يقال للرجل: أنْتَ أحْمَقُ، وَأنْتَ بَعْدَ هَذا لَئِيمٌ، أي: مع ذلك، قال اللَّه تعالَى:{عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ}
(2)
؛ أي: مَعَ ذَلِكَ، قال الشاعر:
468 -
فَقُلْتُ لَها: عَنِّي إلَيْكِ فَإنَّنِي
…
حَرامٌ، وَإنِّي بَعْدَ ذاكَ لَبِيبُ
(3)
(1)
قاله مجاهد والسدي وأبو عبيدة وابن قتيبة، ينظر: مجاز القرآن 1/ 14، تأويل مشكل القرآن ص 68، جامع البيان 30/ 58، 59، إعراب القرآن 5/ 145، 146، وينظر: الصاحبي ص 213. وقال الأزهري: "وأمّا قول اللَّه تعالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}، فإن السائل يسأل عنه فيقول: كيف قال: "بَعْدَ ذَلِك" والأرض أُنْشِئَ خَلْقُها قَبْلَ السماء؟ والدليل على ذلك قولُ اللَّه تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فىِ يَومَينِ}، فلمّا فَرَغَ من ذِكْرِ الأرض وما خلق فيها قال اللَّه {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}: و {ثُمَّ} لا يكون إلا بعد الأول الذي ذُكر قبله، ولم يختلف المفسرون أن خلق الأرض سبق خلق السماء. والجواب فيما سأل عنه السائل أن الدَّحْوَ غَيْرُ الخَلْقِ، وإنما هو البَسْطُ، والخَلْقُ هو الإنشاء الأوَّل، فاللَّه عز وجل خلق الأرض أوَّلًا غَيْرُ مَدْحُوّةٍ، ثم خلق السماء، ثم دَحا الأرْضَ؛ أي بَسَطَها، والآيات فيها مؤتلفة، ولا تناقض بحمد اللَّه فيهما عند من يفهمها، وإنما أُتِيَ المُلْحِدُ الطّاعِنُ فيما شاكَلَها من الآيات من جهة غباوته وغلظ فهمه، وقلّة عِلْمِهِ بكلام العرب". تهذيب اللغة 2/ 243، وما قاله الأزهري هو مذهب عمرو بن العاص كما ذكر ابن الجوزي في زاد المسير 9/ 23.
(2)
القلم 13.
(3)
البيت من الطويل، لِلْمُضَرَّبِ بن كعب بن زهير، وَنُسِبَ لِلْمُخَبَّلِ السَّعْدِيِّ، وهو في ديوانه، وروايته فيه:"فَقُلْتُ لَها: فِيئِي".
اللغة: فِيئي: ارْجِعِي، حَرامٌ: مُحْرِمٌ؛ أي: دخلتُ الحَرَمَ، لَبيبٌ هنا: مُلَبٍّ بِالحَجِّ، وقيل: معناه: عاقل ذو لُبٍّ.
التخريج: ديوان المُخَبَّلِ السَّعْدِيِّ ص 291 (ضمن شعراء مقلون)، مجاز القرآن 1/ 145، 2/ 300، أدب الكاتب ص 555، معانِي القرآن وإعرابه 1/ 142، جمهرة اللغة ص 521، 1252، الأضداد لابن الأنباري ص 110، كتاب الشعر ص 3، الصحاح ص 217، مقاييس اللغة 5/ 199، المخصص 14/ 69، الاقتضاب 3/ 433، أمالِيُّ ابن الشجري =
يعني: مع ذلك، ودليل هذا التأويل قراءة مجاهد:"والأرْضَ مَعَ ذَلِكَ دَحاها"
(1)
، وقيل
(2)
: {بَعْدَ} بمعنى "قَبْلَ"، كقوله تعالى:{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ}
(3)
؛ أي: مِنْ قَبْلِ الذِّكْرِ، وهو القرآن.
قوله: {أَخْرَجَ مِنْهَا} يعني: من الأرض {مَاءَهَا وَمَرعَاهَا (31)} فَخَرَقَتْها الأنْهارُ والعُيُونُ والبِحارُ، وَأظْهَرَ فيها ما يأكل الناسُ والأنعامُ، {وَالجِبَالَ أَرْسَاهَا (32)} قرأه العامة بالنصب على تقدير: أرْسَى الجِبالَ أرْساها، وقرأ عمرو ابن عبيد بالرفع
(4)
على الابتداء {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33)} ؛ أي: خَلَقَ ذلك مَنْفَعةً لكم ولأنعامكم، وهو منصوب على المصدر
(5)
، وإن شئتَ على الحال
(6)
،
= 1/ 251، شمس العلوم 1/ 565، 9/ 5965، التبيان للطوسي 3/ 417، مجمع البيان 3/ 259، عين المعانِي ورقة 142/ أ، القرطبي 6/ 36، 19/ 205، اللسان: لبب، اللباب فِي علوم الكتاب 20/ 144، التاج: لبب.
(1)
وهذه قراءة الأعمش أيضًا، ينظر: المحتسب 2/ 351.
(2)
قاله ابن السكيت وابنُ الأنباري وأبو الطيب اللغوي، وهذا اللفظ عندهم من الأضداد، ينظر: الأضداد لابن السكيت ص 238، الأضداد لابن الأنباري ص 108، الأضداد لأبِي الطيب 1/ 83.
(3)
الأنبياء 105.
(4)
قرأ عمرو بن عبيد والحَسَنُ وأبو حَيْوةَ وابن أبِي عَبْلةَ وأبو السَّمّالِ وعمرو بن ميمون ونصر ابن عاصم: "والْجِبالُ" بالرفع، ينظر: تفسير القرطبي 19/ 206، البحر المحيط 8/ 415.
(5)
قال الزجاج: "لأن معنى {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا}: أمْتَعَ بِذَلِكَ". معانِي القرآن وإعرابه 5/ 281، وقاله النحاس في عدة مواضع من إعراب القرآن 1/ 319، 323، 2/ 41 - 42، وينظر: مشكل إعراب القرآن 2/ 456، الفريد للهمدانِيِّ 4/ 622.
(6)
قال الفراء: "خَلَقَ ذلك مَنْفَعةً لكم وَمُتْعةً لكم". معاني القرآن 3/ 233، وأجازه النحاس في الآية رقم 236 من سورة البقرة في إعراب القرآن 1/ 319، وينظر: الفريد للهمدانِيِّ 4/ 622.
قال الفَرّاءُ
(1)
: ويجوز الرفع مثل قوله: {مَتَاعٌ قَلِيلٌ}
(2)
.
قوله: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34)} يعني النفخة الثانية التي فيها البعث، والطّامّةُ: القيامة سُمِّيَتْ طامّةً لأنها تَطِمُّ على كل شيء، فَتَغْمُرُهُ لِعِظَمِ هَوْلِها
(3)
، ومن هذا يُقالُ:"فَوْقَ كُلِّ طامّةٍ طامّةٌ"
(4)
، والطّامّةُ عند العرب: الدّاهِيةُ التي لا تُسْتَطاعُ، وإنما أُخِذَ من قولهم: طَمَّ الفَرَسُ طَمًّا: إذا اسْتَفْرَغَ جُهْدَهُ فِي الجَرْيِ
(5)
.
ثم أعْلَمَ عِبادَهُ مَتَى ذلك، فقال تعالى:{يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35)} أي: ما عَمِلَ من خير وشر {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36)} قال مقاتل
(6)
: يُكْشَفُ عنها الغِطاءُ فَيَنْظُرُ إليها الخَلْقُ.
(1)
قال الفراء: "ولو كانت: "مَتاعٌ لَكُم" كان صوابًا، مثلما قالوا: "لَم يَلْبَثُواْ إلَّا ساعةً مِنْ نَهارٍ بَلَاغٌ"، وكما قال: "مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ ألِيمٌ"، وهو على الاستئناف، يُضْمَرُ له ما يرفعه". معانِي القرآن 3/ 233. وقد قرأ ابنُ أبِي عَبْلةَ: "مَتاعٌ لَكُمْ" بالرفع، ينظر: شواذ القراءة للكرمانِيِّ ورقة 259.
(2)
آل عمران 197، والنحل 117.
(3)
قاله ابن عباس والضحاك والفراء، ينظر: معانِي القرآن للفراء 3/ 234، جامع البيان 30/ 61، تهذيب اللغة 13/ 306، الكشف والبيان 10/ 128، تفسير القرطبي 19/ 206.
(4)
هذا مَثَلٌ، وهو من كلامٍ لأبِي بكر الصديق، رضي الله عنه، ينظر: الكامل للمبرد 1/ 9، ديوان الأدب للفارابِيِّ 3/ 60، تهذيب اللغة 13/ 306، الصحاح: طمم 5/ 1976، تاريخ دمشق 17/ 298، مجمع الأمثال 2/ 472، شرح نهج البلاغة لابن أبِي الحديد 4/ 127، الأنساب 1/ 37.
(5)
قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 206/ أ، وقال ابن دريد:"طَمُّ الفَرَسُ طَميمًا، إذا عَدا عَدْوًا سَهْلًا". جمهرة اللغة 1/ 151، وقال الأزهري:"ثَعْلَبٌ عن ابن الأعرابِيِّ: الطَّمِيمُ: الفَرَسُ المُسْرِعُ. ويُقالُ لِلْفَرَسِ الجَوادِ: طِمٌّ". تهذيب اللغة 13/ 306 - 307.
(6)
ينظر قوله في الوسيط للواحدي 4/ 421، زاد المسير 9/ 24.
ثم ذَكَرَ مأوى الفريقين، فقال:{فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37)} يريد: في كُفْرِه، ومحل {مَنْ} رفع بالابتداء {وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38)} على الآخرة {فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ}؛ أي: وُقُوفَهُ بين يديه {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40)} يريد: عن المحارم التي تشتهيها {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)} .
{يَسْأَلُونَكَ} يعني كفار مكة {عَنِ السَّاعَةِ} عن القيامة {أَيَّانَ} نصب على الظرف {مُرْسَاهَا (42)} رفع خبر الظرف؛ أي: متى قيامُها، وليس قيام الساعة كَقِيامِ الإنسان، إنما هو ثَباتُها وَظُهُورُها كما يُقال: قامَ العَدْلُ؛ أي: ظَهَرَ وَثَبَتَ
(1)
.
{فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43)} ؛ أي: لَسْتَ فِي شيء مِنْ عِلْمِها وذِكْرِها، إنما عِلْمُها عند اللَّه، وحُذفت ألف "ما" كما حذفت من {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}
(2)
وشِبْهِهِ، فهو مِثْلُهُ في العِلّةِ والحُكْمِ، وقد تقدم ذِكْرُهُ
(3)
.
وقوله: {إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44)} رَفْعٌ خبر {إِلَى} ؛ أي: مُنْتَهَى عِلْمِ الساعة، ولستَ مِنْ عِلْمِها في شَيْءٍ {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45)} قرأه العامة بالإضافة، وقرأ أبو جعفر وابن محيصن:{مُنْذِرٌ}
(4)
مُنَوَّنًا، وَمِثْلَهُ رَوَى العَبّاسُ عن أبِي عمرو، وقال الفَرّاءُ
(5)
: التنوين وتركه في {مُنْذِرٌ} صوابٌ، كقوله: {بَالِغُ
(1)
قاله الفراء في معانِي القرآن 3/ 234، وحكاه عنه النحاس في إعراب القرآن 5/ 147، وقاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 207/ أ.
(2)
النبأ 1.
(3)
انظر: 2/ 22 من هذا الكتاب.
(4)
قرأ أبو عمرو في رواية عَبّاسٍ عنه، وأبو جعفر وابنُ مُحَيْصِنٍ والحَسَنُ وابن مِقْسَمٍ وعُمَرُ ابن عبد العزيز وشَيْبةُ وخالِدٌ الحَذّاءُ وابنُ هُرْمُزَ وعيسى بنُ عُمَرَ وطَلْحةُ:{مُنْذِرٌ} بالتنوين، وقرأ الباقون وأبو عمرو في غير رواية عَبّاسٍ بالإضافة، ينظر: السبعة ص 671، تفسير القرطبي 19/ 210، البحر المحيط 8/ 416، الإتحاف 2/ 587.
(5)
معانِي القرآن 3/ 234، وهذا معنى كلام الفراء لا نصه.
أَمْرِهِ} و"بالِغٌ أمْرَهُ"
(1)
و {مُوهِنُ كَيْدِ}
(2)
و"مُوهِنٌ كَيْدَ"، ومعنى الآية: إنما أنت مُخَوِّفُ مَنْ يَخافُ قِيامَها؛ أي: إنما يَنْفَعُ إنْذارُكَ مَنْ يَخافُها، فأما مَنْ لا يَخافُها لَمْ يَنْفَعْهُ الإنذارُ.
{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا} يعني الساعة {لَمْ يَلْبَثُوا} قيل: في الدنيا، وقيل: في قبورهم، وقيل: في موقف القيامة {إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)} قال الفَرّاءُ
(3)
: ليس لِلْعَشِيّةِ ضُحًى، إنما الضُّحَى لِصَدْرِ النهار، ولكن هذا ظاهرٌ من كلام العرب أنْ تقول: آتِيكَ العَشِيّةَ أو غَداتَها، إنما معناه: آخِرَ يَوْمٍ وَأوَّلَهُ، قال: وأنشدنِي بعض بني عُقَيْلٍ:
469 -
نَحْنُ صَبَحْنا عامِرًا فِي دارِها
جُرْدًا تَعادَى طَرَفَيْ نَهارِها
عَشِيّةَ الهِلالِ أوْ سِرارِها
(4)
(1)
الطلاق 3.
(2)
الأنفال 18، وقد قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم:{مُوهِنٌ} بالتنوين {كَيْدَ} بالنصب، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وأبو جعفر:{مُوَهِّنٌ} بالتنوين وتشديد الهاء، وقرأ الباقون، وحفصٌ عن عاصم بالإضافة، ينظر: السبعة ص 304، 305، إعراب القراءات السبع 2/ 222، 223، النشر 2/ 276.
(3)
معانِي القرآن 3/ 234، 235، والبيت الثانِي في هذا الرجز لَمْ ينشده الفراء.
(4)
الأبيات من الرجز المشطور، لبعض بني عقيل.
اللغة: صَبَحْنا عامِرًا: أتَيْناهُمْ صَباحًا، جُرْدًا؛ أيْ: بِخَيْلٍ جُرْدٍ وَهِيَ القَصِيرةُ الشَّعَرِ، السِّرارُ بفتح السين وكسرها، والفتح أفصح: آخِرُ الشَّهْرِ لَيْلةَ يَسْتَسِرُّ الهِلالُ؛ أيْ: يَخْتَفِي.
التخريج: معانِي القرآن للفراء 3/ 235، غريب الحديث للهروي 2/ 80، جامع البيان 30/ 63، تهذيب اللغة 4/ 265، 12/ 285، مقاييس اللغة 3/ 67، الكشف والبيان 15/ 129، زاد المسير 9/ 25، عين المعانِي ورقة 142/ أ، تفسير القرطبي 19/ 210، =