الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: "الجُلَّى" بالضم مع التشديد والقَصرِ على "فُعْلَى": هو الأمر العظيم، وجمعه جُلَلٌ
(1)
.
وتأويل الآية: يَوْمَ يَشْتَدُّ الأمْرُ كما يَشْتَدُّ بمَنْ يَحْتاجُ فيه إلَى أنْ يَكْشِفَ عن ساقٍ {وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ} يعني الكفار والمَنافقين {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42)} قال المفسرون
(2)
: يَسْجُدُ الخَلْقُ كُلُّهُمْ للَّه سَجْدةً واحدةً، ويَبْقَى الكفار والمنافقون يريدون أن يسجدوا فلا يستطيعون، لأن أصْلابَهُمْ تَيْبَسُ فلا تَلِينُ لِلسُّجُودِ.
فصل
عن أبِي سعيد الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "يَكْشِفُ رَبُّنا عن ساقه
(3)
، فَيَسْجُدُ له كُلُّ مُؤْمِنٍ ومُؤْمِنةٍ، ويَبْقَى كُلُّ مَنْ كانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيا رِياءً وَسُمْعةً فَيَذْهَبُ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا واحِدًا"
(4)
.
وعن أبِي بُرْدةَ
(5)
رضي الله عنه عن أبيه أنه سَمِعَ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(1)
قاله ابن قتيبة في أدب الكاتب ص 84، وقال ابن الأنباري:"والجَلَّاءُ: الخَصْلةُ الجليلة العظيمة، إذا فُتِحَ جيمُها مُدَّتْ، وإذا ضُمَّتْ قُصِرَتْ". الزاهر 2/ 153، وقال أبو عَلِيٍّ القالِي:"والجَلَّاءُ بفتح الجيم ممدود: الأمْرُ العظيم مثل الجُلَّى". المقصور والممدود ص 412، وينظر: الصحاح 6/ 2303.
(2)
حكاه الواحدي في الوسيط 4/ 340.
(3)
في الأصل: "يكشف ربنا الدنيا عن ساق".
(4)
رواه البخاري في صحيحه 6/ 72 كتاب تفسير القرآن: سورة {ن وَالْقَلَمِ} ، 8/ 182 كتاب التوحيد: باب قول اللَّه تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ، وينظر: الدر المنثور 6/ 254.
(5)
هو عامر، وقيل: الحارث بن أبي موسى الأشعري، تابعِيٌّ ثِقةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ، كان قاضي الكوفة، رَوَى عن أبيه وعن عَلِيٍّ وعائشة وغيرهم، توفِّي سنة (103 هـ)، وقيل:(104 هـ). [تهذيب الكمال 33/ 66 - 71، الأعلام 3/ 253].
يقول: "إذا كان يَوْمُ القيامة مُثِّلَ لِكُلِّ قَوْمٍ ما كانوا يعبدون في الدنيا، ويَبْقَى أهْلُ التوحيد، فَيُقالُ لهم: ما تَنْتَظِرُونَ وقد ذَهَبَ الناسُ؟، فيقولون: إنَّ لَنا رَبًّا كُنّا نَعْبُدُهُ فِي الدنيا لَمْ نَرَهُ، فيقال لهم: أوَتَعْرِفُونَهُ إذا رَأيْتُمُوهُ؟ فيقولون: نَعَمْ، فَيُقالُ لَهُمْ: كَيْفَ تَعْرِفُونَهُ وَلَمْ تَرَوْهُ؟، قالوا: إنه لا شَبِيهَ لَهُ، فَيُكْشَفُ لَهُمْ عن الحِجابِ، فينظرون إلى اللَّه عز وجل، فَيَخِرُّونَ له سُجَّدًا، ويَبْقَى أقْوامٌ ظُهُورُهُمْ مِثْلُ صَياصِي البَقَرِ، يريدون السجودَ فلا يستطيعون، وذلك قوله عز وجل: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ}، فيقول اللَّه عز وجل: عِبادِي: ارْفَعُوا رُؤوسَكُمْ، فَقَدْ جَعَلْتُ بَدَلَ كُلِّ رَجُلٍ منكم رَجُلًا من اليَهُودِ والنَّصارَى فِي النّارِ"
(1)
.
وقوله: {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ} يعني: ذليلةً خاضعةً حين أيْقَنُوا بالعذاب، وعايَنُوا النّارَ، وهو نصب على الحال، و {أَبْصَارُهُمْ} رفع بفعله، ويجوز رفعهما جميعًا على الابتداء والخبر
(2)
.
وقوله: {تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} ؛ أي: تَغْشاهُمْ نَدامةٌ وحَسْرةٌ {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ} يعني: بالأذانِ في دار الدنيا والإقامةِ، ويُؤْمَرُونَ بالصلاة المكتوبة {وَهُمْ سَالِمُونَ (43)} مُعافَوْنَ، ليس في أصْلَابِهِمْ مِثْلُ سَفافِيدِ الحَدِيدِ.
قوله تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} "إنْ" عند الكوفيين بمعنى "ما"، واللام بمعنى "إلّا"، تقديره: وما يكاد الذين كفروا إلّا لَيُزْلِقُونَكَ، و"إنْ" عند البصريين مخففة من الثقيلة، واسمها مضمر معها، واللّام لام
(1)
ينظر: الوسيط 4/ 340، 341، تاريخ دمشق 43/ 334، عين المعانِي ورقة 136/ ب، تفسير القرطبي 18/ 249، الدر المنثور 6/ 292.
(2)
وهذا في غير القرآن، وهذا قول النحاس في إعراب القرآن 5/ 15، وينظر: الفريد 4/ 511.
التأكيد لَزِمَتْ هذا النوعَ لِئَلّا تُشْبِهَ "إنْ" الَّتِي بمعنى "ما"
(1)
، وقال ثعلب
(2)
: "إنْ" هاهُنا بِمَعْنَى "قَدْ".
قرأ أهل المدينة: {لَيُزْلِقُونَكَ} بفتح الياء، وقرأ غيرهم بِضَمِّهِ، وهما لغتان
(3)
، وقراءة العامّةِ أكْثَرُ وأوْسَعُ، يقال: زَلَقَهُ يَزْلِقُهُ زَلَقًا، وأزْلَقَهُ يُزْلِقُهُ إزْلَاقًا، بمعنًى واحدٍ، ويقال: زَلِقَ من مكانه وأزْلَقْتُهُ أنا، وزَلِقَ هو وزَلَّقْتُهُ مثل: حَزِنَ وحَزَّنْتُهُ.
واختلفوا في تأويله، فقيل
(4)
: معناه: يُنْفِذُونَكَ يا محمدُ بأبصارهم، يقال: زَهِقَ السَّهْمُ وَزَلِقَ: إذا نَفَذَ، وقيل
(5)
: يَصْرِفُونَكَ عَمّا أنت عليه من تبليغ الرسالة، وقيل
(6)
: يَعِينُونَكَ، وقيل: يُصِيبُونَكَ بِعُيُونهِمْ، وقيل
(7)
: يَرْمُونَكَ، وقيل
(8)
:
(1)
سبق التعرض لهذه المسألة في عدة مواضع، ينظر ينظر مثلًا: 2/ 230، 288، وينظر أيضًا: إعراب القرآن للنحاس 5/ 18، مشكل إعراب القرآن 2/ 400.
(2)
ينظر قوله في شفاء الصدور ورقة 157/ ب، تهذيب اللغة 15/ 568، اللسان: أنن.
(3)
قرأ نافع وحده: {لَيَزْلِقُونَكَ} بفتح الياء، وقرأ الباقون بضمها، ينظر: السبعة ص 647، معانِي القراءات 3/ 84، الحجة للفارسي 4/ 58.
(4)
قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك، ينظر قولهم في: جامع البيان 29/ 56، 57، الكشف والبيان 10/ 23.
(5)
قاله الكلبي، ينظر: الكشف والبيان 10/ 23.
(6)
هذا القول والقول الذي يليه معناهما واحد، وقد قاله الفراء في معانِي القرآن 3/ 179، وحكاه ابن قتيبة عنه في غريب القرآن ص 482، وحكاه الثعلبي عن السُّدِّيِّ والنضرِ بنِ شُمَيْلٍ والأخفشِ في الكشف والبيان 10/ 24.
(7)
هذا القول ذكره الفراء بغير عزو في معانِي القرآن 3/ 179.
(8)
قاله السجستانِيُّ في غريب القرآن ص 161، وقال الفراء:"والعرب تقول للذي يَحْلِقُ الرأس: قد زَلَقَهُ وأزْلقهُ". معانِي القرآن 3/ 179، وينظر: تهذيب اللغة 8/ 432.
يَسْتَأْصِلُونَكَ، من قولهم: زَلَقَ رَأْسَهُ وأزْلَقَهُ: إذا حَلَقَهُ، وقيل
(1)
: معناه: لَيَقْتُلُونَكَ، وهذا كما يُقالُ: صَرَعَنِي بِطَرفِهِ، وقَتَلَنِى بِعَيْنِهِ، قال الشاعر:
387 -
تَرْمِيكَ مُزْلِقةُ العُيُونِ بِطَرْفِها
…
وَتَكِلُّ عَنْكَ نِصالُ نَبْلِ الرّامِي
(2)
وقال آخر:
388 -
يَتَقارَضُونَ إذا التَقَوْا فِي مَوْطِنٍ
…
نَظَرًا يُزِيلُ مَواطِئَ الأقْدامِ
(3)
وهذا مُسْتَعْمَلٌ فِي الكلام، يقول القائل: نَظَرَ إلَيَّ نَظَرًا يكاد يَصْرَعُنِي، ونَظَرًا يَكادُ يَأْكُلُنِي
(4)
.
(1)
قاله الحسن وابن قتيبة، ينظر: غريب القرآن لابن قتيبة ص 482، تهذيب اللغة 8/ 432، الكشف والبيان 10/ 24، زاد المسير 8/ 344.
(2)
البيت من الكامل، لَمْ أقف على قائله.
التخريج: الكشف والبيان 10/ 24، عين المعانِي ورقة 136/ ب، تفسير القرطبي 18/ 256.
(3)
البيت من الكامل، لَمْ أقف على قائله.
اللغة: المُقارَضةُ تكون في العمل السَّيِّئ والقَوْلِ السَّيئِّ يَقْصِدُ به الإنسانُ صاحِبَهُ، والمراد هنا تَلَاحُظَ الأعداءِ.
التخريج: البيان والتبيين 1/ 11، تأويل مشكل القرآن ص 171، غريب القرآن لابن قتيبة ص 482، المعانِى الكبير ص 845، 1129، المُحَبُّ والمحبوب 1/ 112، تهذيب اللغة 8/ 342، 432، معانِي القراءات 3/ 85، الحجة للفارسي 4/ 58، مقاييس اللغة 3/ 21، الصناعتين ص 357، الوسيط 4/ 342، الكشاف 4/ 148، المحرر الوجيز 5/ 354، عين المعانِي ورقة 136/ ب، القرطبي 18/ 256، التذكرة الحمدونية 4/ 71، محاضرات الأدباء 1/ 73، اللسان: زلق، قرض، البحر المحيط 8/ 311، التاج: قرض، زلق.
(4)
قاله ابن قتيبة والزجاج، ينظر: غريب القرآن لابن قتيبة ص 482، معانِي القرآن وإعرابه 5/ 212، وينظر أيضًا: تهذيب اللغة 8/ 432.