الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِرَحْمةِ رَبِّها مُنْتَظِرةٌ، وقال الشاعر:
435 -
إنِّي إلَيْكِ لِما وَعَدْتِ لَناظِرٌ
…
نَظَرَ الفَقِيرِ إلَى الغَنِيِّ المُوسِرِ
(1)
وقيل: معنى {نَاظِرَةٌ} في الآية من نَظَرِ العَيْنِ؛ أي: تَنْظُرُ إلَى ثواب اللَّه تعالى، تَلْتَذُّ بذلك، وقيل: ناظرة إلَى اللَّه مُشاهِدةٌ له. قال
(2)
: وذلك لا يَصِحُّ لأن النظر لا يقع إلا عن مقابلة إلَى عَيْنٍ، واللَّه تعالى مُتَعالٍ عن ذلك، ويقال: انْظُرْ إلَيَّ نَظَرَ اللَّهُ إلَيْكَ؛ أي: ارْحَمْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ، ومنه قوله تعالى:{وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ}
(3)
، ويقال: نَظَرَ الدَّهْرُ إلَى القَوْمِ: إذا هَلَكُوا، ويقولون: إذا نَظَرَ إلَيْكَ الجَبَلُ؛ أي: ظَهَرَ لَكَ".
هكذا ذَكَرَهُ
(4)
، وهذا مخالف لِمَذْهَبِ أهْلِ السُّنّةِ والجماعة، وقوله:{إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ؛ أي: هَذِهِ ناظِرةٌ، يعني: تَنْظُرُ إلَى رَبِّها عِيانًا بلا حَدٍّ وَلَا كَيْفِيّةٍ وَلا مُلَامَسةٍ، كما نَطَقَ القُرْآنُ، وَتَواتَرَتْ به الأخْبارُ والآثارُ عن النبي صلى اللَّه عليه وعلى آله المصطفين الأخيار.
فصل
عن ابن عُمَرَ رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أدْنَى أهْلِ الجَنّةِ مَنْزِلةً لَمَنْ يَنْظُرُ إلَى جِنانِهِ وَأزْواجِهِ وَسُرُرِهِ وَنَعِيمِهِ مَسِيرةَ ألْفِ عامٍ، وإنَّ
(1)
البيت من الكامل، لجميل بثينة يعاتبها، ورواية ديوانه:"بما وَعَدْتِ. . . الغَنِيِّ المُكْثِرِ".
التخريج: ديوانه ص 424، الأغانِي 7/ 83، معجم الأدباء 12/ 58، تفسير القرطبي 19/ 109.
(2)
يعني صاحب ضياء الحلوم.
(3)
آل عمران 77.
(4)
يعني صاحب ضياء الحلوم.
أكْرَمَهُمْ عَلَى اللَّه تعالى لَمَنْ يَنْظُرُ إلَى وَجْهِهِ تبارك وتعالى غُدْوةً وَعَشِيّةً"، ثم قرأ:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}
(1)
.
وعن جابِرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يَتَجَلَّى لَنا رَبُّنا عز وجل حَتَّى نَنْظُرَ إلَى وَجْهِهِ، فَيَخِرُّونَ للَّه سُجَّدًا، فيقول: ارْفَعُوا رُؤوسَكُمْ، فَلَيْسَ هذا بِيَوْمِ عِبادةٍ"
(2)
.
وعن صُهَيْبٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنّةِ الجَنّةَ يَقُولُ اللَّهُ تعالى: تُرِيدُونَ شيئًا أزِيدُكُمْ؟ فيقولون: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنا؟ ألَمْ تُدْخِلْنا الجَنّةَ وَتُنْجِنا مِنَ النّارِ؟ قال: فَيَكْشِفُ الحِجابَ، فما أُعْطُوا شيئًا أحَبَّ إلَيْهِمْ من النَّظَرِ إلَى رَبِّهِمْ"
(3)
.
وَرَوَى الحَسَنُ عن عَمّارِ بن ياسر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ النَّظَرَ إلَى وَجْهِكَ، والشَّوْقَ إلَى لِقائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرّاءَ مُضرّةٍ، وَلَا فِتْنةٍ مُضِلّةٍ"
(4)
.
(1)
رواه الإمام أحمد في المسند 2/ 64، والترمذي في سننه 4/ 93 أبواب صفة الجنة: باب ما جاء في رؤية الرب تعالى، 5/ 103 أبواب تفسير القرآن: سورة القيامة، وينظر: مسند أبي يعلى 10/ 77، الوسيط 4/ 394.
(2)
ينظر: الكشف والبيان 10/ 88، تفسير القرطبي 19/ 109، الدر المنثور 6/ 292.
(3)
رواه الإمام أحمد في المسند 4/ 332 - 333، 6/ 15، ومسلم في صحيحه 1/ 112 كتاب الإيمان: باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم، والترمذي في سننه 4/ 92 أبواب صفة الجنة: باب ما جاء في رؤية الرب تعالى، 4/ 349 أبواب تفسير القرآن: سورة يونس، والطبراني في المعجم الأوسط 1/ 230، والمعجم الكبير 8/ 39 - 40.
(4)
هذا جزء من حديث رُوِيَ عن زيد بن ثابت أيضًا، رواه الإمام أحمد في المسند 4/ 264، 5/ 191، والنسائي في سننه 3/ 55 كتاب السهو: باب الدعاء بعد الذكر، والطبرانِيُّ في المعجم الأوسط 6/ 165، والمعجم الكبير 5/ 119، 157، 10/ 57.
قوله: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24)} يعنِي: كالِحةٌ عابِسةٌ كَئِيبةٌ مُتَغَيِّرةٌ مُسْوَدّةٌ مُغْبَرّةٌ {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)} ؛ أي: داهية، والفاقِرةُ: الداهية العظيمة والأمر الشديد، وأصلها من الفِقْرةِ والفَقارةِ وهما شيء واحد، وَسُمِّيَتْ فاقِرةً لأنها تَكْسِرُ فَقارَ الظَّهْرِ
(1)
.
فمن قال: فَقارةٌ فَجَمْعُها فَقارٌ، ومن قال: فِقْرةٌ فَجَمْعُها فِقَرٌ
(2)
، فكأن {فَاقِرَةٌ}: داهِيةٌ تقطع فَقارَ ظَهْرِهِ، وهو خَرَزةُ الصُّلْبِ
(3)
، واحدها فَقارةٌ، تقول: فَقَرْتُ الرَّجُلَ: إذا كَسَرْتَ فَقارَهُ، كما تقول: رَأسْتُهُ: إذا ضَرَبْتَ رَأْسَهُ
(4)
.
قوله: {كَلَّا} ؛ أي: لا يُؤْمِنُ الكافرُ بهذا {إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26)} يعني: إذا بلغت النَّفْسُ أو الرُّوحُ الحُلْقُومَ، كناية عن غير مذكور، والتَّراقِي جمع تَرْقُوةٍ، وهي عَظْمُ وَصْلٍ بين ثُغْرةِ النَّحْرِ والعاتق
(5)
، ويُكَنَّى بِبُلُوغِ التَّراقِي عن الإشْفاءِ على الموت.
(1)
قال ابن قتيبة: "ويقولون: عَمِلَ به الفاقِرةَ، وهي الداهية، يُرادُ أئها فاقِرة لِلطهْرِ، أي: كاسِرةٌ لفَقاره، يقال: فَقَرَتْهُمُ الفاقِرةُ، ورَجُلٌ فَقِر وفقيرٌ أي: مكسور الفَقار". أدب الكاتب ص 45، وينظر: شفاء الصدور ورقة 185/ أ، الصحاح 2/ 782، الوسيط 4/ 395، عين المعانِي ورقة 140/ أ.
(2)
قاله ابنُ السِّكِّيتِ في إصلاح المنطق ص 162، والنقاشُ في شفاء الصدور ورقة 185/ أ، وحكاه الأزهريُّ عن ابن الأعرابي في التهذيب 9/ 114، وينظر: الصحاح 2/ 782.
(3)
خَرَزةُ الظَّهْرِ: الفِقْرة من فِقْراتِهِ، والجمع خَرَزٌ، قاله الأزهري في تهذيب اللغة 9/ 114، وينظر: اللسان: خرز.
(4)
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن ص 500، وثعلبٌ في مجالسه ص 268، وينظر: غريب القرآن للسجستانِيِّ ص 168، تهذيب اللغة 9/ 116.
(5)
قاله الخليل في العين 5/ 126، وحكاه الأزهري عن الليث في تهذيب اللغة 9/ 54، وينظر: الصحاح 4/ 1453.