الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
عن ابن عُمَرَ رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "واللَّهِ لا يَخْرُجُ من النار مَنْ دَخَلَها حتى يَمْكُثَ فيها أحْقابًا، والحُقْبُ بِضْعٌ وثمانون سنةً، والسَّنة ثلاثمائة وستون يومًا، كل يوم كألف سنة مما تَعُدُّونَ، فلا يَتَّكِلْ أحَدٌ على أن يخرج من النار، فلو عَلِمَ أهْلُ النار أنَّهُمْ يَلْبَثُونَ في النار عَدَدَ حَصَى الدنيا لَفَرِحُوا، ولو عَلِمَ أهْلُ الجنة أنهم يَلْبَثُونَ في الجنة عَدَدَ حَصَى الدنيا لَحَزِنُوا"
(1)
.
ثم قال تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا} يعني: في جهنم، وقيل: في تلك الأحقاب {بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24)} يعني رَوْحًا يَنْفَعُهُمْ مِنْ حَرِّها، ولا شَرابًا بارِدًا يَنْفَعُهُمْ مِنْ عَطَشِها، وقال ابن عباس
(2)
: يريد النَّوْمَ والماءَ، وكذلك قال ثَعْلَبٌ
(3)
: البَرْدُ هاهنا: النَّوْمُ، ومن أمثال العرب: مَنَعَ البَرْدُ البَرْدَ، يعني النَّوْمَ؛ أي: أصابني من البَرْدِ ما منعني من النوم، وإنما فُسِّرَ البَرْدُ بالنَّوْمِ لأن الإنسان إذا نامَ بَرَدَ فِي النَّوْمِ. قال الشاعر:
460 -
فَإِنْ شِئْتِ حَرَّمْتُ النِّساءَ سِواكُمُ
…
وَإِنْ شِئْتِ لَمْ أطْعَمْ نُقاخًا وَلا بَرْدا
(4)
يعني نومًا.
(1)
ينظر: الكشف والبيان 10/ 116، الوسيط 4/ 414.
(2)
ينظر قوله في الوسيط 4/ 414، تفسير القرطبي 19/ 180، وقال نَشْوانُ الحِمْيَرِيُّ:"وعن ابن عباس: أيُّ بَرْدٍ شَرابٌ". شمس العلوم 1/ 472.
(3)
قول ثعلب حكاه عنه ابن الأنباري في الأضداد ص 64، والزاهر 1/ 197، وحكاه النقاش في شفاء الصدور ورقة 202/ أ.
(4)
البيت من الطويل، لِلْعَرْجِيِّ، ورواية ديوانه:"أحْرَمْتُ النِّساءَ. . . "، ونُسِبَ لعُمَرَ بن أبِي رَبِيعةَ، ونُسِبَ للحارث بن خالد المخزومي.
اللغة: النُّقاخُ: الماء البارد العذب الصافِي الخالص. =
ثم استثنى فقال تعالى: {إِلَّا حَمِيمًا} يعني ماءً حارًّا قد انتهى حَرُّهُ {وَغَسَّاقًا (25)} قد انتهى بَرْدُهُ، وهو الزَّمْهَرِيرُ، والغَسّاقُ: البَرْدُ الذي يَقْتُلُ
(1)
، والغَسّاقُ: ما سالَ من جُلُودِ الكفار في النار كالصديد
(2)
، يقال: غَسَقَتْ عَيْنُهُ؛ أي: سالَتْ.
وقال شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ
(3)
: الغَسّاقُ: وادٍ في النار، فيه ثلاثمائة وثلاثون شِعْبًا، في كل شعْبٍ ثلاثمائة وثلاثون بيتًا، في كل بيت أربع زَوايا، في كل زاوية شجاع كأعظم ما خَلَقَ اللَّهُ تعالى من الخَلْقِ، في رأس كل شجاع سُمٌّ -نعوذ باللَّه ونلوذ به من ذلك-، قرأ حَمْزةُ والكِسائِيُّ وحَفْصٌ:{غَسّاقًا} بالتشديد، وقرأه الباقون بالتخفيف
(4)
.
ثم قال: {جَزَاءً وِفَاقًا (26)} ؛ أي: وافَقَ جَزاءُ أعمالهم ذلك العذابَ وِفاقًا،
= التخريج: ديوان العَرْجِيِّ ص 206، ديوان عُمَرَ بن أبِي ربيعة 1/ 86، ديوان الحارث المخزومي ص 117، الزاهر لابن الأنباري 1/ 197، تهذيب اللغة 14/ 105، إعراب القراءات السبع 2/ 431، مقاييس اللغة 1/ 243 - ديوان الأدب 1/ 102، الكشف والبيان 10/ 117، الكشاف 4/ 209، شمس العلوم 1/ 472، زاد المسير 2/ 420، 9/ 8، تفسير القرطبي 180/ 19، اللسان: برد، نقخ، البحر المحيط 6/ 388، 8/ 405، الدر المصون 6/ 465، اللباب فِي علوم الكتاب 20/ 106، التاج: نقخ، برد.
(1)
قاله ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وأبو عمرو بن العلاء، ينظر: جامع البيان 30/ 18، شفاء الصدور ورقة 202/ أ، تهذيب اللغة 16/ 124 - 125.
(2)
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن ص 381، وحكاه الطبري عن عكرمة وأبِي رزين وقتادة في جامع البيان 30/ 17، 18، وحكاه النقاش عن أبِي عمرو في شفاء الصدور ورقة 202/ أ، وحكاه الأزهري عن ابن الأعرابِيِّ في تهذيب اللغة 16/ 128.
(3)
ينظر قوله في شفاء الصدور ورقة 202/ أ، الكشف والبيان 10/ 116.
(4)
وقرأ بالتشديد أيضًا: عاصمٌ في رواية المفضل عنه، وخَلَفٌ والأعمشُ، وقرأ الباقون، وأبو بكر عن عاصم بالتخفيف، ينظر: السبعة ص 555، 668، النشر 2/ 361، الإتحاف 2/ 423.
كما تقول: قاتَلَ فُلَانٌ قِتالًا، ذكره الأخفشُ
(1)
، وقال الفَرّاءُ
(2)
: هو جمع وِفْقٍ. واللِّفْقُ والوِفْقُ واحدٌ، وهما منصوبان على المصدر
(3)
، مجازه: جازَيْناهُمْ جَزاءً وِفاقًا وافَقَ أعْمالَهُمُ الخَبِيثةَ.
ثم أخبر عنهم فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27)} ؛ أي: لا يخافون الحساب، ولا يؤمنون بالبعث {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28)}؛ أي: كَذَّبُوا بالقرآن تَكْذِيبًا بما فيه من الأمر والنهي، و"فعّالٌ" من مصادر التَّفْعِيلِ، قال الفَرّاءُ
(4)
: وهي لغة فصيحة يَمانِيّةٌ، تقول: كَذَّبْتُ كِذّابًا، وَخَرَّقْتُ القَمِيصَ خِرّافًا. قيل: نزلت هذه الآية في الوليد بن المغيرة وأبي جهل بن هشام.
قوله: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29)} ؛ أي: بَيَّنّاهُ في اللَّوْحِ المحفوظ، نظيره قوله:{وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}
(5)
، و {كِتَابًا} توكيد لـ "أحْصَيْنا"، وهو منصوب على المصدر؛ لأن {أَحْصَيْنَاهُ} هو بمعنى: كَتَبْناهُ كِتابًا
(6)
، وقيل
(7)
: بِنَزْعِ الخافض؛ أي: فِي كتاب، وقيل
(8)
: على الحال، وقيل:
(1)
قال الأخفش: "يقول: وافَقَ أعْمالَهُمْ وِفاقًا، كما تقول: قاتَلَ قِتالًا". معاني القرآن ص 525.
(2)
الذي قاله الفراء: "وقوله تعالى: {جَزاءً وفاقًا} وِفْقًا لأعمالِهِمْ". معاني القرآن 3/ 229.
(3)
{جَزاءً} منصوب على المصدر، أما {وِفاقًا} فهو نعت لـ {جَزاءً} ، وليس منصوبا على المصدر، أي: جازَيْناهُمْ جَزاءً مُوافِقًا لأعمالهم، ينظر: إعراب القرآن 5/ 132.
(4)
معانِي القرآن 3/ 229.
(5)
يس 12.
(6)
قاله الزجاج والنحاس والنقاش، ينظر: معانِي القرآن وإعرابه 5/ 274، إعراب القرآن 5/ 134، شفاء الصدور ورقة 202/ ب، وينظر: مشكل إعراب القرآن 2/ 452.
(7)
قاله السجاوندي في عين المعانِي ورقة 141/ ب.
(8)
أي: أحْصَيْناهُ مَكْتُوبًا، قاله الزمخشري والعكبري، ينظر: الكشاف 4/ 210، التبيان للعكبري ص 1267، وينظر أيضًا: الفريد للهمداني 4/ 612، البحر المحيط 8/ 406.
على التفسير، و {كُلَّ شَيْءٍ} نصب بإضمار فعل تفسيره ما بعده تقديره: وَأحْصِى كُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْناهُ ـ {فَذُوقُوا} ؛ أي: ويُقالُ لهم: ذُوقُوا جَزاءَ أعمالكم {فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30)} .
ثم ذكر المتقين وثوابهم، فقال تعالى:{إنَّ لِلمُتَّقِينَ مَفَازًا (31)} ويعني: سعادة ونجاة من العذاب وَظَفَرًا بما يريدون، يقال: فازَ فُلَانٌ بالأمر: إذا ظَفِرَ به، ثم نعت مالهم من الكرامة فقال:{حَدَائِقَ} جمع حديقة {وَأَعْنَابًا} جمع عِنَبٍ، يعني: أشجار الجنة وثمارها، وقال طاهر بن أحمد
(1)
: {حَدَائِقَ} بدل من {مَفَازًا} ، وهو بَدَلُ نَكِرةٍ من نَكِرةٍ، قال: ومثله من الشعر:
461 -
وَكُنْتُ كَذِي رِجْلَيْنِ: رِجْلٍ صَحِيحةٍ
…
وَرِجْلٍ رَمَى فِيها الزَّمانُ فَشَلَّتِ
(2)
{وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33)} مُسْتَوِياتٍ في السِّنِّ، نَواهِدَ قد تَكَعَّبَتْ ثُدِيُّهُنَّ، واحدتها: كاعِبٌ قال بِشْرُ بنُ أبِي خازِمٍ
(3)
:
(1)
هذا النص في شرح المقدمة المُحْسبة لطاهر بن أحمد ص 425، ومثله في شرحه جمل الزجاجي 1/ 57، وأضاف أيضًا، في شرح الجمل:"وقد يجوز الرفعُ في "رِجْلٍ" على تقدير: مِنْهُما رِجْلٌ، أو إحْداهُما رِجْلٌ". شرح جمل الزجاجي لطاهر بن أحمد 1/ 60.
(2)
البيت من الطويل، لِكُثَيِّرِ عَزّةَ.
التخريج: ديونه ص 99، الكتاب 1/ 433، معاني القرآن للفراء 1/ 192، 3/ 246، مجاز القرآن 1/ 87، المقتضب 4/ 290، جامع البيان 3/ 264، 30/ 115، معانِي القرآن وإعرابه 1/ 381، الجمل للزجاجي ص 24، أمالِيُّ القالِي 2/ 108، البصائر والذخائر 2/ 221، أمالِيُّ المرتضى 1/ 46، أمالِيُّ المرزوقي ص 361، الحلل ص 26، تاريخ دمشق 69/ 211، شرح الجمل لطاهر بن أحمد 1/ 60، 2/ 100، شرح التسهيل لابن مالك 3/ 333، شرح الكافية للرضي 2/ 441، ارتشاف الضرب ص 1964، مغني اللبيب ص 614، خزانة الأدب 5/ 211، 218.
(3)
بِشْرُ بن أبِي خازِمٍ عَمْرِو بن عوف، أبو نوفل الأسديُّ، شاعر جاهليٌّ فحل من الشجعان، =
462 -
فَهُنَّ رُكُودٌ كالْكَواعِبِ حَوْلَهُ
…
لَهُنَّ صَرِيرٌ تَحْتَ ظَلْماءَ حِنْدِسِ
(1)
قوله: {وَكَأْسًا} ويعني: شَرابًا، وهو الخَمْرُ {دِهَاقًا (34)} مُتْرَعةً يعني: مَلْأى، وقيل: مُتَتابعةً، وقيل: صافِيةً {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا} يعني: في الجنة {لَغْوًا} يعني: باطلًا من الكلام {وَلَا كِذَّابًا (35)} ؛ أي: لا يَكْذِبُونَ على شَرابِهِمْ كما يَكْذِبُ أهْلُ الدُّنْيا إذا شَرِبُوا.
وقرأ الكِسائِيُّ: {كِذابًا}
(2)
بالتخفيف، قال الفَرّاءُ
(3)
: وهو حَسَنٌ، المعنى: لا يُكَذِّبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، قال أبو عبيدة
(4)
: الكِذابُ مخفف: مصدر المُكاذَبةِ. وقال أبو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ
(5)
: هو مصدر "كَذَبَ" كالكِتابِ في مصدر "كَتَبَ"، قال الأعشى:
= هَجا أوْسَ بن حارثة الطائيَّ بخمس قصائد، فلما وقع في أسْرِهِ مَدَحَهُ بخمس قصائد أخرى، قُتِلَ في غارة له على بني صَعْصَعةَ بن معاوية سنة 22 قبل الهجرة. [الشعر والشعراء ص 276، الأعلام 2/ 54].
(1)
البيت من الطويل، لبشر بن أبِي خازم، ورواية ديوانه:
بِتْنَ رُكُودًا كالْكَواكِبِ. . .
اللغة: الصَّرِيرُ: الصِّياحُ الشديد، حِنْدِسٌ: شديد الظلمة.
التخريج: ديوانه ص 103، عين المعانِي ورقة 141/ ب.
(2)
تنظر قراءة للكسائي في معانِي القرآن للفراء 3/ 229، السبعة ص 669، القرطبي 19/ 184.
(3)
يشير الفَرّاءُ بِهَذا إلى قراءة الكِسائِيِّ: {كِذابًا} بالتخفيف، قال الفراءُ:"وكان الكسائيُّ يُخَفِّفُ {لَا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا وَلَا كِذابًا} لأنها ليست بِمُقَيَّدةٍ بفِعْلِ يُصَيِّرُها مَصْدَرًا، وَيُشَدِّدُ {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا} لأن {كَذَّبُوا} يُقَيِّدُ الكِذّابَ بالمَصْدَرِ، والذي قال حَسَنٌ، ومعناه: {لَا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا} هو يقول: باطِلًا، {وَلا كِذّابًا} لا يُكَذِّبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا". معاني القرآن 3/ 229، وكلام الفراء هذا سيحكيه المؤلف بعد قليل عن الثعلبي.
(4)
مجاز القرآن 2/ 283.
(5)
الحجة للقراء السبعة 4/ 93.
463 -
وَصدَقْتُها وَكذَبْتُها
…
والمرْءُ يَنْفَعهُ كِذابهْ
(1)
وإنما خَفَّفَها الكسائيُّ هاهنا لأنها ليست بِمُقَيَّدةٍ بِفِعْلٍ يُصَيِّرُها مَصْدَرًا له، وَشَدَّدَ قَوْلَهُ:{وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا} ؛ لأن "كَذَّبُوا" يُقَيِّدُ الكلامَ بالمصدر، هكذا ذكره الثعلبيُّ
(2)
.
قوله: {جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36)} يعني كثيرًا كافيًا وافيًا، يقال: أحْسَبْتُ فُلَانًا؛ أي: أعْطَيْتُهُ ما يكفيه حتى قال: حَسْبِي
(3)
، قال الشاعر:
464 -
وَنُقْفِي وَلِيدَ الحَيِّ إنْ كانَ جائِعًا
…
وَنُحْسِبُهُ إنْ كانَ لَيْسَ بِجائِعِ
(4)
(1)
البيت من مجزوء الكامل للأعشى، ورواية ديوانه:"فَصَدَقْتُهُ وَكَذَبْتُهُ".
التخريج: ديوانه ص 238 (الصبح المنير في شعر أبِي بَصِيرٍ)، مجاز القرآن 2/ 283، معانِي القرآن وإعرابه 5/ 274، الزاهر لابن الأنباري 2/ 135، إعراب القرآن 5/ 133، معاني القراءات 3/ 117، إعراب القراءات السبع 2/ 219، الكشف والبيان 10/ 118، الكشاف 4/ 209، المحرر الوجيز 5/ 428، البيان للأنباري 2/ 279، شرح شواهد الإيضاح ص 606، زاد المسير 9/ 10، عين المعاني ورقة 141/ ب، الفريد للهمداني 4/ 613، تفسير القرطبي 19/ 181، شرح المفصل 6/ 44، اللسان: صدق، البحر المحيط 8/ 406، الدر المصون 6/ 466.
(2)
الكشف والبيان 10/ 118، وهو كلام الفراء كما سبق.
(3)
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن ص 17، 510، وغريب الحديث 2/ 340، وحكاه الأزهري عن أبِي عبيد عن أبِي زيد في التهذيب 4/ 334، وينظر: الصحاح 1/ 110، اللسان والتاج: حسب.
(4)
البيت من الطويل لأُمِّ العَبّاسِ القُشَيْرِيّةِ، وَنُسِبَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بن حَسّانَ.
اللغة: القَفِيُّ والقَفِيّةُ: ما يُؤْثَرُ به الصَّبِيُّ والضَّيْفُ مِنَ الطَّعامِ.
التخريج: غريب القرآن لابن قتيبة ص 17، 510، غريب الحديث لابن قتيبة 2/ 340، الاشتقاق ص 74، الزاهر لابن الأنباري 1/ 5، إعراب القرآن للنحاس 5/ 136، مقاييس اللغة 2/ 60، مجمل اللغة ص 233، المخصص 14/ 57، الكشف والبيان 10/ 118، =
أي: نُعْطِيهِ حَتَّى يقول: حَسْبِي.
ونصب {جَزَاءً} و {عَطَاءً} على المصدر
(1)
، وقيل
(2)
: {عَطَاءً} بدل من {جَزَاءً} ، و {جَزَاءً} نصب على الحال. و {حِسَابًا} نعت لـ {عَطَاءً}
(3)
، وقيل: هو اسم أُقِيمَ مُقامَ المصدر ومعناه: كافيًا، من قولهم: حَسْبِي كذا؛ أي: كَفانِي، وقيل
(4)
: إنه مصدر حَسَبَ لَهُمْ؛ أي: قَدَّرَ لَهُمْ ذَلِكَ.
وقرأ ابن عباس: {جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حَسَنًا} بالنون، وقرأ شُرَيْحُ بن يَزِيدَ:{حِسّابًا}
(5)
مشددةً مكسورةَ الحاء.
قوله تعالى: {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} قرأ أشْهَبُ العُقَيْلِيُّ وأبو جعفر وَشَيْبةُ ونافعٌ وأبو عمرو وابن كثير وسلام برفع الباء والنون على الابتداء، وخبره في قوله:{الرَّحْمَنُ}
(6)
، وقيل
(7)
: رفعه على خبر ابتداء محذوفٍ، تقديره:
= أساس البلاغة: قفو، زاد المسير 2/ 18، الأفعال للسرقسطي 1/ 365، عين المعانِي ورقة 141/ ب، تفسير القرطبي 19/ 184، اللسان: حسب، قفا، التاج: حسب، قفا.
(1)
قاله الزجاج في معانِي القرآن وإعرابه 5/ 275.
(2)
قال العكبري: "و {عَطاءً} اسم للمصدر، وهو بدل من {جَزاءً} . التبيان للعكبري ص 1267.
(3)
قاله النحاس ومَكِّيٌّ، ينظر: إعراب القرآن 5/ 136، مشكل إعراب القرآن 2/ 453.
(4)
قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 203/ أ.
(5)
قرأ ابن عباس وسِراجٌ: {حَسَنًا} ، قال ابن خالويه:"وهي في مصحف عبد اللَّه كذلك"، وقرأ شُرَيْحُ بن يَزِيدَ وأبو البَرَهْسَمِ:{حِسّابًا} ، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 168، شفاء الصدور ورقة 203/ أ، البحر المحيط 8/ 407.
(6)
قاله ابنُ الأنباريِّ والنَّحّاسُ والأزهريُّ، ولكن النَّحّاسَ يجعل {رَبُّ} مبتدأً، و {الرَّحْمَنُ} نعته، والخبر قوله:{لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطابًا} ، ينظر: إيضاح الوقف والابتداء ص 123، إعراب القرآن 5/ 136، معانِي القراءات 3/ 118.
(7)
قاله الزجاج في معانِي القرآن وإعرابه 5/ 275، وأجازه النحاس في إعراب القرآن 5/ 136، وينظر أيضًا: التبيان للعكبري ص 1268.
هُوَ رَبُّ، وقرأ ابن عامر ويعقوب وعيسى بن عمر وعاصم كليهما
(1)
خَفْضًا، وقرأ ابن مُحَيْصِنٍ وحَمْزةُ والكسائيُّ وخَلَفٌ:{رَبِّ} خفضًا {الرَّحْمَنُ} رفعًا
(2)
، واختاره أبو عبيد، وقال
(3)
: هذا أعْدَلُها عندي، يُخْفَضُ الأوَّلُ منهما لقربه من قوله:{وجَزَاءً مِن رَّبِكَ} ، فيكون نعتًا له أو بدلًا منه، ويُرْفَعُ "الرَّحْمَنُ" لِبُعْدِهِ عنه.
وقوله: {لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37)} لا يملكون يومئذ مُخاطَبةً بالكلام حتى يأذن اللَّه تعالى لَهُمْ، ثم أخْبَرَ مَتَى يكون ذلك، فقال تعالى:{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} قيل
(4)
: الرُّوحُ خَلْقٌ من خَلْقِ اللَّه عز وجل على صُورةِ بني آدم ليسوا بِناسٍ ولا ملائكةٍ، لهم رُؤُوسٌ وَأيْدٍ، يأكلون الطعام، يقومون صَفًّا والملائكةُ صَفًّا، هؤلاء جُنْدٌ وهؤلاء جُنْدٌ.
وقيل
(5)
: الرُّوحُ: مَلَكٌ أعْظَمُ من السماوات ومن الجبال، وَأعْظَمُ من
(1)
في الأصل: "كلاهما"، والصواب ما أثبت لأن الضمير يعود على كلمتي {رَبِّ} و {الرَّحْمَنِ} .
(2)
قرأ برفعهما أيضًا: ابنُ مسعود والحسنُ واليزيديُّ والأعرجُ، وعاصمٌ في رواية المُفَضَّلِ، ويعقوبُ في رواية زَيْدٍ، وقرأهما بالخفض أيضًا: ابنُ مسعود، وابنُ محيصن والأعمشُ بخلاف عنهما، وابنُ أبِي إسحاق، وقرأ بخفض "رَبِّ" ورفع "الرَّحْمَنُ" أيضًا: ابنُ عباس والحسنُ وابنُ وثاب والأعمشُ، وعاصمٌ في روايةٍ عنه، ينظر: السبعة ص 669، تفسير القرطبي 19/ 185، البحر المحيط 8/ 407، الإتحاف 2/ 584.
(3)
ينظر قوله في إعراب القرآن للنحاس 5/ 136، الكشف والبيان 10/ 119، تفسير القرطبي 19/ 186.
(4)
قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وأبو صالح والأعمش، ينظر: جامع البيان 30/ 29 - 30، إعراب القرآن 5/ 137، الوسيط 4/ 417، زاد المسير 9/ 12، تفسير القرطبي 19/ 187.
(5)
قاله ابن عباس وابن مسعود ومقاتل، ينظر: جامع البيان 30/ 28، الكشف والبيان 10/ 119، زاد المسير 9/ 12، عين المعانِي ورقة 141/ ب، تفسير القرطبي 19/ 186.
الملائكة، وهو في السماء الرابعة يُسَبِّحُ اللَّهَ كُلَّ يوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة، يخلق اللَّه عز وجل من كل تسبيحة مَلَكًا، فإذا كان يَوْمُ القيامة قامَ هُوَ وَحْدَهُ صَفًّا، وقامت الملائكة كُلُّهُمْ صَفًّا واحِدًا، فيكون عِظَمُ خَلْقِهِ مثل صُفُوفِهِمْ.
وقيل
(1)
: الرُّوحُ جبريل عليه السلام، قال ابن عباس
(2)
: "إنَّ عَنْ يَمِينِ العَرْشِ نَهَرًا من نُورٍ مثل السماوات السبع والأرَضِينَ السَّبْعِ والبحار السبعة، يدخل جبريل عليه السلام كُلَّ سَحَرٍ فيه فيغتسل، فَيَزْدادُ نُورًا إلَى نُورِهِ، وَجَمالًا إلَى جَمالِهِ، وَعِظَمًا إلَى عِظَمِهِ، ثم يَنْتَفِضُ فَيُخْرِجُ اللَّهُ من كل قطرة تقع من رِيشِهِ كذا وكذا ألْفَ مَلَكٍ، يدخل منهم كُلَّ يَوْمٍ سبعون ألْفَ مَلَكٍ البَيْتَ المَعْمُورَ، وفي الكعبة سَبْعُونَ ألْفًا لا يعودون إليه إلَى أن تقوم الساعةُ"، وقيل: هُمْ بَنُو آدَمَ، واللَّه أعلم.
ونصب {صَفًا} على الحال، ويجوز أن يكون مصدرًا في موضع الحال، وقوله:{لا يَتَكَلَّمُونَ} يعني: الخلق كلهم لا يتكلمون أربعين عاما من الخوف {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} بالكلام، وهم المؤمنون والملائكة {وَقَالَ} في الدنيا {صَوَابًا (38)} يعني: قَوْلًا حَقًّا؛ أي: شَهِدَ بالتوحيد، وقال: لا إله إلا اللَّه
(3)
، ونصب {صَوَابًا} على النعت لمصدر محذوف تقديره: وَقالَ قَوْلًا صَوابًا
(4)
.
(1)
قاله الضحاك والشعبي وابن جبير، ينظر: جامع البيان 30/ 29، الكشف والبيان 10/ 119، المحرر الوجيز 5/ 428، زاد المسير 9/ 12، تفسير القرطبي 19/ 186.
(2)
ينظر: الكشف والبيان 10/ 119، تفسير القرطبي 10/ 80، 19/ 186.
(3)
قاله النقاش وأبو عمر الزاهد، ينظر: شفاء الصدور ورقة 203/ أ، ياقوتة الصراط ص 552.
(4)
والعامل فيه "قال"، قاله المبرد في المقتضب 4/ 79.