الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
عن بُسْرِ بْنِ جِحاشٍ
(1)
قال: تَلَا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم هذه الآيةَ: {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ} ، ثُمَّ بَزَقَ فِي كَفِّهِ، وَوَضَعَ عليها إصْبَعَهُ، وقال:"يقول اللَّهُ تعالى: بُنَيَّ آدَمَ! أتُعْجِزُنِي وقد خَلَقْتُكَ من مِثْلِ هَذِهِ؟ حتى إذا سَوَّيْتُكَ وَعَدَلْتُكَ مَشَيْتَ بَيْنَ بُرْدَيْنِ، ولِلأرْضِ مِنْكَ وَئِيدٌ -وقيل: هَزِيزٌ-، فَجَمَعْتَ وَمَنَعْتَ، حتى إذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ قُلْتَ: أتَصَدَّقُ، وَأنَّى أوانُ الصَّدَقةِ؟ "
(2)
؛ أي: وَمِنْ أيْنَ له أنْ تُقْبَلَ منه الصَّدَقةُ فِي تلك الحال؟
قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} "لا" هاهنا صلة زائدة، والمعنى: فَأُقْسِمُ بِرَبِّ المشارق والمغارب، يعني مشارق الصيف والشتاء ومغاربهما، وإنما جَمَعَ بينهما لاختلاف مَشْرِقِ كُلِّ يَوْم ومَغْرِبِهِ
(3)
، وقرأ أبو حَيْوةَ الشّامِيُّ:"بِرَبِّ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ"
(4)
على الواحد {إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ} ؛ أي: على أن نَخْلُقَ أمْثَلَ منهم وأطْوَعَ للَّه حين عَصَوْاهُمْ، {وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41)}؛ أي: بِمَغْلُوبِينَ على ذلك.
(1)
بُسْرُ بنُ جِحاش القُرَشِيُّ، صحابِيٌّ سكن حِمْصَ، رَوَى عنه جُبَيْرُ بن نُفَيْرٍ، وتوفِّي بِحِمْصَ. [أسد الغابة 1/ 181، 184، الإصابة 1/ 423، الوافِي بالوفيات 10/ 133].
(2)
رواه الإمام أحمد في المسند 4/ 210، وابن ماجَهْ في سننه 2/ 903 كتاب الوصايا: باب النهي عن الإمساك في الحياة، والوَئِيدُ: شِدّةُ الوَطْءِ عَلَى الأرْضِ يُسْمَعُ كالدَّوِيِّ مِنْ بُعْدٍ، والهَزِيزُ: صَوْتُ دَوَرانِ الرَّحَى، وَمَعْناهُ هُنا تَحَرُّكُ الأرْضِ. اللسان: وأد، هزز.
(3)
قاله الزجاج في معانِي القرآن وإعرابه 5/ 224، وهو قول ابن عباس، ذكره الطبري في جامع البيان 29/ 109، والنحاس في معانِي القرآن 6/ 9، وإعراب القرآن 5/ 34.
(4)
قرأ بالإفراد أبو حَيْوةَ وابن مُحَيْصِنٍ وعبد اللَّه بن مسلم وعاصم الجَحْدَرِيُّ، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 162، تفسير القرطبي 18/ 295، البحر المحيط 8/ 330.
قال الزجاج
(1)
: إنْ أرَدْنا أن نَخْلُقَ خَلْقًا غَيْرَكُمْ لَمْ يَسْبِقْنا سابِقٌ ولا يَفُوتُنا. قال صاحب إنسان العين: وهذه الباء كقولك: ما الأمر بكذا، جوابُ مَنْ قال: إنَّ الأمْرَ لَكَذا، تُجْعَلُ الباءُ بِإزاءِ اللَّامِ، و"ما" بإزاء "إنَّ".
قوله: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا} بِرَبِّكَ في باطلهم {وَيَلْعَبُوا} في دُنْياهُمْ، أمْرُ وَعِيدٍ وتَهْدِيدٍ {حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42)} وهذه الآية منسوخة بآية القتال.
قوله تعالى: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ} يعني القبور {سِرَاعًا} قرأه العامّةُ: {يَخْرُجُونَ} بفتح الياء وضم الراء، وقرأ عاصم الجَحْدَرِيُّ بضم الياء وفتح الراء
(2)
، ونصب يوما على البدل من {يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} ، والأجْداثُ: القُبُورُ، واحدها جَدَثٌ، وقوله:{سِرَاعًا} يعني: مُسْرِعِينَ إلى إجابة الداعي، وهو نصب على الحال.
وقوله: {كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43)} ؛ أي: يُسْرِعُونَ، والإيفاضُ: الإسْراعُ، يقال: أوْفَضَ إيفاضًا، قال الشاعر:
397 -
تَخالُها نَعامةً مِيفاضا
(3)
(1)
معانِي القرآن وإعرابه 5/ 114، وقد قاله عند تفسيره للآيتين 60، 61 من سورة الواقعة.
(2)
هذه ليست قراءة عاصم الجَحْدَرِيِّ، وإنما قرأ بها عَلِيُّ بنُ أبِي طالب والأعمشُ والسُّلَمِيُّ، وعاصمٌ في رواية الأعشى وأبِي بكر عنه، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 162، تفسير القرطبي 18/ 296، البحر المحيط 8/ 330.
(3)
البيت من الرجز المشطور، لَمْ أقف على قائله، ويروى:"لأنْعَتَنْ نَعامةً. . "، وبعده:
خَرْجاءَ تَعْدُو تَطْلُبُ الإضاضا
اللغة: خَرْجاءُ: ذاتُ لَوْنَيْنِ، نصفها أبيض ونصفها أسود، الإضاضُ: المَلْجَأُ.
التخريج: معانِي القرآن للفراء 3/ 186، جامع البيان 29/ 110، الصحاح ص 1065، 1112، تهذيب اللغة 12/ 82، إعراب القراءات السبع 2/ 394، ديوان الأدب 3/ 228، =
قرأ العامة: "نَصْبٍ" بِنَصْبِ النون وجَزْمِ الصاد، يعنون: إلى شَيْءٍ مَنْصُوبٍ، والنَّصْبُ: كُلُّ شَيْءٍ نُصِبَ مِن الحجارة وغَيْرِها، فَعَبَدُوهُ ودارُوا به، والصَّنَمُ: الصُّورةُ من حجارة أو حديد أو صُفْرٍ
(1)
.
وقرأ ابن عامر: {إِلَى نُصُبٍ}
(2)
بضم النون والصاد، وهي رواية حَفْصٍ عن عاصم، يعني أوثانهم التي كانوا يعبدونها من دون اللَّه تعالى.
قال الأخفشُ
(3)
والفَرّاءُ
(4)
: النُّصُبُ جَمْعُ النَّصْبِ مثل رَهْنٍ ورُهُنٍ، والأنْصابُ جَمْعُ النُّصُبِ، فهي جَمْعُ الجمع، وقيل
(5)
: النُّصُبُ والأنْصابُ واحدٌ.
= أساس البلاغة: أضض، الجمان فِي تشبيهات القرآن ص 320، اللسان: أضض، وفض، البحر المحيط 8/ 330، اللباب في علوم الكتاب 19/ 378، تاج العروس: أضض، وفض.
(1)
قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 167/ أ.
(2)
قرأ الحسنُ وابنُ عامر، وحفصٌ عن عاصم:"نُصُبٍ" بضم النون والصاد، وقرأ الحسن وأبو عمران الجَوْنِيُّ ومجاهدٌ:"نَصَبٍ" بفتحهما، وقرأ الحسنُ وقتادةُ وعمرو بنُ ميمون وأبو رجاء وأبو العالية:"نُصْبٍ" بضم النون وإسكان الصاد، وقرأ الباقون:"نَصْبٍ" بفتح النون وإسكان الصاد، ينظر: جامع البيان 29/ 110، السبعة ص 651، حجة القراءات ص 725، تفسير القرطبي 18/ 296، البحر المحيط 8/ 330، مفاتيح الغيب 30/ 133.
(3)
ينظر قوله في شفاء الصدور ورقة 167/ أ، الكشف والبيان 10/ 42، عين المعانِي ورقة 137/ أ، تفسير القرطبي 18/ 296.
(4)
هذا معنى كلام الفراء، فقد قال:"قرأ الأعمش وعاصم: "إلى نَصْبٍ": إلى شيءٍ منصوبٍ يَسْتَبِقُونَ إليه، وقرأ زيدُ بن ثابت: "إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ"، فكأن النُّصُبَ الآلِهةُ التي كانت تُعْبَدُ من دون اللَّه، وكُلٌّ صوابٌ، وهو واحدٌ، والجمع أنْصابٌ". معانِي القرآن 3/ 186.
(5)
ذكره الثعلبي بغير عزو في الكشف والبيان 10/ 42، وينظر: شَمس العلوم لنشوان الحميري 1/ 6613، تفسير القرطبي 18/ 296.
قوله: {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ} يعني: ذليلةً خاضعةً عند مُعايَنةِ النار، وهي نصب على الحال، و {أَبْصَارُهُمْ} فاعل، وقوله:{تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} يعني: يَغْشاهُمْ هَوانٌ، ومنه: غُلَامٌ مُراهِقٌ: إذا غَشِيَ الاحتلامَ {ذَلِكَ الْيَوْمِ} يعني يوم القيامةُ {الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} فيه من العذاب، واللَّه أعلم.
* * *