الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا معروف عند العرب
(1)
، قيل
(2)
: إنه تُدْخَلُ السلسلة في دُبُرِهِ، فَتُخْرُجُ من مِنْخَرِهِ، وقيل
(3)
: تُدْخَلُ مِنْ فِيهِ، وتُخْرَجُ مِنْ دُبُرِهِ.
واختلفوا في قَدْرِ الذِّراعِ، فقيل: قَدْرُ الذِّراعِ سبعون باعًا، والباعُ كما بينك وبَيْنَ مَكّةَ، وهو قول نَوْفٍ الشّامِيِّ
(4)
، وكان في رَحَبةِ مسجد الكوفة، وقيل: كل باعٍ كما بَيْنَ الكوفة إلى مَكّةَ وَأبْعَدَ، وقال الحَسَنُ
(5)
: اللَّه أعْلَمُ بأيِّ ذِراعٍ هو، والسلسلة حِلَقٌ مُنْتَظِمةٌ، قيل: لو أن حَلْقةً منها وُضِعَتْ على ذِرْوةِ جَبَلٍ لَذابَ كما يذوب الرَّصاصُ.
فصل
عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لو أن رَصاصةً مثل هذه -وأشار إلى جُمْجُمةٍ-، أُرْسِلَتْ إلى الأرض، وهي مسيرة خمسمائة سنة، لَبَلَغَت الأرضَ قَبْلَ الليل، ولو أنها أُرْسِلَتْ من رأس
(1)
يعني أنَّ في الآية قَلْبًا، وهذا قول الفراء والمبرد والنقاش، ينظر: معانِي القرآن للفراء 3/ 182، ما اتفق لفظه واختلف معناه للمبرد ص 37، شفاء الصدور ورقة 161/ أ، وينظر أيضًا: المحرر الوجيز 5/ 361، البحر المحيط 8/ 320.
(2)
قاله ابن عباس والحسن، ينظر: جامع البيان 29/ 79، الكشف والبيان 10/ 31، عين المعانِي ورقة 137/ أ.
(3)
قاله الضحاك، ينظر: جامع البيان 29/ 79، شفاء الصدور ورقة 161/ أ، الكشف والبيان 10/ 31، المحرر الوجيز 5/ 361.
(4)
ينظر قوله في جامع البيان 29/ 78، 79، شفاء الصدور ورقة 161/ أ، الكشف والبيان 10/ 31، الوسيط 4/ 347، المحرر الوجيز 5/ 361، زاد المسير 8/ 353، عين المعانِي ورقة 137/ أ، تفسير القرطبي 18/ 272.
(5)
ينظر قوله في شفاء الصدور ورقة 161/ أ، الوسيط 4/ 347، المحرر الوجيز 5/ 361.
السلسلة لَسارَتْ أربعين خريفًا الليلَ والنهارَ قبل أن تَبْلُغَ أصْلَها أو قَعْرَها"
(1)
.
وَرُوِيَ عن كعب الأحبار أنه قال: لو جُمِعَ حَدِيدُ الدنيا ما وَزَنَ حَلْقةً منها
(2)
، وعن سُوَيْدِ بن أبِي نُجَيْحٍ
(3)
أنه قال: بَلَغَنِي أنَّ جَمِيعَ أهْلِ النار في تلك السلسلة، لو أن حلقة منها وُضِعَتْ على جَبَلٍ لَذابَ مِنْ حَرِّها.
قوله: {إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33)} ؛ أي: لا يُصَدِّقُ بتوحيد اللَّه وعظمته {وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34)} ؛ أي: لا يُطْعِمُ المسكينَ فِي الدنيا، ولا يأمر أهلَه بذلك {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا} يعني: في الآخرة {حَمِيمٌ (35)} ؛ أي: قريب وصديق يمنعه من عذاب اللَّه، وهو رفع؛ لأنه اسم "لَيْسَ"، {وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36)} وهو صَدِيدُ أهْلِ النار، مأخوذ من الغَسْلِ، قال الأخفش
(4)
: هو ما يُغْسَلُ من لُحُومِ أهْلِ النار ودمائهم، وزِيدَ فيه الياءُ والنونُ كما زِيدَ "عِفِرِّينُ"،
(1)
رواه الإمام أحمد في المسند 2/ 197، والترمذي في سننه 4/ 109 أبواب صفة جهنم: باب ما جاء في صفة طعام أهل النار، والحاكم في المستدرك 2/ 438 كتاب التفسير: سورة "حم" المؤمن، وينظر: جامع البيان 29/ 79، الكشف والبيان 10/ 31.
(2)
ينظر: الكشف والبيان 10/ 31، تفسير القرطبي 18/ 272، تفسير ابن كثير 4/ 444، الدر المنثور 6/ 262.
(3)
ويقال: سُوَيْدُ بن نُجَيْحٍ، أبو قُطْبةَ الكُوفِيُّ، ثقة يكتب حديثه، روي عن الشعبي وعكرمة، وتُوُفِّيَ في خلافة أبِي جعفر المنصور. [الثقات 6/ 412 - 413، الجرح والتعديل 4/ 236 - 237]، وينظر قوله في الكشف والبيان 10/ 31، الوسيط 4/ 348، زاد المسير 8/ 353، تفسير القرطبي 18/ 272.
(4)
قال الأخفش: "وقال: "إلَّا مِنْ غِسْلِينٍ"، جعله، واللَّه أعلم، من الغَسْلِ، وزاد الياءَ والنونَ بمَنْزِلةِ عِفِرِّينَ وكِفِرِّينَ". معاني القرآن ص 506 - 507. وأما العِفِرِّينُ فهي المَأْسَدةُ، وقيل لَكل ضابِطٍ قَوِيٍّ: لَيْثُ عِفِرِّينَ، ويقال للرجلِ الكاملِ ابنِ الخمسين: لَيْثُ عِفِرِّينَ، ينظر: العين 2/ 123، الصحاح 2/ 753، اللسان: عفر.
وقيل
(1)
: هو غُسالةُ أجْوافِ أهْلِ النار، وكُلُّ جُرْحٍ ودَبَرٍ غَسَلْتَهُ فَخَرَجَ منه شَيْءٌ فهو غِسْلِينٌ، أي: فِعْلِينٌ من غَسْلِ الجِراحِ والدَّبَرِ
(2)
.
قال ابن عباس
(3)
: لو أن قطرة من الغِسْلِينِ وقعت في الأرض لأفْسَدَتْ على الناس معايشهم، وقال الضحاك والربيع
(4)
: هو شجر يأكله أهل النار، وذلك قوله تعالى:{لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37)} المذنبون، وهم الكافرون.
قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38)} يعني: مِنْ ظاهِرِ القُدْرة {وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)} من أسرار القدرة؛ أي: ما تَرَوْنَ وما لا تَرَوْنَ، وأراد جميع المَكُوناتِ والمَوْجُوداتِ، وقيل: أراد الدنيا والآخرة، وقيل: ما في ظَهْرِ الأرض والسماء وبَطْنِهِما، وقال جعفر الصادق
(5)
: {بِمَا تُبْصِرُونَ} من صُنْعِي في مُلْكِي، {وَمَا لَا تُبْصِرُونَ} من بِرِّي بأوليائي، وفيه تفاسير يطول شرحها هاهنا.
و"لا" في قوله: {فَلَا أُقْسِمُ} صلة، تقديره: فَأُقْسِمُ
(6)
{إِنَّهُ} يعني القرآن
(1)
قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن 2/ 268، وينظر: غريب القرآن للسجستاني ص 162، اللسان: غسل.
(2)
الدَّبَرُ: جمْعُ دَبَرةٍ وهي قُرْحةُ البعير والدّابّةِ، يقال: دَبِرَ البَعِيرُ يَدْبَرُ دَبَرًا. اللسان: دبر.
(3)
ينظر قوله في الوسيط 4/ 348.
(4)
ينظر: شفاء الصدور ورقة 161/ ب، الكشف والبيان 10/ 32، المحرر الوجيز 5/ 361، زاد المسير 8/ 354.
(5)
ينظر قوله في الكشف والبيان 10/ 32.
(6)
قاله النحاس في إعراب القرآن 5/ 24، وقيل:"لا" ليست صلة، ولكنها نَفِيٌ لِما ادَّعَوْهُ من أنه لا بعث، فقيل لهم "لا"، ليس الأمرُ كما تَدَّعُونَ، ثم قال:{أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ} ، وتُؤَيِّدُ هذا الرأيَ قراءةُ الحَسَنِ:{فَلَا أُقْسِمُ} ، ينظر: كشف المشكلات 2/ 382، المحرر الوجيز 5/ 362، البحر المحيط 8/ 321.
{لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40)} يعني محمَّدًا صلى الله عليه وسلم، والمعنى: إنه لَتِلَاوةُ رَسولٍ كَرِيمٍ، فحذف كقوله تعالى:{وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ}
(1)
وبابِهِ، {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41)}؛ أي: لا تصدقون بأن القرآن من عند اللَّه {وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42)} ؛ أي: تَتَّعِظُونَ بالقرآن، قرأ ابن عامر وابن كثير ويعقوب وأبو حاتم:{يُؤْمِنُونَ} و {يَذَكَّرُونَ} بالياء فيهما
(2)
إخْبارًا عن المشركين، وقرأ الباقون بالتاء فيهما، وخَفَّفَ حَمْزةُ والكسائيُّ وحَفْصٌ الذالَ على أُصُولِهِمْ.
ويريد بالقليل نَفْيَ إيمانهم أصْلًا، كما تقول لِمَنْ لا يزورك: قَلَّما تَأْتِينا، وأنت تريد: لا تأتينا أصلا
(3)
، ونصب {قَلِيلًا} في الموضعين بـ {تُؤْمِنُونَ} و {تَذَكَّرُونَ} ، {ومَّا} زائدة، وحقيقته أنه نعت لمصدر محذوف تقديره: وَقْتًا قَلِيلًا أو إيمانًا قَلِيلًا، وكذلك: تَذَكَّرُونَ وَقْتًا قَلِيلًا أو تَذَكُّرًا قَلِيلًا
(4)
.
قوله: {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43)} يعني القرآن، والتقدير: بل القرآن الذي يجيئكم به محمد صلى الله عليه وسلم الذي تزعمون أنه شِعْرٌ وكَهانةٌ وسِحْرٌ تَنْزِيلٌ من رَبِّ العالمين.
(1)
يوسف 82.
(2)
وقرأ بالياء أيضًا: القُطَعِيُّ عن عبيد عن هارون عن أبِي عمرو، وابنُ ذكوان من طريق الصوري، ويعقوبُ وابنُ محيصن والحسنُ والجحدريُّ، ينظر: السبعة ص 648، النشر 2/ 390، البحر المحيط 8/ 322، الإتحاف 2/ 559.
(3)
قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة 162/ أ.
(4)
الوجهان قالهما مَكِّيٌّ في مشكل إعراب القرآن 2/ 404، وذهب ابن خالويه إلى أن {قَلِيلًا} "منصوب بـ {تُؤْمِنُونَ} ، و {ما} مع الفعل فِي تأويل مصدر، والتقدير: قَلِيلًا إيمانُهُمْ، ينظر: إعراب القراءات السبع 2/ 386، وينظر أيضًا: المحرر الوجيز 5/ 362، البحر المحيط 8/ 321، 322.