الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
عن شَدّادِ بن أوْسٍ
(1)
قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا يَدْخُلُ الجَنّةَ جَوّاظٌ ولا جَعْظَرِيٌّ ولا عُتُلٌّ زَرنيمٌ"، قال: قلتُ: فما الجَوّاظُ؟
(2)
قال: "كُلُّ دَفّاعٍ مَنّاعٍ"، قلتُ: فما الجَعْظَرِيُّ؟ قال: "الغَلِيظُ"، قلتُ: فما العُتُلُّ الزَّنِيمُ؟ قال: "كُلُّ رَحْبِ الجَوْفِ سَيِّئِّ الخُلُقِ أكُولٍ شَرُوبٍ ظَلُومٍ غَشُومٍ"
(3)
.
وعن أبِي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجَنّةَ وَلَدُ الزِّنَى ولا وَلَدُهُ ولا وَلَدُ وَلَدِهِ"
(4)
، وعن ابن عُمَرَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إنَّ أوْلَادَ الزِّنَى يُحْشَرُونَ يوم القيامة فِي صورة القِرَدةِ والخَنازِيرِ"
(5)
.
= 18/ 234، غرائب التفسير للكرمانِيِّ ص 1238، المستطرف للأبشيهي 1/ 50، 132، تفسير ابن كثير 4/ 431، اللباب في علوم الكتاب 19/ 277 - 279.
(1)
شَدّادُ بن أوْسِ بن ثابت الخَزْرَجِيُّ، أبو يَعْلَى الأنصاريُّ، صَحابِيٌّ من الأمراء، ابن أخ حسان ابن ثابت، كان فصيحًا حليمًا حكيمًا، وَلَّاهُ عُمَرُ إمارة حِمْصَ، ولما قُتِلَ عثمان اعتزل، وعكف على العبادة، توفي بالقدس سنة (58 هـ). [أسد الغابة 2/ 387، 388، الإصابة 3/ 258 - 259، الأعلام 3/ 158].
(2)
في الأصل: "فما العتل الزنيم"؟ وهو غير مستقيم.
(3)
رواه الإمام أحمد في المسند 4/ 227، وابن أبِي شيبة في مصنفه 6/ 89، وينظر: شفاء الصدور ورقة 153/ ب، الكشف والبيان 10/ 13، مجمع الزوائد 10/ 393 كتاب صفة النار: باب في أهل النار.
(4)
هذا الحديث موضوع، رواه ابن الجوزي في الموضوعات 3/ 110، وينظر: الكشف والبيان 10/ 14، تفسير القرطبي 18/ 234.
(5)
هذا الحديث موضوع، رواه العقيلي في الضعفاء الكبير 2/ 75، وابن الجوزي في الموضوعات 3/ 109، وينظر: الكشف والبيان 10/ 14، عين المعانِي ورقة 136/ أ، تفسير القرطبي 18/ 234.
وعن مَيْمُونةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالت: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تَزالُ أُمَّتِي بخَيْرٍ ما لَمْ يَفْشُ فيهم وَلَدُ الزِّنَى، فإذا فَشا فيهم وَلَدُ الزِّنَى فَيُوشَكُ أنْ يَعُمَّهُم اللَّهُ بِعِقابٍ"
(1)
، وعن عكرمة أنه قال:"إذا كَثُرَ وَلَدُ الزِّنَى قَل المَطَرُ"
(2)
.
قوله: {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14)} يعني الوليد بن المغيرة، قرأ ابن عامر وأبو جعفر وحمزة ويعقوب:{أَنْ كَانَ} بهمزة واحدة، بعدها مَدّةٌ، واختاره أبو حاتم، غير أن هِشامًا يَمُدُّ أطْوَلَ مِنْ مَدِّ ابن ذَكْوانَ؛ لأنه يُدْخِلُ بَيْنَ الهمزتين ألِفًا على أصله، وقرأ حمزةُ، وعاصم برواية أبِي بكر:{أأنْ} بهمزتين من غير مَدٍّ على الاستفهام، وهو استفهام توبيخ، وقرأ الباقون:{أَنْ كَانَ}
(3)
بهمزة واحدة من غير مَدٍّ على الخبر، قال الفَرّاءُ والزَّجّاجُ
(4)
: معناه: لأنْ كان ذا مال وبنين.
{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا} يعني القرآن الكريم {قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15)} يعني أحاديث الأولين، و {أَسَاطِيرُ} خبر ابتداء مضمر، وواحد الأساطير: سَطْرٌ، وجمع السَّطْرِ سُطُورٌ، وجمع السُّطُورِ أساطِيرُ، وهو قول الكسائيِّ
(5)
، وقال ثعلب
(6)
: واحد الأساطِيرِ أُسْطُورةٌ مثل أُحْدُوثةٍ وأحادِيثَ، وأُرْجُوزِةٍ وأراجِيزَ، وأُعْجُوبةٍ وأعاجِيبَ.
(1)
رواه الإمام أحمد في المسنذ 6/ 333، وينظر: الكشف والبيان 10/ 14، عين المعانِي ورقة 136/ أ، تفسير القرطبي 18/ 235، مجمع الزوائد 6/ 257 كتاب الحدود والديات: باب فِي أولاد الزِّنى.
(2)
ينظر: الكشف والبيان 10/ 14، عين المعانِي ورقة 136/ أ، تفسير القرطبي 18/ 235.
(3)
ينظر في هذه القراءات: السبعة ص 646 - 647، معانِي القراءات 3/ 84، إعراب القراءات السبع 2/ 382، الحجة للفارسي 4/ 56، النشر 1/ 367، الإتحاف 2/ 554.
(4)
معانِي القرآن للفراء 3/ 173، معانِي القرآن وإعرابه 5/ 206.
(5)
ينظر قوله في شفاء الصدور ورقة 154/ أ.
(6)
المصدر السابق.
قوله: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)} يعني الوليد بن المغيرة، أي: نَخْطِمُهُ بالسَّيْفِ عَلَامةً، فَخُطِمَ يوم بَدْرٍ
(1)
، والسِّمةُ: سُبّةٌ قَبِيحةٌ لا تُفارِقُ صاحِبَها، قال الشاعر:
378 -
لَمّا وَضَعْتُ عَلَى الفَرَزْدَقِ مَيْسَمِي
…
وَعَلَى البُعَيثِ جَدَعْتُ أنْفَ الأخْطَلِ
(2)
وقيل
(3)
: نجعل على أنْفِهِ سِمةً؛ أي: عَلَامةً في القيامة يَتَمَيَّزُ بها الكافرُ، وقيل
(4)
: نُسَوِّدُ وَجْهَهُ، فَعَبَّرَ بالأنْفِ عن الوَجْهِ كما عَبَّرَ بالبَعْضِ عن الكُلِّ، وقيل
(5)
: معناه: نُعَذِّبُهُ على شُرْبِ الخُرْطُومِ وهي الخَمْرُ، قال الشاعر:
(1)
قاله ابن عباس وقتادة، ينظر: جامع البيان 29/ 35، إعراب القرآن 5/ 10، الكشف والبيان 10/ 15، عين المعانِي ورقة 136/ أ، تفسير القرطبي 18/ 236.
(2)
البيت من الكامل، لِجَرِيرٍ يهجو الفرزدق، ورواية ديوانه:
لَوْ قَدْ بَعَثْتُ عَلَى الفَرَزْدَقِ مَيْسَمِي
…
وَعَلَى البُعَيْثِ لَقَدْ نَكَحْتُ الأخْطَلا
اللغة: المَيْسَمُ: المِكْواةُ أو الشيء الذي تُوسَمُ به الدوابُّ، والمراد به هنا القوافِي، جَدَعَ أنْفَهُ: قَطَعَها.
التخريج: ملحق ديوان جرير ص 1037، شرح نقائض جرير والفرزدق 1/ 335، تأويل مشكل القرآن ص 156، الزاهر لابن الأنباري 2/ 136، الأغانِي 7/ 187، ديوان المعانِي 1/ 181، العمدة 2/ 39، الكشف والبيان 10/ 15، عين المعانِي ورقة 136/ أ، تفسير القرطبي 18/ 237، غرائب التفسير للكرمانِي ص 1239، البحر المحيط 8/ 300، 305، اللباب في علوم الكتاب 19/ 283.
(3)
قاله قتادة والزجاج، ينظر: جامع البيان 29/ 36، معانِي القرآن وإعرابه 5/ 207، الكشف والبيان 10/ 15.
(4)
قاله مقاتل والفراء، ينظر: معانِي القرآن للفراء 3/ 174، تهذيب اللغة 7/ 676، الوسيط 4/ 336، غريب القرآن للسجستانِي ص 161، عين المعانِي ورقة 136/ أ.
(5)
قاله النَّضْرُ بن شُمَيْلٍ، ينظر: الكشف والبيان 10/ 16، قال الزمخشري:"وعن النضر بن شُمَيْلٍ أن الخرطومَ الخَمْرُ، وأن معناه: سَنَحُدُّهُ على شُرْبِها، وهو تَعَسُّفٌ". الكشاف 4/ 143، وينظر: عين المعانِي ورقة 136/ أ، البحر المحيط 8/ 306.
379 -
تَظَلُّ يَوْمَكَ فِي لَهْوٍ وَفِي طَرَبٍ
…
وَأنْتَ بِاللَّيْلِ شَرّابُ الخَراطِيمِ
(1)
قوله: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ} يعني أهل مكة؛ أي: اخْتبَرْناهُمْ وامْتَحَنّاهُمْ بالقَحْطِ والجُوعِ حتى أكَلُوا الجِيَفَ والرِّمَمَ {كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} يعني البستان التِي في اليمن {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17)} .
والمَعْنِيُّ بالآية قوم من ثَقَيفٍ، كانوا باليمن مُسْلِمِينَ، وَرِثُوا من أبيهم ضَيْعةً فيها زَرْعٌ ونَخِيلٌ، وكان أبوهم يجعل مِمّا فيها نصيبًا للمساكين، فلما وَرثُوها حَرَمُوا المساكينَ، فصارت عاقبتهم إلى ما قَصَّ اللَّه فِي كتابه، وهو قوله:{إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ}
(2)
يعني النخيل، حَلَفُوا لَيَقْطَعُنَّ ثَمَرَها إذا أصبحوا قبل أن يعلم المساكينُ، واللام لام القَسَمِ، ونصب {مُصْبِحِينَ} على الحال.
قوله: {وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18)} ؛ أي: لَمْ يقولوا: إنْ شاءَ اللَّهُ {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19)} قال ابن عباس
(3)
: أحاطَتْ بها النارُ فاحترقت، وقال مقاتل
(4)
: بَعَثَ اللَّهُ نارًا بالليل على جَنَّتِهِمْ، فَأحْرَقَتْها حتى صارت سَوْداءَ، فذلك قوله:{فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20)} يعني: كالليل المظلم -والصريم: الظُّلْمةُ- لِسَوادِها بالحَرْقِ
(5)
، قال الشاعر:
(1)
البيت من البسيط، للأعرج المُعَنَّى.
التخريج: عين المعانِي ورقة 136/ أ، تفسير القرطبي 18/ 238، البحر المحيط 8/ 300، الدر المصون 354، اللباب في علوم الكتاب 19/ 283، فتح القدير 5/ 269، روح المعانِي 29/ 29.
(2)
ينظر: شفاء الصدور ورقة 154/ ب، الكشف والبيان 10/ 16، زاد المسير 235، الوسيط 4/ 337.
(3)
ينظر قوله في الوسيط 4/ 337.
(4)
المصدر السابق.
(5)
كذا بالأصل.
380 -
فَما يَنْجابُ عَنْ صُبْحٍ صَرِيمُ
(1)
يريد اللَّيْلَ؛ لأنه يَنْصَرِمُ من النهار، والصَّرِيمانِ: اللَّيْلُ والنَّهارُ، وأصل الصَّرِيمِ: المَصْرُومُ، وكُلُّ شَيْءٍ قُطِعَ مِنْ شَيْءٍ فهو صَرِيمٌ، فالليل صَرِيمٌ والنهار صَرِيمٌ؛ لأن كل واحد منهما يَنْصَرِمُ من صاحبه
(2)
.
قوله تعالى: {فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21)} نادَى بعضُهم بعضًا وقت الصباح {أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22)} يعني: قاطِعِينَ الجَنّةَ، ولَمْ يعلموا أنها قد احترقت، و {مُصْبِحِينَ} نصب على الحال أيضًا، {فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23)} يَتَشاوَرُونَ ويُسِرُّونَ الكلامَ بينهم {أَنْ لَا}؛ أي: بِألّا {يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25)} ؛ أي: على جِدٍّ وجُهْدٍ قادرين عند أنفسهم على جَنَّتِهِمْ وثِمارِها، لا يَحُولُ بينها وبينهم آفةٌ.
وأصل الحَرْدِ في اللغة يكون بمَعْنَى المَنْعِ والغَصْبِ والقَصْدِ، تقول العرب: حارَدَتِ السَّنةُ: إذا لَمْ يَكُنْ فيهَا مَطَرٌ، وحارَدَتِ النّاقةُ: إذا لَمْ يَكُنْ بِها لَبَنٌ
(3)
، قال الشاعر:
(1)
هذا عجز بيت من الوافر، وصدره:
تَطاوَلَ لَيْلُكَ الجَوْنُ البَهِيمُ
ويُرْوَى: "عَنْ لَيْلٍ"، ويَنْجابُ: يَنْشَقُّ ويَنْكَشِفُ، الصَّرِيمُ: الليل، والصريم: النهار، والمراد هنا الليل، وهو من الأضداد.
التخريج: جامع البيان 29/ 38، الأضداد لأبِي الطيب اللغوي 1/ 428، عين المعانِي ورقة 136/ ب، تفسير القرطبي 18/ 241، التبيان للطوسي 10/ 80، الجمان في تشبيهات القرآن ص 316، اللسان: صرم، التاج: صرم، فتح القدير 5/ 271.
(2)
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن ص 479، وهذا اللفظ من الأضداد، ينظر: الأضداد لقطرب ص 121 - 122، الأضداد لابن الأنباري ص 84، الأضداد لأبِي الطيب ص 426 - 428.
(3)
قاله أبو عبيدة وابن السكيت، ينظر: مجاز القرآن 2/ 265، إصلاح المنطق ص 47، وينظر: =
381 -
أقْبَلَ سَيْلٌ جاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّه
يَحْرِدُ حَرْدَ الجَنّةِ المُغِلَّه
(1)
وفيه لغتان: حَرْدٌ وحَرَدٌ كالدَّرْكِ والدَّرَكِ
(2)
، ونصب {قَادِرِينَ} على الحال.
قوله تعالى: {عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا (32)} يعني خَيْرًا من جَنَّتِهِمْ، قرأ أهل المدينة وأبو عمرو بالتشديد، وقرأ غيرهم بالتخفيف
(3)
، وهما لغتان، ومنهم من فَرَّقَ بينهما فقال: التبديل: تغييرُ شَيْءٍ أو تَغْيِيرُ حالِهِ وعَيْنُ الشَّيْءِ
= غريب القرآن لابن قتيبة ص 479، الكامل للمبرد 2/ 86، معانِي القرآن وإعرابه 5/ 207، تهذيب اللغة 4/ 414.
(1)
البيتان من الرجز المشطور لِحَنْظَلةَ بن مُصَبِّحٍ، ونُسِبا لِقُرْبِ بن المُسْتَفِيدِ، ولِحَسّانَ بن ثابت.
اللغة: جَنّةٌ مُغِلّةٌ: تعطي الغَلّةَ وهي الدَّخْلُ من كِراءِ دارٍ وفائِدةِ أرْضٍ وغَيْرِ ذلك.
التخريج: ملحق ديوان حسان بن ثابت 1/ 522 (تحقيق وليد عرفات)، معانِي القرآن للفراء 3/ 176، مجاز القرآن 2/ 266، إصلاح المنطق ص 47، 266، الكامل للمبرد 2/ 86، معانِي القرآن وإعرابه 5/ 207، الزاهر لابن الأنباري 1/ 446، جمهرة اللغة ص 160، 501، 962، ديوان الأدب 2/ 151، تهذيب اللغة 6/ 422، سر صناعة الإعراب ص 721، مقاييس اللغة 2/ 51، أمالِي ابن الشجري 2/ 198، البيان للأنباري 2/ 48، عين المعانِي ورقة 136/ ب، الجمان في تشبيهات القرآن ص 315، اللسان: أله، حرد، غلل، اللباب في علوم الكتاب 19/ 291، خزانة الأدب 10/ 356، التاج: غلل.
(2)
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن ص 480، وحكاه الأزهري عن الليث في التهذيب 4/ 413.
(3)
ينظر: الحجة للفارسي 3/ 98، الكشف عن وجوه القراءات 2/ 72، النشر 2/ 314، الإتحاف 2/ 555.
قائِمٌ، والإبدال: رَفْعُ الشَّيْءِ وَوَضْعُ شَيْءٍ آخَرَ مَكانَهُ
(1)
.
قال عبد اللَّه بن مسعود
(2)
: بَلَغَنِي أن القوم لَمّا أخْلَصُوا، وعَرَفَ اللَّهُ عز وجل منهم الصِّدْقَ، أبْدَلَهُمْ بِها جَنّةً يقال لَها: الحَيَوانُ، فيها عِنَبٌ لا يَحْمِلُ البَغْلُ العُنْقُودَ منها، فهو كالرَّجُلِ الأسْوَدِ القائِمِ.
قوله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} يعني: في الآخرة {جَنَّاتِ النَّعِيمِ} يعني البساتين {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35)} هذه ألِفُ الاستفهام، ومعناها التوبيخ والتقرير {مَا لَكُمْ} يعني كفار مكة {كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)}؛ أي: كَيْفَ تَقْضُونَ بِالجَوْرِ؟ إن هذا الحُكْمَ لَجَوْرٌ، أنْ يُعْطَوْا من الخَيْرِ في الآخرة ما يُعْطَى المسلمون، و {مَا} في موضع رفع بالابتداء، وهو اسمٌ تامٌّ، و {لَكُمْ} الخبر، و {كَيْفَ} في موضع نصب بـ {تَحْكُمُونَ} .
قوله تعالى: {سَلْهُمْ} يا محمد {أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40)} ؛ أي: أيُّهُمْ بذلك كَفِيلٌ أنَّ لَهُمْ في الآخرة ما للمسلمين؟، والزَّعِيمُ: الكَفِيلُ، قال عليه السلام:
(1)
مِمَّنْ فَرَّقَ بين بَدَّلَ وأبْدَلَ: الفراءُ وثعلبٌ، قال الفراء:"وإذا قلتَ للرَّجُلِ: قد بُدِّلْتَ، فمعناه: غُيِّرْتَ وغُيِّرَتْ حالُكَ، ولَمْ يأتِ مكانك آخَرُ، فكل ما غُيِّرَ عن حاله فهو مُبَدَّلٌ بالتشديد، وإذا جعلتَ الشيءَ مكان الشيء قلتَ: قد أبْدَلْتُهُ، كقولك: أبْدِلْ لِي هذا الدرهمَ؛ أي: أعطني مكانه". معانِي القرآن 2/ 259، وينظر قول ثعلب في ياقوتة الصراط ص 251 - 252، التهذيب 14/ 132.
وأما المبرد فإنه يرى أن العرب تستعمل بَدَّلَ وأبْدَلَ بمعنًى واحدٍ، ينظر قوله في ياقوتة الصراط ص 253، التهذيب 14/ 132، وينظر أيضًا: معانِي القراءات 2/ 191، الحجة للفارسي 3/ 98، 99، الكشف عن وجوه القراءات 2/ 72.
(2)
ينظر قوله في الكشف والبيان 10/ 18، عين المعانِي ورقة 136/ ب، تفسير القرطبي 18/ 245.
"الزعِيمُ غارِمٌ"
(1)
يعني الكفيل، والفعل منه: زَعَمَ يَزْعُمُ زَعامةً.
قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} قرأه العامة بِياءٍ مضمومةٍ، وقرأ ابن عباس بِتاءٍ مفتوحةٍ وكَسْرِ الشين
(2)
؛ أي: تَكْشِفُ القيامةُ، و {يَوْمَ} ظرف لقوله:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ} في ذلك اليوم {إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (41)} ، وقيل
(3)
: انتصب {يَوْمَ} على تقدير: اذْكُرْ يا محمدُ يَوْمَ يُكْشَفُ عن ساقٍ، فَيُبْتَدَأُ به
(4)
.
وقوله: {عَنْ سَاقٍ} ؛ أي: عن أمْرٍ شَدِيدٍ فَظِيعٍ، وهو إقبال الآخرة وذَهاب الدنيا، قال ابن عباس
(5)
: هو أشَدُّ ساعةٍ في القيامة، قال الشاعر:
382 -
كَشَفَتْ لَكُمْ عَنْ ساقِها
…
وَبَدا مِنَ الشَّرِّ الصُّراحُ
(6)
(1)
رواه الإمام أحمد بسنده عن أبِي أُمامةَ في المسند 5/ 267، ورواه ابن ماجَهْ في سننه 2/ 804 كتاب الصدقات: باب الكفالة، ورواه عبد الرزاق في مصنفه 8/ 173، وينظر أيضًا: كنز العمال 15/ 178.
(2)
وقرأ ابن عباس أيضًا وابنُ مسعود وابن هُرْمُزٍ: "نَكْشِفُ"، وقرأ ابن عباس والحسن وأبو العالية:"تُكْشَفُ" بالتاء مَبْنِيًّا للمفعول، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 160، المحتسب 2/ 326، تفسير القرطبي 18/ 248، البحر المحيط 8/ 309.
(3)
هذا الوجه والذي قبله ذكرهما مَكِّيٌّ في مشكل إعراب القرآن 2/ 398، 399، وينظر: البيان للأنباري 2/ 455، الفريد للهمدانِيِّ 4/ 511.
(4)
يعني أن {يَوْمَ} إذا جُعِلَ مفعولًا به لـ "اذْكُرْ"، فإنه يوقف على ما قبله، وهو {إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} ، وإذا كان ظرفًا لقوله:{فَلْيَأْتُوا} فإن الكلام متصل بما قبله، ينظر: الفريد للهمداني 4/ 511، تفسير القرطبي 18/ 248.
(5)
ينظر قوله في جامع البيان 29/ 47، الكشف والبيان 10/ 19، الوسيط 4/ 339، تفسير القرطبي 18/ 249.
(6)
البيت من الكامل لسعد بن مالك جَدِّ أبِي طَرَفةَ بن العبد، من قصيدة قالها في حرب البَسُوسِ. =
وهذا من باب الاستعارة، يقال للأمر إذا اشْتَدَّ وتَفاقَمَ وظَهَرَ فَزالَتْ غُمّاهُ
(1)
: كَشَفَ عن ساقِهِ، وهذا جائز فِي اللغة، وإنْ لَمْ يكن للأمر ساقٌ، وهذا كما يقال: أسْفَرَ وَجْهُ الأمْرِ، واسْتَقامَ صَدْرُ الرَّأْي
(2)
، قال الشاعر يصف حَرْبًا:
383 -
قَدْ شَمَّرَتْ عَنْ ساقِها فَشُدُّوا
وَجَدَّتِ الحَرْبُ بِكُمْ فَجِدُّوا
(3)
وعن عكرمة قال: سُئِلَ ابنُ عَبّاسٍ عن قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} ، فقال
(4)
: إذا خَفِيَ عليكم شَيْءٌ في القرآن فابْتَغُوهُ في الشِّعْرِ، فإنه
= اللغة: الصُّراحُ: الخالص من كل شيء.
التخريج: شعر سعد بن مالك ص 327 (ضمن الشعراء الجاهليون الأوائل)، معاني القرآن للفراء 3/ 177، تهذيب اللغة 9/ 233، إعراب القراءات السبع 2/ 383، المحتسب 2/ 326، الخصائص 3/ 252، شرح الحماسة للتبريزي 2/ 31، الكشف والبيان 10/ 19، المحرر الوجيز 5/ 352، شرح الحماسة للمرزوقي ص 504، الحلل ص 246، عين المعانِي 136/ ب، تفسير القرطبي 18/ 248، اللسان: سوق، البحر المحيط 8/ 301، الدر المصون 6/ 358، اللباب في علوم الكتاب 19/ 299، التاج: سوق.
(1)
غُمَّى الأمْرِ: ما التَبَسَ منه، والغُمَّى: الشَّدِيدةُ من شدائد الدهر. اللسان: غمم.
(2)
من أول قوله: "يقال للأمر إذا اشتد" قاله الثعلبي في الكشف والبيان 10/ 19.
(3)
البيتان من الرجز المشطور، لَمْ أقف على قائلهما، وقد تَمَثَّلَ بِهِما الحَجّاجُ في خطبة قالها عندما قَدِمَ أميرًا على العراق من قِبَلِ عبد الملك بن مروان.
التخريج: الكامل للمبرد 1/ 381، معانِي القرآن وإعرابه 5/ 120، العقد الفريد 4/ 121، الكشف والبيان 10/ 19، تاريخ دمشق 12/ 103، عين المعانِي ورقة 136/ ب، تفسير القرطبي 18/ 248، المحرر الوجيز 5/ 118، 352، معاهد التنصيص 1/ 343، البحر المحيط 8/ 81، 310، الدر المصون 6/ 155، 358، اللباب في علوم الكتاب 17/ 454، 19/ 299، فتح القدير 5/ 275.
(4)
رواه المبرد في الفاضل ص 10، وابن الأنباري في إيضاح الوقف والابتداء ص 99، =
ديوان العرب، أما سَمِعْتُمْ قول الشاعر:
384 -
صَبْرًا أُمامَ إنْ شَرَّ باقِ
قَدْ سَنَّ لِي قَوْمُكِ ضَرْبَ الأعْناقِ
وَقامَتِ الحَرْبُ بِنا عَلَى ساقِ
(1)
والعرب تقول لِسَنةِ الحَرْبِ: كَشَفَتْ عن ساقها، قال الشاعر:
385 -
عَجِبْتُ مِنْ نَفْسِي وَمِنْ إشْفاقِها
وَمِنْ طِرادِي الطَّيْرَ عَنْ أرْزاقِها
فِي سَنةٍ قَدْ كشَفَتْ عَنْ ساقِها
حَمْراءَ تَبْرِي اللَّحْمَ عَنْ عُراقِها
(2)
= والحاكم في المستدرك 2/ 499 كتاب التفسير: سورة، "ن والقلم"، وينظر: السنن الكبرى للبيهقي 10/ 241.
(1)
الأبيات من مشطور الرجز، لَمْ أقف على قائلها.
التخريج: إيضاح الوقف والابتداء ص 99، العقد الفريد 4/ 418، الكشف والبيان 10/ 19، زاد المسير 8/ 341، تاريخ دمشق 39/ 364، تفسير القرطبي 1/ 164، 19/ 113، البحر المحيط 8/ 310، الدر المصون 6/ 358، اللباب في علوم الكتاب 19/ 299، فتح القدير 5/ 275، روح المعانِي 29/ 35.
(2)
الأبيات من مشطور الرجز، لِعُمَرَ بن الخطاب، ونُسِبت لِرُؤْبةَ بن عُيَيْنةَ، ولِرُؤْبةَ بن العَجّاجِ.
اللغة: تَبْرِي اللَّحْمَ: تَقْشِرُهُ وتَنْحَتُهُ، العُراقُ: العَظْمُ الذي قد أخذ لحمه، فَإنْ كان عليه لَحْمٌ فهو عَرْقٌ.
التخريج: غريب القرآن لابن قتيبة ص 481، الزاهر لابن الأنباري 2/ 371، البصائر والذخائر لأبي حيان التوحيدي 9/ 114، الكشف والبيان 10/ 19، المحرر الوجيز 5/ 352، أساس البلاغة: سوق، شمس العلوم 7/ 4470، 10/ 6949، عين المعانِي ورقة 136/ ب، تفسير القرطبي 18/ 248، التذكرة الحمدونية 3/ 223، حَماسة الظرفاء =
ورَوَى مقاتل بن سليمان عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} ، يعني: عن ساقه اليُمْنَى، فَيُضِيءُ نُورُ ساقِهِ الأرضَ، فذلك قوله تعالى:{وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا}
(1)
، يعني: بِنُورِ ساقِهِ اليُمْنَى.
وقال ابن قتيبة
(2)
: أصْلُ هذا أنَّ الرَّجُلَ إذا وقع في أمْرٍ عَظِيمٍ احتاج إلَى الجِدِّ فيه شَمَّرَ عن ساقه، فاسْتُعِيرَ الكَشْفُ عن السّاقِ في موضع الشِّدّةِ، وأنشد لِدُرَيْدِ بن الصِّمّةِ:
386 -
كَمِيشُ الإزارِ، خارِجٌ نِصْفُ ساقِهِ
…
صَبُورٌ عَلَى الجُلَّى
(3)
، طَلَّاعُ أنْجُدِ
(4)
= 1/ 276، اللسان: عرق، البحر المحيط 4/ 60، 8/ 309، 310، اللباب في علوم الكتاب 19/ 298، 299، التاج: عرق، فتح القدير 5/ 275، روح المعانِي 29/ 34.
(1)
الزمر 69.
(2)
تأويل مشكل القرآن ص 137.
(3)
رواه ابن قتيبة: "على الجَلَّاءِ" بالمد، وبها يستقيم وزن البيت، ينظر: تأويل مشكل القرآن ص 137.
(4)
البيت من الطويل، لِدُريدِ بن الصِّمّةِ، يرثي أخاه عبد اللَّه الذي قتله بنو عَبْسٍ، ورواية ديوانه:"صَبُورٌ عَلَى العَزّاءِ"، وعلى رواية "الجُلَّى" بالقصر يختل الوزن.
اللغة: كَمِيشُ الإزارِ: مُشَمِّرٌ جادٌّ، ورَجُلٌ كَمِيشٌ: عَزُومٌ ماضٍ سَرِيعٌ في أُمُورِهِ، الجُلَّى: الأمْرُ العَظِيمُ، والجَلَّاءُ: الخَصْلةُ العَظِيمةُ، أنْجُدٌ: جَمْعُ نَجْدٍ وَهُوَ ما غَلُظَ مِنَ الأرْضِ وارْتَفَعَ واسْتَوَى، وَطَلَّاعُ أنْجُدٍ؛ أيْ: ضابِطٌ لِلأُمُورِ غالِبٌ لَها سامٍ لِمَعالِي الأُمُورِ.
التخريج: ديوانه ص 66، التعازي والمراثي للمبرد ص 23، الكامل للمبرد 1/ 384، الاختيارين ص 412، الزاهر لابن الأنباري 2/ 152، العقد الفريد 5/ 342، المقصور والممدود للقالِي ص 412، التهذيب 9/ 234، 10/ 488، ديوان المعانِي 1/ 56، المخصص 16/ 37، الكشف والبيان 10/ 19، الوسيط 4/ 304، شرح الحماسة للتبريزي 2/ 158، شرح الحماسة للمرزوقي ص 818، المحرر الوجيز 5/ 352، منتهى الطلب 3/ 323، اللسان: جلل، سوق، فتح القدير 5/ 275.