الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَيْنَ السماء والأرض بِسَلَاسِلَ مِنْ نُورٍ، وتلك السلاسل بِأيْدِي ملائكةٍ من نور، فإذا كانت النفخةُ الأُولَى تَناثَرَتْ تلك الكواكبُ، وَتَساقَطَت السلاسلُ التي بأيدي الملائكة الذين يمسكونها، فانتثرت في الأرض.
{وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3)} فُجِّرَ بَعْضُها فِي بَعْضٍ؟ عَذْبُها فِي مِلْحِها، وَمِلْحُها فِي عَذْبِها فَصارَتْ بَحْرًا واحِدًا
(1)
، نظيرها قوله تعالى:{وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6)}
(2)
{وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4)} قُلِبَ تُرابُها، وَبُعِثَ الموتى الذين فيها، يقال: بَعْثَرَ يُبَعْثِرُ بَعْثَرةً: إذا قَلَّبَ التُّرابَ {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ} من عمل صالح وطالح {وَأَخَّرَتْ (5)} من حسنة وسيئة، وهذا جواب {إِذَا} .
فصل
عن حُذَيْفةَ بنِ اليَمانِ قال: قام سائلٌ على عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَسَألَ القَوْمَ، ثُمَّ إنَّ رَجُلًا أعْطاهُ، فَأعْطاهُ القَوْمُ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَنِ اسْتَنَّ خَيْرًا فاسْتُنَّ بِهِ، فَلَهُ أجْرُهُ وَمِثْلُ أُجُورِ مَنِ اتَّبَعَهُ، غَيْرَ مُنْتَقَصٍ مِنْ أُجُورِهِمْ، وَمَنِ اسْتَنَّ شَرًّا فاسْتُنَّ بِهِ، فَعَلَيْهِ وِزْرُهُ وَمِثْلُ أوْزارِ مَنِ اتَّبَعَهُ، غَيْرَ مُنْتَقَصٍ مِنْ أوْزارِهِمْ"، ثم تَلا حُذَيْفةُ بنُ اليَمانِ:{عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)}
(3)
.
(1)
قاله قتادة، ينظر: جامع البيان 30/ 106، شفاء الصدور ورقة 216/ ب، الكشف والبيان 10/ 145، الوسيط 4/ 433، التبيان للطوسي 10/ 290، مجمع البيان للطبرسي 10/ 285، تفسير القرطبي 19/ 244.
(2)
سورة التكوير الآية 6، وينظر ما سبق فِي 4/ 304.
(3)
رواه الإمام أحمد في المسند 5/ 387، والحاكم في المستدرك 2/ 516 كتاب التفسير: سورة {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1)} ، والطبرانِيُّ في المعجم الأوسط 4/ 94، وذكره الهيثميُّ في مجمع الزوائد 1/ 167 كتاب العلم: باب فيمن سَنَّ خَيْرًا أو غَيْرَهُ.
قوله: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)} نعت "رِبِّكَ"، يعني: الصَّفُوح، و {مَا} استفهامٌ ابتداء، و {غَرَّكَ} الخبر، والمعنى: ما الذي أمَّنَكَ مِنْ عِقابِهِ؟، يقال: غَرَّهُ بِفُلَانٍ: إذا أمَّنَهُ المَحْذُورَ مِنْ جِهَتِهِ وهو غير مأمون، قيل: إنها نزلت في الوليد بن المغيرة، وقيل: في أُبَيِّ بن خلف، وقيل: في أبِي الأشَدَّيْنِ كَلَدةَ ابنِ أُسَيْدٍ
(1)
.
وكان عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رضي الله عنه إذا قرأ هذه الآية: {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)} قال: الجَهْلُ يا رَبِّ
(2)
، وقيل لِلْفُضَيْلِ بن عِياضٍ: لو أقامَكَ اللَّه يَوْمَ القيامة بين يديه، فقال:{مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)} ، ماذا كُنْتَ تَقُولُ؟ قال: أقول: غَرَّنِي سُتُورُكَ المُرْخاةُ
(3)
، فنَظَمَهُ محمدُ بنُ السَّمّاكِ
(4)
فقال:
483 -
يا كاتِمَ الذَّنْبِ أما تَسْتَحِي
…
واللَّه في الخَلْوةِ ثانِيكا
غَرَّكَ مِنْ رَبِّكَ إمْهالُهُ
…
وَسَتْرُهُ طُولَ مَساوِيكا
(5)
(1)
تنظر هذه الأقوال في: شفاء الصدور ورقة 216/ ب، الوسيط 4/ 434، تفسير القرطبي 19/ 245.
(2)
ينظر قول عمر في الكشاف 4/ 227، تفسير القرطبي 19/ 245، البحر المحيط 8/ 428.
(3)
ينظر قوله في الكشف والبيان 10/ 146، الوسيط 4/ 435، الكشاف 4/ 228، زاد المسير 9/ 47، عين المعانِي ورقة 143/ أ، تفسير القرطبي 19/ 245، 246.
(4)
محمد بن صُبَيْحِ بنِ السَّمّاكِ، أبو العباس العِجْلِيُّ بالولاء، الزاهدُ القدوة الصدوق سيد الوُعّاظِ، رَوَى عن الأعمش وهشام بن عروة ولَمْ يُكْثِرْ، توفِّيَ سنة (183 هـ). [حلية الأولياء 8/ 203 - 217، سير أعلام النبلاء 8/ 328 - 330، ميزان الاعتدال 3/ 584].
(5)
البيتان من السريع، لابن السماك كما ذكر المؤلف.
التخريج: الكشف والبيان 10/ 146، الوسيط 4/ 435، عين المعانِي ورقة 143/ أ، تفسير القرطبي 19/ 246، البحر المحيط 8/ 428، روح المعانِي للآلوسي 30/ 64.
وقال أبو بكر بن طاهر الأبْهَرِيُّ في هذا المعنى:
484 -
يا مَنْ غَلَا فِي العُجْبِ والتِّيهِ
…
وَغَرَّهُ طُولُ تَمادِيهِ
أمْلَى لَكَ اللَّه فَبارَزْتَهُ
…
وَلَمْ تَخَفْ غِبَّ مَعاصِيهِ
(1)
وقال عبد اللَّه بن مسعود: "ما مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ إَلَّا سَيَخْلُو اللَّهُ بِهِ يَوْمَ القيامة، فَيَقُولُ: "يا ابنَ آدَمَ: ما غَرَّكَ بِي؟ يا ابن آدم: ما عَمِلْتَ فِيما عَلِمْتَ؟ يا ابن آدَمَ: ماذا أجَبْتَ المُرْسَلِينَ؟ "
(2)
.
وقوله: {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7)} ؛ أي: خَلَقَكَ قائمًا معتدلًا حَسَنَ الصورة، قرأ أهلُ الكوفة بتخفيف الدال؛ أي: صَرَفَكَ وَأمالَكَ إلَى أيِّ صورةٍ شاءَ، قبيحًا وجميلًا، وقصيرًا وطويلًا
(3)
، وقيل
(4)
: صَرَفَكَ من الكفر إلَى الإيمان، وقرأ الباقون بالتشديد
(5)
؛ أي: قَوَّمَكَ فَجَعَلَكَ مُعْتَدِلَ الخَلْقِ،
(1)
البيتان من السريع، لأبِي بكر بن طاهر الأبْهَرِيِّ كما ذكر المؤلف.
اللغة: التِّيهُ: الصَّلَفُ والكِبْرُ، غِبُّ الشيءِ: عاقِبَتُهُ وآخِرُهُ.
التخريج: الكشف والبيان 10/ 147، الوسيط 4/ 435، عين المعاني 143/ أ، القرطبي 19/ 246.
(2)
رواه الطبرانِيُّ في المعجم الكبير 9/ 182، وينظر: الوسيط للواحدي 4/ 435، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 347 كتاب البعث: باب ما جاء في الحساب.
(3)
قاله الفراء وابن قتيبة، ينظر: معانِي القرآن للفراء 3/ 244، غريب القرآن لابن قتيبة ص 518، وينظر أيضًا: تهذيب اللغة 2/ 211، زاد المسير 9/ 48، القرطبي 19/ 246، اللسان: عدل.
(4)
قاله أبو عمر الزاهد في ياقوتة الصراط ص 559.
(5)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: {فَعَدَّلَكَ} بالتشديد، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وخلف والأعمش والحسن وعمرو بن عبيد وطلحة وعيسى بن عمر وأبو جعفر:"فَعَدَلَكَ" =
وهو الاختيار لقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)}
(1)
، ومحل {الَّذِي} خفض على نعت {الكَرِيمِ} .
وقوله: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)} {مَا} صلة لا محل لها، قال مجاهد ومقاتل والكلبي
(2)
: في أيِّ شَبَهٍ مِنْ أبٍ أو أُمٍّ أو خالٍ أو عَمٍّ، وقال عكرمة وأبو صالِحٍ
(3)
: إنْ شاءَ في صورة حِمارٍ، وإن شاء في صورة قِرْدٍ، وإن شاء في صورة كَلْبٍ، وإن شاء في صورة خِنْزِيرٍ
(4)
.
قوله تعالى: {كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9)} يعني الحساب الذي يَدِينُ اللَّهُ النّاسَ فِيه بأعمالهم، والمعنى: كَلّا لا يؤمن هذا الإنسانُ الكافرُ بالجزاء والحساب، فَيَزْعُمُ أنه غير كائن، قرأ أبو جعفر:"يُكَذِّبُونَ"
(5)
بالياء، وقرأه
= بالتخفيف، ينظر: السبعة ص 674، تفسير القرطبي 19/ 246، البحر المحيط 8/ 428، الإتحاف 2/ 594.
(1)
التين 4، وهذا الاختيار اختيار الفراء، فقد قال:"ومن قرأ: {فَعَدَّلَكَ} مشددةً فإنه أراد، واللَّه أعلم-: جَعَلَكَ مُعْتَدِلًا مُعَدَّلَ الخَلْقِ، وهو أعجب الوجهين إلَيَّ، وأجودهما في العربية". معانِي القرآن 3/ 244، وحكاه الأزهري عن الفراء في التهذيب 2/ 211، وينظر: تفسير القرطبي 19/ 246.
(2)
ينظر: جامع البيان 30/ 109، إعراب القرآن للنحاس 5/ 169، زاد المسير 9/ 48، التبيان للطوسي 10/ 292، تفسير القرطبي 19/ 247.
(3)
هو باذامُ، وقيل: باذانُ، أبو صالِحٍ الهاشِمِيُّ الكُوفِيُّ، مَوْلَى أم هانئ بنت أبِي طالب، تابِعِيٌّ رَوَى عن ابن عباس وعليٍّ وَأبِي هريرة، ضَعَّفَهُ البخاريُّ وغيره، وَوَثَّقَهُ العِجْلِيُّ، وقال ابن مَعِينٍ:"ليس به بأس"، وعامة ما يرويه تفسير. [التاريخ الكبير 2/ 144، الجرح والتعديل 1/ 296، تهذيب التهذيب 1/ 364 - 365].
(4)
ينظر قولهما في جامع البيان 30/ 109، شفاء الصدور ورقة 217/ أ، الكشف والبيان 10/ 147، تفسير القرطبي 19/ 247.
(5)
قرأ بالياء أبو جعفر والحسن وشيبة وأبو بشر: "يُكَذِّبُونَ" بالياء، ينظر: البحر المحيط 8/ 428.