الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تاب)). ولفظ مسلم: ((لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب)) (1).
وفي حديث أبي موسى الأشعري: ((لو كان لابن آدم واديان من مالٍ لابتغى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب)) (2).
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((والمقصود من هذا كله الحذر من الانشغال بالمال والفتنة بالمال، وأن المؤمن ينبغي أن يكون أكبر همه العمل للآخرة، وأن لا ينشغل بالدنيا وشهواتها، فهو لم يخلق لها، [وإنما] خلق ليعمل فيها للآخرة فلا ينبغي أن ينشغل بها عما خُلِقَ له)) (3).
ويوضح ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)) (4).
وفي حديث عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه في قصة قدوم أبي عبيدة من البحرين: ((أظنكم قد سمعتم أبا عبيدة قد جاء بشيء)) قالوا: أجل يا رسول الله، قال: ((فأبشِروا وأمّلوا ما يسُّركم، فوالله لا الفقرَ أخشى
عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تُبسط عليكم الدنيا كما بُسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلكَكُم كما أهلكتهم)) وفي رواية:((وتلهيكم كما ألهتهم)) (5).
5 - الإكثار من التفكر في أحوال المحتضرين
. جاء في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة بيان أحوال المحتضرين عند الموت، ومن ذلك على سبيل المثال ما يأتي:
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، باب ما يتقى من فتنة المال، برقم 6439، ومسلم، كتاب الزكاة، باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثاً، برقم 1048.
(2)
مسلم، كتاب الزكاة، باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثاً، برقم 1050.
(3)
سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الأحاديث رقم 6436 - 6439.
(4)
مسلم، كتاب البر والصلة، باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله، برقم 34 - (564).
(5)
متفق عليه: كتاب الجزية والموادعة، باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب، برقم 3158، ومسلم، كتاب الزهد والرقائق، برقم 2961.
* قال الله تعالى: {كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ، وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} (1) يعظ الله تعالى عباده بذكر حال المحتضر عند السياق، وأنه إذا بلغت روحه التراقي - وهي العظام المكتنفة لثغرة النحر، التي بين ثغرة النحر والعاتق - فحينئذ يشتد الكرب والأهوال ثبتنا الله هناك بالقول الثابت، وفي هذه الحال تُطلب كل وسيلة وسبب يُظن أنه يحصل بها شفاء، ولكن إذا جاء قضاء الله وقدره فلا مردَّ له (2).
* فقوله تعالى: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} الروح {الْحُلْقُومَ} أي الحلق وذلك حين الاحتضار، كما قال تعالى:{كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} ولهذا قال هاهنا: {وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} أي المحتضر وما يكابده من سكرات الموت {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ} أي بعلمنا وملائكتنا، {وَلَكِن لا تُبْصِرُونَ} أي ولكن لا ترونهم، كما قال تعالى في الآية الأخرى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرّطُونَ * ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى الله
(1) سورة القيامة، الآيات: 26 - 30.
(2)
انظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ص1397، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص900.
(3)
سورة الواقعة، الآيات: 83 - 96.
مَوْلَاهُمُ الْحَقّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} (1) وقوله تعالى:
{فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} معناه: فهلا ترجعون هذه النفس التي قد بلغت الحلقوم إلى مكانها الأول ومقرها من الجسد {إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} يعني محاسبين، وقيل:{إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} يعني غير مصدقين أنكم تدانون وتبعثون وتجزون فردوا هذه النفس، وقيل: المعنى غير موقنين، وقيل: غير معذبين مقهورين (2).
وقد ذكر الله عز وجل أحوال الطوائف الثلاث: المقربين، وأصحاب اليمين، والمكذبين الضالين في أول هذه السورة في دار القرار، ثم ذكر أحوالهم في آخرها عند الاحتضار، والموت وهي ثلاثة أحوال كذلك:
* فقال: {فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ} أي إن كان الميت من المقربين، وهم الذين فعلوا الواجبات، والمستحبات، وتركوا المحرمات، والمكروهات، وبعض المباحات {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} أي فلهم ((روح)) راحة، وطمأنينة، وسرور، وبهجة، ونعيم القلب والروح، ورحمة، وفرح، واستراحة، وراحة من الدنيا، ورخاء، ورزق، قال الإمام
ابن كثير - رحمه الله تعالى -: ((وكل هذه الأقوال متقاربة)) (3)، {وَرَيْحَانٌ} هو اسم جامع لكل لذة بدنية من أنواع المآكل والمشارب وغيرهما، وقيل: الريحان: هو الطّيب المعروف، فيكون تعبيراً بنوع الشيء عن جنسه العام (4)، وقوله:{وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} جامعة للأمرين كليهما، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فَبُشّرَ المقربون عند الاحتضار بهذه البشارة التي تكاد تطير منها الأرواح من الفرح والسرور، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتَقَامُوا
(1) سورة الأنعام، الآيتان: 61، 62.
(2)
تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ص1305، وانظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي، ص836.
(3)
تفسير القرآن العظيم، ص1305.
(4)
تيسير الكريم الرحمن للسعدي، ص837.
تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلا مّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} (1) ويفسر ذلك قوله تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (2). وأن هذه البشارة المذكورة هي البشرى في الحياة الدنيا (3).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه))، قالت عائشة رضي الله عنها أو بعض أزواجه: إنا لنكره الموت؟ قال: ((ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بُشّر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حُضِرَ بُشّر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه، فكره لقاء الله وكره الله لقاءه)). وفي رواية مسلم: ((ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بُشّر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله، فأحب الله لقاءه،
وإن الكافر إذا بُشّر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه)). وفي لفظ لمسلم: ((والموت قبل لقاء الله)) (4).
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في قوله: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} أي فلهم روح وريحان، وتبشرهم الملائكة بذلك عند الموت، كما في حديث البراء: أن ملائكة الرحمة تقول: ((أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه، اخرجي إلى روح وريحان ورب غير
(1) سورة فصلت، الآيات: 30 - 32.
(2)
سورة يونس، الآية:64.
(3)
تيسير الكريم الرحمن للسعدي، ص837.
(4)
متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، برقم 6507، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، برقم 2684.
غضبان)) (1)، وحديث البراء رضي الله عنه له ألفاظ منها: ((إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن على وجوههم الشمس معهم أكفان من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة [وفي رواية المطمئنة] اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان
…
)) الحديث وفيه: ((وإن العبد الكافر [وفي رواية: الفاجر] إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة [غلاظ شداد] سود الوجوه معهم المسوح [من النار] فيجلسون منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب
…
)) الحديث (2).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا حُضِرَ المؤمن أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء، فيقولون: اخرجي راضية مرضيّاً عنك إلى روح وريحان وربٍّ غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك، حتى إنه ليتناوله بعضهم بعضاً، حتى يأتون به السماء، فيقولون: ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض! فيأتون به أرواح المؤمنين، فَلَهُمْ أشد فرحاً به من أحدكم بغائبه قدم عليه، فيسألونه: ما فعل فلان؟ ماذا فعل فلان؟ فيقولون: دَعُوه؛ فإنه كان في غمّ الدنيا، فإذا قال: أما أتاكم؟ قالوا:
(1) تفسير القرآن العظيم، ص1305.
(2)
حديث البراء، أخرجه أبو داود، كتاب الجنائز، باب الجلوس عند القبر، برقم 3212، وفي كتاب السنة، باب في المسألة في القبر وعذاب القبر، برقم 4753، و4754، وحسّن إسناده الأرنؤوط في جامع الأصول،11/ 179،والحاكم،1/ 37 - 40،وأحمد 4/ 287،و288،و295، و296، والقسم الأول من الحديث إلى قوله:((وكأن على رؤوسنا الطير)) أخرجه النسائي،
1/ 282، وهي رواية لأبي داود، 2/ 70، وكذا أحمد، 4/ 297، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه ابن القيم في إعلام الموقعين، 1/ 214، وتهذيب السنن 4/ 337، وصححه الألباني، وذكر زياداته في كتاب الجنائز، ص202.
ذُهِبَ به إلى أمّهِ الهاوية، وإن الكافر إذا حُضِر أتته ملائكة العذاب بمسْحٍ، فيقولون: اخرجي ساخطة مسخوطاً عليك إلى عذاب الله عز وجل، فتخرج كأنتن ريح جيفة، حتى يأتون به باب الأرض، فيقولون: ما أنتن هذه الريح! حتى يأتون به أرواح الكفار)) (1).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: ((إذا خرجت روح المؤمن تلقَّاها ملكان يصعدانها، فذكر من طيب ريحها وذكر المسك، ويقول أهل السماء: روح طيبة جاءت من قبل الأرض، صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه، فينطلق به إلى ربه عز وجل، ثم يقول: انطلقوا به إلى آخر الأجل، وإن الكافر إذا خرجت روحه وذكر من نتنها، وذكر لعناًً، ويقول أهل السماء: روح خبيثة جاءت من قبل الأرض، فيقال: انطلقوا به إلى آخر الأجل)) (2).
قال الله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً
* فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} (3)، قال الإمام ابن كثير رحمه الله:((وهذا يقال لها عند الاحتضار وفي يوم القيامة أيضاً، كما أن الملائكة يبشرون المؤمن عند احتضاره وعند قيامه من قبره، فكذلك هاهنا)) (4).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل صالحاً قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة، كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان، فلا يزال يقال لها، حتى تخرج، ثم يُعرج بها إلى السماء،
(1) النسائي، كتاب الجنائز، باب ما يلقى به المؤمن من الكرامة عند خروج نفسه، برقم 1834، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي،2/ 9،وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم1309.
(2)
مسلم، كتاب الجنة ونعيمها، باب عرض مقعد الميت من الجنة والنار عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه، برقم 2872.
(3)
سورة الفجر، الآيات: 27 - 30.
(4)
تفسير القرآن العظيم، ص1434، وانظر: الروح لابن القيم، 1/ 339.
فيُفتح لها، فيقال: من هذا؟ فيقولون: فلانٌ، فيقال: مرحباً بالنفس الطيبة، كانت في الجسد الطيب، ادخلي حميدة، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان، فلا يزال يُقال لها ذلك حتى يُنتهى بها إلى السماء التي قال فيها الله عز وجل، وإذا كان الرجل السوء قال: اخرجي أيتها النفس الخبيثة، كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمة، وأبشري بحميم وغسَّاق، وآخر من شَكْلِه أزواج، فلا يزال يُقال لها ذلك حتى تخرج، ثم يُعرج بها إلى السماء، فلا يفتح لها، فيُقال: من هذا؟ فيُقال: فلان، فيُقال: لا مرحباً بالنفس الخبيثة، كانت في الجسد الخبيث، ارجعي ذميمة، فإنها لا تفتح لك أبواب السماء، فيُرسل بها من السماء، ثم تصير إلى القبر)) (1).
* {وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} وهم الذين أدَّوا الواجبات، وتركوا المحرمات، وإن حصل منهم بعض التقصير في بعض الحقوق التي لا تخل بتوحيدهم، وإيمانهم، فهذا المحتضر تبشّره الملائكة بالسلامة، وأنه لا بأس عليه، وأنه من أصحاب اليمين، وأنه قد سلم من
عذاب الله، وتُسلّم عليه الملائكة (2)، وقيل: سلام حاصل لك من إخوانك أصحاب اليمين: أي يسلمون عليه ويحيُّونه عند وصوله إليهم، ولقائهم له، أو يقال له: سلام لك من الآفات، والبليات، والعذاب؛ لأنك من أصحاب اليمين الذين سلموا من الذنوب الموبقات (3).
* {وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذّبِينَ الضَّالّينَ * فَنُزُلٌ مّنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} أي وأما إن كان المحتضر من المكذبين بالحق الضالين عن الهدى {فَنُزُلٌ} أي ضيافة، {مّنْ حَمِيمٍ} وهو الماء المذاب الذي يُصهر
(1) ابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له، برقم 4338، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 3/ 386، وغيره.
(2)
انظر: تفسير ابن كثير، ص1305، 1306.
(3)
تيسير الكريم الرحمن للسعدي، ص837.
به ما في بطونهم والجلود، ويُغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه، بئس الشراب وساءت مرتفقاً {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} التي تحيط به وتغمره من جميع جهاته، نسأل الله العافية (1).
* وينبغي للمؤمن أن لا ينسى سكرات الموت وشدته، ويذكر ذلك دائماً حتى يكون على استعداد للقاء الله تعالى، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك (2) فمسسته بيدي، فقلت: يا رسول الله إنك توعك وعكاً شديداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أجلْ إني أوعك كما يوعكُ رجلان منكم)) قال: فقلت: ذلك أن لك أجرين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أجل ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه [شوكة فما فوقها] إلا حطَّ الله بها سيئاته كما تَحطُّ الشجرة ورقها)) (3).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما رأيت أحداً أشدَّ عليه الوجع من
رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (4).
قالت عائشة رضي الله عنها: ((فلا أكره شدة الموت لأحد أبداً بعد النبي صلى الله عليه وسلم)) (5).
وفي حديث آخر عن عائشة رضي الله عنها وفيه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم عند موته جعل يديه في إناء صغير فيه ماء يدخلهما في الماء فيمسح بهما وجهه ويقول: لا إله إلا الله، إن للموت سكرات)). وفي لفظ مسلم: ((اللهم
(1) تفسير ابن كثير، ص1306، وتفسير السعدي، ص837.
(2)
يوعك: قيل الحمى، وقيل: ألمها، وقيل: إرعادها الموعوك وتحريكها إياه. فتح الباري، لابن حجر، 10/ 111.
(3)
متفق عليه: البخاري، كتاب المرضى، باب شدة المرض، برقم 5647،وباب أشد الناس بلاء: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، برقم 5648،ومسلم، كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من: مرض أو حزن، أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها، برقم 2571 واللفظ له إلا ما بين المعقوفين.
(4)
متفق عليه: البخاري، كتاب المرضى، باب شدة المرض، برقم 5646، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه، برقم 2570.
(5)
متفق عليه: البخاري، كتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، برقم 4446، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، برقم 2443.
اغفر لي، وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى)) (1).
ومن أشمل الأحاديث في ذلك حديث البراء بن عازب قال: ((خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولمَّا يُلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم[مستقبل القبلة]، وجلسنا حوله، وكأنَّ على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت في الأرض، [فجعل ينظر إلى السماء، وينظر إلى الأرض، وجعل يرفع بصره ويخفضه، ثلاثاً]، فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر، مرتين أو ثلاثاًً [ثم قال: اللهم إن أعوذ بك من عذاب القبر] [ثلاثاً]، ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأنَّ وجوهَهم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحَنوط (2) من حَنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام (3) حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة (وفي رواية:
المطمئنة)، اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، فيأخذها، (وفي رواية: حتى إذا خرجت روحه صلى عليه كل مَلَك بين السماء والأرض، وكل مَلَك في السماء، وفُتحت له أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يُعرج بروحه من قبلهم)، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحنوط [فذلك قوله تعالى:{تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرّطُونَ} ، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال: فيصعدون بها فلا يمرّون - يعني - بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون:
(1) متفق عليه: البخاري: كتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، برقم 4449، ومسلم، فضائل الصحابة، باب في فضائل عائشة رضي الله عنها، برقم 2444.
(2)
بفتح المهملة: ما يخلط من الطيب لأكفان الموتى وأجسامهم خاصة.
(3)
قال العلامة الألباني رحمه الله: هذا هو اسمه في الكتاب والسنة (ملك الموت)، وأما تسميته (بعزرائيل) فمما لا أصل له، خلافاً لما هو المشهور عند الناس، ولعله من الإسرائيليات.
فلان ابن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح لهم، فيشيعه من كل سماء مقربوها، إلى السماء التي تليها، حتى ينتهي به إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} فيكتب كتابه في عليين، ثم يقال]: أعيدوه إلى الأرض، فإني [وعدتهم أني] منها خلقتهم، وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فـ[يرد إلى الأرض، و] تُعاد روحه في جسده، [قال: فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه] [مدبرين]، فيأتيه مَلَكان [شديدا الانتهار] فـ[ينتهرانه، و] يُجلسانه فيقولان له: من ربُّك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك: فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجلُ الذي بُعث فيكم؟ فيقولُ: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان له: وما عِلْمُكَ؟ فيقول: قرأت كتاب الله، فآمنت به، وصدَّقت، فينتهره فيقول: مَن ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وهي آخر فتنة تُعرض على المؤمن، فذلك حين يقول الله عز وجل:{يُثَبّتُ الله الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ، فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فينادي مناد في السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من
الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، قال:[وفي رواية: يُمَثلُ له] رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرُّك، [أبشر برضوان من الله، وجناتٍ فيها نعيمٌ مقيمٌ]، هذا يومك الذي كنت تُوعَد، فيقول له:[وأنت فبشرّك الله بخير] من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير، فيقولُ: أنا عملك الصالح [فوالله ما علمتك إلا كنت سريعاً في طاعة الله، بطيئاً في معصية الله، فجزاك الله خيراً]، ثم يُفتح له باب من الجنة، وباب من النار، فيقال: هذا منزلك لو عصيت الله، أبدلك الله به هذا، فإذا رأى ما في الجنة قال: رب عجّلْ قيام الساعة، كيما
أرجع إلى أهلي ومالي، [فيقال له: اسكنْ].
قال: وإن العبد الكافر (وفي رواية: الفاجر) إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة [غلاظ شداد]،سود الوجوه، معهم المسوح (1)[من النار]،فيجلسون منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخطٍ من الله وغضبٍ، قال: فتفرَّق في جسده فينتزعها كما يُنتزع السُّفودُ [الكثير الشُّعب من الصوف المبلول، [فتُقطع معها العروق والعصب]، [فيلعنه كل مَلَك بين السماء والأرض، وكل مَلَك في السماء، وتُغلق أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله ألا تعرج روحه من قبلهم]، فيأخذها، فإذا أخذها، لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وُجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرُّون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان ابن فلان - بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهيَ به
إلى السماء الدنيا، فيُستفتح له، فلا يُفتح له، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:{لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمّ الْخِيَاطِ} (2) فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجّين، في الأرض السفلى، [ثم يقال: أعيدوا عبدي إلى الأرض فإني وعدتهم أني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى]، فتطرح روحه [من السماء] طرحاً [حتى تقع في جسده]، ثم قرأ:{وَمَن يُشْرِكْ بِالله فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} فتعاد روحه في جسده، [قال: فإنه ليسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه].
(1) جمع المِسْح، بكسر الميم، وهو ما يُلبس من نسيج الشعر على البدن تقشفاً وقهراً للبدن.
(2)
أي ثقب الإبرة، والجمل هو الحيوان المعروف، وهو ما أتى عليه تسع سنوات.
ويأتيه ملكان [شديدا الانتهار، فينتهرانه، و] يجلسانه، فيقولان له: مَن ربك؟ [فيقول: هاهْ، هاهْ (1) لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاهْ هاهْ لا أدري]، فيقولان: فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فلا يهتدي لاسمه، فيقال: محمد! فيقولُ: هاهْ هاهْ لا أدري [سمعت الناس يقولون ذاك! قال: فيقال: لا دريت]، ولا تلوت]، فيُنادي منادٍ من السماء أن: كذب، فأفرشوا له من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه (وفي رواية: ويُمثل له) رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، مُنتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت تُوعَد، فيقول:[وأنت فبشَّرك الله بالشر] من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر! فيقول: أنا عملك الخبيث، [فوالله ما علمتُ إلا كنتَ بطيئاً عن طاعة الله، سريعاً إلى معصية الله]، [فجزاك الله شراً، ثم يُقيَّض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة! لو ضُرب بها جبل كان تراباً فيضربه ضربة حتى يصير بها تراباً، ثم يعيده الله كما كان، فيضربه ضربة أخرى، فيصيح صيحة يسمعه كل
شيء إلا الثقلين، ثم يُفتح له باب من النار، ويمهد من فرش النار]،فيقول: ربّ لا تقم الساعة (2))) (3).
(1) هي كلمة تقال في الضحك وفي الإيعاد، وقد تُقال للتوجع، وهو أليق بمعنى الحديث والله أعلم. كذا في ((الترغيب)).
(2)
أبو داود، برقم 3212، ويأتي تخريجه أيضاً.
(3)
قال الألباني رحمه الله: الزيادة الأولى لأبي داود وابن ماجه والحاكم، والثانية لأحمد والطيالسي، والثالثة له والحاكم، والرابعة لأحمد، والخامسة للطيالسي، وله السادسة والثامنة، والسابعة للحاكم، والثامنة للطيالسي، والتاسعة لأحمد، والعاشرة لأبي داود، والحادية عشرة والثانية عشرة للطيالسي، والثالثة عشرة لأحمد، والرابعة عشرة للطيالسي، والخامسة عشرة له وكذا أحمد، والسادسة عشرة له أيضاً ولأحمد نحوه، وله السابعة عشرة والثامنة عشرة والتاسعة عشرة والعشرون والواحدة والعشرون، وللحاكم الأخيرتان منها، والثانية والعشرون لأحمد، والثالثة والعشرون والخامسة والعشرون للحاكم، والرابعة والعشرون للطيالسي، والسادسة والعشرون لأحمد، والسابعة والعشرون للطيالسي، والثامنة والعشرون لأبي داود، والتاسعة والعشرون والثلاثون للطيالسي، ولأحمد الزيادات الباقية والثالثة والثلاثون منها للطيالسي ولفظها له.
وأما الرواية الثانية فهي للحاكم، ولأحمد الثالثة، وللحاكم والطيالسي الرابعة والخامسة والسادسة.