الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في القتل، أو الطاعون أو غير ذلك من أسباب الموت العام بكثرة، أما عند الاستطاعة والقدرة فيدفن كل إنسان في قبر لوحده (1).
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((المشروع أن يدفن كل إنسان في قبر وحده، كما جرت به سنة المسلمين قديماً وحديثاً، ولكن إذا دعت الحاجة أو الضرورة إلى جمع اثنين فأكثر في قبر واحد فلا بأس به
…
قال بعض الفقهاء: وينبغي أن يجعل بين كل اثنين حاجز من تراب)) (2)، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله:((ولا يدفن اثنان في قبر واحد إلا لضرورة)) (3).
الأمر التاسع: جمع الأقارب في مقبرة واحدة حسن
؛ لحديث المطلب قال: لما مات عثمان بن مظعون أُخرج بجنازته فدفن، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً أن يأتيه بحجر، فلم يستطع حمله، فقام إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسر عن ذراعيه، قال كثير: قال المطلب: قال الذي يخبرني ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كأني أنظر إلى بياض ذراعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حسر عنهما، ثم حملها فوضعها عند رأسه وقال:((أتعلَّمُ بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي)) (4).
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وجمع الأقارب في الدفن حسن؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما دفن عثمان بن مظعون: ((أدفن إليه من مات من أهله)) (5)؛ ولأن ذلك أسهل لزيارتهم، وأكثر للترحم عليهم
…
)) (6).
(1) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 13/ 212.
(2)
مجموع رسائل ابن عثيمين، 17/ 214.
(3)
المغني، 3/ 513.
(4)
أبو داود، كتاب الجنائز، باب جمع الموتى في قبر، والقبر يعلَّم، برقم 3206، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 301. وقال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار، 2/ 773: ((قال الحافظ وإسناده حسن)).
(5)
في أصل سنن أبي داود: ((أهلي)).
(6)
المغني، 3/ 442، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/ 239.
الأمر العاشر: الموعظة عند القبر أمر لا بأس به؛ لحديث علي رضي الله عنه، قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا النبي صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرة (1) [وفي رواية: عود] (2) فنكس فجعل ينكت (3)[في الأرض] بمخصرته، ثم قال:((ما منكم من أحد [و] (4) ما من نفس منفوسة إلا [وقد](5) كتب مكانها من الجنة [أ](6) ومن النار، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة)). فقال رجل: يا رسول الله! أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل، فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، وأما من كان منا من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة، قال:(([لا] (7)[اعملوا فكل مسير لما خلق له](8)، أما [من كان من](9) أهل السعادة فسييسَّرون لعمل أهل السعادة، وأما [من كان من] أهل الشقاوة فسييسَّرون لعمل [أهل] الشقاوة)) ثم قرأ:{فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى *وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى * فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى *وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى *وَكَذَّبَ بِالحُسْنَى * فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى} (10).
وقد قال الإمام البخاري رحمه الله في ترجمة هذا الحديث: ((باب موعظة المحدث عند القبر وقعود أصحابه حوله)) قال الحافظ ابن حجر
(1) مخصرة: عصا لطيفة وهي ما يتكأ عليه ويجعل تحت الخصر غالباً، ونفس منفوسة: أي مخلوقة.
(2)
لفظ: عود من الطرف رقم 4946.
(3)
فنكس فجعل ينكت: نكس: طأطأ وخفض رأسه إلى الأرض على هيئة المهموم، ينكت: أي يخط خطّاً يسيراً مرة بعد مرة، وهذا فعل المفكر المهموم.
(4)
من الطرف رقم 4946.
(5)
من الطرف رقم 4946.
(6)
من الطرف رقم 4946.
(7)
من الطرف رقم 4947.
(8)
من الطرف رقم 4949.
(9)
من الطرف رقم 4949.
(10)
متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب موعظة المحدث عند القبر وقعود أصحابه حوله، برقم 1362، ومسلم، كتاب القدر، باب كيف خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه، وأجله، وعمله، وشقاوته وسعادته، برقم 2647.
رحمه الله: كأنه يشير إلى التفصيل بين أحوال القعود، فإن كان لمصلحة تتعلق بالحي أو الميت لم يكره)) (1).
ومما يدل على الموعظة عند القبر حديث البراء بن عازب الطويل وأوله: ((خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولمَّا يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة وجلسنا حوله، وكأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت في الأرض فجعل ينظر إلى السماء وينظر إلى الأرض، وجعل يرفع بصره ويخفضه ثلاثاً، فقال: ((استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثاً))، ثم قال: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ثلاثاً، ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال إلى الآخرة تنزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيب [وفي لفظ] المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان
…
)) الحديث (2).
قال الإمام شيخنا ابن باز رحمه الله: ((لقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة أنه وعظ الناس عند القبر وهم ينتظرون الدفن، وبذلك يعلم أن الوعظ عند القبر أمر مشروع قد فعله النبي صلى الله عليه وسلم؛ لما في ذلك من التذكير بالموت، والجنة والنار، وغير ذلك من أمور الآخرة، والحث على الاستعداد للقاء الله)) (3).
وقال العلامة الألباني رحمه الله: ((ويجوز الجلوس عنده [أي القبر] أثناء الدفن بقصد تذكير الحاضرين بالموت وما بعده؛ لحديث البراء بن
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 3/ 225.
(2)
أبو داود، برقم 3212، 4753، 4754،والحاكم، 1/ 37 - 40،وأحمد، 4/ 287، 288، 295، 296، وبرقم 1834، وتقدم تخريجه في أحوال المحتضرين.
(3)
مجموع فتاوى ابن باز، 13/ 210.