الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصفة الصلاة على الغائب كصفة الصلاة على الجنازة الحاضرة.
الأمر التاسع: مشروعية الصلاة على القبر إلى شهر
، وحكم إعادة الصلاة على الجنازة وتكرارها؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:((انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبر رطب، فصلَّى عليه، وصفوا خلفه، وكبر أربعاً)) (1)؛ ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه:أن امرأة سوداء كانت تقمّ المسجد - أو شاباً - ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها - أو عنه - فقالوا: مات، قال:((أفلا كنتم آذنتموني؟)) قال: فكأنهم صغَّروا أمرها - أو أمره - فقال: ((دلوني على قبره)) فدلوه فصلى عليها ثم قال: ((إن هذه القبور مملوءة ظلمةً على أهلها، وإن الله عز وجل ينوّرها لهم بصلاتي عليهم)) (2).
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر (3).
وعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه ((أن أمَّ سعدٍ ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم غائب، فلما
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر بعدما يدفن، برقم 1336، ومسلم، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر، برقم 954.
(2)
متفق عليه: البخاري، برقم 1336، ومسلم بلفظه، برقم 956، وتقدم تخريجه في عذاب القبر.
(3)
مسلم، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر، برقم 955.
قدم صلى عليها، وقد مضى لذلك شهر)) (1).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ((أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر بعد شهر)) (2). وعنه ((أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على ميت بعد ثلاث)) (3).
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فرأى قبراً جديداً، فقال:((ما هذا؟)) قالوا: هذه فلانة - مولاة بني فلان، فعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم - ماتت ظهراً وأنت نائم قائل، فلم نُحبَّ أن نوقظك بها، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف الناس خلفه وكبر عليها أربعاً، ثم قال:((لا يموت فيكم ميت ما دمت بين أظهركم إلا آذنتموني به، فإن صلاتي له رحمة)) (4).
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وجملة ذلك أن من فاتته الصلاة على الجنازة، فله أن يصلي عليها ما لم تدفن، فإن دفنت فله أن يصلي على القبر إلى شهر، هذا قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، روي ذلك عن أبي موسى، وابن عمر، وعائشة رضي الله عنهم .... )) (5).
وسمعت الإمام شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى يقول عن الأحاديث السابقة: ((هذه الأحاديث فيها تحديد الصلاة على الميت بعد موته في حدود شهر، وفي ذلك تواضع النبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على الميت أكثر من شهر، والصلاة توقيفية، أما رواية صلاته على
(1) الترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على القبر، برقم 1038. وقال الحافظ في التلخيص، 2/ 125: ((وإسناده مرسل صحيح)) ووصله البيهقي، 4/ 48 عن ابن عباس، وفي إسناده سويد بن سعيد، ووصله أيضاً الدارقطني، ص193، وحسنه الأرناؤوط في تحقيقه لجامع الأصول، 6/ 237.
(2)
الدارقطني، 2/ 78.
(3)
الدارقطني، 2/ 78.
(4)
النسائي، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر، برقم 2021، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/ 64.
(5)
المغني لابن قدامة، 3/ 444.
الشهداء بعد ثمان سنوات فيقال: بأنه دعا لهم ولم يصلّ عليهم)) (1)، وسمعته يقول:((هذا يدل على رحمته صلى الله عليه وسلم بالمسلمين، وفيه فضل كناسة المساجد، ومشروعية الصلاة على القبر، وأكثر ما ورد في الصلاة على القبر شهر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صلى على أم سعدٍ بعد شهر، أما ما زاد فالأصل عدم ذلك، أما ما ذكر من صلاته على قتلى أحد، فيحتمل أنه دعا لهم كدعوات الجنازة، ويحتمل أن هذا خاص به يودع الأحياء والأموات)) (2). والله عز وجل أعلم (3).
وصفة الصلاة على القبر كصفة الصلاة على الجنازة؛ لهذه الأحاديث.
(1) سمعته أثناء تقريره على منتقى الأخبار، الأحاديث رقم: 1827 - 1831.
(2)
سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 577.
(3)
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في الصلاة على القبر لمن لم يصل على الجنازة، فقيل: بعدم مشروعية الصلاة على القبر، وأن الصلاة على القبر من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل: الصلاة على القبر مشروعة، وبه قال الجمهور، واختلفوا فيمن لم يصلّ فقيل: يؤخر دفنه ليصلي عليه من كان لم يصلّ، وقيل: يبادر بدفنها ويصلي الذي فاتته على القبر. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ((ومن صلى مرة فلا يسن له إعادة الصلاة عليها، وإذا صُلّي على الجنازة مرة لم توضع لأحد يصلي عليها قال القاضي: لا يحسن بعد الصلاة عليه ويبادر بدفنه
…
)).
وقال ابن قدامة أيضاً: ((ويصلى على القبر وتعاد الصلاة عليه جماعة وفرادى نص عليهما أحمد. وقال: وما بأس بذلك فقد فعله عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،وفي حديث ابن عباس، قال: انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبر رطب فصفوا خلفه وكبر أربعاً [متفق عليه وتقدم تخريجه][المغني،3/ 444 - 446،والشرح الكبير،6/ 181 - 182].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاختيارات الفقهية، ص129:((ويصلى على الجنازة مرة بعد أخرى؛ لأنه دعاء وهو وجه في المذهب واختاره ابن عقيل في الفنون وقال في موضع آخر: ومن صلى على الجنازة فلا يعيدها إلا بسبب مثل أن يعيد غيره الصلاة فيعيدها معه، أو يكون هو أحق بالإمامة من الطائفة الثانية فيصلي بهم)).
واختلف في المدة التي يُصلى فيها على الميت في القبر: فقيل: إلى شهر، وقيل: ما لم يبل الجسد، وقيل: إلى اليوم الثالث، وقيل: يختص بمن كان من أهل الصلاة عليه حين موته، وقيل: يجوز أبداً [فتح الباري لابن حجر، 3/ 205، ونيل الأوطار للشوكاني، 2/ 724].
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((والصحيح أنه يُصلى على الغائب ولو بعد شهر، ونصي على القبر أيضاً ولو بعد الشهر)) [الشرح الممتع، 5/ 436] والراجح والله تعالى أعلم أنه يصلى عليها في حدود الشهر. كما تقدم.