الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
12 - لا بأس أن يتداوى المريض
؛ لحديث جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لكل داءٍ دواءٌ فإذا أُصيب دواءُ الداء برأ بإذن الله تعالى)) (1).
ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاءً)) (2).
ولحديث أسامة بن شريك، قال: قالت الأعراب يا رسول الله: ألا نتداوى؟ قال: ((نعم يا عباد الله تداووا؛ فإن الله عز وجل لم يضع داءً إلا وضع له دواءً غير داءٍ واحدٍ)) قالوا: يا رسول الله! وما هو؟ قال: ((الهرم))، وفي لفظ لأحمد:((تداووا عباد الله؛ فإن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل معه شفاء إلا الموت والهرم)). وفي لفظ لأحمد أيضاً: ((تداووا؛ فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، عَلِمَه من عَلِمَه، وجَهِلَهُ من جهله)).وفي لفظ لابن ماجه قالوا: يا رسول الله! ما خير ما أعطي العبد؟ قال: ((خلق حسن)) (3).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يرفعه: ((ما أنزل داءً إلا قد أنزل له شفاء، عَلِمَهُ مَن عَلِمَهُ، وجَهِلَهُ مَن جَهِلَهُ)) (4).
ولا شك أن الأدوية من قدر الله تعالى (5)، وقد قال أبو عبيدة بن الجراح لعمر حينما لم يدخل بالجيش الشام بسبب وجود الطاعون بها:
(1) مسلم، كتاب السلام، باب لكل داء دواء واستحباب التداوي، برقم 2204.
(2)
البخاري، كتاب الطب، باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، برقم 5678.
(3)
أحمد، 4/ 278، والترمذي، كتاب الطب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الدواء والحث عليه، برقم 2038، وأبو داود، كتاب الطب، باب في الرجل يتداوى، برقم 3855، وابن ماجه، كتاب الطب، باب ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء، برقم 3436، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، وغيره، 2/ 461.
(4)
أحمد، برقم 3578، 3922، 4236، 4267، 4334، وقال أحمد شاكر في شرحه للمسند،
5/ 200: ((إسناده صحيح)).
وأخرجه ابن ماجه، كتاب الطب، باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، برقم 3438.
(5)
انظر: مسند الإمام أحمد، برقم 15472، 15473، 15474، وزاد المعاد 4/ 14.
((أفراراً من قدر الله؟)) فقال عمر رضي الله عنه: ((لو غيرك قالها يا أبا عبيدة - وكان عمر يكره خلافه، نعم نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله
…
)) (1).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ((فقد تضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات وإبطال قول من أنكرها، ويجوز أن
يكون قوله صلى الله عليه وسلم: ((لكل داء دواء)) على عمومه حتى يتناول الأدواء
القاتلة، والأدواء التي لا يمكن الطبيب أن يبرئها، ويكون الله عز وجل قد
جعل لها أدوية تبرئها، ولكن طوى علمها عن البشر، ولم يجعل لهم إليه سبيلاً؛ لأنه لا علم للخلق إلا ما علمهم الله، وهذا أحسن المحملين في الحديث
…
)) (2).
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول: ((هذه الأحاديث تدل على شرعية التداوي بالطرق المباحة، وهو خير من ترك الدواء؛ لأن الدواء يعينه على الطاعة، والمرض قد يعوقه عن الطاعات)) (3)، وقال رحمه الله:((الله قدر الداء وقدَّر الدواء، فكلٌّ من قدر الله)) (4)، وسمعته أيضاً يقول:((ترك الأسباب عجز، والتوكل هو الاعتماد على الله والعمل بالأسباب)) (5)، وقال:((وتعطيل الأسباب فيه فساد الدين والدنيا، أما حديث السبعين [ألف] الذين يدخلون الجنة بغير حساب فهو من باب الأفضلية، وإذا احتاج إلى الاسترقاء، أو الكي فلا حرج)) (6).
وكنت أسمعه يرجح أن التداوي يكون مستحبّاً فقط، ولا يكون واجباً
(1) متفق عليه في قصة طويلة: البخاري، كتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون، برقم 5729،ومسلم، كتاب السلام، باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها، برقم 2219.
(2)
زاد المعاد، 4/ 14.
(3)
سمعته أثناء تقريره على زاد المعاد، 4/ 13.
(4)
سمعته أثناء تقريره على زاد المعاد، 4/ 14.
(5)
سمعته أثناء تقريره على زاد المعاد، 4/ 15.
(6)
سمعته أثناء تقريره على زاد المعاد، 4/ 16.
على الصحيح.
وذكر العلامة ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - خلاف العلماء:
القول الأول: منهم من قال: يجب التداوي.
القول الثاني: منهم من قال: يستحب ولا يجب.
القول الثالث: منهم من قال: ترك التداوي أفضل، ولا ينبغي أن يتداوى الإنسان.
القول الرابع: قال بعض العلماء: إذا كان الدواء مما عُلِمَ أو غَلَبَ على الظن نفعه بحسب التجارب فهو أفضل، وإن كان من باب المخاطرة فتركه أفضل.
قال: والصحيح أنه يجب إذا كان في تركه هلاك، مثل: السرطان الموضعي، والسرطان الموضعي بإذن الله إذا قطع الموضع الذي فيه السرطان، فإنه ينجو منه، لكن إذا انتشر في البدن، وكانت النتيجة هي الهلاك، فهذا يكون دواء معلوم النفع؛ لأنه موضعي يقطع ويزول، وقد خرق الخضر السفينة، لإنجاء جميعها، فكذلك البدن إذا قطع بعضه من أجل نجاة باقيه كان ذلك واجباً، وعلى ذلك فالأقرب أن يقال ما يلي:
أ - أن ما عُلِمَ أو غلب على الظن نفعه مع احتمال الهلاك بعدمه فهو واجب.
ب - أن ما غلب على الظن نفعه، ولكن ليس هناك هلاك محقق بتركه فهو أفضل؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك؛ ولأنه من الأسباب النافعة، والإنسان ينتفع بوقته ولاسيما المؤمن المغتنم للأوقات كل ساعة تمر عليه تنفعه؛ ولأن المريض يكون ضيق النفس لا يقوم بما ينبغي من الطاعات، وإذا عافاه الله انشرح صدره، وانبسطت نفسه، وقام بما ينبغي أن يقوم به من العبادات، فيكون الدواء إذاً مراداً لغيره فيُسنُّ.