الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مات فيه، خرج إلى المصلى فصف بهم، وكبر أربعاً. وفي لفظ:((نعى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه فقال: ((استغفروا لأخيكم)). وفي لفظ: ((وكبر عليه أربع تكبيرات)) (1).
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أخاكم قد مات فقوموا فصلوا عليه)) يعني النجاشي (2). وفي لفظ للترمذي: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أخاكم النجاشي قد مات، فقوموا فصلوا عليه)). قال: فقمنا فصففنا كما يصفُّ على الميت، وصلينا عليه كما يُصلَّى على الميت)) (3)، والأقرب والله تعالى أعلم: أنه يُصلَّى على الميت
الغائب (4) في حالتين:
الحالة الأولى: أن يموت في أرض ليس بها من يصلي عليه
.
الحالة الثانية: إذا كان فيه منفعة عظيمة للمسلمين:
كالعالم الكبير الذي
(1) متفق عليه: البخاري، برقم 1245، ورقم 1318، ورقم 1327، ورقم 1328، ورقم 1333، ومسلم، برقم 951، وتقدم تخريجه في النعي الجائز.
(2)
مسلم، كتاب الجنائز، باب في التكبير على الجنازة، برقم 953.
(3)
الترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي، برقم 1039، وابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على النجاشي، برقم 1535، وأحمد، 2/ 281، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 1/ 530.
(4)
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في الصلاة على الغائب، فعند الجمهور من السلف والشافعي، وأحمد، وابن حزم، مشروعية الصلاة على الميت الغائب عن البلد، حتى قال ابن حزم: لم يأت عن أحد من الصحابة منعه؛ ولهذا قال الشافعي: الصلاة على الميت دعاء له، وهو إذا كان ملففاً يصلى عليه، فكيف لا يدعى له وهو غائب أو في القبر بذلك الوجه الذي يدعى له به وهو ملفف.
وقال الحنفية والمالكية: لا يشرع ذلك؛ وإنما هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وعن بعض أهل العلم إنما يجوز ذلك في اليوم الذي يموت فيه الميت أو ما قرب منه لا ما إذا طالت المدة حكاة ابن عبد البر.
وقال ابن حبان: إنما يجوز ذلك لمن كان في جهة القبلة.
وقيل: لا يصلى على الغائب إلا إذا وقع موته بأرض ليس بها من يصلي عليه.
وقيل هذه الصلاة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي، ولكن الأصل عدم الخصوصية [فتح الباري لابن حجر، 3/ 188]. وانظر الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/ 182 - 183، والمغني لابن قدامة، 3/ 446، وزاد المعاد لابن القيم، 1/ 519.
نفع الله بعلمه فانتفع به الناس، أو كالإمام الذي نفع الله به البلاد والعباد؛ فأقام العدل بين الناس وذَبَّ عن شريعة الإسلام، أو غير ذلك ممن نفع الله بهم الإسلام نفعاً ظاهراً، وهذا ما اختاره شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله فقد سمعته يقول:((دلَّ ذلك على أنه يُصلى على الغائب صلاة الغائب على الخواص: كالعالم، أما من قال: إن الصلاة على النجاشي؛ لأنه لم يصلَّ عليه فهذا بعيد؛ لأنه ملك عظيم [فكيف] لا يصلي عليه أحد من رعيته، هذا من أبعد الأشياء، أو مستحيل، والمعروف والعادة أن الملوك إذا أسلموا تبعهم بعض خواصهم)) (1)،وسمعته رحمه الله يقول أيضاً:((واختلف العلماء في الصلاة على الغائب: [فـ] منهم من قال: لا يُصلَّى على أحد إلا النجاشي، ومنهم من قال: يقاس على النجاشي من كان مثله، فيصلى على من له شأن في نصر الإسلام والمسلمين، وهذا عليه أئمة الدعوة)) (2)(3).
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وتتوقف الصلاة على الغائب بشهر كالصلاة على القبر)) (4)، والله عز وجل أحكم الحاكمين والموفق للصواب (5).
(1) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 579.
(2)
سمعته أثناء تقريره على منتقى الأخبار، الحديث رقم 1821 - 1825.
(3)
وانظر: زيادة تفصيل في المسألة، مجموع فتاوى ابن باز، 13/ 158 - 160.
(4)
المغني، لابن قدامة، 3/ 447.
(5)
وخلاصة ما ذكره ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد، 1/ 519 - 520: أنه لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم الصلاة على كل غائب، فقد مات خلق كثير من المسلمين وهم غُيّب فلم يصلّ عليهم، وصح عنه أنه صلى على النجاشي صلاته على الميت فاختلف الناس في ذلك على ثلاث طرق:
الأول: إن هذا تشريع منه وسنة للأمة الصلاة على كل غائب، وهذا قول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه.
القول الثاني: قال أبو حنيفة ومالك: هذا خاص به صلى الله عليه وسلم، وليس ذلك لغيره.
القول الثالث: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الصواب أن الغائب إن مات ببلد لم يصلَّ عليه فيه صلي عليه صلاة الغائب، وإن صلى عليه حيث مات لم يُصلَّ صلاة الغائب؛ لأن الفرض قد سقط بصلاة المسلمين عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى على الغائب وتركه، وفعله وتركه سنة، وهذا له موضع والله أعلم، والأقوال ثلاثة في مذهب الإمام أحمد وأصحها هذا التفصيل، والمشهور عند أصحابه الصلاة عليه مطلقاً [زاد المعاد، 1/ 519 - 521].
وذكر العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى من خلاف العلماء ثلاثة أقوال من أقوال أهل العلم في حكم صلاة الغائب:
القول الأول: يُصلَّى على كل غائب: شريفاً، أو وضيعاً، ذكراً أو أنثى، قريباً أو بعيداً، فيصلى على كل غائب ولو صُلّي عليه.
القول الثاني: يصلى على الغائب إذا كان فيه غناء للمسلمين، أي منفعة. كالعلم الذي نفع الناس بعلمه، وتاجر نفع الناس بماله، ومجاهد نفع الناس بجهاده، وما أشبه ذلك، فيصلى عليه شكراً له وردّاً لجميله، وتشجيعاً لغيره أن يفعل مثل فعله. وهذا قول وسط اختاره كثير من العلماء المعاصرين وغير المعاصرين.
القول الثالث: لا يصلَّى على الغائب إلا من لم يُصلَّ عليه حتى وإن كان كبيراً في علمه، أو ماله، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله [الاختيارات الفقهية، ص87]. انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين، 5/ 437 - 438.