الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منزلك].
* وأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنٌ وَشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبِيحٌ، فَإِنَّهُمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيّئًا، تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ)) (1).
* ومن ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بحائط من حيطان المدينة أو مكة فسمع صوت إنسانين يُعذَّبان في قبورهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((يُعذَّبان وما يُعذَّبان في كبير)) ثم قال: ((بلى، كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة)) ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين فوضع على كل قبر منهما كسرة، فقيل له: يا رسول الله لم
فعلت هذا؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((لعله أن يخفف عنها ما لم تيبسا)) وفي لفظ لمسلم: ((وكان الآخر لا يستنزه عن البول، أو من البول)) (2).
* وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكثر عذاب القبر من البول)) (3)، وجاء من حديث أنس رضي الله عنه بلفظ:((تنزَّهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه)) (4).
10 - الحَذَرُ من التنافس في الدنيا والانشغال بها عن طاعة الله عز وجل
-؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فوالله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تُبسط عليكم الدنيا كما بُسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما
(1) البخاري، كتاب الأذان، باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم، برقم 845، وأطرافه في البخاري، برقم 1143، و1386، وما بين المعقوفات من هذا الطرف، إلا الزيادة الثانية فمن الطرف رقم 2085، وأكثر ألفاظ الحديث من الطرف رقم 7047.
(2)
متفق عليه: البخاري، كتاب الوضوء، باب: من الكبائر أن لا يستتر من بوله، برقم 216، وكتاب الجنائز، باب الجريدة على القبر، برقم 1361، وباب عذاب القبر من الغيبة والبول، برقم 1378، وكتاب الأدب، باب الغيبة وقول الله تعالى:{وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا} [الحجرات: 12]. برقم 6052، وباب النميمة من الكبائر، برقم 6055، ومسلم، كتاب الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه، برقم 292.
(3)
ابن ماجه، كتاب الطهارة، باب التشديد في البول، برقم 348، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 1/ 125.
(4)
أخرجه الدارقطني في سننه، وصححه الألباني في إرواء الغليل، برقم 280.
تنافسوها، وتُهلككم كما أهلكتهم)) [وفي لفظ:((وتُلهيكم كما ألهتهم))] (1)، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فوائد هذا الحديث:((وفيه أن المنافسة في الدنيا قد تجر إلى هلاك الدين)) (2)، ((لأن المال مرغوب فيه فترتاح النفس لطلبه، فتمنع منه، فتقع العداوة المقتضية للمقاتلة، المفضية إلى الهلاك)) (3)، وقوله صلى الله عليه وسلم:((وتُلهيكم كما ألهتهم))، دليل على أن الانشغال بالدنيا فتنة، قال الإمام القرطبي رحمه الله:((تُلهيكم)) أي تشغلكم عن أمور دينكم وعن الاستعداد
لآخرتكم (4)، كما قال الله عز وجل:{أَلْهَاكُمُ التَّكّاثُرُ*حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} (5).
وهذا يؤكد للمسلم أن التنافس في الدنيا والانشغال بها شر وخطر؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((إن أكثر ما أخاف عليكم ما يُخرج الله لكم من بركات الأرض))، قيل: وما بركات الأرض؟ قال: ((زهرة الدنيا))، ثم قال: ((إن هذا المال خَضِرة حلوة
…
من أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو، ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع [ويكون عليه شهيداً يوم القيامة])) (6).
وعن قيس بن حازم قال: دخلنا على خباب رضي الله عنه نعوده، فقال:((إن أصحابنا الذين سلفوا مضوا ولم تنقصهم الدنيا، وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعاً إلا التراب، ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوتُ به))، ثم أتيناه مرة أخرى وهو يبني حائطاً له فقال: ((إن المسلم يؤجر في كل
(1) متفق عليه: البخاري، برقم 6427، ومسلم، برقم 1052، ويأتي تخريجه في فضائل الصبر والاحتساب على المصائب في الأمر الثامن عشر: العلم بأن الدنيا فانية وزائلة.
(2)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 363.
(3)
المرجع السابق، 11/ 245.
(4)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 7/ 133.
(5)
سورة التكاثر، الآيتان: 1، 2.
(6)
متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: البخاري، كتاب الرقاق، باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، 7/ 222، برقم 6427، ومسلم، كتاب الزكاة، باب تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا، 2/ 727، برقم 1052، وما بين المعقوفين من رواية مسلم.
شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب)) (1)، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:((أي الذي يوضع في البنيان، وهو محمول على ما زاد على الحاجة)) (2)، وذكر رحمه الله آثاراً كثيرة في ذم البنيان ثم قال:((وهذا كله محمول على ما لا تمس الحاجة إليه مما لابد منه للتوطن وما يقي البرد والحر)) (3)، وقد بين الله عز وجل: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ الناس وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ
نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (4).
ولا شك أن الإنسان إذا لم يجعل الدنيا أكبر همه وفقه الله وأعانه، فعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول ربكم تبارك وتعالى: يا
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب المرضى، باب تمني المريض الموت، 7/ 12، برقم 5672، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب كراهة تمني الموت لضر نزل به، 4/ 2064، برقم 2681.
(2)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 10/ 129.
(3)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 11/ 93.
(4)
سورة يونس، الآية:24.
(5)
سورة الحديد، الآية:20.
(6)
سورة الكهف، الآيتان: 45 - 46.
ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأْ قلبك غنى وأملأْ يديك رزقاً، يا ابن آدم لا تباعد عني فأملأُ قلبك فقراً وأملأُ يديك شغلاً)) (1).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأْ صدرك غنى وأسدَّ فقرك، وإن لم تفعل ملأتُ يديك شغلاً ولم أسدَّ فقرك)) (2).
ولا شك أن كل عمل صالح يُبتغى به وجه الله فهو عبادة.
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من كانت الدنيا همه فرّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له، ومن كانت الآخرة نيته، جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة)) (3).
وقد ذم الله الدنيا إذا لم تستخدم في طاعة الله عز وجل فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ألا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله، وما والاه، وعالمٌ، أو متعلم)) (4).
وهذا يؤكد أن الدنيا مذمومة مبغوضة من الله وما فيها، مبعدة من رحمة الله إلا ما كان طاعة لله عز وجل (5)؛ ولهوانها على على الله عز وجل لم يُبلّغ
(1) الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 4/ 326، وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة،
3/ 347: ((وهو كما قالا)).
(2)
الترمذي، كتاب صفة القيامة، باب: حدثنا قتيبة 4/ 642، برقم 2466، وحسنه، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب الهم بالدنيا، 2/ 1376، برقم 4108، وأحمد، 2/ 358، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، 2/ 443، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 3166، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني، 3/ 346.
(3)
ابن ماجه، كتاب الزكاة، باب الهم بالدنيا، 4/ 1375، برقم 4105، وصحح الألباني إسناده في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 950، وصحيح الجامع، 5/ 351.
(4)
الترمذي بلفظه، كتاب الزهد، باب: حدثنا محمد بن حاتم، 4/ 561، برقم 2322، وحسنه، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب مثل الدنيا، 2/ 1377، برقم 4112، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب،1/ 34،برقم 71، و1/ 6،برقم 7.
(5)
قوله: ((وما والاه)) أي ما يحبه الله من أعمال البر وأفعال القرب، وهذا يحتوي على جميع الخيرات، والفاضلات ومستحسنات الشرع. وقوله:((وعالم أو متعلم)) والرفع فيها على التأويل: كأنه قيل: الدنيا مذمومة لا يُحمدُ مما فيها ((إلا ذكر الله، وما والاه، وعالمٌ أو متعلم)) والعالم والمتعلم: العلماء بالله الجامعون بين العلم والعمل، فيخرج منه الجهلاء، والعالم الذي لم يعمل بعلمه، ومن يعلم علم الفضول وما لا يتعلق بالدين، انظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح، 10/ 3284 - 3285، ومرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، للملا علي القاري، 9/ 31، وتحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي، 6/ 613.