الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحادي عشر: النعي المباح الجائز:
يجوز الإخبار بالوفاة إذا لم يقترن بذلك، ما يشبه نعي الجاهلية، وقد يجب إذا لم يكن عنده من يقوم بالواجب من حقوق الميت المسلم، من: الغسل، والتكفين، والصلاة عليه، ودفنه.
ومن النصوص التي تدل على جواز هذا النعي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، خرج إلى المصلى فصفَّ بهم وكبَّر أربعاً. ولفظ مسلم:((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه فخرج بهم إلى المصلى وكبر أربع تكبيرات))، وفي لفظ:((نعى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه فقال: ((استغفروا لأخيكم)) (1).
وعن جابر رضي الله عنه ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى على النجاشي فكنت في الصف الثاني أو الثالث)) وفي لفظ: ((
…
أصحمة النجاشي)) وفي لفظ: قال النبي صلى الله عليه وسلم حين مات النجاشي: ((مات اليوم رجل صالح فقوموا صلوا على أخيكم)).
وفي لفظ لمسلم: ((فكبر عليه أربعاً)). وفي لفظ له: ((مات اليوم عبد لله صالح)). وفي لفظ: ((إن أخاً لكم مات فقوموا فصلوا عليه)) (2).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها
جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب))،وإن عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم لتذرفان، ((ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة ففُتِحَ له)) (3).
(1) متفق عليه البخاري، كتاب الجنائز، باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه، برقم 1245،و1327،3880،ومسلم، كتاب الجنائز، باب في التكبير على الجنازة، رقم 951.
(2)
متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب من صف صفين أو ثلاثة على الجنازة خلف الإمام، برقم 1317 و3877، ومسلم، كتاب الجنائز، باب التكبير على الجنائز، برقم 952.
(3)
البخاري، كتاب الجنائز، باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه، برقم 1246.
وقد ترجم الإمام البخاري رحمه الله لحديث أبي هريرة وأنس، بقوله:((باب الرجل ينعى إلى أهل الميت نفسه)). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى على هذه الترجمة: ((وفائدة هذه الترجمة: الإشارة إلى أن النعي ليس ممنوعاً كله، وإنما نهى عما كان أهل الجاهلية يصنعونه، فكانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور، والأسواق
…
)) ثم قال: ((وقال ابن المرابط: مراده أن النعي الذي هو إعلام الناس بموت قريبهم مباح، وإن كان فيه إدخال الكرب والمصائب على أهله، لكن في تلك المفسدة مصالح جمة؛ لما يترتب على معرفة ذلك من المبادرة لشهود الجنازة، وتهيئة أمره، والصلاة عليه، والدعاء له، والاستغفار، وتنفيذ وصاياه، وما يترتب على ذلك من الأحكام)). ثم قال: قال ابن العربي: يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات:
الأولى: إعلام الأهل والأصحاب فهذا سنة.
الثانية: دعوة الحفل للمفاخرة فهذه تكره.
الثالثة: الإعلام بنوع آخر: كالنياحة، ونحو ذلك فهذا حرام)) (1).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((مات إنسان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده، فمات بالليل فدفنوه ليلاً، فلما أصبح أخبروه فقال: ((ما منعكم أن تعلموني؟)) قالوا: كان الليل فكرهنا - وكانت ظلمة - أن نشق عليك، فأتى قبره فصلى عليه)) (2).
وقد ترجم الإمام البخاري رحمه الله لهذا الحديث بقوله: ((باب الإذن بالجنازة)) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((والمعنى الإعلام بالجنازة إذا انتهى أمرها؛ ليُصلَّى عليها، قيل هذه الترجمة: تغاير التي
(1) فتح الباري، لابن حجر، 3/ 116 - 117.
(2)
متفق عليه: كتاب الجنائز، باب الإذن بالجنازة، برقم 1247، ومسلم، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر، برقم 68 - (954)، و69 - (954).
قبلها من جهة: أن المراد بها الإعلام بالنفس وبالغير، قال الزين بن المنير: هي مرتبة على التي قبلها؛ لأن النعي إعلام من لم يتقدم له علم بالميت، والإذن إعلام بتهيئة أمره وهو حسن)) (1).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة سوداء كانت تقمُّ المسجد أو شابّاً فقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها أو عنه، فقالوا: مات، قال:((أفلا كنتم آذنتموني)) قال فكأنهم صغروا أمرها أو أمره، فقال:((دلّوني على قبره)) فدلوه فصلى عليها، ثم قال:((إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله عز وجل ينورها بصلاتي عليهم)) (2).
ويستحب للمخبر أن يطلب من الناس أن يستغفروا للميت؛ لحديث أبي هريرة المتقدم في قصة النجاشي، وفي بعض رواياته: لما نعى للناس النجاشي قال: ((استغفروا لأخيكم)) (3).
وحديث أبي قتادة في قصة إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بقتل زيد بن حارثة، وجعفر، وعبد الله بن رواحة، وفي القصة: ((ألا أخبركم عن جيشكم هذا الغازي؟ إنهم انطلقوا فلقوا العدوَّ فأصيب زيدٌ شهيداً، فاستغفروا له، فاستغفر له الناس، ثم أخذ اللواء جعفر بن أبي طالب فشدَّ على القوم حتى قُتِلَ شهيداً أشهد له بالشهادة، فاستغفروا له، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فأثبت قدميه حتى قتل شهيداً، فاستغفروا له، ثم أخذ اللواء
خالد بن الوليد
…
)) (4) الحديث (5).
وقال الإمام ابن الملقن - رحمه الله تعالى -:
- النعي على ضربين:
(1) فتح الباري، 3/ 117.
(2)
متفق عليه: البخاري، برقم 458،460، 1337،ومسلم، برقم 956،وتقدم تخريجه في عذاب القبر.
(3)
متفق عليه: البخاري، برقم 327،3880،ومسلم، برقم 951،وتقدم تخريجه قبل قليل.
(4)
أحمد، 5/ 299، 300، 301، وحسنه الألباني في أحكام الجنائز، ص47.
(5)
وانظر: مجموع فتاوى ابن باز، 13/ 408، 410.