الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأذكار، وفضل الصلاة في ليلة أو يوم ما مطلقا، وهي طريقة ابن حبيب.
وقد قال ابن العربي رحمه الله: أما أحاديثه فلحم جمل غث على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقى، وإذا تكلم في الفقه فاستمع لما يوحى، ولقد رأيت غالب فقراء هذا الزمان، بل سائر الناس من العوام وغيرهم يدعون إلى الحق الواضح، فلا تقبله نفوسهم إلا بتكره، بل يتركونه رأسا وينقادون لمثل هذه الأمور ويثابرون عليها، وربما ضيعوا فرضا أو وقعوا في محرم بسبب ذلك، وهو غالب أمرهم، ثم لا يبالون بذلك وهو من أكبر المصائب والنوائب، وأعظم من ذلك تعظيم أعياد الكفار، مثل الحاجوز والعنصرة، وأول خميس من مايو، وعيد البلسان عند أهل مصر، وربما تعدى بعضهم إلى مخالطة أهل المنكر ومشاهدتهم، ويعد ذلك ديانة من طريق الاعتبار، ويلتمس له الوجوه، فيقع في الزندقة وهو لا يعلم، نسأل الله العافية.
…
74 - فصل
في الوقوف مع الأسلوب الغريب في العلم أو في العمل أو في
الحركات أو غيرها والانقياد لكل من ظهرت عليه خارقة أو جاء
بدعوى، وإن لم يكن له عليها برهان
وهو باب حسن الظن في باب الاتباع، أو حيث يخشى على الغير من ذلك قبيح، وقد تقدم ما فيه، ويرحم الله تعالى بعض المشايخ، حيث قال لنا:
إذا رأيتم الرجل يطير في الهواء فقولوا له بلسانكم: أنت ساحر، وبالقلب نفعنا الله بك، لتسلموا من ضرره وتحصلوا منفعته، وكذلك من ظهر بعلم غريب بعلوم الحقائق والرقائق ونحوها، فإنها قد تكون عند من لا خلاق له، وكلها ظلمة وحجب، وقد عاينا ذلك، وعلامته ألا تجد منها شاهدا في شمائله، فإن من لم يكن له من علمه نصيب في عمله، فهو عليه، لا له، وكذلك من يدين بالوسوسة، وإظهار التحفظ، فإن صاحبها جاهل أو غوي، لأن الوسوسة بدعة، أصلها جهل بالسنة، أو خبال في العقل، لا يخلو منها
(متدين)(1) ولا يدوم عليها إلا مخدوع، وأكثر ما يغتر بهذا النوع أهل البلاد المصرية، وهي سوسة من النفحات الإسرائيلية، كالتهاون بكشف العورة عندهم لذلك ولغيره.
ثم الوسوسة تجمع لصاحبها الكبر والرياء وسوء الظن بالله وعباده، مع إعجابه بنفسه، لأنه لو لم ير نفسه، ما ميزها عن جمهور المسلمين، ولو حسن الظن بهم لكان مثلهم، ولولا سوء ظنه بالله ما تعمق في الدين، ولقد تصفحت أحوال الموسوسين، فما رأيت من يتوسوس فى شيء يوفيه حقه، بل رأيت الموسوس في الطهارة قل أن يصلي بها إلا ناقصة، ويقع في أمور محرمة، والموسوس في الصلاة قل أن يصليها تامة، والموسوس في الطعام قل أن يأكل لقمة صافية، وربما وقع في محرم من رياء أو رؤية نفسه، أو احتقار مسلم، أو سوء ظن به دون وجه واضح، أو تغيير قلب مسلم في أمر خفيف، وإني لا أقضي العجب من كثير من الناس، إذا أخذ في الطهارة جننه الوسواس، وإذا عن له شيء من الدنيا توثب عليه من غير توقف، بل قد قال العلماء (ض): خلق الله المال حلالا كما خلق الماء طهورا، حتى لا ينجسه إلا ما غيره، وهذا لا يمنعه إلا ما غيره، إلا أن السلف (ض) رأوا تحفظ النفوس في العبادات وتساهلها في الكسب، فتحفظوا في الكسب، وتساهلوا في العبادة، وهذا خلاف حال أهل هذا الزمان، ولا سيما أهل الزوايا والمتصدرين للشفاعات ونحوها، فإنهم يأكلون الحرام النص، ويظنون أنهم على شيء، فهذا رسول الله (ص) قد قال:((من شفع لأخيه شفاعة فأهدي له لأجلها هدية، فقد فتح على نفسه بابا عظيما من الربا)) (2) الحديث، وهم يقصدون ذلك ويتهافتون عليه، نسأل الله السلامة.
…
(1) في خ وت 2.
(2)
رواه أبو داود من حديث أبي أمامة (ض) بلفظ: ((فأهدى له هدية عليها، فقبلها، فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا))، قال المنذري: في سنده القاسم بن عبد الرحمن الأموي، فيه مقال، والحديث مخرج في صحيح سنن أبي داود رقم 3025 والرمز له: حسن، انظر سنن أبي داود 3/ 291، وعون المعبود 9/ 457.