الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأما مجاري البيع في العبادات - أعني صورها اتفاقا - فكل ما أحدث فيها زيادة أو نقصا فهو بدعة إن ثبت له حكم مخالف أو لم يكن، واختلف في جريها في العادات وفيما لم يرد له حكم خاص، كالأكل والشرب واللباس ونحوه، فقيل: تجري فيه لقول أنس (ض)(أول ما أحدث الناس المناخل والأشنان والشبع)(1) أو كما قال، وقيل: لا تجري في ذلك، وإطلاق أنس (ض) باعتبار الصورة الواقعة فقط، (وعلى الأول يجري ما نقل عن المذهب في العمائم ونحوها كما ذكره في المدخل وغيره)(2)، والله أعلم.
قلت: ولا ينبغي أن يختلف فيما أحدث من ذلك مع ادعاء أنه من الدين، لأنه زيادة حكم فيه، والله أعلم.
…
4 - فصل
في أصول ظهور مدعي التصوف في هذا الزمان
بالبدع واتباع الناس لهم عليها
.
فأما ظهورهم بالبدع فله أصول ثلاثة:
أولها: نقص الإيمان بعدم العلم بحرمة الشارع، وفقد نور الإيمان الهادي إلى اتباع الرسول (ص)، قال الله تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيما
(1) لم أجده بعد البحث الطويل.
(2)
سقط من ت 1، نقل ابن الحاج في المدخل 1/ 140 - عن مالك وأصحابه ومن بعدهم من أتباعهم كابن رشد والطرطوشي وغيرهما - كراهة الاقتعاط وهو لبس العمامة دون أن يدخل الرجل تحت ذقنه منها شيئا، فالاعتمام دون تحنيك عندهم مكروه لمخالفته فعل السلف الصالح، وهو من بقايا عمائم قوم لوط، ومن التشبه بالقبط، وسئل مالك عن الصلاة فيها - أي في العمامة من غير حنك - فقال: لا بأس، وليست من عمل الناس إلا أن تكون عمامة قصيرة لا تبلغ، نقله ابن الحاج عن الجواهر وانظر المنتقى 7/ 218.
فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} (1) وقال أحمد بن حضرويه (2)(ض): الدليل لائح والطريق واضح، والداعي قد أسمع، فما التحير بعد هذا إلا من العمى، وفال ابن عطاء الله (3) (ض) في حكمه: لا يخاف عليك أن تلتبس الطرق عليك، وإنما يخاف عليك من غلبة الهوى عليك، وقال أيضا: تمكن حلاوة الهوى من القلب هو الداء العضال، وقال بعضهم: نحت الجبال بالأظافير أيسر من زوال الهوى إذا تمكن، قال الله تعالى:{أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم} (4) الآية، وقوله تعالى:
{فمن يهديه من بعد الله} (5) يعني أن الأسباب والحيل لا تفيد في هدايته لتمكن الباطل من نفسه، وفقدان نور الإيمان من قلبه، {ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} (6).
الثاني: الجهل بأصول الطريقة، واعتقاد أن الشريعة خلاف الحقيقة، وهذا هو الأصل الكبير في ذلك، وهو من مبادئ الزندقة، ومنه خرجت الطوائف كلها، وصار الفروعي الجامد لا يتوقف في سب الصوفية، والمتصرف الجاهل لا يتوقف في النفور من العلم وأهله، ويخالف ظاهر الشريعة في أمره، ويرى ذلك كمالا في محله، حتى لقد سمعت عن بعض من تفقر من طلبة الوقت يحكى أنه سمع حكاية من حكايات الخارجين أوجبت أثرا في الوجود، فنطق ناطق زندقته وجهله، بأن قال: ظاهر الشريعة (7) حرمان، وهذا والعياذ بالله كفر وضلال، انجر له من جهله بالطريقة واعتقاده
(1) الأنعام 153.
(2)
كنيته أبو حامد، من كبار مشايخ خراسان (ت 240) طبقات الصوفية 103.
(3)
هو أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله أبو العباس، كان جامعا للعلوم (ت 709) الديباج 70.
(4)
الجاثية 23.
(5)
الجاثية 023
(6)
النور 40.
(7)
الشريعة العمل بالكتاب والسنة والحقيقة مشاهدة الربوبية ورؤيتها بالقلب، وكلاهما مقيد بالآخر. انظر الرسالة القشيرية ص 44.