الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما كل من زار الحمى سمع الندا
…
من أهله أهلا بذاك الزائر
وقد قال سهل بن عبد الله (ض): احذر صحبة ثلاثة أصناف من الناس:
الجبابرة الغافلين، والقراء المداهنين، والمتصوفة الجاهلين، انتهى، وهو من أجمع الوصايا وأنفعها وأتمها وأحسنها في بابه، وبالله سبحانه التوفيق.
…
49 - فصل
في الاعتقاد والانتقاد وطرق الناس فيه
(1).
قال الجنيد (ض): الإيمان بطريقنا هذا ولاية، قال ابن عطاء الله (ض):
وذلك لأن الإيمان بالفتح لا يكون إلا بالفتح، وقال بعض الصالحين المتأخرين: الاعتقاد ولاية والاعتراض جناية، فإن عرفت فاتبع، وإن جهلت فسلم، وكان بعض المشايخ (ض) يقول: اعتقد (2) ولا تنتقد ولا تطمئن لأحد، وقد قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي (ض): أكرم المؤمنين ولو كانوا عصاة فاسقين، وأقم عليهم الحدود واهجرهم رحمة بهم لا تعززا عليهم، ولا تقتد بمن يتورع مما تناله أيد المؤمنين ولا يتورع مما مسته أيد الكافرين، وقد علم ما نال الحجر من أيد المشركين فاسود لذلك (3) وقد تقدم قول عائشة رضي الله عنها: إذا أعجبك عمل رجل فقل: {اعملوا}
(1) من هنا إلى آخر الكتاب تتفق النسخ الأربعة في النص دون تقديم أو تأخير.
(2)
الاعتقاد بمعنى الرضا عن حالة الشيخ والتسليم وعدم الانتقاد، محله كما يأتي للمؤلف في آخر هذا الفصل بعد اختبار مرتبته من الدين، حيث يصف المؤلف من يغتر بكل من يراه دون اختبار مرتبته من الدين بأنه أعظم جهلا
…
إلخ، وانظر فيما تقدم هامش 332.
(3)
الحجر الأسود كان أبيض ثم تغير بالسواد إما بسبب أرجاس الجاهلية وأيدي الظلمة، وإما لأنه من الجنة وتغير حتى لا ينظر أهل النار إلى زبنة الجنة، وردت في ذلك أحاديث ذكرها الحافظ الهيثمي في المجمع 3/ 346، قال: وفي أسانيدها مجاهيل ومن لا ذكر له.
إلى آخره، وقال في الحكم: إذا رأيت عبدا أقامه الله بوجود الأوراد، وأدامه عليها مع طول الإمداد، فلا تستحقرن ما منحه الله، لأنك لم تر عليه سيما العارفين ولا بهجة المحبين، فلولا وارد ما كان ورد.
قلت: بل لولا وارد ما كان انتساب ولو كان صاحبه كاذبا، لأن وجود انتسابه شاهد لتعظيمه للجناب الذي انتسب إليه في نظره، ولذلك ما تعرض أحد قط لمنتسب لله بهوى إلا أصابه منه ضرر، (لأن الحق سبحانه يغار لهتك جنابه، إلا بأمر منه فإذا وقع المنتسب)(1) في أمر فيه حق من حقوق الله أقيم عليه الحد، وحفظت حرمته في نسبته، لحديث:"لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله"(2) الحديث، وقد ورد في الخبر:"خصلتان ليس فوقهما شيء من الشر، سوء الظن بالله، وسوء الظن بعباد الله؛ وخصلتان ليس فوقهما شيء من الخير، حسن الظن بالله، وحسن الظن بعباد الله"(3) ومما أنشد بعض المجاذيب في حكاية ذكرت عنه، وقد كان خاملا فيما قبلها، فاشتهر لذلك:
ستبدو لك الأسرار بعد اكتتامها
…
كأن الذي قد صانها عنك يخبر
(1) لا يوجد في: ت 1.
(2)
خرجه البخاري من حديث عمر بن الخطاب (ض) أن رجلا على عهد النبي (ص) كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارا، وكان يضحك رسول الله (ص) وكان النبي (ص) قد جلده في الشراب، فأتي به يوما، فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي (ص):"لا تلعنوه، فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله"، والمعنى: ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله، قال الحافظ في الفتح: ووقع في رواية معمر والوافدي: فإنه يحب الله ورسوله، البخاري مع فتح الباري 15/ 83.
(3)
في الفردوس رقم 2988 بلفظ: "خصلتان ليس فوقهما شيء من الشر: الشرك بالله والضر بعباده"، قال المحقق: الحديث في المخطوطة الأخرى بلفظ: "خصلتان ليس فوقهما شيء من الخير: الإيمان بالله والنفع لعباده، وخصلتان ليس فوقهما شيء من الشر
…
إلخ"، قال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء 2/ 208: الحديث ذكره صاحب الفردوس من حديث علي، ولم يسنده ولده في مسنده.
فسلم لهم فالقوم أهل عناية
…
وخاملهم في الوصف لا يتحقر (1)
وإن كنت يا هذا بهم متمسكا
…
فتبقى بطول الدهر لا تتغير
(قلت: وذلك انبساط حرمة الله عليهم، وحرمة الجناب إذا انبسطت لم تتوقف على من واجهته، بل تتعدى لكل من له منه نسبة والله أعلم (2)، وبالجملة، فالاعتقاد خير كله، والانتقاد شر كله (3)، والاغترار أصل كل غواية، والحذر أصل كل هداية، رقد جاء في الحديث ما يؤيد هذه الجملة مفرقا، غير أن مذهب الفقهاء تقديم سوء الظن للحذر، حتى يتحقق الرافع، ومذهب الصوفية تقديم حسن الظن، عملا بسلامة الصدر، حتى يتحقق الرافع، والحذر عند كل منهما واجب، لقوله (ص):"الحزم سوء الظن"(4)، و"المؤمن كيس فطن حذر"(5)، الحديث، وإذا كان الله حذر المؤمنين من بعض أزواجهم وأولادهم فكيف بغيرهم، فالحذر شأن ذوي العزم، لكن مع
(1) ورد البيتان في كتاب النصيحة للمؤلف على النحو الآتي:
فسلم لهم فالقوم أهل عناية
…
وجاملهم فالوصف لا يتحقر
فإن كنت في أذيالهم متمسكا
…
فإنك طول الدهر لا تتغير
النصيحة ص 148.
(2)
لا يوجد في ت 1.
(3)
لكن ينبغي الإنكار على من صدر منه ما يخالف الشريعة كما يأتي للمؤلف في قوله: (فمن ثم صح إنكار الفقيه على الصوفي، ولم ينكر الصوفي عليه)، وقال في ص 130:(وطائفة اعتقدت الإباحة للولي)، انظر النص.
(4)
"الحزم سوء الظن، هو أن تستشير ذا الرأي تطيع أمره في الهوى"، بهذا اللفظ خرجه الديلمي عن عبد الرحمان بن عائذ مرفوعا كما في الفردوس، وجاء في النسخة المحققة من الفردوس (عامر بدل عائذ) وهو تصحيف، حديث رقم 2797، وقال في المقاصد ص 23: خرجه أبو الشيخ وهو مرسل، وقال: طرقه كلها ضعيفة يتقوى بعضها ببعض، وعزاه أيضا إلى الديلمي في مسنده عن علي بن أبي طالب من قوله، وهو ضعيف أيضا، وانظر تحفة التحصيل للعراقي ص 199 والمراسل لابن أبي حاتم ص 124.
(5)
خرجه بهذا اللفظ الديلمي والقضاعي من حديث أبان ابن أبي عياش عن أنس مرفوعا كما في المقاصد الحسنة، وأبان ابن أبي عياش متروك كما في التقريب ص 87.
سلامة الصدر، وطلاقة الوجه، واستعمال المعروف بغاية الجهد، كما ورد معناه في الأخبار، فاعرف ذلك.
ثم المنكر بحق كالمصدق بحق، لأن كلا منهما مستند لحق، هو ما أداه إليه اجتهاده الذي لا يجوز له تعديه، فلذلك قال الشيخ أبو العباس الحضرمي (ض) بعد كلام ذكره في الحقائق: والجاحد لمن يوحى إليه شيء من هذا الكلام وما يفهمه هو معذور، مسلم له حاله، من باب الضعف والتفصير والسلامة، وهو مؤمن إيمان الخائفين، ومن يفهم شيئا من ذلك فهو لقوة إيمان معه، واتساع دائرة، ومشهده مشهد واسع، سواء كان معه نور أو ظلمة، بحسب ما في الودائع الموضوعة، على أي نوع كان، انتهى.
قالوا: وما مثال الفقيه إلا كبواب الملك، والصوفي المحقق صاحب سره، فإذا حدث الصوفي عن خبايا بيت الملك، نادى عليه الفقيه إنما أنت سارق أو كذاب أو متجاسر، فإن أتى بأمارة من الملك، وإلا فحجة البواب عليه قائمة، وإنكاره صحيح، فمن ثم صح إنكار الفقيه على الصوفي، ولم يصح إنكار الصوفي عليه، فاعرف ذلك، ثم لا أعظم جهلا ممن يجعل سر الحق سبحانه موقوفا على زمان أو عين أو جهة، فتثبت الخصوصية في الجملة وينكرها في الأعيان، أو يثبتها للماضين وينكرها في الزمان، أو يثبتها في الزمان وينفيها في الأشخاص، قياما مع وجود وهمه الذي سد عليه باب فهمه، وهذا الأخير هو الغالب على الناس في هذه الأزمنة، لبعدهم عن الأفهام، وتعلقهم بالأوهام، فافهم.
ثم أعظم منه جهلا من يغتر بكل من يراه، ويتبع كل معتقد ويعتمده في دينه قبل اختبار مرتبته من الدين، أو يطرح اعتقاده بما يظهر له من موانع الاقتداء، فإن لكل شيء وجها، وقد قال رسول الله (ص):"في كل واد من قلب ابن آدم شعبة فمن تتبع قلبه تلك الشعاب لم يبال الله في أي واد أهلكه"(1)
(1) هو عند ابن ماجه بمعناه رقم 4166 وفيه صالح بن رزيق العطار يرويه بسنده، وعنه الكوسج فقط، وهو حديث منكر، ميزان الاعتدال 2/ 294 وتهذيب التهذيب 4/ 341 ورواه القضاعي في مسنده مرسلا من طريق آخر 2/ 183.