الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والاستقامة في حضور المجالس بثلاثة أمور:
أحدها: أن يكون التحصيل أهم إليه من التوصيل.
الثاني: أن تكون السلامة أحب إليه من الرئاسة.
الثالث: أن يلزم الأدب في حق نفسه وحق رفقائه بوجه تام، وذلك يقضي له بالصمت والإنصاف وعدم التظاهر والانحراف، وأين من هذا وصفه، رزقنا الله العافية بمنه.
فأما أصحاب المجالس فمن كان الصمت أهم عليه من الكلام، فقد نجا، ومن كان الكلام أهم عليه من الصمت فقد هلك، وإذا كانت همة العالم في اتباع السنة ووجود الإنصاف في الإفادة نفع وانتفع، وإلا على العكس، وقد تكلم ابن الحاج على مجالس العلم يأتم الكلام، وذكر أمورا لا أستحضرها الآن، والحق أبلج والباطل لجلج.
ومن آفات بعض العوام والمستمعين، أنهم إذا فرغوا من المجلس جلسوا لمذاكرة ما سمعوا، ثم ختموه بالغيبة وذكر عيوب الناس وأحوال الملوك ووقائع الأراجيف، وكذا كثير من الطلبة، ومن هناك قال من قال: إن الغيبة هي فاكهة القراء، فليكن الأهم على المجالس لهم التحرز من أعقاب المجالس، وبالله التوفيق.
…
107 - فصل
في أمور عمت البلوى بها في بعض البلاد
منها الموالات في إعطاء الزكاة لمن يمدح أو يذم، فيكتسب بها جاها، أو يدفع معرة أو مضرة، وذلك قبيح مذموم، ومنها الاعتماد في الصوم على أمور من الرخص أو التشديدات المخلة أو المملة، كصيام الدهر، أو الإفطار بعد عقده، وذلك مشهور الأمر في كتب الأئمة.
فأما عوارض الحج والجهاد وغيره، فيطول ذكرها، مع عدم مس الحاجة إليها.
وأما الأيمان فتارة بالحلف بما يمنع الحلف به أو يكره، كالصوم، والطلاق، والعتاق، والمشي، والأيمان اللازمة، وما لا يصح الحلف به كقوله: أشركت بالله، أو أشرك بالله، أو أماته الله على الشرك، أو يكون خارجا من دينه، أو هو يهودي أو نصراني، إن فعل كذا فهو آثم، قال (ص):((من حلف بدين غير الإسلام فهو كما قال)(1)، والمشهور منع الحلف بالمخلوق، كالسماء والكعبة والنبي ونحو ذلك، وقد قال (ص):((من حلف بالأمانة فليس منا)) (2) ونهى عن الحلف بالآباء (3) وهو شيء يفعله الجهلة من أهل الحجاز، حتى إن أحدهم إذا حلفت له بالله لم يصدقك، ولو أكدته مائة مرة، وإذا قلت: وحياتك ورأسك ونحو هذا، صدقك.
ومما تعم به البلوى، نظر العبد لسيدته أو لأطرافها من شعر ونحوه، وفيه اختلاف إن كان وغدا لا شرك لأحد فيه، ولو مكاتبا، والأصح جوازه، كالخصي الوغد لها أو لزوجها، وفي عبدها أو عبد الأجنبي خلاف، ومن المصائب نظر اليهودي للحرة المسلمة، ودخوله الدار في غيبة صاحبها،
(1) هو جزء من حديث ثابت بن الضحاك (ض)، قال، قال رسول الله (ص): ((من حلف بملة سوى الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال
…
))، خرجه البخاري (فتح الباري) 14/ 345، ومسلم 1/ 105، ثم إن كان الحالف معتقدا لليمين بتلك الملة لكونها في نظره حقا كفر، وإن قال ذلك لمجرد التعظيم لها دون اعتقادها حقا احتمل، وإن قصد مجرد البعد عن فعل المحلوف عليه لا يكفر، لكنه حرام أو مكروه على الخلاف في الحلف بغير الله، انظر فتح الباري 13/ 345.
(2)
خرجه أبو داود من حديث بريدة (ض) مرفوعا، حديث رقم 3253 وهو صحيح.
(3)
في الصحيح من حديث عبد الله بن عمر (ض) أن رسول الله (ص) أدرك عمر بن الخطاب وهو يسير في ركب يحلف بأبيه، فقال:((ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت))، البخاري مع فتح الباري 14/ 336، والحلف بغير الله قيل: مكروه، وقيل: حرام، والمشهور عند الشافعية والمالكية أن النهي على التنزيه، والمشهور عند الحنابلة أنه على التحريم، انظر فتح الباري الموضع السابق، والمغني 8/ 677.
والاستخفاف به في ذلك، مع أن النساء غير مأمونات، وللنفوس كمائن، وإذا كان العلماء اختلفوا في اليهودية هل هي مع المسلمة كمثلها، أو تنزل منزلة الرجل في رؤيتها، فكيف بالرجال.
ومنها التهاون بحقير الدار، كالخديم والمتسخر، ومن يجر لهم الحوائج ونحو ذلك، وذلك أصل كل علة وفساد كما هو مشاهد معلوم، لأنه يبيع أستاذه بلقمة تطعم له، أو درهم يناله، أو مدح يسمعه في نفسه.
ومنها التطبب باليهود وتمكينهم من الحكم في أبشار الناس، مع ما عرف من دينهم: أن من نصح مسلما فقد خرج عن دينه.
قال ابن الحاج: وهم يقسمون الناس في طبهم أقساما، أما المؤمن التقي النقي الوجيه، فليس له عندهم إلا الموت، ويتحيلون له في ذلك بكل ما أمكن، والضعيف من السؤال ينصحونه، لأن بناءه زيادة شوهة في المسلمين، مع استعانتهم بنصحه على ما هم به، إذ يقال: لو كان عندهم عيب عاملوا (1) به الضعفاء، ونحو هذا، وكذا الجند ينصحونهم لما يقع من التشفي يتحكمهم في المسلمين وظلمهم، مع الاستعانة بهم، وقد عاينا من ذلك وجربنا من حركاتهم ما يطول ذكره، والنصارى خير منهم في ذلك، وإن كان لا خير في الجميع، وقد أتى ابن الحاج في مدخله في هذا الأمر بما لا مزيد عليه، ومن ذلك مناصحتهم وموالاتهم أو ظلمهم وأذاهم، فقد قال الله تعالى:{ومن يتولهم منكم فإنه منهم} (2) وقد قال رسول الله (ص): ((من ظلم ذميا لم يرح رائحة الجنة، ومن ظلم ذميا فأنا خصمه يوم القيامة)) (3) ومن ذلك
(1) في خ: ما عاملوا.
(2)
المائدة 51.
(3)
الجزء الأول من الحديث خرجه أبو داود حديث رقم 3052، ولفظه: ((من ظلم معاهدا
…
، فأنا حجيجه))، وليس فيه:((لم يرح رائحة الجنة))، وفي سنن البيهقي:((ومن قتل معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله، حرم الله ريح الجنة عليه))، ولفظ المؤلف وهو المشهور على الألسنة:((من آذى ذميا كنت خصمه يوم القيامة))، رواه الخطيب عن جابر، وقال: حديث منكر، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات، ونقل عن الإمام أحمد أنه لا أصل له، وفي سنده عباس بن أحمد الواعظ، قال في الميزان: إنه =