الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخامس: أن ذكر الخواطر وحركات النفوس تؤديه إلى القنوط من بلوغ المراد، فتوجب له البعد عن التوجه لاتساع الحال عليه، وقد هجر ابن حنبل (ض) ذا النون (1) حتى مات، لتكلمه في الخواطر، قائلا: أحدث في الدين علما لم يكن فيه.
السادس: أن في ذكر أحوال الرجال ووقائع الأكابر، غلق الباب على الضعفاء بحيث يصيرون لوزن أحوال الناس بذلك، فلا يعتقدون أحدا، وينظرون لأنفسهم فلا يمتدون مساغا، وإن توجهوا للطريق حملوا أنفسهم على ما لا يليق بهم من ذلك، وهذه أكبر وأعظم.
السابع: أن ذكر الخواص والأذكار وفوائدها ومراصدها يقضي لهم بوجود التهافت عليها، لانطباع نفوسهم بالطمع والكسل (2) فيكون ذلك سببا لهلاكهم دينا ودنيا، وقد مر الكلام على بعض ذلك قريبا، وبالله سبحانه التوفيق.
…
83 - فصل
في التجاسر على المراتب بادعائها مرة لنفسه ومرة لغيره ومرة
فيما لا يصلح الدخول فيه
مثل الكلام في مسألة الروح والنفس والعقل والقلب، من حيث حقائقها وتحقيق الحق فيها، وهل هي شيء واحد أو متعدد، وهو أمر بعيد عن إدراك التحقيق من طريق القياس والنظر، وإنما طريقه الخبر، ولا خبر، قال الله تعالى:{ما أشهدتهم خلق أنثوت السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدأ} (3) قيل: إن هذه الآية ترد على أربع طوائف على
(1) هو أبو الفيض ثوبان بن إبراهيم، يلقب ذر النون المصري (ت 245 هـ) طبقات الصوفية ص 15، وانظر حلية الأولياء 1/ 13، ولسان الميزان 1/ 437.
(2)
يعني: أن همهم يصير مجرد ذكر الحالات والكرامات، واستعراض الأذكار وفوائدها، فتبقى نفوسهم قائمة على الطمع دون عمل.
(3)
الكهف 51.
الترتيب: المنجمين والطبائعيين والمشرحين والفلاسفة المضلين.
وكنت يوما مع بعض من له ذوق في ذلك، فأردنا الكلام فيه على الوجه الذي تكلم به صاحب النفخ والتسوية (1) وغيره، فسمعنا بعض الصالحين ينكث علينا بقوله تعالى:{ستكتب شهادتهم ويسألون} (2) فكففنا ولم نتكلم في ذلك بعد، واذا كان سيد المرسلين الذي أوتي علم الأولين والآخرين لم يتكلم في ذلك، فكيف يتكلم فيه غيره، لا من طريق الحقيقة ولا من طريق الأدب، بل جاء في الخبر:((أن اليهود قالوا: نسأله عن الروح، فإن أتى فيها بشيء فليس بنبي، فقال بعضهم: لا تفعلوا، فلعله يأتي بشيء تكرهونه، ثم سألوه، فأنزل الله تعالى: {قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} (3) فاشتد ذلك عليهم))، وقوله:{من أمر ربي} ، أي: ليس للقياس ولا للنظر فيها محل، بل هي من شأن الربوبية، لا ما يقوله بعض الناس، وأن عالم الأمر وراء العوالم، وذكر أمورا الله تعالى أعلم بها، وقد سمعت شيخنا أبا عبد الله القوري رحمه الله غير مرة يقول: اختلف في حقيقة الروح على سبعمائة قول، وذلك دليل البعد عن العلم بحقيقتها، والله أعلم، لأن الحقيقة المعلومة لا يتناولها الخلاف لبيان أمرها، والبعيدة عن الإدراك يختلف فيها على قدر بعدها، لاتساع محتملاتها أو وجوهها، ومنه اختلافهم في معنى {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة} (4) على خمسمائة قول، كذا سمعته أيضا من شيخنا (5) القوري رحمة الله عليه.
…
(1) يشير إلى من تكلم في قوله تعالى: {فإذا سويته ونفخت فيه من روحي} والنفخ والتسوية للغزالي، وهو المصنون المغير. انظر دراسة محقق كتاب المنقذ من الضلال.
(2)
الزخرف 19.
(3)
الإسراء 85.
(4)
البقرة 201.
(5)
في خ: من متن شيخنا.