الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أكثر من مائة كذبة)) (1) رواه البخاري، وقد يدعي بعضهم أن ذلك من حيز المكاشفات، ويراه من محادثة الأسرار، وما هو إلا الكهانة، فيرحم الله من قال: أطاعوا الشيطان فأطاعهم، وحصلت لهم المصادقة فسموها مكاشفة، أعاذنا الله مما ابتلاهم به بمنه وكرمه.
70 - فصل
في الاشتغال بعلوم التصريف من الحروف ونحوها
وقد أولع به كثير من الفقراء وغيرهم، ولا سيما أهل المشرق ومن قاربهم، فوقعوا في السحريات، وعملوا بالمجهولات التي بعضها إساءة أدب، وبعضها كفر أو صورة كفر، كما أشار إليه مالك رحمه الله: وما يدريك لعلها كفر.
وقد وقع ذلك لبعض الأسرى أنه كان يعزم على جان بحضرة نصراني، والنصراني يضحك منه، فقال له في ذلك، فقال: عجبت منك، تسب ربك ونبيك وأنت لا تشعر، وقد وقعت لبعض الناس على شيء من ذلك ولم يمكنني الإنكار عليه، فقلت في نفسي: صدق مالك رحمة الله عليه، ومن أجاز ذلك استند لحديث:((أعرضوا علي علي رقيكم))، ثم قال:((لا أرى بأسا)) (2) اعتبارا بأن الأصل السلامة - بعيد من أصل مالك في سد الذرائع -، وقد أنكر ابن الحاج حفائظ السنة التي يكتبونها بالبلاد في آخر جمعة من رمضان، وبالغ فيها غاية المبالغة (3)، وانتصر لها غيره، وهذا كله إن سلم من وضع أشكال سحرية أو صورة عملية (4) أو رصودات فلكية، وإلا فهو مذموم باتفاق، وقد يؤدي إلى تقطع الأسماء الكريمة، وإفساد نظم
(1) خرجه البخاري، من حديث عائشة (ض) بلفظ: ((يخطفها الجني
…
إلخ؛)) البخاري مع فتح الباري 17/ 321.
(2)
خرجه مسلم 4/ 1727، من حديث عوف بن مالك (ض)، عن النبي (ص)، ولفظه عند مسلم:((لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك)).
(3)
انظر المدخل 2/ 233.
(4)
في ت 1: أصول عملية.
حروفها، وكتبها بغير ما يحل من دم ونحوه، أو إذاية بعض الحيوانات، كالخنفطرات (1) المبنية على رماد الخطاف وغيرها، الموقوفة على دم الحمام وزرقه، وقد يكون من باب التوغل في الأسباب القادحة في التوكل، كما أشار إليه الشيخ ابن عباد في مسألة الخاتم الوبائي (2) أعني حي، حميد، حنان، حليم، إلى غير ذلك، مع أنه شغل وقت بما غالبه غير نافذ، ولا مظنون النفوذ، وربما هلك فيه مستعمله، كما اتفق لكثير من أهله، لعدم علمه، وفقد مساعدة قواه عليه، فإن الخاصية التي يقع عليها الانفعال مركبة من صفة نفسية، وحقيقة قلبية، وحركة عملية (3) كالمغناطيس للحديد، لا يجذب غيره ولا يتأخر عنه، وقد قال علماء الفن: لا ينتفع أحد به إلا عالم يعرف حقائق ما يتحرك فيه، أو جاهل يعظم في نفسه ما يتوهمه من قوته، فلذلك لا ينتفع عالم بمجهود، ولا جاهل بواضح، بل بمبهمات، قالوا:
والاختيارات الفلكية معتبرة لتقوية الهمة حتى تقع الحركة عنها.
وقد قال الشيخ محيي الدين بن عربي في بعض كتبه: علم الحروف علم شريف، إلا أنه مذموم دينيا ودنيا.
قلت: أما ديينا، فلأنه مثبط للهمة، وتعمق في الأسباب من غير وجه صحيح، وأما دنيا: فلأنه متعلق بأوهام مع توقفه على شروط معدومة، فالعمل فيه عمل في غير معمل، فمن شروطه إدراك مبادئه ذوقا ومعرفة مبانيه تحقيقا، ومعرفة مواقعه حقيقة بنظر دقيق، وذلك بعيد من النفوس، فلذلك قل من ينتفع به، إلا على يد شيخ كامل ونحوه من طريق الإعانة في باب الذكر، فاضرب عنه صفحا إن كنت عاقلا، وبالله التوفيق.
…
(1) في ت 1: كالخفطرات.
(2)
في ت 1: في خاتم الوباء.
(3)
في خ: علمية.