الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - فصل
في حقيقة البدعة وأحكامها وخواصها
.
أما حقيقة البدعة، فشرعا: إحداث أمر في الدين يشبه أن يكون منه، وليس منه، سواء كان بالصورة أو بالحقيقة، لقول رسول الله (ص):"من أحدث في أمرنا (هذا) (1)، ما ليس منه فهو رد"(2) وقوله (ص): "كل محدث بدعة، كما تقدم
…
"، وقد بين العلماء (ض) أن المعنى في الحديثين المذكورين راجع لتغيير الحكم، باعتقاد ما ليس بقربة قربة، لا مطلق الإحداث، إذ قد تتناوله الشريعة بأصولها، فيكون راجعا إليها، أو بفروعها فيكون مقيسا عليها، وقالوا: بحسب هذا فلا تكون البدعة إلا محرمة أو مكروهة، لأنها إن قويت شبهتها لا يصح أن يبلغ بها التحريم، وإن ضعفت شبهتها جدا كانت محرمة، لا سيما إن كانت في مقابلة منصوص عن الشارع، ومخالفة لأصل الملة، أو خارجة عن قواعد الأحكام الشرعية.
قال المحققون: وإنما قسمها بعضهم لأقسام الشريعة، اعتبارا بمطلق الإحداث ومن حيث اللغة، ومنه قول عمر (ض) في شأن التراويح:(نعمت البدعة هذه)(3) فسماها بدعة من حيث صورة إثباتها وإلا فهي سنة بفعل النبي (ص) ثلاث ليال من رمضان في حياته، ثابت إقامتها بقوله (ص):"وإني خشيت أن يفرض عليكم"(4) فنبه على العلة ليشعر بثبوت الحكم عند ارتفاعها، كما أثبته عمر (ض) بإجماع من الصحابة في قوله، فإن قلت: كيف تكون البدعة المكروهة ضلالة مع أن المكروه من قبيل الجائز، والنبي (ص) قد حكم على كل بدعة بأنها ضلالة، قلت: الكراهة مصروفة للعمل بها،
(1) في خ فقط.
(2)
خرجه البخاري بلفظ: "ما ليس فيه" بدل: منه، انظر البخاري مع فتح الباري 6/ 230.
(3)
قول عمر في البخاري، انظر المصدر السابق، 5/ 156، 17/ 36.
(4)
جزء من حديث النبي (ص) في صلاته القيام بالناس جماعة ثلاث ليال، ثم لم يخرج لهم في الرابعة، وقال: "لم يخف علي مكانكم ولكني خشيت أن تفرض عليكم
…
"، البخاري مع فتح الباري 5/ 158.
وإحداثها حرام (1) لأنه افتيات على الشارع، وتقدم بين يديه، وتغيير لأحكامه مع وجود شبهة منه، (ثم من شؤم البدعة وشأنها لا تزال تتسع حتى تصل إلى محرمات، فضلا عن محرم واحد)(2).
ثم من خواص البدعة ثلاثة:
أحدها: أنها لا توجد غالبا إلا مقرونة بمحرم صريح، أو آيلة إليه، أو يكون تابعا لها، ومن تأمل ذلك وجده في كل أمر قيل: إنه بدعة، لا ينخر م بحال، كما ننبه على بعضه إن شاء الله تعالى.
الثاني: أنها لا توجد غالبا إلا في الأمور المستغربة، غير المألوفة في الدين، وفي الكيفيات من المندوبات وتوابع الأعمال، وما تميل إليه النفوس وتستحسنه، كالذكر والتلاوة والصلاة والصوم، بما يدخلون عليها من الكيفيات ونحوها والسلوك والتربية ونحو ذلك فتأمله.
الثالث: أنها لا توجد غالبا إلا مسندة لوجه من الشريعة، أو معنى من الحقيقة يلتبس على قليل العلم، فيتحير أو يسلم، ويتروج على الجاهل فيظنه دينا قيما من حيث لا يعلم، وما غره بذلك إلا شبهة الأصل وتسليم من يعتقد فيه العلم والفضل، ولكن لكل شيء ميزان، يظهر به الحق من الباطل، يعرفه العالم، وينفيه الجاهل، فيكون ضالا بفعله، مضلا بدعوى الخلق إليه، غير معذور في أمره، لعدم تبصره، إذ الدين مبني على التبصر، وبالله التوفيق.
…
(1) ومن العلماء من يرى أن البدع لا تكون مكروهة، بل كلها كبائر من الذنوب، لأنها تشريع في دين الله تعالى بالزيادة أو النقص، وذلك طعن في الشريعة، فإذا لم يكن فاعل ذلك كافرا لتأوله، فلا أقل من أن يكون فعله كبيرة من الكبائر، انظر الفروق وتهذيب الفروق 4/ 224.
(2)
في ق فقط.