المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌61 - فصلفي لوازم الفقير في نفسه ولوازمه في حق شيخه وحقه علىالشيخ وحقه على الفقراء وحق الفقراء عليه على الجملة والتفصيل - عدة المريد الصادق

[زروق]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ تمهيد في التعريف بالمؤلف والكتاب

- ‌أولا - التعريف بالمؤلف

- ‌نسبه:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌طلبه للعلم:

- ‌رحلته إلى المشرق:

- ‌نزوله بمصراته:

- ‌شيوخه

- ‌مؤلفاته

- ‌ومن كتبه في الحديث والفقه:

- ‌ثانيا - الكتاب

- ‌موضوع الكتاب:

- ‌طريقة المؤلف في الانتقاد:

- ‌أهم القضايا التي تناولها الكتاب:

- ‌1 - البدع:

- ‌2 - مفهوم التصوف عند المؤلف:

- ‌3 - السماع:

- ‌4 - التشييخ وأخذ العهد:

- ‌5 - أنواع الطوائف المدعية:

- ‌6 - التبرك بالآثار والزيارات:

- ‌نسخ المخطوط

- ‌الفئة الأولى وتشمل:

- ‌ نسخة (خ)

- ‌ النسخة (ت 1)

- ‌الفئة الثانية وتشمل:

- ‌ النسخة (ت 2)

- ‌ نسخة (ق)

- ‌وصية المؤلف لمن نسخ كتابه

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌1 - فصلفي حقيقة البدعة وأحكامها وخواصها

- ‌2 - فصلفي موازين البدعة

- ‌3 - فصلفي البدعة ومجاريها

- ‌4 - فصلفي أصول ظهور مدعي التصوف في هذا الزمانبالبدع واتباع الناس لهم عليها

- ‌5 - فصلفي الأمور التي ينتفي بها إحداث البدععمن غلط فيها واتباع أهلها

- ‌6 - فصلفيما يتبع من أمور الصوفية المحققين وما يترك ويكون التابعوالتارك فيه تابعا مذهبهم المبارك من غير خروج

- ‌7 - فصلفي تحرير الطريقة، وما بنيت عليه من شريعة وحقيقة

- ‌8 - فصلفي ذكر ظهور المشايخ والمشيخةوما يتبع ذلك من طرق الاقتداء ونحوها

- ‌9 - فصلفي ذكر ما ظهر في هذه الأزمنة هن حوادث لم تسمع فيما قبل

- ‌10 - فصلالطائفة الثانية طائقة تعلقت بالأحوال

- ‌11 - فصلالطائفة الثانية من الثانية

- ‌12 - فصلالطائفة الثالثة من الثانية

- ‌14 - فصلفي ذكر أول من ظهر بطريقهم وحاله في نفسهووجه الدخول عليهم في ذلك

- ‌15 - فصلفي ذكر ما بنوا عليه طريقهم(تفصيلا وما اعتقدوه فيها ردا وقبولا)

- ‌16 - فصلفي بيان ما عرفناه من طريقهم جملة وتفصيلا

- ‌17 - فصلوأما القسم الثالث فمرجعه لعشرة أمور:

- ‌18 - فصلفي ذم فتاوى الفقهاء في هذه الطائفة

- ‌19 - فصلفي هجرانهم العلم والقرآن والصلاة على رسول الله (ص)

- ‌20 - فصلوأما هجرانهم تلاوة القرآن

- ‌21 - فصلوأما هجرانهم الصلاة على حبيب الله (ص)

- ‌22 - فصلفإن قالوا: نحن لا نهجر العلم رأسا ولا نترك التلاوة جملة ولا ندع الصلاة على رسول الله (ص) بتا

- ‌23 - فصلفي اقتصارهم على كلمة الشهادة دون تمامها إلا تبعا، والأوقاتالمعينة لها عندهم وذكر ما في ذلك

- ‌24 - فصلفي ذكر الأوقات المعدة عندهم للذكر

- ‌25 - فصلفيما أفادهم هذا الأمر من الفوائد المعتبرة،وهي خمس في الجملة:

- ‌26 - فصلفيما أفادهم مخالفة الجماعة من الأمور المضرة:

- ‌27 - فصلفي رد تعصبهم لطريقتهم واعتقادهم أن كل طريق سواه باطلأو ناقص، وهذا لا يخلو اعتبارهم له من وجوه

- ‌28 - فصلفي هجرانهم ما ورد عن الشارع من الأذكارواستبدالها بغيرها في محلها

- ‌29 - فصلفي تقييدهم في الدعاء بنوع خاص غير ثابت من الشارع وإن كان واضح المعنى صحيح المبنى

- ‌30 - فصلفي تقييدهم القراءة في الصلاة

- ‌31 - فصلفي ذكر شبههم فيما آثروه وهجروه مما تقدم ذكره

- ‌32 - فصلفيما يذكر عنهم من ترك قضاء الفوائت،وتفويت الصلاة إذا كان أحدهم في شغل الفقراء حتى يقضيه،وإن فات الوقت، وهما مصيبتان عظيمتان

- ‌33 - فصلفي استئذانهم في الواجبات والضروريات الدينيةوالدنيوية والإلزام بذلك

- ‌34 - فصلفي استئذانهم على من أتوه بالتسبيح

- ‌35 - فصلفي ذكر شبهتهم في ذلك وفيما قبله

- ‌37 - فصلفي تفويتهم العشاء إلى ما بعد صلاة العشاء في غير رمضان

- ‌38 - فصلفي دعائهم للمصافحة وكيفيتها وما يتبع ذلك

- ‌39 - فصلفيما أحدثوه من أخذ العهدوخالفوا به الحقيقة والقصد

- ‌40 - فصلفي أخذ العهد أصلا وفصلا،وكيفيته وفاء ونقصا، وما يجري في ذلك

- ‌41 - فصلفي التنبيه على الأمور المتشابهة من أحوال الجماعة المذكورة

- ‌42 - فصلفي أمور تقيدوا بها في العادات وغيرها

- ‌43 - فصلجامع لأمور شتى من وقائعهم ووقائع غيرهم على حسب التيسير

- ‌44 - فصلفي تحقيق القصد في الجواب والرد

- ‌45 - فصلفي صفة الشيخ المعتبر عند القوم جملة وتفصيلا

- ‌46 - فصلفي مستند المشيخة ودلالتها وتعرف آثارها ووجه إفادتها

- ‌47 - فصلفي العلامة التي يستدل بها المريد على حاله من الشيخ الذيقصده، أو فتح له به أنه ينتفع به

- ‌48 - فصلفي أوصاف المدعين وحركاتهم وما يجري منهم وبسببهم

- ‌49 - فصلفي الاعتقاد والانتقاد وطرق الناس فيه

- ‌50 - فصلفي أنواع المعتقدة ووجوه الاعتقاد

- ‌51 - فصلفيما يصنع من ادعيت له المشيحة وليس بأهل لها، ويخاف علىمن تعلق به أن يهلك في اتباع الجهلة، أو يتبطل جملة، لظنهمتوقف الأمر على الشيخ مع اعتقادهم فقد هذه المرتبة، وهو مماعمت به البلوى في هذه الأزمنة

- ‌52 - فصلفي بيان طريق الجادة وما احتوت عليه من فائدة ومادة

- ‌53 - فصلفيما يستعان به على سلوك طريق الجادة من العلوم والقواعدوالكتب المفيدة

- ‌54 - فصلفي العلوم النورانية والظلمانية والمتشابهة

- ‌55 - فصلفي الاكتفاء بالكتب في سلوك الطريق وعدمه، وكذا المشيخةوالتعلق بالأموات

- ‌56 - فصلفي أنواع المتعلقين بالمشايخ والمتشيخة وأنواع الطرق وذلكبحسب المتمسكين

- ‌57 - فصلفي أنواع النفوس عند المغاربة وكيفية المعاملة فيها

- ‌58 - فصلفي بيان طريق العجم، وما لهم فيها من رسوخ قدم وزلل قدم

- ‌59 - فصلفي بيان طريقة أهل اليمن وما ظهر منها وما كمن

- ‌60 - فصلفي طريق الخدمة والهمة وحفظ الحرمة

- ‌61 - فصلفي لوازم الفقير في نفسه ولوازمه في حق شيخه وحقه علىالشيخ وحقه على الفقراء وحق الفقراء عليه على الجملة والتفصيل

- ‌62 - فصلفي اعتبار النسب بالجهات والأقطار وما يعرف به رجال كل بلدمن الدلائل الخاصة والعامة، حسب ما هدى إليه الاستقراءووصلت إليه الفراسة الحكيمة

- ‌63 - فصلفي آداب مهمة على الفقير يتعين عليه مراعاتها

- ‌64 - فصلفي الأسباب الموجبة لانقلاب المريد ورجوعه على عقبه

- ‌65 - فصلفي الرخصة والشهوة والشبهة والتأويل وحال المريد في ذلكومعاملته فيه

- ‌66 - فصلفي التحصن مما ذكر من الآفات وإصلاح المختل بإدراك ما فات

- ‌67 - فصلفي ذكر أمور عمت البلوى بها في فقراء الوقت

- ‌69 - فصلوأما الكاغدية فهي فرع علوم الروحاني، ومرجعها لأحد أمرين:

- ‌70 - فصلفي الاشتغال بعلوم التصريف من الحروف ونحوها

- ‌71 - فصلفي الاشتغال بعلم المغيبات، وتحصيلها بطرق الكسبمن أحكام النجوم والفال والقرعة والسانح والبارحوعلم الكتب والرمل ونحو ذلك

- ‌72 - فصلفي طلب الاسم الأعظم والشيخ المربي بالهمة والكبريت الأحمرالذي لا يحتاج معه إلى عمل في بابه

- ‌73 - فصلفي الاغترار بكل ناعق وإيثار غير المهم

- ‌74 - فصلفي الوقوف مع الأسلوب الغريب في العلم أو في العمل أو فيالحركات أو غيرها والانقياد لكل من ظهرت عليه خارقة أو جاءبدعوى، وإن لم يكن له عليها برهان

- ‌75 - فصلفي الاستظهار بالدعوى والتعزز بالطريقة والأكل بالدين ونحو ذلك

- ‌76 - فصلفي معاملة المنتقدين والمنكرينوالمعترضين وهم على أنواع كثيرة

- ‌77 - فصلفي التظاهر بالأمور الغريبة من الشطحات والطامات وغيرها

- ‌78 - فصلفي وضع الشيء في غير محله

- ‌79 - فصلفي تتبع الفضائل وأنواع المندوبات

- ‌80 - فصلفي التكلف

- ‌81 - فصلفي أمور أولع بها بعض الناس وفيها مغمز ما

- ‌82 - فصلفي تتبع المشكلات والاستظهار بالكلام فيها مع العوام وغيرهموتعليمهم علوم التوحيد ودقائق التصوف

- ‌83 - فصلفي التجاسر على المراتب بادعائها مرة لنفسه ومرة لغيره ومرةفيما لا يصلح الدخول فيه

- ‌84 - فصلوأما ادعاء المراتب والمجاسرة عليها

- ‌85 - فصلفي التشبه وما يلحقه من الحركات وغيرها

- ‌86 - فصلفي التبرك بالآثار

- ‌87 - فصلفي بعض ما يتعلق بالتبرك والآثار من الآداب

- ‌88 - فصلفي السماع والاجتماع

- ‌89 - فصلفيما يصنع من عرض له السماعونحوه بطريق الابتلاء أو الحاجة إليه، وهي خمسة أمور

- ‌90 - فصلفي ذكر شيء من المواجيد والخواطر

- ‌91 - فصلفي الكلام على تعلقات العوام من أهل التمسك وغيرهم

- ‌92 - فصلفي ذكر الزمان وأهله وما احتوى عليه من الفساد والباطل الذيأخبر به الصادق المصدوق

- ‌93 - فصلفي افتتاح كلام لبعض المشايخ كتب به لمثله

- ‌94 - فصلثم قال رحمه الله: والزمان يا ولي، شديد، شيطانه مريد، جباره عنيد

- ‌95 - فصلثم قال: فأما هؤلاء فوالله لو اطلعت عليهم لرأيت إن نظرت إلى وجوههم عيونا جامدة

- ‌96 - فصلثم قال: ولقد لقيت بهذه البلاد من يلبس سراويل الفتيان، ويدعي مراتب العرفان

- ‌97 - فصلثم قال بعد ذلك: وأما أهل السماع والوجد في هذه البلاد، فقد اتخذوا دينهم لعبا ولهوا

- ‌98 - فصلثم قال بعد فراغه من ذكر أصوله في ذلك: فيا أيها المعترض، هذه الأصول التي استندت إليها في ذم أهل وقتي

- ‌99 - فصلثم أخذ بعد انتهاء كلامه المتقدم في محاسبة نفسه على ما هو به

- ‌100 - فصلثم قال رحمه الله: وكل من سمع من الشيوخ فهو على أحد أمرين:

- ‌101 - فصلفي مواقع البدع وأنواع المخالفات

- ‌102 - فصلفي متشابه الأمور بين البدعة وغيرها

- ‌103 - فصلفي الطهارة

- ‌104 - فصلفي الصلاة

- ‌105 - فصلومن البدع الإضافية قول المؤذن قبل الإقامة:

- ‌106 - فصلفي المواعيد والاجتماعات

- ‌107 - فصلفي أمور عمت البلوى بها في بعض البلاد

- ‌108 - فصلفي اختيارنا من عمل اليوم والليلة،وهو الوسط حسبما دلت عليه الأحاديث النبوية والآثار السلفية

- ‌109 - فصلفي أوراد الذكر

- ‌110 - فصلفي خاتمة الكتاب

- ‌الفهارس العامة

الفصل: ‌61 - فصلفي لوازم الفقير في نفسه ولوازمه في حق شيخه وحقه علىالشيخ وحقه على الفقراء وحق الفقراء عليه على الجملة والتفصيل

حرمة الربوبية بالإيمان والتقوى وقوة اليقين، ولزوم الباب لكل وجه حسب الإمكان والتيسير دون مشقة، وهو لمن وجد شيخا كاملا يربيه بحفظ حرمته معه حتى تنصبغ نفسه بذلك، فتكون معاملته للحق بعد أتم من معاملته مع الشيخ، ونفرد لتفصيل هذه الجملة فصلا وبالله التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

‌61 - فصل

في لوازم الفقير في نفسه ولوازمه في حق شيخه وحقه على

الشيخ وحقه على الفقراء وحق الفقراء عليه على الجملة والتفصيل

أما لوازمه في نفسه فهي أربعة:

أولها: لزوم الصدق في الأقوال والأفعال والأحوال، حتى يصير كله صدقا ظاهرا وباطنا، فلا تبقى له همة ولا إرادة ولا عزمة ولا قول ولا طريقة ولا حقيقة إلا دخلها من الصدق ما يحتاج إليه فيها، فيقلده الحق تعالى لذلك سيف الجلال والهيبة والتعظيم، كما أشارت إليه الآية الكريمة في قوله تعالى:{في مقعد صدق عند مليك مقتدر} (1) وقوله تعالى: {أن لهم قدم صدق عند ربهم

} (2) الآية. قال شيخنا أبو العباس الحضرمي (ض): والصدق هو سيف الحق قلده الله أرباب الحقائق، ما وضع على شيء إلا قصمه، ولا تطيق الموجودات مقابلته ولا قوته، أعني مفاجأة الحق للعبد بما يحصل من الشهود والوجود الذي يحصل من الله لعبده، وهو تجل من التجليات، وهو نوع من تجلي الحق سبحانه، والله الموفق للصواب.

الثاني: الانحياش إليه تعالى في جميع الأمور من عوارض وأغراض

(1) القمر 55.

(2)

يونس 2.

ص: 199

وأسباب وأعراض ومحن وأمراض، بل جميع ما يحتاج إليه دفعا وجلبا مما قل وجل، وهو معنى قولنا حسبنا الله، أي: اكتفينا به عن كل مطلوب سواه بكل حال، ولذلك قال أبو علي الدقاق (ض): من علامة المعرفة ألا تطلب حوائجك كلها إلا من الله تعالى: قلت أو جلت، مثل موسى (س) اشتاق إلى الرؤية فقال:{رب أرني أنظر إليك} (1) واحتاج يوما إلى رغيف، فقال:{رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} (2) انتهى.

وثمرته الظفر بالمراد، قال الله تعالى في حق الذين قالوا:{حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم} (3) فاعرف ذلك وتأمله حقه تجد الكنز الأعظم، والإكسير الأكبر، والمسك الأذفر، والعنبر الأشهب في بابه، وبالله التوفيق.

الثالث: الرضى عن الله في جميع الحالات، قياما بحق الأمر في التكليف، وبحق القهر في التعريف، وثمرته الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة لقوله تعالى:{من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} (4) قال عبد الواحد بن زيد (5)(ض): الرضى باب الله الأعظم، ومستراح العابدين، وجنة الدنيا، اتتهى وهو عجيب.

الرابع: إفراد الوجه في التوجه باتباع السنة، وشهود المنة كما تقدم تفصيله، فانظره هناك، وبالله التوفيق.

وأما لوازمه مع شيخه وحقه على الشيخ فأربعة تقابلها أربعة:

أولها: حسن القبول لما يلقيه إليه من أمر المعروف، أو حسن

(1) الأعراف 143.

(2)

القصص 24.

(3)

آل عمران 173، 174.

(4)

النحل 97.

(5)

عبد الواحد بن زيد البحري الزاهد، كان يصلي الغداة بوضوء العشاء أربعين سنة، وهو متروك الحديث (ت 177 هـ) العبر 1/ 138 وشذرات الذهب 1/ 287.

ص: 200

التخلص إن ألقى خلافه، حتى لا يعمل بمنكر ولا يستظهر بمخالفة، ويقابله كمال النصيحة، والاهتمام بالوارد والصادر من أحوالك عليه، لأنك مطروح بين يديه.

الثاني: حفظ الحرمة في الشهادة والمغيب، بأن تخدمه ولا تبالي، وتعادي لأجله وتوالي، ويقابله بذل المجهود في تحصيل المنافع العينية والغيبية، بأن لا يدخر (1) عليك مالا ولا جاها، ولا حالا ولا همة ولا غير ذلك، ليكون لك كما أنك له، فيلحظك بهمته، ويعينك بدعوته، ويؤيدك بعزمته، ولا يدع منك عورة إلا سترها، ولا خلة إلا سدها، ولا حسنة إلا عدها، إلى غير ذلك فافهم.

الثالث: حصر الأمر في جهته لكل مهم دنيا ودينا، فهو وسيلتك إلى الحضرة المحمدية، علما وعملا وحالا، وهي وسيلته إلى الله تعالى، فتمسك به بكلك، يكن لك بكله حتى يريح الحق تعالى خاطره من التهمم بك، بقضاء حاجته فيك، وهذا معنى قولنا: خاطرك، أي ليكن على بالك، لعل الحق ينظر إلى قلبك فيريحك منه، وكذا (كل)(2) شيء لله إذا قصد به الطلب، والله أعلم.

الرابع: أن تراعي أحواله معك فلا تتعدى أدبا في محله، والحالات أربعة؛ حالة يعاملك فيها بالأبوة (3) من التأديب والتدريب والتهذيب، وحقك فيها الرضى والقبول، وحالة يعاملك فيها بالأخوة من النصح والمعاضدة، وهو مقام التوبة والتقوى، وحقه عليك الثبات على العهد ولزوم العمل بالقصد، وحالة يعاملك فيها بالأبوة من الذب عن عرضك ومالك ومروءتك

(1) في ت 1: بأن لا يدخل.

(2)

في هامش النسحة خ: (لعل لفظة - كل - سقطت بين كذا وشيء وليحرر) والعبارة المشهورة عندهم قول الشيء لله كما يأتي في فصل 91 بدون لفظ كل.

(3)

لعل الصواب (بالبنوة) كما ورد في هامش النسخة خ، ولأن التمثيل بالأبوة يأتي فيما بعد.

ص: 201

ونحو ذلك، وحقه عليك في ذلك السمع والطاعة، وحالة يعاملك فيها بالمشيخة من التربية والترقية، وحقه عليك فيها ألا تكتمه شيئا من سرك، ولا تخالفه في شيء من أمرك، لأن الطبيب لا يقابل بالنظر والقياس، والله أعلم.

وأجمع ما في ذلك قول الشيخ أبي مدين (ض):

وراقب الشيخ في أحواله فعسى

يرى عليك من استحسانه أثرا

وأما حقه على الفقراء وحقهم فإسقاط الحق والكلفة مع وجود المحاسنة والألفة، فقد قال (ص): ((اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق جسن

)) (1) الحديث.

فخض أولا بالتزام التقوى، ثم الاستدراك بالتوبة عند الوقوع، ثم بمعاملة الخلق بالحسنى، ومرجع ذلك لأن تعامل الخلق بما تحب أن تعامل به أو أوفى، وتحقيقه أن تقدر نفسك في محل من تريد معاملته وبالعكس، فكل ما تريد أن يعاملك به عامله بمثله من غير تفريط ولا إفراط، ومدار ذلك على ملك النفس عند الشهوة والغضب، حتى يقع العدل في كلا الحالتين، ففي الخبر: ((ثلاث منجيات وثلاث مهلكات وثلاث درجات وثلاث كفارات، فالمنجيات: خشية الله في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والقصد في الغنى والفقر، والمهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه

)) (2) الحديث، رواه أبو نعيم وغيره، وفي

(1) خرجه الترمذي 4/ 355 من حديث أبي ذر (ض)، وقال: حسن صحيح.

(2)

عزاه الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 95 إلى الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر، وقال: فيه ابن لهيعة، ومن لا يعرف، ومن حديث أنس عزاه إلى البزار، وقال: فيه زائدة بن أبي الرقاد، وزياد النميري، وكلاهما مختلف في الاحتجاج به، والكفارات هي انتظار الصلاة بعد الصلاة، وإسباغ الوضوء في السبرات ونقل الأقدام إلى الجماعات، والدرجات: إطعام الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام، وانظر كشف الخفاء 423.

ص: 202

الصحيح (1) قال (ص): ((المؤمن كيس فطن حذر، ثلثاه تغافل، والمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم)) (2).

وقال ابن مسعود (ض): خالط الناس وزايلهم ودينك لا تكلمنه (3) ويقال: الفقير مثل الأرض يطرح عليها كل قبيح ولا يخرج منها إلا كل مليح.

وقد قال عيسى (س) للحواريين: بحق أقول لكم أين تنبت الحبة، قالوا: في الأرض، قال: فكذلك الحكمة لا تنبت إلا في قلب مثل الأرض.

قال بعض المشايخ: طريقنا هذا لا يصلح إلا لأقوام كنست بأرواحهم المزابل (4) انتهى، وهذا القدر كاف لمن وفق في باب المعاشرة، وبالله التوفيق.

(1) لا وجود له في الصحيح، وهو سهو من المؤلف.

(2)

الجزء الأول من الحديث تقدم في فصل 49، خرجه الديلمي، وفيه أبان بن أبي عياش متروك، وليس فيه:((ثلثاه تغافل))، والجزء الأخير: ((والمؤمن الذي يخالط الناس

إلخ))، خرجه ابن ماجه 2/ 1338، والترمذي 4/ 622، وأحمد في المسند 2/ 43، من حديث ابن عمر (ض)، وحسن إسناده الحافظ في فتح الباري 13/ 125.

(3)

قول ابن مسعود (ض): ذكره البخاري تعليقا بلفظ: خالط الناس ودينك لا تكلمنه، قال الحافظ في الفتح 13/ 142 وصله الطبراني في الكبير عن ابن مسعود قال: خالطوا الناس وصافوهم يما يشتهون ودينكم لا تكلمنه، وأخرجه ابن المبارك في كتاب البر والصلة من وجه آخر عن ابن مسعود بلفظ: خالطوا الناس وزايلوهم في الأعمال.

(4)

هو من كلام أبي بكر نصر بن أحمد بن نصر الدقاق الكبير، كان من أقران الجنيد، انظر الطبقات الكبرى 1/ 76.

ص: 203