الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
62 - فصل
في اعتبار النسب بالجهات والأقطار وما يعرف به رجال كل بلد
من الدلائل الخاصة والعامة، حسب ما هدى إليه الاستقراء
ووصلت إليه الفراسة الحكيمة
وهو أمر يحتاج إليه في تعريف الأصول ليعمل عليهم في الحذر طلبا للسلامة من الاغترار، وفي المعاملة خشية التضرر بالمخالفة، وليتق كل ما يغلب على بلده وجنسه من الأخلاق المذمومة، فينجو من شرها، ولا يقع فيها من حيث لا يعلم، وإن وقع فيها عرف أنه مخطئ، فلا يتوهم صوابه بمجرد هواه الذي يعينه عليه، وجود الإلف والطبيعة فافهم، وهو أمر أشار إليه الشارع (ص) بقوله فنجد (1):((الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان)) (2) وقال (ص): ((السكينة والوقار في أهل الغنم، والفخر والخيلاء في أهل الخيل، والغلظة والجفاء في الفدادين، تباع أذناب الإبل والبقر)) (3) وقال (ص): ((أسلم وغفار خير من
(1) هكذا وردت ولعل الصواب: في نجد ففي الصحيح أن الصحابة قالوا للنبي (ص): وبارك لنا في نجدنا قال: وهناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان)) البخاري رقم 995.
(2)
متفق عليه من حديث ابن عمر (ض)، انظر البخاري مع فتح الباري 16/ 155، ومسلم 4/ 2229.
(3)
جزء منه متفق عليه من حديث ابن مسعود وحديث أبي هريرة (ض)، وليس فيه:((تباع أذناب الإبل والبقر))، بل بلفظ:(((عند أصول أذناب الإبل والبقر في ربيعة ومضر)) من حديث أبي مسعود في البخاري 3307 كتاب المناقب، باب مناقب قريش)، وفي زوائد مسند البزار حديث رقم 872 ما يخالف ذكر في البقر، ففيه:((السكينة في أهل الشاء والبقر))، قال الشيخ أي الحافظ الهيثمي: أخرجته لأجل قوله والبقر، وإسناده حسن، لكن قال في المجمع: فيه كثير بن زيد، وثقه أحمد وجماعة، وفيه ضعف، مجمع الزوائد 4/ 68 و69، انظر البخاري مع فتح الباري 9/ 161 ومسلم 1/ 71 ومسند أحمد 2/ 258، والفدادون أصحاب الإبل الكثيرة أو رعاتها.
جهينة ومزينة)) (1) وفي حديث الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا، وكمل بالعابد، أن العالم قال له: اخرج من أرضك فإنها أرض سوء (2) وتكلم أحمد بن حنبل وبشر (3) في العراق بوجوه من الذم، وكذلك عبد الله، بن مسعود وغيره، وذكره الغزالي في كتاب المحبة في باب الرضى (4)، منه فانظره، وهذا كله غير ضار، لأن مقصده التحذير، فلا يكون اشتغالا بالعيوب، وليس بغيبة، لعدم انحصار العين، إذ لا غيبة في غير محصور بفهم ولا نص، لاحتمال خروجها من العموم كما نص عليه الأئمة، والله أعلم.
ثم نقول وبالله التوفيق، اعلم أن المغاربة تغلب عليهم الحقيقة (5) دون الطريقة (6)، في كل شيء، فطريقتهم في كل شيء تابعة للحقيقة غالبا، وأهل المشرق تغلب عليهم الطريقة في كل شيء، فحقيقتهم في كل شيء تابعة للطريقة غالبا، والطريقة تابعة للحقيقة أبدا لأنها نتيجتها، كما أن الحقيقة أصلها، بخلاف الطريقة، فإنها قد تكون مصحوبة بالحقيقة، وقد لا أعني من حيث صورتها، وإلا فمن حيث حقيقتها لا
(1) لم أجده بهذا اللفظ، والروايات في الصحيح وفي غيره تذكر أسلم وغفار وجهينة ومزينة في مرتبة واحدة من التفضيل على غيرها من القبائل الأخرى، منها ما جاء في صحيح مسلم رقم 2521 من حديث أبي هريرة (ض) عن النبي (ص) قال:((أسلم وغفار ومزينة وما كان من جهينة خير من بني تميم وبني عامر والحليفتين أسد وغطفان))، ومنها حديث عبد الرحمان بن عوف (ض) قال: قال رسول الله: ((قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وغفار وأشجع وسليم أوليائي ليس لهم ولي دون الله ورسوله))، رواه أبو يعلى والبزار، ورجال البزار رجال الصحيح غير عبد الملك بن محمد مختلف فيه. مجمع الزوائد 1/ 45، وانظر المسد مع الفتح الرباني وما بعدها.
(2)
الحديث في الصحيح، انظر البخاري مع فتح الباري 7/ 324.
(3)
بشر بن الحارث الحافي أبو نصر، صحب الفضيل بن عياض وكان عالما ورعا (ت 227 هـ) طبقات الصوفية 39.
(4)
انظر إحياء علوم الدين 4/ 344.
(5)
مشاهدة الربوبية، وهي إفادة العبد في محل الوصال إلى الله، الموسوعة الصوفية 721.
(6)
الطريقة يقصد بها هنا الشريعة، وانظر الموسوعة الصوفية 853.
تصح بدون حقيقة، لأنها شرط وجودها، وما وجد عريا عنها فليس بتمام في حكمه، وإن كان ظاهر صورته الكمال، فاعرف ذلك، والخارج من ذلك أن المغربي إذا ظهر بصورة حق لا يصح أن يشك في تحققه بها، ما لم يخالط المشارقة، فيتهم بما هم عليه، بخلاف المشرقي فافهم.
وأهل الجنوب يغلب عليهم الخبط والاغترار وعدم التوقف في الأمور مع شيء من اللين وخفة العقل، وقلة التذكر، وإن كانت الحقيقة أمس بقلوبهم، فالطريقة التي هي الأدب، مفقودة منهم في الغالب، والله
أعلم.
وأهل الشمال يغلب عليهم التوقف والتنكر وقلة المكر مع الجفاء والغلظة وشدة البأس وسريان الحقيقة في الحركات على وزن يقارب الطباع، ويبعد من الانطباع، فلهم إلمام بالآداب على وجه قليل في الغالب، والله أعلم.
ثم ما قرب من المغرب كان على وزنه في الوجه، وما قرب من المشرق له حكمه، ولذلك كان أهل المغرب الأقصى موسومين باستحقاق ما يعاملون به من لين أو غلظة، كما أشار إليه القرآن في قصة ذي القرنين، إذ قال تعالى:{إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا} (1).
وقيل في أهل الأندلس: إنهم أهل حمق وتناصف، وفي أهل الجبال:
أنهم أهل وبال، وأهل السواحل أهل لين وقلة دين، ويقال: المغربي كالجوزة، ظاهرها قاس وباطنها طيب، والإفريقي كالثمرة، ظاهرها لين وباطنها قاس، والمصري مثل حبة التين طيبها طيب، ولكن لا يدوم، وخبيثها لا يمكن جبره.
فأما الحجاز واليمن وما في معناهما فأسلم الناس طباعا وأحسنهم حالا، لتوسطهم بين الجميع حكما وحكمة، ولذلك كان الإيمان يمان
(1) الكهف 86.