الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث، وبالجملة فالعلم خير كله، لأنه يفيد الكمالات، والعمل الصالح يحفظها، فلا يهمله إلا جاهل، ولا يقدره على قدره إلا عاقل، نعم من خاف آفة بعد تحصيل واجب وقته وأراد الاقتصار على نفسه، فهو خير له من التوسع فيما ليس له حاصل، ولا وراءه معنى ولا طائل، لا سيما إن كان لهذا الشخص تحقق في التوجه، وإشراف على الحقيقة، فإن إفراد القلب أولى له وأتم في حاله، وهو الذي قصده المشائخ لعوام المترجمين من الجهلة والمفرطين، ثم المقتصر على نفسه لا يصلح له ذلك بشرطه إلا مع تعظيمه العلم وأهله، اعتبارا بمقصده، وبالله التوفيق.
…
20 - فصل
وأما هجرانهم تلاوة القرآن
.
فمن أسباب البغي والطغيان، ومن وجوه الباطل والهذيان، حتى لقد بلغ ببعضهم البلاء إلى أن قال: ارتفعت خاصية القرآن وفائدته بموت رسول الله (ص)، وهذا كلام يضارع الكفر، بل هو عينه لمن اعتقده، وكذلك قولهم: إنما هو لإفادة الأحكام لا لإفادة الأسرار، وإن تلاوته تشوش لأفكار، ويكفي في الرد عليهم والطعن في نحورهم قوله تعالى:{وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارة} (1)
= الوليد بن مسلم، وقال الحافظ السخاوي في المقاصد الحسنة ص 336: خرجه البيهقي في الشعب، والطبراني في الأوسط، وأبو بكر الآجري في فضل العلم
…
، والدارقطني في سننه من حديث يزيد بن عياض عن صفوان بن سليم عن سليمان بن يسار عن أبى هريرة
…
، وسنده ضعيف، قلت: ويزيد كذاب، كذبه مالك وغيره كما في التقريب، والحديث ذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية 1/ 134، وقال عن حديث ابن عباس: المتهم برفعه روح بن جناح، وقالا: هو من كلام ابن عباس، إنما رفعه روح، قصدا، أو غلطا، وقال عن حديث أبي هريرة: لا يصح عن رسول الله (ص)، وفي إحدى طرقه خلف بن يحيى، لا يشتغل بحديثه، وفيها إبراهيم بن محمد متروك، وفي الطريق الأخرى أبو الربيع السمان متروك.
(1)
الإسراء 82.
وقوله عز وجل: {يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين} (1) الآية، وقوله عز وعلا:{الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد} (2) فجعل الذكر فرع التلاوة، والهداية مسببة عنها، وكذا قوله تعالى:{الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا} (3) جعل فيها الذكر مفيدا للتأثير الحالي، والتلاوة مفيدة زيادة الإيمان، وهو أقوى، وجعل سبحانه الطمأنينة الواقعة بالذكر فرع الإيمان الذي قوته فرع التلاوة، فقال عز من قائل:{الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله} (4) الآية.
هذا هو الحق الذي لا مرية فيه، ولكن الهوى يصرف عن طريق الهدى.
وقد قال رسول الله (ص): "من ابتغى الهدى في غيره أضله الله"(5)، وإذا لم يكن كلام رب العالمين محلا للفتح والتمكين، فأي كلام أولى به وأحق في الدين (6) أهذيان المبطلين، وشقائق الملحدين، وخزغبلات اللاعبين، وتحريفات المارقين، وطرائق الخارجين عن سنن المهتدين، الذين اعتمدوا مجرد الباطل، فوقعوا في كل شر وباطل، وإذا كانت الجلود منه تقشعر والقلوب به تلين، والذكر إنما ينشأ عن ذلك، وهو فرع الخشية الدالة على صحة العلم بالله، فكيف بما يترتب على ذلك، أيصح مشروط بدون شرطه، أو نهاية بدون بداية، لكن فقد نور الإيمان، وانعدام حقائق الإيقان موجب لأكثر من هذا، {ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} (7) ويرحم الله شيخ
(1) البقرة 26.
(2)
الزمر 23.
(3)
الأنفال 2.
(4)
الرعد 28.
(5)
جزء من حديث علي (ض) تقدم في فصل 15.
(6)
انظر فيما يأتي فصل 99.
(7)
النور 40.