الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنها، ولأن تصحب جاهلا لا يرضى عن نفسه، خير لك من أن تصحب عالما يرضى عن نفسه، فأي علم لعالم يرض عن نفسه، وأي جهل لجاهل لا يرضى عن نفسه، وقال المشايخ (ض)؛ فقد حلاوة العمل من فقد إخلاصه أو فقد السنة فيه، وكل حلاوة لا تثمر أدبا فهي آيلة لوجود الاغترار ولا حقيقة لها في نفسها، فاعرف ما أشرنا إليه وتأمله تجد ما قلناه عيانا، وبالله التوفيق.
27 - فصل
في رد تعصبهم لطريقتهم واعتقادهم أن كل طريق سواه باطل
أو ناقص، وهذا لا يخلو اعتبارهم له من وجوه
.
أحدها: أن يكون عندهم نص في ذلك من الشارع، استندوا إليه، لا تصح لهم مخالفته ولا رده، وهذا باطل لفقدان ذلك، بل لفقدان صورة طريقهم في الأصل، وإن كان لبعضها مستندات تؤذن بالإباحة فلا تؤذن بالأفضلية بحال، والله أعلم.
الثاني: أن يكون ذلك قد أخذوه عن ظاهر واستنباط كسائر الأحكام، وهذا شيء لم ندركه فعليهم بيانه ببرهانه، وإلا فالدعاوى المجردة لا تقبل، وقولهم: هذا طريق التسليم مع ادعاء أفضليته لا يصح، لظهورهم بأمور تحتاج لنصوص الشارع ونحوها، فافهم.
الثالث: أن يكون معتمدهم في ذلك، اعتبار ما احتوى عليه من مقاصد وأفعال وعلوم وأحوال، وأنها ليست إلا أفضل ما علم، وقد علم عند التفصيل ما ترخصوا فيه أو شددوا، وليس بأفضل إجماعا أو قريبا من الإجماع.
الرابع: أن يكون معتمدهم في ذلك ما يجدونه من فتحهم ونورهم على زعمهم، وهذا لا يعم إدراكه (1) فلا يكون حجة، والأذواق لا تنحصر، وادعاء الأفضلية ها باطل، لا سيما وقد تكون معلولة، فلا يصح أن تكون دليلا.
(1) أي: لا يدركه كل أحد.
الخامس: تقليد مشايخهم من غير دليل واضح، ولا برهان لائح، ولا علامة فيهم، إلا ما يرونه من اتبع الدنيا، وكثرة الاتباع، وصورة ما هم عليه مما هو مخالفا لفوائد الخلق، وهذا من باب معرفة الحق بالرجال، ومن عرف الحق بالرجال أصبح في غاية الضلال، اعرف الحق تعرف أهله، وأهل الحق هم الذين أنصفوا الخلق في مراتبهم، وجعلوا الأفضلية حيث جعلها الله تعالى من كمال التقى، إذ قال تعالى:{إن أكرمكم عند الله أتقاكم} (1) وقال جل وعلا: {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن أتقى} (2) وقال (ص): "التقوى هاهنا"، وأشار إلى صدره (3)، وقال (ص) في أبي بكر:"لم يفتكم بكثرة صلاة ولا صيام، إنما فاتكم بشيء وقر في صدره"(4) فحقائق ما يقع به التفضيل مغيبة عنا إلا من حيث الدلالة، وهي غير قطعية، فلا وجه للقطع، وإنما هو الظن، وجملة الطرق غير منحصرة حتى يتميز الأفضل والفاضل، ومن ادعى ذلك فهو شغول بباطل، هذا مع أنا لا نمنع الأرجحية في النفس، لأنها التي توجب الإيثار، وعليها مبنى الاقتداء والاتباع، إذ لا سبيل في ذلك سواه، فافهم، ونستعظم ما يذكر عنهم من بعض من طعن عليهم، وسبه واستباحة عرضه وماله، وربما انتهى بعضهم لاستباحة دمه، وهو يكاد أن يكون كفرا، نسأل الله العافية بمنه وكرمه.
…
(1) الحجرات 13.
(2)
النجم 32.
(3)
جزء من حديث أبي هريرة (ض)، أوله قال رسول الله (ص): "لا تحاسدوا ولا تناجشوا
…
"، خرجه مسلم 4/ 1986.
(4)
ذكره الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء 1/ 30 بلفظ: ما فضل أبو بكر الناس بكثرة صلاة
…
إلخ، وعزاه إلى الحكيم الترمذي في نوادر الأصول من قول أبي بكر بن عبد الله المزني، وقال الحافظ العراقي: لم أجده مرفوعا، وذكر السبكي في أحاديث الإحياء التي لم يجد لها إسنادا، انظر طبقات الشافعية 4/ 145 المقاصد الحسنة 369.