الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قدر الاتباع، ولو كان على قدر المشقة لكان الإيمان والمعرفة والذكر أخفض رتبة من غيرها، وليس كذلك إجماعا، وقول (ص):"أجرك على قدر تعبك"(1) خاص في خاص لخاص، فلا يكون دليلا ولا حجة فافهم.
الثالث: إفراد الوجه ظاهرا وباطنا، فلذلك التزموا قانونا واحدا في جميع أحوالهم الشرعية والعادية، حتى قيدوا ما كان مطلقا مثل القراءة في الصلوات، وأطلقوا ما كان مقيدا مثل أذكار ما بعد الصلاة، فكان ذلك منهم ابتداعا بالتعميم وتغيير الحكم، وإن جاز فعل ذلك في وجه ما، لعلة التداوي ونحوه، فمع اتباع الحكم الأصلي، ومراعاته في العموم، فضيلة كان أو غيره، فافهم.
ولقد تحدثت مع بعض مقدمي هذه الطائفة، فقال لي كالمعتذر: لا يقبل أحد في هذه الأزمنة لعقة من عسل السنة إلا مع صبر البدعة، فأنصف، وقال شيخنا أبو العباس الخضرمي (ض): لو طفتم من أقصى بلاد المشرق إلى أقصى بلاد المغرب في طلب مريد مستقيم الإرادة ظاهرا وباطنا بكل وجه، ما وجدتموه، فكيف بالعارف الكامل، ثم قال: ما بقي إلا من حقيقته مخبطة أو مستورة بذلك، ثم لا ننكر وجودهم من حيث لا يعرفون، هذا معنى كلامه (ض) وهو ظاهر.
16 - فصل
في بيان ما عرفناه من طريقهم جملة وتفصيلا
.
وهو أقسام ثلاثة:
(1)
جاء في الصحيح، قالت عائشة (ض):"يا رسول الله، يصدر الناس بنسكين، وأصدر بنسك؟ فقال لها: "انتظري، فإذا طهرت فاخرجي إلى التنعيم، فأهلي، ثم ائتينا بمكان كذا، ولكنها على قدر نفقتك، أو نصبك"، وقال الحافظ في الفتح: ووقع في رواية الإسماعيلي: "على قدر نصبك أو على قدر تعبك"، البخاري مع فتح الباري 360/ 4
قسم يجب الوفاء به لحسنه وتحريره، وقسم يحرم الوفاء به لقبحه وتغييره، وقسم يتوقف فيه لتراجعه واشتباهه، فأما الأول فمداره على عشرة أمور:
أولها: إدمان الوضوء لأنه ينور القلب، وينور الوجه، ويحبب الملائكة، ويوسع الرزق والخلق، ويكون عده من البلاء، وسببا في حضور القلب في الصلاة، إذ الحضور فيها بقدر الحضور فيه إلى غير ذلك.
الثاني: الركوع كلما توضأ إلا أن السنة ركعتان والتحديد بأربع فيه ما فيه، وقد روى أن الله تعالى يقول:"من أحدث ولم يتوضأ فقد جفاني، ومن توضأ ولم يصل فقد جفاني، ومن توضأ وصلى ولم يدع فقد جفاني، ومن توضأ وصلى ودعاني ولم أستجب له فقد جفوته، ولست برب جاف"(1) الحديث.
الثالث: صلاة الجماعة والمواظبة عليها، لأنها العصمة من كل سوء، وقد قال رسول الله (ص):"صلاة الجمع تفضل صلاة الرجل في داره وفي سوقه بخمس وعشرين جزءا"(2) وقال: (ص)"من صلى الصبح قي جماعة لم يزل في ذمة الله حتى يمسي (3) فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء"(4) الحديث.
(1) ذكره الصغاني في الموضوعات ص 12، ونقل ذلك العجلوني في كشف الخفاء 2/ 310.
(2)
لفظ الحديث في الصحيح: "صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا
…
"، البخاري مع فتح الباري 2/ 275.
(3)
زيادة من خ: "ومن صلى العشاء في جماعة لم يزل في ذمة الله حتى يصبح"، والظاهر أنه سهو، فإن صلاة العشاء لا ذكر لها في هذا الحديث.
(4)
لفظ الحديث في صحيح مسلم 1/ 454: "من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فيدركه، فيكبه في نار جهنم"، وليس فيه ذكر صلاة العشاء، وأورد المؤلف الحديث في (مختصر النصيحة الكافية ص 5) وذكر فيه لفظ (العشاء) أيضا، ومما ذكره المؤلف هناك من فوائد المحافظة على الصبح والعشاء في الجماعة قوله: ذكر بعض العلماء عن بعض السجانين أنه كان يسأل مدة أربعين عاما من يساق إليه عن هاتين الصلاتين فلم يجد أحدا ممن دخل عنده صلاهما في تلك الليلة في جماعة، قال المؤلف: وقد سألت كثيرا ممن يقع له المصائب والدواهي فأجده مفرطا في هاتين الصلاتين، وما وجدت أحدا قط أصابته شدة أو مصيبة كبيرة ممن صلاهما، وما فاتني منهما ركعة قط إلا رأيت أثرها في يومي.
الرابع: ملازمة الأوراد من الرواتب وصلاة الليل من غير تقصير ولا فترة، وذلك من شأن الصالحين والأئمة المهتدين والعلماء العاملين، ولا يخفى ما له من المزية والفضل.
الخامس: الذكر بالغداة والعشي وآخر الليل، إلا بوجه مفيد، لقوله (ص):"واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة"(1) الحديث.
السادس: مبادرة النوم بعد العشاء بلا مهلة، للنهي عن الحديث لغير شغل بعدها، ولأنه عون على قيام الليل، والله أعلم.
السابع: توفير ما تحت اللحية وعدم حلقه لأن السنة فيه ذلك، ما لم يعتقد تحريم حلقه، فيكون هذا الاعتقاد إبتداعا كعكسه، فافهم.
الثامن: الصوم في السفر المبيح، لأن المشهور ندبه، لقوله تعالى:{وأن تصوموا خير لكم} (2)، ولأنه عند الترك غير معوض بعبادة، بخلاف القصر، وسيأتي إن شاء الله.
التاسع: عملهم على الجد دون هزل ولا شبهة، إذ لا يقولون بالسماع ولا غيره من ترهات الباطلين، وإن كانت لهم بطالة وجهالة تخصهم.
العاشر: إيثارهم العافية والأسباب والخدمة والاحترام من حيث أن ذلك محمود في الجملة، وإن كان في صور ما يتعاملون به لذلك مغمز، فالأصل معتبر، وأصل أصولهم إنما هو الذكر والأدب من غير زائد، وإنما اختلطوا في صورته حسبما يذكر بعد إن شاء الله تعالى، وبالله التوفيق.
(1) جزء من حديث أبي هريرة (ض) في الصحيح، أوله قال رسول الله (ص): "إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا
…
"، البخاري مع فتح الباري 1/ 101، والمعنى كما ذكر الحافظ في الفتح: لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية، ويترك الرفق إلا عجز وانقطع، فيغلب، وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة، فإنه من الأمور المحمودة، بل المراد منع الإفراط المؤدي إلى الملل، وكذلك المبالغة في التطوع المؤدي إلى ترك الأفضل، أ، المؤدي إلى إخراج الفرض عن وقته، كمن يغالب نفسه ويصلي الليل كله، ثم تغلبه عيناه وينام عن صلاة الفجر، والغدوة سير أول النهار، والروحة السير بعد الزوال، والدلجة سير آخر الليل.
(2)
البقرة 184.
وأما القسم الثاني فمداره على عشرة أشياء:
أولا: هجران العلم وأهله ومعاداته ومعادات أهله، وهم مختلفون في إثبات ذلك ونفيه.
الثاني: هجران تلاوة القرآن باشتراط عدمها، وعدم غيرها من الورد سوى كلمة الشهادة، وهو شيء معلوم من طريقتهم، وإن خالفه بعضهم.
الثالث: اعتماد بطلان كل طريقة سوى طريقتهم، أو نقص كل ما خالفها من طرق غيرهم من المشايخ.
الرابع: تبديل ما ورد شرعا من الأذكار في الأوقات المطلوبة فيها الذكر بغيرها، والتقييد بذكر واحد، ودعاء واحد، لا يزاد عليه ولا يعدل عنه.
الخامس: إسقاط ما ترتب من الفوائت، وإلزام الصوم لفوات الورد، ونحو ذلك.
السادس: إيقاف القراءة في الصلاة على ما يختارونه، دون تعد لغيره ولا انتقال عنه، وجعل حكم القيام لها كغيره من خدمة وغيرها.
السابع: الاستئذان في الضروريات والحاجيات، وكونه بالتسبيح في العاديات.
الثامن: طلبهم مصافحتهم وكونها بالحزام، وصلاتهم به، ووضع الجبهة على يد الشيخ عند المصافحة مع كونها بأطراف الأصابع، ونحوه.
التاسع: تأخير العشاء إلى بعد العشاء، ونحو ذلك من أسباب الحرج والخروج عن الحد في التشديد.
العاشر: المبالغة في أخذ العهد إلى حد يصير المأخوذ عليه لا مال له ولا روح، مع ما ينضاف لذلك من معادات المخالف لهم والمنكر عليهم، وسبه ولعنه واستباحة غيبته بسبب إنكاره، وهذا من أعظم العظائم وأكبر النوائب والمصائب، نسأل الله العافية.
***